Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 13, Ayat: 16-17)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { قُلْ مَن رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ قُلِ ٱللَّهُ } . أمره أن يسألهم : من رب السماوات والأرض ؟ ثم أمره أن يجيب هو لهم ؛ فيقول الله وهو في الظاهر دعوى ، أكثر ما في هذه الآية دعوى ، وبعضه حجاج ، وهو قوله : { لاَ يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً } ، وقوله : { خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ } لأنهم يقرون بهذا ؛ لا يخلقون كخلقه ؛ ولا يملكون دفع الضر ؛ ولا جَرّ النفع . وقوله : { قُلْ مَن رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } . { قُلِ } إنما أمره أن يسألهم من رب السماوات والأرض ، ولم يقل من ربكم فإنما [ أمره أن يسألهم ] ما لا يتجاسرون أن يقولوا الأصنام التي يعبدونها هي أرباب السماوات والأرض فلا بد أن يقروا الله رب السماوات والأرض ، فإذا أقروا بهذا أنه رب السماوات والأرض قد دخل ما في السماوات والأرض في ربوبيته ، إذ السماوات والأرض ، إنما خلقهما لأهلهما ؛ فإذا كان ربَّ السماوات والأرض - كان ربَّ ما فيهما . وقال بعضهم : { قُلْ مَن رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ قُلِ ٱللَّهُ } أمره أن يسألهم ثم يسبقهم بالإجابة ؛ لأنه هو السابق بكل خير ، وهم يجيبون له أنه رب السماوات والأرض . دليله : حرف أبي وابن مسعود وحفصة ؛ حيث قرءوا ( من رب السماوات والأرض قالوا الله ) يدل إنه أمره أن يسبقهم بالإجابة ، كما كان هو السابق على كل خير . وقوله - عز وجل - : { أَفَٱتَّخَذْتُمْ مِّن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ } . يقول - والله أعلم - إذا أقررتم أن رب السماوات والأرض هو الله ؛ وهو الإله ؛ فكيف اتخذتم من دونه هذه الأصنام آلهة أرباباً وعبدتموها أو كيف جعلتم من ليس هو رب السماوات والأرض - أولى ممن أقررتم بالعبادة له أنه ربهما ؟ والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { لاَ يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً } إذ لا يملكون نفعاً لأنفسهم ، ولا دفع الضر عنها ؛ فكيف يملكون نفع غيره أو دفع ضرّ عن غيره ؟ فعرفهم أنهم لا يملكون ذلك ؛ وأن الله هو المالك ؛ فكيف تركتم عبادة من يملك ذلك ؛ وعبدتم من لا يملك ؟ . فيخرج تأويله على وجهين : أحدهما : يقول : لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضرّاً ، فكيف اتخذتم دون الله آلهة ؟ . والثاني : لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضرّاً مع وجود الحاجة فيها ؛ فكيف تعبدون على رجاء النفع لكم بقولكم : { هَـٰؤُلاۤءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ ٱللَّهِ } [ يونس : 18 ] . وقوله : { قُلْ هَلْ يَسْتَوِي ٱلأَعْمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ } أي : تعلمون أن الأصنام التي تعبدونها أنها عمي لا تبصر شيئاً ؛ والله هو البصير ؛ فكيف تركتم عبادة من يبصر ؛ وعبدتم من لا يبصر ؟ هل يستوي ذلك ؟ أي : لا يستوي . أو يقول [ لهم ] : إنكم بعبادتكم الأصنام طمعتم شفاعتهم عند الله ؛ وهم عمي وأنتم بصراء ؛ فهل رأيتم أعمى يقود بصيراً في الشاهد ؟ أو هل رأيتم من لا يبصر يكون دليلا لبصير ؟ فإذا لم تروا ذلك ؛ فكيف طمعتم من الأصنام ذلك . وقال أهل التأويل : { قُلْ هَلْ يَسْتَوِي ٱلأَعْمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ } : الأعمى : الكافر : والبصير : المؤمن . { أَمْ هَلْ تَسْتَوِي ٱلظُّلُمَاتُ وَٱلنُّورُ } . الظلمات : الكفر ، والنور : الإيمان . ووجه قولهم ؛ حيث شبهوا الكفر بالظلمة ، والإيمان بالنور ؛ لأن الظلمة تحجب وتستر كل شيء ، والنور يرفع ذلك الحجاب وذلك الستر ؛ فالإيمان له دلائل وحجج ؛ ترفع تلك الحجب والستر ؛ فينور له كل شيء . والكفر ليس له حجج ودلائل ترفع ذلك ؛ فهو ظلمة لم يضيء له شيئاً ، والإيمان نور ؛ حيث أضاء له ، ونور كل شيء له بالدلائل والحجج التي ذكرنا . فصار الكافر كالأعمى لا يبصر شيئاً ؛ لأنه في الظلمة ، والمؤمن كالبصير ؛ لأن معه الدلائل والحجج . وقوله - عز وجل - : { أَمْ جَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ } . أي : بل جعلوا لله شركاء في العبادة ؛ بعد ما علموا أنهم لا يملكون لهم نفعاً إن عبدوها ولا ضرّاً إن تركوا العبادة لها . وقوله : { خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ ٱلْخَلْقُ عَلَيْهِمْ } . أي : خلق هؤلاء الأصنام ؛ التي عبدوها وأشركوها في ألوهيته ؛ كخلق الله ؛ فتشابه عليهم خلقه من خلق الأصنام ؛ أي : عرفوا أنها لم تخلق شيئاً كما خلق الله ؛ فكيف أشركوا هذه الأصنام في عبادة الله وألوهيته ؛ وهم كأنهم قد أقروا أن الله هو خالق كل شيء ؟ وهذا ينقض على المعتزلة قولهم ؛ حيث قالوا : إن الله لم يخلق أفعال العباد ولا يقدر على خلقها ؛ فإذا كان الله لم يخلقها ؛ فهم خلقوها - على زعمهم - فيكون موضع تشابه الخلق عليهم - على قولهم - فيدل على بطلان قولهم وفساد مذهبهم . والله الموفق . وقوله - عز وجل - : { قُلِ ٱللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ } في السماوات والأرض { وَهُوَ ٱلْوَاحِدُ ٱلْقَهَّارُ } . أي : كل شيء دونه تحت قدرته وقهره وسلطانه ، والأصنام التي تبعدونها مقهورة مغلوبة . وقوله - عز وجل - : { أَنَزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَٱحْتَمَلَ ٱلسَّيْلُ زَبَداً رَّابِياً … } إلى آخر ما ذكر من الأمثال ؛ إلى قوله { كَذٰلِكَ يَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلْحَقَّ وَٱلْبَاطِلَ فَأَمَّا ٱلزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَآءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي ٱلأَرْضِ } . قال بعض أهل التأويل : هذا مثل ضربه الله لليقين والشك ؛ فاحتملت منه القلوب على قدر يقينها وشكها : فأمّا الشك فلا ينفع منه عمل ، وأما اليقين فينفع الله به أهله ، وهو قوله : { فَأَمَّا ٱلزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَآءً } [ وهو الشك ] ، { وَأَمَّا مَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي ٱلأَرْضِ } وهو اليقين ، وكما يجعل الحلي في النار فيؤخذ خالصه ويترك خبيثه في النار ؛ كذلك يقبل الله اليقين ويترك الشك ؛ وهو قول ابن عباس رضي الله عنه . وقال قتادة : قوله : { أَنَزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا } الصغير بصغره والكبير بكبره . { فَٱحْتَمَلَ ٱلسَّيْلُ زَبَداً رَّابِياً } يقول : رابيا { وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي ٱلنَّارِ ٱبْتِغَآءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ كَذٰلِكَ يَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلْحَقَّ وَٱلْبَاطِلَ فَأَمَّا ٱلزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَآءً } والجفاء : ما يتعلق بالشجر من الزبد ، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض ؛ فضرب المثل للحق والباطل . يقول - والله أعلم - كما اضمحل هذا الزبد ؛ الذي ظهر فوق الماء ؛ فصار جفاء لا ينتفع به ولا ترجى بركته ، كذلك يضمحل الباطل عن أهله ؛ كما اضمحل هذا الزبد ؛ وكما مكث هذا الماء في الأرض ، وقر قرارها فأمرعت ورجيت بركته كذلك ، وأخرجت له نباتها ؛ كذلك يبقى الحق لأهله ؛ كما بقي هذا الماء في الأرض . { وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي ٱلنَّارِ ٱبْتِغَآءَ حِلْيَةٍ } يقول : يبقى خالص هذا الذهب والفضة حين أدخل في النار ؛ وذهب خبثه ؛ كذلك يبقى الحق لأهله . { أَوْ مَتَاعٍ } يعني هذا الحديد والصفر الذي ينتفع به ؛ وفيه منافع ؛ يقول : ما بقي خالص هذا الحديد وهذا الصفر ؛ حين أدخل النار وذهب خبثه ؛ كذلك يبقى الحق لأهله كما بقي خالصهما . وقال الكلبي : قوله : { نَزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً } وهو القرآن ؛ فاحتمله القلوب بأهوائها ؛ ذو اليقين على قدر يقينه ، وذو الشك على قدر شكه ؛ فاحتملت الأهواء باطلا كثيراً وجفاء : فالماء هو الحق ، والأودية هي القلوب ، والسيل الأهواء ، والزبد الباطل ، والحق المتاع والحلية . قال : { كَذٰلِكَ يَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلْحَقَّ وَٱلْبَاطِلَ فَأَمَّا ٱلزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَآءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي ٱلأَرْضِ } فالزبد وخبث الحديد وخبث المتاع : هو الباطل ؛ من أصاب من هذا شيئاً لم ينتفع به ، فكذلك الباطل يوم القيامة لا ينتفع بباطله . وأمّا الحلية والماء والمتاع : فهو الحق ؛ من أصاب شيئاً منه انتفع به ، وكذلك صاحب الحق يوم القيامة ينتفع بالحق . أما الحلية : فالذهب والفضة ، وأما المتاع : فالصفر والحديد والرصاص والنحاس ، ونحوه ، ليس شيء من هذا ينتفع به حتى يدخل النار ؛ فيميز صفوه من خبثه . وقال الحسين بن واقد : وهو قول مقاتل ؛ ضرب الله مثل الكفر والإيمان ؛ ومثل الحق والباطل ، فقال : { أَنَزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا } ، سال الوادي الكبير على قدر كبره ؛ والصغير على قدر صغره ؛ فاحتمل السيل زبداً رابياً أي : عالياً ، ثم قال : { وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي ٱلنَّارِ ٱبْتِغَآءَ حِلْيَةٍ } ؛ الذهب والفضة ، ثم قال : { أَوْ مَتَاعٍ } الشَّبَهُ والحديد والصفر والرصاص ، { زَبَدٌ مِّثْلُهُ } أي : للسيل زبد مثله لا ينتفع به ؛ [ والماء ينتفع به ] ، وللحلي والمتاع أيضاً زبد مثل زبد السيل ؛ إذا أدخل النار ؛ وهو خبثه لا ينتفع به والحلي والمتاع ما خلص منهما ينتفع به فمثل الأودية مثل القلوب ومثل السيل مثل الأهواء ومثل الماء والحلي والمتاع الذي ينتفع به مثل [ الحق ، ومثل زبد الماء وخبث الحلي والمتاع الذي لا ينتفع به مثل ] الباطل فكما ينتفع بالماء وما خلص من الحلي والمتاع الذي ينتفع به أهله في الدنيا ؛ فكذلك الحق ينفع أهله في الآخرة ؛ وكما لا ينفع الزبد ؛ وخبث الحلي ؛ وخبث المتاع أهله في الدنيا ؛ فكذلك الباطل لا ينفع أهله في الآخرة { كَذٰلِكَ } أي : هكذا يضرب الله الأمثال ، أي : يبين الله ما ذكر من مثل الحق والباطل ، { فَأَمَّا ٱلزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَآءً } قال : يعني يابساً ؛ فلا ينتفع به ، { وَأَمَّا مَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ } من الماء ؛ { فَيَمْكُثُ فِي ٱلأَرْضِ } فيسقون ويزرعون عليه ويتنفعون به . فهذه ثلاثة أمثال ضربها الله في مثل واحد ؛ يقول : هكذا يبين الله الأمثال والأشباه { لِلَّذِينَ ٱسْتَجَابُواْ لِرَبِّهِمُ } أي : أجابوا { لِرَبِّهِمُ } في الدنيا ؛ بالإيمان والتوحيد { ٱلْحُسْنَىٰ } لهم ؛ وهي الجنة في الآخرة . ضرب الله مثل الإيمان والحق ؛ ووصفهما بالثبات والقرار والطيب ؛ بالأرض الطيبة مرة ؛ وشجرة طيبة ثانياً ، وضرب مثل الكفر والباطل ؛ بالأرض الخبيثة ؛ والشجرة الخبيثة ، ووصفهما بالخبث والذهاب ؛ فقال : { ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي ٱلسَّمَآءِ * تُؤْتِيۤ أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ … } [ إبراهيم : 24 - 25 ] وقال : { وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ ٱجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ ٱلأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ } [ أبراهيم : 26 ] وقال : { وَٱلْبَلَدُ ٱلطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ … } الآية [ الأعراف : 58 ] وضرب مثل المؤمن مرة بالبصير والسميع ، ومثل الكافر بالأعمى والأصم ؛ فقال : { مَثَلُ ٱلْفَرِيقَيْنِ كَٱلأَعْمَىٰ وَٱلأَصَمِّ وَٱلْبَصِيرِ وَٱلسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً } [ هود : 24 ] وضرب مثل الكفر ؛ مرة بالظلمات ؛ ومرة بالرماد والموت ، ومثل الإيمان بالنور والضياء والحياة ؛ ونحوه . فهذه الأمثال التي ضرب الله - عز وجل - تخرج كلها مخرج الدعوى في الظاهر ؛ إذ ليس فيها بيان الحق منها ؛ وبيان المحق من غير المحق ؛ سوى أن فيها : هل يستوي ذا مع ذا ؟ لا يستوى على ما ذكر ، وهل يستوي الطيب والخبيث ؛ أو البصير والسميع [ أو ] الأصم والأعمى ؛ أو الميت [ و ] الحي ؛ أو الظلمات والنور ؟ وأمثاله ، هذا كله غير مستوٍ . وكل أهل الأديان وإن - اختلفت مذاهبهم - يقول كل : أنا الذي عليه هو الحق ؛ والباطل هو الذي عليه غيري ، وينفي كل عن نفسه العمى والصمم ؛ وكونه في ظلمة ؛ ويدعي كونه في النور ؛ ونحوه . فليس في نفس الأمثال التي ضربت بيان الحق من الباطل والمحق من غيره ؛ فذلك يعرف بغيرها بالدلائل والحجج والبراهين ؛ وهو ما ذكر { وَتِلْكَ ٱلأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ … } الآية [ العنكبوت : 43 ] فبالدلائل والحجج والبراهين يعرف الحق من الباطل والمحق من غير المحق ؛ فللإيمان والحق دلائل وحجج ويعرف ذوو العقول - بالعقول - حسنه وطيبه ، وما يعقب من ثمرته ، ويبين قبح الكفر والباطل لذوي العقول بالعقول ، واستخباثهم الباطل ؛ وما يعقبه لأهله من الخبث والقبح والشرّ . وقال القتبي : { زَبَداً رَّابِياً } أي : عالياً على الماء { ٱبْتِغَآءَ حِلْيَةٍ } أي : حلي أو متاع آنية يعني من فِلزّ الأرض وجواهرها ؛ مثل الرصاص والحديد ؛ ونحوه ، والذهب والفضة ؛ حيث تعلوها - إذا أذيبت - مثل زبد الماء . والجُفاء ما رمى به الوادي إلى جنباته ؛ يقال : أجفأت القدر بِزَبدها : إذا ألقت زبدها عنها . وقال أبو عوسجة : { رَّابِياً } : أي : مرتفعاً فوق ظهر الماء ؛ وهو واحد ، ويقال : زبد الماء : إذا صار له زبد { ٱبْتِغَآءَ حِلْيَةٍ } هو من الحلي ؛ من الذهب والفضة ؛ مما يتحلى به ؛ { فَيَذْهَبُ جُفَآءً } أي : باطلا لا ينتفع به ، وأما الجفاء : فهو إظهار التهاون بالإنسان ؛ وقلة الاكتراث له ؛ والاستخفاف به . وقال : الجفاء هو الغثاء ، ويقال : قد أجفأ الوادي : إذا علاه ذلك ثم جرى به الماء . قال أبو عوسجة : والغثاء - عندي - : ما حمله السيل ؛ من العيدان والبعر ؛ وما يشبه ذلك . وقال القتبي : قوله : { فَجَعَلَهُ غُثَآءً أَحْوَىٰ } [ الأعلى : 5 ] أي : يبساً . قال أبو عبيد : الجفاء الجمود ، ويذهب إلى أن الزبد يجمد ويجتمع على الماء ، ثم يذهب بمائها . وقال الفراء يذهب جُفاء : أي : يذهب سريعاً كما جاء . وقال الشيخ - رحمه الله - : ويشبه أن يكون المثل الذي ضرب بالماء هو للدين وهو أن الدين الحق الذي أنزل من السماء واحد ؛ لكن الناس اتخذوا أدياناً متفرقة ، ومذاهب مختلفة ؛ كقوله : { وَأَنَّ هَـٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَٱتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ } [ الأنعام : 153 ] فالدين الذي أمر بسلوكه واتباعه واحد ؛ وهو كالماء الذي أنزل من السماء واحد صاف ؛ وهو الأصل ؛ فحذف منه أشياء لا يعبأ به ولا يكترث ؛ فعلى ذلك السبل . أو أن يكون وجه ضرب مثله بالماء ؛ وهو أن الماء إذا أنزل من السماء أنزل [ طيباً عذباً ] ، لكن اختلف ألوانه وطعومه باختلاف جواهر الأرض ؛ بعضه خرج مالحاً أجاجاً ، وبعضه مرّاً لا ينتفع به ؛ وبعضه عذب ، وذلك على اختلاف جواهر الأرض ، وإلا كان المنزّل من السماء كله عذب طيب ؛ فالذي ينتفع به واحد ؛ وهو العذب . فعلى ذلك الدين الذي ينتفع به - واحد ؛ والبواقي لا ينتفع بها كالمياه المرة والمالحة ، أو يكون غير هذا ؛ ونحن لا نعرفه والله أعلم .