Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 12, Ayat: 7-10)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ } الآية . آية للسائل إذا كان السائل مسترشداَ ، وكذلك القرآن كله ، هو حجة وآية للمسترشد ، وأما المتعنت فهو آية عليه . ثم يحتمل قوله : { آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ } : السائلين الذين سألوا ؛ على ما ذكر في بعض القصة أن اليهود سألوا النبي عن أمر يوسف ونبئه ، فأخبرهم بالحق في ذلك على ما كان ، فهو آية لهم إن ثبت ذلك . ويحتمل قوله : { آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ } : السائلين الذين يسألون من بعد إلى آخر الدهر عن نبأ يوسف ، كل من سأل عن خبره ونبئه فهو آية لهم . ثم وجه جعله آية يحتمل وجوهاً : أحدها : أنه جعل قصة يوسف ونبأه [ سورة ، وتلك السورة هي آيات الكتاب ؛ على ما ذكر : { تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ ٱلْمُبِينِ } ؛ جعل قصة يوسف ونبأه ] آيات من الكتاب . ويحتمل - أيضاً - أنه جعل آية ؛ أي : حجة لنبوة رسوله ورسالته ؛ لأن قصته ونبأه كان في كتبهم بغير لسانه من غير ترجمة أحد منهم ولا تعليم ، ثم أخبرهم على ما كان في كتبهم من غير زيادة ولا نقصان دل أنه أنما علمه بالله - تعالى - لا أنه أخذه من كتبهم ، وهو ما ذكر في القصة " أن اليهود سمعوا النبي يقرأ سورة يوسف ، فقالوا : يا محمد ، من علمكها ؟ قال : " الله علمنيها " فعجبوا من قراءته إياها على ما كانت في كتبهم ؛ دل أنه إنما عرفها بالله تعالى " . ثم يحتمل أن يكون آية لمن سأل عن حجة رسالته ، أو هو آية لمن سأل عنها ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَىٰ أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ } . في الآية دلالة أن لا بأس للرجل أن يخص بعض ولده بالعطف عليه والميل إليه ، إذا كان فيه معنى ليس ذلك في غيره ؛ ولهذا قال أصحابنا : إنه لا بأس للرجل أن يخص بعض ولده بالهبة له أو الصدقة عليه إذا لم يقصد بها الجور على غيرهم من الأولاد . ثم يحتمل تخصيص يعقوب يوسف وأخاه بالحب لهما وجوهاً : أحدهما : لما رأى فيهما من الضعف في أنفسهما ، والعجز في أبدانهما ، فازدادت شفقته لهما وعطفه عليهما لذلك ، وهذا مما يكون فيما بين الخلق . أو كان ذلك منه لهما لصغرهما ، وهذا - أيضاً - معروف في الناس أن الصغار من الأولاد يكونون عندهم أحب ، وقلوبهم إليهم أميل ، وعليهم أعطف ، ولهم أرحم من الكبار منهم . أو خصهما بذلك لفضل خصوصية كانت لهما إما من جهة الدين ، أو العلم ، أو غيره ، أمره الله بذلك لذلك من دون غيرهما . أو لما بشر يعقوب بنبوة يوسف ، فكان يفضله على سائر أولاده ، ويؤثره عليهم لذلك . وإنما قالوا : { لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَىٰ أَبِينَا مِنَّا } بآثار تظهر عندهم ، وإلا حقيقة المحبة لا تعرف . وقوله - عز وجل - : { وَنَحْنُ عُصْبَةٌ } . قيل : العصبة : الجماعة . وقال بعضهم : العصبة من عشرة إلى أربعين ، والعصبة : الجماعة ، أي : نحن جماعة ولنا منعة ؛ ولهذا قال أصحابنا : إن التسعة من الإمام تكون منعة يستوجبون ما تستوجب السرية إذا دخلت دار الحرب ، فغنمت غنائم يخمس منها . وقوله : { وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } . لم يعنوا ضلال الدين ؛ إنما قالوا ذلك - والله أعلم - إنا جماعة تقدر على دفع من يروم الضرر به ، ويقصد قصد الشر بنفسه وماله ، ونحن أولو قوة ، بنا يقوم معاشه وأسبابه ، فكيف يؤثر هؤلاء علينا ؟ ! وكذلك قوله : { وَوَجَدَكَ ضَآلاًّ فَهَدَىٰ } [ الضحى : 7 ] ، لم يرد به ضلال الدين ، ولكن وجهاً آخر ، وقالوا ذلك ؛ لما كانت له منافع من أنفسهم لم تكن تلك المنافع من يوسف وأخيه ، وأبداً إنما يؤثر المرء حب من له منافع من قبله ، لا حبّ من لا منفعة له منه ، فهو فيه في ضلال مبين ؛ حيث يؤثر حب من لا منفعة له منه على حب من كانت له منه منافع وأمثاله ، والله أعلم . وقولهم : { ٱقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ ٱطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ } . لا يحتمل أن يكونوا عزموا على قتله ، ولكن على المشاورة فيما بينهم : نفعل ذا أو ذا ؛ كقوله : { وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ … } الآية [ الأنفال : 30 ] ، ليس على العزيمة على واحد ، ولكن على المشورة فيما بينهم ، يدل على ذلك قوله : { يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ } أنهم أرادوا أن يخلو وجه أبيهم لهم ، لا قتله ، إنما أرادوا غيبته عنه . وقال بعضهم : { يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ } . أي : يقبل عليكم أبوكم بوجهه . وقال بعضهم : أي : يفرغ لكم من الشغل بيوسف . وقوله - عز وجل - : { وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْماً صَالِحِينَ } . يحتمل : { صَالِحِينَ } ، أي : تائبين . وقال بعضهم : تكونوا صالحين عند أبيكم من بعده . وقال بعضهم : يصلح أمركم وحالكم عند أبيكم بعد ذهاب يوسف . وجائز أن تكونوا قوماً صالحين في الآخرة ، وقالوا : إنهم تابوا قبل أن يزلوا ويعصوا . وقوله - عز وجل - : { قَالَ قَآئِلٌ مِّنْهُمْ لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَٰبَتِ ٱلْجُبِّ } . قال أبو عوسجة : يعني : في قعر البئر ، والغيابة : ما يغيبه ويواريه ، والجب : البئر ، والجباب جمع . وقال أبو عبيدة : الغيابة : كل شيء غيب عنك شيئاً فهو غيابة . وقوله - عز وجل - : { يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ ٱلسَّيَّارَةِ } . أي : يرفعه بعض السيارة ؛ ولذلك يقال للطائر : يلتقط الحبّ ، ويلقط : أي : يرفع . { إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ } : إن كنتم لا بد فاعلين أن تغيبوه عنه . وأما قول أهل التأويل إن قوله : { لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ } قاله فلان أو فلان ، فذلك مما لا نعرفه ، وليس لنا إلى معرفة ذلك حاجة ، والله أعلم . وقال أبو عوسجة : السيارة أصلها من السير ، هو مثل المسافر ، وهي القافلة ؛ يعني : العير . وقيل : الجب : الركية التي لم تطو بالحجارة ، فإذا طويت فليس بجب .