Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 12, Ayat: 11-14)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { قَالُواْ يَٰأَبَانَا مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَىٰ يُوسُفَ } . دل قوله : { مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَىٰ يُوسُفَ } على أنهم قد طلبوا إخراجه من أبيهم غير مرة ؛ لأن مثل هذا الكلام لا يتكلم به مبتدأ على غير مسابقة شيء من أمثاله ، فدل أنهم قد استأذنوه في إخراجه غير مرة . { وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ } . الناصح : هو الدال على ما به نجاته ، أو الدال على كل خير ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } . كأن يعقوب صلى الله عليه وسلم خاف على نفسه - أعني : يوسف - الضيعة بتركهم حفظه ، فأمنوه على ذلك بقولهم : { وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } . وخاف عليه الضياع من جهة الجوع بتركهم حفظه أوقات الأكل فأمنوه على ذلك بقولهم : { يَرْتَعْ } أي : يأكل . وخاف قلبه أن يكلفوه أمراً يشق عليه ويشتد ، فأمنوه [ أيضاً على ذلك ] بقولهم { وَيَلْعَبْ } لأنه ليس في اللعب مشقة ولا شدة ، فخاف عليه الضياع بالوجوه التي ذكرنا ، فأمنوه على تلك الوجوه كلها حتى استنقذوه من يديه . وقوله : { يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ } . قال بعضهم : يرتع : يأكل ، ويلعب : يلهو كأنه خرج جواباً لقوله : { قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِيۤ أَن تَذْهَبُواْ بِهِ } ، قالوا له : لا تحزن عليه فإنه يرتع ويلعب ؛ على التقديم والتأخير . وقال بعضهم : يرتع : ينشط ، ويلعب : يتلهى . وقرئ بالنون : ( نرتع ونلعب ) . قال القتبي : نرتع ، أي : نأكل ؛ يقال : رتعت الإبل : إذا رعت ، وارتعتها : إذا تركتها ترعى ، ويقرأ نرتع ، بكسر العين ، والمراد منه أن نتحارس ويرعى بعضنا بعضاً ؛ أي : يحفظه ، ومنه يقال : رعاك الله ؛ أي : حفظك الله . وقوله : { يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ } قالوا : يلعب فيما يحل ويسع من نحو الاستباق وغيره ، وهو ما ذكروا : { إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا } ، واللعب في مثل هذا يحل ، وقد روي - أيضاً - في الخبر أنه قال : " لا يحل اللعب إلا في ثلاث " وفيه : " معالجة الرجل فرسه أو قوسه ، وملاعبة الرجل امرأته " ، أخبر أنه لا يحل إلا ثلاث ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِيۤ أَن تَذْهَبُواْ بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ ٱلذِّئْبُ } . قال : إني ليحزنني ، عند الواقع به والغائب عنه من النعمة التي أنعمها عليه ؛ لأنه كان نعمة عظيمة له فات النظر إليه ، فذكر الحزن على ما فات عنه ، وذكر الخوف لما خاف وقوعه في وقت يأتي وما سيقع ؛ فهذا تفسير قوله : { وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } [ البقرة : 62 ] لا يحزنون ؛ لأنه موجود للحال ، غير فائت { وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ } [ البقرة : 62 ] ، أي : لا يخافون فوته ؛ لأن خوف فوت النعمة ينقص على صاحبه النعمة ، فآمنهم على ذلك ، وهو ما ذكرنا أن الحزن يكون بالواقع للحال ، والخوف على ما سيقع ، والله أعلم . وقوله : { وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ ٱلذِّئْبُ } . قال بعض أهل التأويل : كان يعقوب - عليه السلام - رأى في المنام أن يوسف أخذه الذئب ، فمن ثمة قال : { وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ ٱلذِّئْبُ } ، لكن هذا لا يحتمل ؛ لأنّ رؤيا الأنبياء أكثرها [ صدق وحق ] ، فلا يحتمل أن رأى ذلك ثم يقول : { وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ ٱلذِّئْبُ } أو يدعه يذهب معهم ، لكنه خاف عليه أكل الذئب على ما يخاف على الصبيان في المفاوز والبراري ؛ إذ الخوف على الصبيان في المفاوز والبراري والضياع عليهم يكون بالذئب أكثر من [ أي ] وجه آخر ؛ لأنه جائز أن يفترسه سبع من السباع عند مغافصته إخوته واشتغالهم بما ذكر من الاستباق ، ولا يحتمل الضياع من الناس يأخذه واحد من بين نفر . وقال بعض أهل التأويل : إن قوله : { وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ ٱلذِّئْبُ } كناية عن بنيه ؛ أي : أخاف أن تهلكوه وتضيعوه . وقوله - عز وجل - : { قَالُواْ لَئِنْ أَكَلَهُ ٱلذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ } . أولو قوة . { إِنَّآ إِذَاً لَّخَاسِرُونَ } . تأويله - والله أعلم - : لئن أكله الذئب ونحن عصبة ؛ أي : جماعة { إِنَّآ إِذَاً لَّخَاسِرُونَ } أي : كأنا نحن سلمناه إلى الذئب ، وعرضناه للضياع ؛ هذا - والله أعلم - معنى الخسران الذي ذكروا ، وإلا لم يلحقهم الخسران إذا أكله الذئب ؛ لأنه إذا كان بهم قوة المنع فلم يمنعوه فكأنهم ضيعوه .