Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 12, Ayat: 3-6)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ ٱلْقَصَصِ } . قال بعضهم : قوله : { نَقُصُّ عَلَيْكَ } ، أي : نبين عليك أحسن البيان { بِمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ } . وقال بعضهم : { نَقُصُّ عَلَيْكَ } أي : نخبرك أحسن ما في كتبهم من القصص ، وأحسن ما في كتبهم من الأنباء والأحاديث . وقوله : { أَحْسَنَ ٱلْقَصَصِ } : أصدقه ، وكذلك قوله { ٱللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ ٱلْحَدِيثِ كِتَاباً } [ الزمر : 23 ] ، وأحسن الحديث : أصدقه وأحسن القصص ؛ أي : أصدقه . وقوله - عز وجل - : { وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ } أي : وقد كنتم من قبله { لَمِنَ ٱلْغَافِلِينَ } . عن هذه الأنباء ، وعن قصصهم ؛ فهذا يدل أن الإيمان بجملة الأنبياء والرسل إيمان ، وإن لم يعرف أنفس الأنبياء وأنفس الرسل وأساميهم ؛ لأنه أخبر أنه كان غافلا عن أنبائهم ، وعن قصصهم ، ولا شك أنه كان مؤمناً بالله مخلصاً ، وبالله العصمة . وقال ابن عباس - رضي الله عنه - : أحسن القصص : كلام الرحمن . وقال مجاهد : { ٱللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ ٱلْحَدِيثِ } [ الزمر : 23 ] : كلام ربّ العالمين . وقوله : { تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ } يخرج على وجهين : أحدهما : أن يكون الذي سألوا عنه رسول الله عن قصة يوسف صيرورة بني إسرائيل بمصر ، وقد كانوا من قبل بالشام ، فقال : تلك الأنباء والقصص نجعلها آيات هذه السّورة التي هي من الكتاب المبين . أو تلك آيات حجج وبراهين لرسالة محمد صلى الله عليه وسلم إذ هي من أنباء الغيب عنهم ، فعلم الأنباء عنها بالله سبحانه وتعالى . وقوله - عز جل - : { إِذْ قَالَ يُوسُفُ لأَبِيهِ يٰأَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ } دل قوله : { إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً } إن إخوة يوسف كانوا علماء وعيون الأرض ، نجوماً يقتدى بهم ويهتدى ؛ إذ بالنجوم يقتدى في الأرض ، وبها يهتدون الطرق والمسالك . ودل قوله : { وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ } حيث - خرج على أبويه - أنه كان بهما جميع منافع الخلق ؛ إذ بهما صلاح جميع الأغذية في الأرض ، ونضج جميع الفواكه والأنزال ، وجميع المنافع التي بالناس حاجة إلى ذلك . ودل قوله : { إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ } أن الرؤيا تخرج على عين ما رأى ، وتخرج على غيره بالمعنى الذي يتصل به ؛ لأنه رأى الكواكب والشمس والقمر فخرج على إخوته وأبويه ؛ كأن المراد بالكواكب والنجوم ، غير الكواكب ، وغير الشمس والقمر ، وذلك لمعنى ، وذكر السجود وخرج على عين السجود وحقيقته ، وكذلك ما رأى إبراهيم في المنام ذبح ولده خرج الذبح على [ حقيقة الذبح ] هو ذبح الكبش ، ورأى ابنه ، وكان المراد منه الكبش ، فهذا أصل لنا أن الخطاب يخرج والمراد منه على عين ذلك الخطاب لا غير ، وقد يخرج لمعنى فيه ، فإذا اتصل ذلك المعنى بغير ، وجب ذلك الحكم . وفيه جواز الاجتهاد وطلب المعنى في المخاطبات ، وكذلك ما ظهر في الناس من تعبير الرؤيا على الاجتهاد ، يدل على جواز العمل بالاجتهاد . قال بعض أهل التأويل : إن يوسف لما قصّ رؤياه على أبيه بين يدي إخوته قال له : هذه رؤيا النهار ليست بشيء . وقال ليوسف في السرّ : إذا رأيت رؤيا بعد هذا ، فلا تقصها على إخوتك . لكن هذا كذب ؛ فلا يجوز أن يكذب رسول الله يعقوب يقول له : رؤيا النهار ليست بشيء ، ثم يعبر له في السرّ ، ولا يتوهم على نبي من أنبياء الله الكذب ، وهو كذب ، فإن كان فهو بالأمر . وقوله - عز وجل - : { يٰبُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَىٰ إِخْوَتِكَ } . دل قوله : { لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَىٰ إِخْوَتِكَ } على أن ما رأى يوسف من سجود الكواكب له ، وسجود الشمس والقمر أنه إنما كان رأى ذلك في المنام ، ويدل ما ذكر في آخره أيضاً على ذلك ، وهو قوله : { يٰأَبَتِ هَـٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ } [ يوسف : 100 ] ودل قوله : { لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَىٰ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْداً } أن يعقوب إنما عرف ذلك بالوحي ؛ حيث قطع القول في قوله : { فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْداً } ، ولم يستثن في ذلك ، وقد فعلوا به ما قال . وفيه دلالة أن إخوته قد كانوا يعرفون تعبير الرؤيا ، وكانوا علماء حكماء ؛ حيث قال : { لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَىٰ إِخْوَتِكَ } ، لأنهم لو كانوا لا يعرفون تأويلها ولا علموا تعبيرها لم يكن لينهاه عن أن يقص على إخوته ؛ لأنه لو قصها أو لم يقصها إذا لم يعلموا سواء ، وفيه دلالة أن الأخ [ لا ] يتهم في أخيه ، ويكون من الأخ الخيانة إلى أخيه ، والأب والأم يتهمان في الابن ، والولد يتهم في والديه ، ولا يكون من بعض إلى بعض خيانة في الغالب ؛ لأن يعقوب نهى ولده يوسف أن يقصها على إخوته ، وأخبر أنهم إذا علموا بذلك كادوه وحسدوه ، ولم ينهه بمثله في أمه ؛ دل أن الأخ لا يتهم في شهادة أخيه ، ويتهم الأب والأم في شهادتهما لولدهما ، وكذلك الولد يتهم في والديه ، ولهذا قال أصحابنا : إن شهادة الوالد لولده لا تقبل ، وكذلك شهادة الولد لوالديه ، وأما شهادة الأخ لأخيه تقبل وإنما كان كذلك ؛ لما ينتفع الولد بمال والديه ، والوالد بمال ولده ، ولا ينتفع الأخ بمال أخيه ، وكل من انتفع بمال آخر اتهم في شهادته له ، ولم تقبل شهادته ، وكل من لم ينتفع به قبلت ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { إِنَّ ٱلشَّيْطَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ } . ظاهر العداوة . وقال موسى حين قتل ذلك الرجل : { هَـٰذَا مِنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَانِ } [ القصص : 15 ] بدء كل شر يكون من الشيطان ، يقذف في القلوب ، ويخطر في الصدور ، ثم تكون العزيمة على ذلك والفعل من العبد ، وهو ما قال : { وَإِماَّ يَنزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيْطَٰنِ نَزْغٌ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ } [ الأعراف : 200 ] ، وقال : { إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ … } الآية [ الاعراف : 201 ] . والطيف والنزغ : هو القذف والوسوسة ، فإذا ذكر الله ذهب . وقيل : الكيد والمكر سواء ، وهو قول أبي عوسجة . وقال القتبي : الكيد : هو الاحتيال والاغتيال . وقيل : الكيد : هو أن يطلب إيصال الشر به على غير علم منه ؛ وكذلك المكر . وقوله - عز وجل - : { وَكَذٰلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ ٱلأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَىٰ ءَالِ يَعْقُوبَ كَمَآ أَتَمَّهَآ عَلَىٰ أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ } . تأويله - والله أعلم - أي : كما اجتبى ربك أبويك بالرسالة والنبوة ، واصطفاهم بأنواع الخيرات ، وأتم نعمته [ عليهم ، كذلك ليجتبيك ربك ويتم نعمته ] عليك وعلى آل يعقوب . ويحتمل قوله : { وَكَذٰلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ } أي : كما اجتباك ربك بالرؤيا التي أراك ، يفعل ذلك بك . وقوله - عز وجل - : { وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ ٱلأَحَادِيثِ } ، قيل : تعبير الرؤيا . وقال بعضهم : علمه تأويل الصحف التي كانت لإبراهيم وغيره ، وعلمه تأويل تلك الصحف والأحاديث . وقوله - عز وجل - : { وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَىٰ ءَالِ يَعْقُوبَ كَمَآ أَتَمَّهَآ } . قال بعضهم : كما أتمها على أبويك من قبل إبراهيم وإسحاق حين أراد ذبح ابنه ، فجعل مكانه كبشاً ؛ فعلى ذلك يتم نعمته عليك ، ويسجد لك إخوتك وأبويك . ثم من الناس من استدل بهذا أن الذبيح كان إسحاق ؛ لأنه ذكر إتمام نعمته على إبراهيم وإسحاق . ودل قوله : { وَعَلَىٰ ءَالِ يَعْقُوبَ } على أنه قد اجتباهم بالنبوة من بعد - أعني : أولاد يعقوب - لأن ولده من آله ، وقد أخبر أنه يجتبيهم ويتم نعمته عليهم ؛ كما فعل بأبويه : إبراهيم وإسحاق ، وكذلك روي عن الحسن أنه قال في إخوة يوسف : نبئوا بعد ما صنعوا بيوسف ما صنعوا . وقال بعضهم : تأويل الأحاديث : العلم والكلام . قال : وكان يوسف أعبر الناس ، وهو ما قال الله - تعالى - : { وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً } [ يوسف : 22 ] . وقوله - عز وجل - : { إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } بما صنع به إخوته ، أو عليم بما ذكر من التمام ، { حَكِيمٌ } : وضع كل شيء موضعه ، والله أعلم .