Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 13, Ayat: 18-25)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { لِلَّذِينَ ٱسْتَجَابُواْ لِرَبِّهِمُ ٱلْحُسْنَىٰ } أي : أجابوا ربهم فيما دعاهم إليه ، وإنما دعاهم إلى السبب الذي يوجب لهم دار السلام وهي الجنة بقوله : [ { وَٱللَّهُ يَدْعُوۤاْ إِلَىٰ دَارِ ٱلسَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } [ يونس : 25 ] دعاهم إلى دار السلام ومكن لهم من الإجابة له والرد ، فمن أجابه فيما دعاه كان له دار السلام ] ، والحسنى الذي ذكر ، ومن رد دعاءه كان له النار ودار الهوان ؛ فأيهما اختار ، فله الموعود الذي وعد ؛ إن اختار إجابته إلى ما دعاه ؛ فله النعيم الدائم الذي وعد ودار السلام ؛ وإن اختار الرد وترك الإجابة ، فله ما وعد من العذاب الدائم والهوان . والأمثال التي ذكر أنها { لِلَّذِينَ ٱسْتَجَابُواْ لِرَبِّهِمُ ٱلْحُسْنَىٰ } هو هكذا للمؤمنين ؛ لأنهم هم المنتفعون بها ، وكذلك ما ذكر من القرآن أنه هدى ورحمة للمؤمنين ، وأمّا على أهل الكفر ؛ فهو عمى وضلال . وكذلك قوله : { وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ } [ التوبة : 14 ] وأمّا قلوب الكفرة فما ذكر : { فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَىٰ رِجْسِهِمْ } [ التوبة : 125 ] و { فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ ٱللَّهُ مَرَضاً } [ البقرة : 10 ] وأمثاله . وقوله - عز وجل - : { لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَّا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْاْ بِهِ } . أي : ضِعْفه معه ؛ لافتدوا به ، يذكر هذا - والله أعلم - أن الذي كان يمنعهم عن الإجابة إلى ما دعاهم إليه - رغبتهم في هذه الدنيا ؛ وميلهم إليها ؛ يتمنون - لما يحل فيهم من العذاب والشدائد - أن يكون لهم ما في الأرض جميعاً أن يفتدوا به . { أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ سُوۤءُ ٱلْحِسَابِ } . أي : يحاسبون حساباً يسوءهم ؛ لأن حسناتهم التي عملوها وطمعوا الإنتفاع بها - لم تنفعهم بل صارت كالسراب الذي ذكر : { يَحْسَبُهُ ٱلظَّمْآنُ مَآءً حَتَّىٰ إِذَا جَآءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً } [ النور : 39 ] ولم يتجاوز عن سيئاتهم { وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ } أي : الذي يأوون إليه ؛ هو جهنم وبئس المهاد ؛ لما يسوءهم ذلك والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ ٱلْحَقُّ } أي : من يعلم الحق حقّاً كمن هو يعمى عنه ولا يعلم ؟ أو من يعلم الحقّ أنه حق ؛ كمن يعلمه باطلاً ؟ ليسا بسواء ؛ كقوله : { هَلْ يَسْتَوِي ٱلَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } [ الزمر : 9 ] . وقوله - عز وجل - : { إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ } . [ أي ] إنما يتذكر - بالتذكير أولو الألباب وذوو العقول ؛ الذين ينتفعون بعقولهم ولُبّهم . ثم بين من هم فقال : { ٱلَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ ٱللَّهِ } . يحتمل عهد الله عهد خلقه ؛ يوفون بما في خلقتهم [ من العهد ] ؛ إذ في خلقة كل أحد - دلالة وحدانيته ، وشهادة ألوهيته ؛ فوفوا ذلك العهد . ويحتمل : عهد الله ما جرى على ألسن الرسل ، وقد ذكرنا هذا فيما تقدم ؛ وهو ما ذكر في آية أخرى : { وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ ٱلنَّبِيِّيْنَ … } الآية [ آل عمران : 81 ] { وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ } الآية [ آل عمران : 187 ] . { وَلاَ يَنقُضُونَ ٱلْمِيثَاقَ } . العهد والميثاق واحد ، وسمي العهد ميثاقاً ؛ لأنه يوثق المرء ، ويمنعه عن الاشتغال بغيره . والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَٱلَّذِينَ يَصِلُونَ مَآ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ } الصلات التي أمر الله بها أن توصل على جهات ومراتب : أما ما بينه وبين المؤمنين : ألاَّ يحب لهم إلا ما يحب ولا يصحبهم إلا بما يحب هو أن يصحب ، وأما فيما بينه وبين محارمه : أن يؤوي ويحفظ الحقوق التي جعل الله لبعضهم على بعض ؛ ولا يضيعها . وأما فيما بينه وبين الرسل : فهو أن من حقهم أن يوصل الإيمان بالنبيين جميعاً ؛ والكتب كلها . هذا والله أعلم الصلة التي أمر الله أن يوصل بها . { وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ } إما في التقصير فيما أمر أن يوصل ، وإما بالتفريط في ذلك ، وترك الصلة . { وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ } أي : شدة الحساب ؛ حين لم تنفعهم حسناتهم ؛ ولا يتجاوز عن شيء من سيئاتهم ؛ فذلك يسوءهم . والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَالَّذِينَ صَبَرُواْ } قد ذكرنا فيما تقدم أن الصبر : هو كف النفس وحبسها عما تهواه ؛ على ما تكره ويثقل عليها . ثم يحتمل كفها وحبسها عن الجذع في المصائب ، وعلى أداء ما افترض الله عليهم وأمرهم بها ، أو كفوا أنفسهم وحبسوها عن المعاصي ، يكون الصبر على الوجوه الثلاثة التي ذكرنا . والله أعلم . [ وقوله : { ٱبْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ } يحتمل وجهين . يحتمل : ابتغاء رضوان الله . ويحتمل : ابتغاء وجه يكون لهم عند الله ] ، وهو المنزلة والرفعة ، ولذلك سمي الرفيع وذو المنزلة : وجيهاً كقوله : { وَجِيهاً فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ } [ آل عمران : 45 ] أي : ذو منزلة ورفعة في الدنيا والآخرة . وعلى ذلك يخرج قوله : { فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ ٱللَّهِ } [ البقرة : 115 ] أي : ثمَّ الجهة التي أمر الله أن يتوجه إليها ، فعلى ذلك هذا { صَبَرُواْ ٱبْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ } أي : ابتغاء المنزلة والرفعة التي عند ربهم ؛ أو ابتغاء رضوان الله ومرضاته والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ } . أي : داموا على إقامتها ؛ ليس أنهم أقاموا مرة ثم تركوها ؛ ولكن داموا على إقامتها ، وعلى ذلك قوله : { أَقِيمُواْ ٱلصَّلاةَ } [ الأنعام : 72 ] أي : دوموا على إقامتها . ويحتمل قوله : { وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ } أي : جعلوها قائمة أبداً . وقوله - عز وجل - : { وَأَنْفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً } . يحتمل كل نفقة : الصدقة والزكاة وما ينفق على عياله وولده ، { سِرّاً وَعَلاَنِيَةً } أي : ينفق في كل وقت ؛ سرّاً من الناس وعلانية منهم أي : ينفق على جهل من الناس ؛ وعلى علم منهم ؛ ينفقون على كل حال ؛ لا يمنعهم علم الناس بذلك عن الإنفاق ، بعد أن يكون ابتغاء وجه ربهم . وقوله - عز وجل - : { وَيَدْرَءُونَ بِٱلْحَسَنَةِ ٱلسَّيِّئَةَ } . أي : يدفعون بالحسنة السيئة ، ثم يحتمل وجهين : أحدهما : يدفعون بالإحسان إليهم العداوة التي كانت بينهم ؛ كقوله : { ٱدْفَعْ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا ٱلَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ … } الآية [ فصلت : 34 ] . والثاني : يدرءون الإساءة التي كانت لهم إليهم بالخير إليهم والمعروف ، ولا يكافئون بالسيئ السيئ ؛ وبالشر الشر ؛ ولكن يدفعون بالخير . وقال بعضهم : في قوله : { وَيَدْرَءُونَ بِٱلْحَسَنَةِ ٱلسَّيِّئَةَ } أي : إذا سُفه عليهم حلموا ، والسفه سيئة ؛ والحلم حسنة . { أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عُقْبَىٰ ٱلدَّارِ } . أي : عقبى أولئك الذين صبروا ؛ على ما ذكر ؛ من وفاء العهد والصلة التي أمروا بها أن يصلوا ؛ والصبر على أداء ما أمر به وافترض عليهم ؛ والانتهاء عما نهى عنه - الدار التي دعاهم إليها بقوله : { وَٱللَّهُ يَدْعُوۤاْ إِلَىٰ دَارِ ٱلسَّلاَمِ } [ يونس : 25 ] . والثاني : { أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عُقْبَىٰ ٱلدَّارِ } أي : عقبى حسناتهم دار الجنة ، وأولئك لهم عقبى هذه الدار الجنة ، أو عاقبتهم دار الجنة . ثم نَعَتَ تلك الدار ؛ فقال : { جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا } . عدن : قال أهل التأويل : عدن : هو بطان الجنة ؛ وهو وسطها ، وقال بعضهم : عدن هو الإقامة ؛ أي : جنات يقيمون فيها ؛ يقال : عدن : أي : أقام . وقوله : - عز وجل - : { وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ } . فإن قيل : كيف خص بالذكر الآباء والأزواج والذرية ؛ وهم قد دخلوا في قوله : { ٱلَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ ٱللَّهِ } وفي قوله : { يَصِلُونَ مَآ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ } { وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ٱبْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ } فما معنى تخصيصهم بالذكر ؟ هذا يحتمل وجوهاً : أحدها : أنهم أسلموا ؛ فاخترموا ؛ أي : ماتوا كما أسلموا ؛ ولم يكن لهم مما ذكر من الخيرات والحسنات ؛ فأخبر أن هؤلاء [ يدخلونها - أيضا - ] ويلحقون بأولئك . والثاني : لم يبلغوا الدرجة التي بلغ أولئك ؛ فأخبر - عز وجل - أنه يبلغهم درجة أولئك ويلحقهم به ؛ كقوله : { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ … } الآية [ الطور : 21 ] يضم بعضهم إلى بعض في الآخرة كما كانوا في الدنيا ، يضم كل ذي قرين في الدنيا قرينه إليه في الآخرة . وفي قوله : { وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ } وما ذكر دلالة أن صلاح غيره وإن قرب منه لا ينفعه ؛ حتى يكون في نفسه صلاح ، حيث قال : { وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ … } إلى آخر ما ذكر ؛ وهو ما قال لنوح : { إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ } [ هود : 46 ] دل هذا أن صلاح والده أو قريبه لا يجدي له نفعاً في الآخرة والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ } . هذا يحتمل أن يكون لمقامهم ومنازلهم أبواب ؛ فيدخل عليهم من كل باب ملك . والثاني : يحتمل أن [ يكون ] يأتي كل ملك بتحفة [ غير التحفة ] التي أتى بها الآخر على اختلاف خيراتهم وقدر أعمالهم . { مِّن كُلِّ بَابٍ } أي : من كل نوع من التحف . وفيه وجهان : أحدهما : أن الملائكة يكونون خدم أهل الجنة ، وفي ذلك تفضيل [ البشر ] عليهم . أو أن يكون على حق المصاحبة ؛ لما أحبوا هم أهل الخير من البشر في الدنيا ؛ لخيرهم ؛ فجعل الله بينهم الرفقة ، والصحبة في الآخرة والله أعلم بذلك . وقوله - عز وجل - : { سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ } كقوله : { تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ } [ إبراهيم : 23 ] . وقوله - عز وجل - : { فَنِعْمَ عُقْبَىٰ ٱلدَّارِ } هو ما ذكرنا في قوله أولئك لهم عقبى الدار . وقوله - عز وجل - : { وَٱلَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ ٱللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ } العهد قد ذكرناه في غير موضع ، وكذلك النقض . وقوله - عز وجل - : { وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي ٱلأَرْضِ } . كل حرف من هذه الحروف يقتضي معنى الحرف الآخر ؛ إذا نقضوا العهد ، والميثاق : قد قطعوا ما أمر الله به أن يوصل ؛ وسعوا في الأرض بالفساد ، وإذا قطعوا ما أمر الله به أن يوصل : نقضوا العهد ؛ وسعوا في الأرض بالفساد ؛ إلا أن يقال : إن نقض العهد يكون بالاعتقاد ؛ وذلك يكون [ بينهم وبين ربهم ] ، وكذلك قطع ما أمر الله به أن يوصل إذا كان الأمر الذي أمر به صلة الإيمان بالنبيين والكتب جميعاً ؛ فإن كان صلة الأرحام ؛ فهو فعل ؛ والسعي في الأرض بالفساد فعل أيضاً ؛ من زناً أو سرقة أو قطع الطريق ، وغير ذلك من المعاصي [ ما كان ، فهو الإفساد في الأرض والله أعلم . والإفساد في الأرض يحتمل : منعهم الناس [ من ] الإيمان به وتصديقه أو غيره من المعاصي ] أو قطع الطريق . وقوله - عز وجل - : { وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ } يحتمل ما أمر الله به أن يوصل : ما ذكرنا من وصل الإيمان ببعض الرسل بالكل وبجميع الكتب ، ويحتمل : صلة الأرحام التي فرض عليهم صلتهم ؛ قطعوا ذلك . أو أمرهم أن يصلوا أعمالهم بما اعتقدوا . وقوله - عز وجل - : { أُوْلَـٰئِكَ لَهُمُ ٱللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوۤءُ ٱلدَّارِ } . اللعنة : هي الطرد - في اللغة - والإبعاد ؛ كأنهم طردوا وأبعدوا عن رحمة الله في الآخرة ، أو طردوا وأبعدوا من هداية الله وإرشاده في الدنيا . { وَلَهُمْ سُوۤءُ ٱلدَّارِ } . قد ذكرنا أنهم دعوا إلى دار ؛ وحذروا عن دار : دعوا إلى دار السلام ؛ فإن أجابوا فلهم الحسنى ؛ على ما ذكر ، وحذروا عن دار الهوان ؛ [ فإن لم يحذروا فلهم ] دار السوء والهوان . أو سماها سوء الدار ؛ لما يسوء مقامهم فيها ، أو ذكر لأهل النار سوء الدار مقابل ما ذكر لأهل الجنة : حسن المآب وحسن الثواب والحسنى .