Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 13, Ayat: 2-5)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { ٱللَّهُ ٱلَّذِي رَفَعَ ٱلسَّمَاوَاتِ } . قوله : { رَفَعَ } أي : أنشأها مرفوعة ؛ لا أنها كانت موضوعة فرفعها ؛ ولكن جعلها في الابتداء مرفوعة ، وكذلك قوله : { وَٱلأَرْضَ وَضَعَهَا لِلأَنَامِ } [ الرحمن : 10 ] { مَدَّ ٱلأَرْضَ } [ الرعد : 3 ] { وَٱلْجِبَالَ أَرْسَاهَا } [ النازعات : 32 ] ونحو ذلك ؛ أي : أنشأها مرفوعة ممدودة ؛ لا أنها كانت مرفوعها فوضعها ، أو كانت منقبضة فبسطها ؛ ولكن أنشأها كذلك . وقوله - عز وجل - : { بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا } . قال بعضهم : هي بعمد لكن لا ترونها ؛ أي : ترونها بغير عمد وهي بعمد . وقال بعضهم : هي بغير عمد على ما أخبر ؛ ولكن اللطف والأعجوبة بما يمسكها بعمد لا ترى ؛ كاللطف والأعجوبة فيما يمسكها بغير عمد ؛ لأن في الشاهد لم يعرف ؛ ولا قدر على رفع سقف فيه سعة وبعد بغير عمد لا ترى ، لكن ما يرفع إنما [ يرفع بعمد ] ترى ؛ فاللطف في هذا كاللطف في الآخر . وفيه دلالة قدرته على البعث ؛ لأنه ذكر هذا ثم قال : { لَعَلَّكُمْ بِلِقَآءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ } أي : من : قدر على رفع السماء - مع سعتها وبُعدها - بلا عمد ؛ لقادر على إعادة الخلق ؛ وبعثهم ؛ وإحيائهم بعد الموت ، بل رفع السماء مع سعتها وبعدها ، بلا عمد ، أكبر من إعادة الشيء بعد فنائه ؛ إذ في الشاهد من قد يقدر على إعادة أشياء بعد فنائها ؛ ولا يقدر على رفع سقف ؛ ذي سعة وبعد ؛ بغير عمد . من ذا الوجه أمكن أن يحتج . والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ } . لما لم يفهم من قوله : { سَمِيعٌ عَلِيمٌ } [ البقرة : 181 ] مدبر المكان ؛ وإن كان في الشاهد يفهم منه المكان ؛ إذا أضيف إلى المخلوق - لم يجز أن يفهم من استوائه [ ما يفهم من استواء ] الخلق . وبعد فإن في الشاهد ؛ إذا قيل : فلان استولى أمر بلدة كذا ؛ أو استوى أمره ؛ لم يفهم منه [ المكان ، بل فهم منه ] نفاذ الأمر والسلطان والمشيئة ؛ فعلى ذلك لم يجز أن يفهم من الله إذا أضيف إليه المكان . وأصله : ما ذكرنا فيما تقدم أنه أخبر أنه ليس كمثله شيء ؛ فهو في كل شيء ؛ وكل وجه ؛ لا يشبه الخلق ؛ إذ الخلق - في الشاهد - لا يشبه بعضه بعضاً من جميع الجهات ؛ إنما يشبه بعضهم بعضاً بجهة ، ثم صاروا جميعاً أشكالا وأشباهاً ؛ بتلك الجهة التي وقعت بينهم تشابه ؛ فإذاً الله سبحانه وتعالى لما أخبر أنه { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } [ الشورى : 11 ] دل أنه إنما نفى عنه الجهات التي [ يقع بها ] التشابه والمثل ؛ فهو يخالف الخلق من جميع الوجوه . وهذه مسألة مذكورة فيما تقدم : اختُلف في العرش : قال بعضهم : العرش : هو الممتحنون بهم ، استوى تدبير إنشاء غيرهم من العالم ؛ لأنهم هم المقصودون في إنشاء ذلك كله . وقال بعضهم : العرش : البعث به ؛ استوى وتم تدبير إنشاء الخلائق ؛ ما لولا البعث يكون إنشاؤهم عبثاً باطلا ؛ كقوله : { أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ } [ المؤمنون : 115 ] جعل عدم الرجوع إليه إنشاء الخلق عبثاً . وقال بعضهم : العرش : هو الملك ؛ وبه تم ما ذكر ، وقيل : هو سرير الملك . وقوله - عز وجل - : { يُدَبِّرُ ٱلأَمْرَ } على ما في العقل أنه عن تدبير مدبر خرج ؛ وعن علم وحكمة وضع ؛ ليس على الجزاف بلا تدبير ولا علم . وقوله - عز وجل - : { يُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ } يحتمل : يبين الحجج والبراهين . ويحتمل : { يُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ } أي : آيات القرآن أنزلها بالتفاريق ؛ لا مجموعة . { لَعَلَّكُمْ بِلِقَآءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ } . هو ما ذكرنا أن فيما ذكر من الآيات والتدبير ؛ ورفع السماء بلا عمد ؛ دلالة البعث والإحياء بعد الموت . وقوله - عز وجل - : { بِلِقَآءِ رَبِّكُمْ } هو كما ذكرنا في قوله : { إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً } [ يونس : 4 ] ومصيرهم وبروزهم ؛ وأمثاله . والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَهُوَ ٱلَّذِي مَدَّ ٱلأَرْضَ } وقال في آية أخرى : { وَٱلأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا } [ النازعات : 30 ] وقال في موضع آخر : { وَإِلَى ٱلأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ } [ الغاشية : 20 ] وكله