Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 12, Ayat: 22-29)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ } الأشد : هو اشتداد كل شيء ونهاية كل نوع في الكمال يحتمل أشده : انتهاء بلوغه أو انتهاء شبابه ، أو انتهاء عقله في التمام ؛ لا يخلو من هذه الوجوه الثلاثة . وقوله أهل التأويل : من ثماني عشرة سنة إلى أربعين ؛ لأنه به يتم ويكمل كل نوع من ذلك إلى ذلك ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً } . يحتمل قوله : حكماً : الحكم بين الناس ، والعلم : في الحكم . ويحتمل قوله : { حُكْماً } أي : أعطيناه النبوة ، { وَعِلْماً } : علم الأحاديث وتأويلها ؛ على ما تقدم ذكره . أو أن يكون إذا أعطاه الحكم أعطاه العلم ، وإذا أعطاه العلم أعطاه الحكم . وقوله - عز وجل - : { وَكَذٰلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ } . يحتمل : الإحسان في الأعمال ؛ أي : عمل أعمالا حسنة صالحة . ويحتمل : الإحسان إلى الناس ؛ أي : أحسن إليهم ، أو أحسن إلى نفسه ؛ لا يخلو من هذه الأوجه الثلاثة . أو أن يكون قوله : { وَكَذٰلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ } أي : كذلك نجزي من أحسن صحبة نعم الله وإحسانه ، وقام بشكر ذلك كذلك ؛ أي : مثل الذي جزى يوسف لا يريد أنه يجزي غيره عين ما جزى يوسف ، ولكن يجزيه جزاء الإحسان . وقوله - عز وجل - : { وَرَاوَدَتْهُ ٱلَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ } . دل قوله : { فِي بَيْتِهَا } أن البيت قد يجوز أن يضاف إلى المرأة ، وإن كان البيت في الحقيقة لزوجها ؛ على ما أضاف بيت زوجها إليها . وقوله : { وَرَاوَدَتْهُ ٱلَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ } المراودة : قيل : هي الدعوة والطلبة ، راودته ، أي : دعته إلى نفسها . وقال أهل التأويل : { وَرَاوَدَتْهُ } أي : أرادته . { وَغَلَّقَتِ ٱلأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ } . قيل : إن هذه كلمة أخذت من الكتب المتقدمة ، ليست بعربية ، ونحن لا نعرف ما أرادت بها ، لكن أهل التأويل قال بعضهم : هلم لك . وقال بعضهم : تهيأت لك . وفي بعض القراءات : ( هئت لك ) بالهمز ، ومعناه ما ذكرنا ؛ أي : تهيأت لك . ويشبه أن يكون قوله : { هَيْتَ لَكَ } : هأنا لك . { قَالَ مَعَاذَ ٱللَّهِ } . أي : أعوذ بالله وألجأ إليه . { إِنَّهُ رَبِّيۤ أَحْسَنَ مَثْوَايَ } . قال أهل التأويل : { رَبِّيۤ } أي : سيدي الذي اشتراه { أَحْسَنَ مَثْوَايَ } أي : أكرم مقامي ومكاني ؛ دليله : قوله لزوجته : { أَكْرِمِي مَثْوَاهُ } ، هذا يدل أن قوله : { أَكْرِمِي مَثْوَاهُ } أي : أحسني مثواه ، ولكن يشبه أن يكون أراد بقوله : { إِنَّهُ رَبِّيۤ أَحْسَنَ مَثْوَايَ } ربّه الذي خلقه . وقوله - عز وجل - : { إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلظَّالِمُونَ } بظلمهم وقت ظلمهم ، والمثوى : الموضع الذي يثوى فيه ، والثواء : المقام ، والثاوي : المقيم ، و { مَعَاذَ ٱللَّهِ } قيل : أعوذ بالله ، وألجأ إليه ، وأتحصن به . أو : لا يفلح الظالمون : إذا ختموا بالظلم ، وأما إذا انقعلوا عنه فقد أفلحوا . وقوله - عز وجل - : { وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلاۤ أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ } . أما ما قاله أهل التأويل إنها استقلت له { وَهَمَّ بِهَا } أي : حل سراويله ، وأمثال هذا من الخرافات ؛ فهذا كله مما لا يحل أن يقال فيه شيء من ذلك ، والدلالة على فساد ذلك من وجوه : أحدها : قوله : { هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي } ، ولو كان منه الإرادة والمراودة ، لم يكن ليقول ذلك لها ويبرئ نفسه من ذلك . والثاني : قوله : { كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ ٱلسُّوۤءَ وَٱلْفَحْشَآءَ } ، ولو كان شيء مما ذكروا من حل السراويل والجلوس بين رجليها ، لم يكن السوء مصروفاً عنه . والثالث : قوله : { ذٰلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِٱلْغَيْبِ } [ يوسف : 52 ] ، ولو كان منه ما ذكروا لقد خانه بالغيب . والرابع : قولها : { مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوۤءٍ } [ يوسف : 51 ] ، وقولها : { ٱلآنَ حَصْحَصَ ٱلْحَقُّ أَنَاْ رَاوَدْتُّهُ عَن نَّفْسِهِ } [ يوسف : 51 ] . هذا كله يدل أن ما قاله أهل التأويل فاسد ، لا يحل أن يتكلم فيه بشيء من ذلك ، وليس في ظاهر الآية شيء مما قالوا لا قليل ولا كثير ؛ إذ ليس فيه سوى أن همت به وهم بها . ثم تحتمل الآية وجوهاً عندنا : أحدها : همت به : هم عزم ، وهم بها هم خطر ، ولا صنع للعبد فيما يخطر بالقلب ، ولا مؤاخذة عليه ، وهو قول الحسن . والثاني : همت به همّ الإرادة والتمكن ، وهم بها هم دفع ، لكنه يدخل عليه قوله : { لَوْلاۤ أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ } ، لو كان همه بها هم دفع لم يكن لقوله : { لَوْلاۤ أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ } معنى ، لكنه يشبه أن يكون هم بها ، أي : هم بقتلها ، فإذا كان هم بقتلها فرأى برهان ربه فتركها لما لا يحل قتلها . والثالث : كان يهم بها لولا أن رأى برهان ربه على الشرط ؛ كان يهم بها لولا ما رأى من برهان ربه ، وهو كقوله : { وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ } [ الإسراء : 74 ] لولا ما كان من تثبيتنا إياك ، وكذلك يخرج قول إبراهيم : { بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَـٰذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُواْ يِنْطِقُونَ } [ الأنبياء : 63 ] ، أي : لو كان هو الذي ينطق لفعل هو . ثم اختلف في قوله : { لَوْلاۤ أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ } : قال بعض أهل التأويل : رأى يعقوب عاضّاً على شفتيه . وقال بعضهم : مثل له يعقوب وصور له ، فرآه عاضّاً على أصبعه . وقال بعضهم : رأى برهان ربه . [ و ] قال بعضهم : رأى آية من كتاب الله : { وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلزِّنَىٰ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً … } الآية [ الإسراء : 32 ] . هذا كله لا يدري . وأصل البرهان : الحجة ؛ أي : لولا ما رأى من حجة الله ، وإلا كان يهمّ بها ، ولكن لا ندري ما تلك الحجّة ، والله أعلم بذلك . والبرهان : هو الحجة والآية ؛ لولا أن رأى حجة ربه ، وبرهان ربه وآياته ، أو الرسالة ، ويشبه الحجّة أي : النبوة . وقوله - عز وجل - : { وَٱسْتَبَقَا ٱلْبَابَ } . قال بعضهم : استبقا الباب : استبقت هي لتغلق الأبواب ، واستبق هو ليخرج ويفر . لكن قوله : لتغلق الباب ، لا يحتمل ؛ لأن الأبواب كانت مغلقة بقوله : { وَغَلَّقَتِ ٱلأَبْوَابَ } ، ولكن استبقت هي لتحبسه وتمنعه ، واستبق هو ليخرج ويهرب . وقوله - عز وجل - : { وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ } . لما جرته لتحبسه . وقوله - عز وجل - : { وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى ٱلْبَابِ } . أي : وجدا سيدها ؛ هذا يدل أن قوله : { رَبِّيۤ أَحْسَنَ مَثْوَايَ } لم يرد به العزيز الذي اشتراه ، ولكن العزيز الذي خلقه ؛ لأنه قال : { سَيِّدَهَا } ، ولم يقل : سيدهما . وقوله - عز وجل - : { قَالَتْ مَا جَزَآءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوۤءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } . هذا يدل أن الإرادة تكون مع الفعل ؛ لأنها كانت لا تعلم إرادة ضميره ، فإذا أخبرت عما عرفت من الميل وإظهار الفعل ، وكذلك قول إخوة يوسف : { لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَىٰ أَبِينَا مِنَّا } [ يوسف : 8 ] ، وكانوا هم لا يعرفون ما في ضميره من الحبّ سوى ما ظهر لهم منه من الميل إليه وإبداء الشفقة له ، فهذا يدل على ما ذكرنا من كون الإرادة مع الفعل ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي } . أي : دعتني ، والمراودة قد ذكرنا أنها هي الدعوة ؛ كقوله : { سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ } أي : سندعوه منه ونطلبه . فإن قيل : كيف هتك سترها بقوله : { هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي } ؟ قيل : ليس فيه هتك الستر عليها ؛ بل فيه نفي العيب والطعن عن نفسه ، فالواجب على المرء أن ينفي العيب وما يشينه عن نفسه على ما فعل يوسف . وقوله - عز وجل - : { وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَآ إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ } من كذا فهو كذا ، وإن كان كذا فهو كذا من كذا . قال بعض أهل التأويل : ذلك الشاهد هو ابن عم لها رجل حليم يقال كذا . وقال بعضهم : شق القميص من دبر هو الشاهد ، وأمثاله ؛ لكن هذا لا يعلم من كان ذلك الشاهد . وقيل : صبي في المهد . وليس لنا إلى معرفة ذلك حاجة . وقوله - عز وجل - : { إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ * وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ } . هذا لأن القميص إذا كان قد من قبل فهو إنما ينقد من دفعها إياه عن نفسها ، وإذا كان القميص مقدوداً من دبر فهو إنما ينقد من جرها إياه إلى نفسها ، لا من دفعها إياه عن نفسها ؛ هذا هو الظاهر في العرف ؛ لذلك قال الشاهد : { إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ } كذا { وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ * فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ … } الآية ؛ استدل على أنه إنما تمزق من جرها إياه لا من دفعها عن نفسها ، ففيه دلالة جواز العمل بالاجتهاد ؛ لأن القميص في الغالب لا يتمزق من دبر إلا عن جر من وراء ، ولا من قبل إلا عن دفع من قدام ، لذلك دل على ما ذكرنا ، والله أعلم . وإن كان يجوز أن يكون في الحقيقة على غير ذلك ، لكن نظر إلى الغالب . وقال أبو عوسجة : قوله : { وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ } ، أي : شقت ومزقت ، ومقدود : أي : مشقوق ، من دبر : أي : من خلف ، ومن قبل : أي : من قدام ، وهو مأخوذ من القبل ، من قبل المرأة . وقوله : { وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى ٱلْبَابِ } ولم يقل : سيدهما ؛ فهذا يدل على ما ذكرناه . { لَدَى ٱلْبَابِ } . أي : عند الباب ، وهو ظاهر ؛ أي : وجدا سيدها عند الباب . وفي قوله : { إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ } فهو كذا { وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ } فهو من كذا - دلائل يستدل بها لمسائل لأصحابنا ؛ من ذلك قولهم في حانوت فيه لؤلؤ وإهاب تنازع فيه دباغ ولؤلئي ، فإنه يقضي باليد لكل واحد منهما في ذلك للؤلئي باللؤلؤ وللدباغ بالإهاب باليد ؛ يستدل بغالب الأمر وظاهر اليد ؛ على ما قضى عليها بالمراودة بتمزق القميص من دبر ، وأمثال هذا مسائل يكثر عددها يقضى [ فيها ] بالدلالة الغالبة ، وإن كان يجوز في الحقيقة على خلاف الظاهر . وقوله - عز وجل - : { فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ } . يشبه أن يكون كيدها أنها لما راودته عن نفسه وأمنته على إظهار ذلك وإفشائه عليه ، فأفشت عليه ذلك ؛ حيث أبي إجابتها ، فقالت : { مَا جَزَآءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوۤءًا } ذلك القول منها من كيدهن ، وأصل الكيد والمكر هو الأخذ على الأمن ، والله أعلم . وفي الآية دلائل لقول أصحابنا في المتاع يختلف فيه الزوجان : فإن كان من متاع الرجال فهو في يد الرجل ، وإن كان من متاع النساء فهو في يد المرأة في قول أبي يوسف ومحمد . وقوله - عز وجل - : { يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَـٰذَا } . يحتمل قوله : { أَعْرِضْ عَنْ هَـٰذَا } ، أي : عن قوله : { هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي } . ويشبه أن يكون قوله : { أَعْرِضْ عَنْ هَـٰذَا } : عن جميع ما كان بينهما ؛ أي : استر عليها ، ولا تهتك عليها سترها . وقوله - عز وجل - : { وَٱسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ } . قال ليوسف ذلك القائل : { أَعْرِضْ عَنْ هَـٰذَا } ، وقال للمرأة : { وَٱسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ ٱلْخَاطِئِينَ } ، لما ظهر عنده أنها هي التي راودته ودعته إلى نفسها . ثم اختلف في قائل هذا القول ؛ قال بعضهم : هو زوجها ؛ قال ليوسف : أعرض عن هذا ، ولا تهتك عليها سترها ، لكنهم قالوا : إنه كان قليل الغيرة . وقال بعضهم : ذلك القائل هو رجل آخر هو ابن عم لها ؛ وهذا أشبه . وقوله : { وَٱسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ } . قال بعضهم : قال هذا لها ؛ لأنهم وإن كانوا يعبدون الأصنام فإنما يعبدونها ليقربوهم إلى الله زلفى ؛ حيث قال لها : واستغفري لذنبك . وقال بعضهم من أهل التأويل : قوله : { وَٱسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ } أي : إلى زوجك حيث خنتيه ، فإن كان التأويل هذا فذلك يدل أن القائل لذلك رجل آخر ، لا زوجها . فإن كان التأويل هو الأوّل فإنه يحتمل كليهما أنهما كان ، والله أعلم .