واحد ، وقال : { ٱلأَرْضَ فِرَٰشاً } [ البقرة : 22 ] و { مِهَٰداً } [ النبأ : 6 ] . يذكرهم نعمه التي أنعمها عليهم . { مَدَّ ٱلأَرْضَ } أي : بسطها وجعل فيها رواسي ؛ ذكر أنها بسطت على الماء ؛ فكانت تكفو بأهلها وتضطرب ؛ كما تكفو السفينة ؛ فأرساها بالجبال الثِّقال ؛ فاستقرت وثبتت . وذُكر أنها مدت وبسطت على الهواء ؛ ثم أثبتها بما ذكر من الجبال ، ولكن لو [ كان أنها ] ما ذكر ؛ لكان يجيء ألا يكون بالجبال ثباتها واستقرارها ؛ لأن الأرض والجبال من طبعها التسفل والانحدار في الماء والهواء ؛ وكلما زيد من ذلك النوع كان في التسفل والانحدار أكثر وأزيد ، فلا يكون بها الثبات والاستقرار ؛ بل إنما يكون الثبات والاستقرار بشيء من طبعه العلو والارتفاع ؛ فيمنع ذلك الشيء الذي من طبعه العلو عن التسفل والانحدار ؛ إلا أن يقال : إنها كانت لا تتسفل ولا تتسرب ؛ ولكن تضطرب وتميد بأهلها ؛ على ما ذكره - عز وجل - : { وَجَعَلْنَا فِي ٱلأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ } [ الأنبياء : 31 ] فإن كان على هذا ؛ فيكون بالجبال ثباتها واستقرارها ؛ ومنعها عن الاضطراب والميلان . أو ذكر هذا ليعلم لطفه وقدرته ؛ حيث أمسكها بشيء من طبعه التسفل والانحدار ، وهي في نفسها كذلك ؛ ليعلم قدرة الله ولطفه في كل شيء . والله أعلم بذلك . وقوله - عز وجل - : { مَدَّ ٱلأَرْضَ } . أي : أنشأها ممدودة ؛ لا أنها كانت مجموعة في مكان فبسطها ؛ على ما ذكر من رفع السماء ونحوه . { وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِىَ وَأَنْهَاراً } . جعل الله - عز وجل - الأشياء أكثرها بأسباب ؛ تعليماً منه الخلق ؛ ليكون ذلك عليهم أهون ، وإن كان جعل الأشياء عليه بأسباب [ وبغير أسباب سواء ] ؛ إذ هو قادر بذاته ، يذكر هذا : إما بحق النعم التي أنعمها عليهم ؛ من مد الأرض وبسطها ؛ وإثباتها بالرواسي التي ذكر ؛ وجعل الأنهار فيها ليصلوا إلى الانتفاع بها ؛ ليتأدى بذلك شكره ، أو يذكر بحق الإخبار عن قدرته وسلطانه ؛ لأنه جعل الأرض بحيث لا يدخل فيها شيء ؛ فأخبر أنه أدخل فيها الجبال مع كثافتها وعظمتها ليعرفوا قدرته . وقوله - عز وجل - : { وَأَنْهَاراً } أي : وجعل فيها أنهاراً ؛ أخبر أنه مد الأرض وبسطها ؛ وجعلها مستقرة ثابتة ؛ ليستقروا عليها ، ثم أخبر أنه جعل فيها أنهاراً ؛ لينتفعوا بها من جميع أنواع المنافع ، ثم أخبر أنه جعل فيها من كل الثمرات زوجين . قال بعض أهل التأويل : { زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ } أي : لونين . وقال بعضهم : ذو طعمين ؛ لكن يكون منها ألوان أكثر من لونين : أحمر ، وأبيض ، وأسود ، وأصفر ، ونحوه ، وكذلك الطعم : يكون حامضاً وحلواً ومرّاً ومزّاً ، إلا أن يقال : { زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ } : الطيب والخبيث ؛ فلا يكون ثالث ؛ وأما اللون ؛ فإنه يكون ذا ألوان وذا طعوم . وقال بعضهم الذكر والأنثى ؛ فهذا يصح إذا أراد به الشجر ؛ فمنه ما يثمر ومنه ما لا يثمر ؛ فالذي يثمر : هو أنثى ، والذي لا يثمر : هو ذكر . وأما على غير هذا فإنه لا يصح . وأصل الزوجين : هو اسم أشكال وأمثال واسم أضداد ؛ ففيه دليل نفي ذلك كله عن الله ، وأصل الزوج : هو من له المقابل من الأشكال والأضداد ؛ أخبر أنه جعل الخلق كله ذا أشكال وأضداد ؛ من نحو الليل والنهار ؛ والذكر والأنثى ؛ فهو في حق المنافع كشيء واحد في حق أنفسهم ؛ كالأشياء . وقوله - عز وجل - : { يُغْشِى ٱلَّيلَ ٱلنَّهَارَ } . أي : يذهب ظلمة الليل بضوء النهار ؛ وضوء النهار بظلمة الليل ، أو يلبس أحدهما الآخر ، أو يغطي الليل ما هو بالنهار بادٍ ظاهر للخلق ، وبالنهار ما هو مستور خفي على الخلق والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } . فيما ذُكِر ؛ دلالة البعث والإحياء ، ودلالة التدبير والعلم والحكمة ، ودلالة الوحدانية . { لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } في آياته وحججه لا لقوم يعاندون آياته ويكابرونها . وقوله : { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } . ذكر أن الآيات تكون آيات لهم ؛ بالتفكر والنظر فيها ؛ والله أعلم ؛ لا أن تصير آيات مجاناً بالبديهة . أو يقول : إن منفعة الآيات تكون لمن تفكر فيها ؛ لا لمن ترك التفكر والنظر . والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَفِي ٱلأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ } . دل قوله : { قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ } أن التجاور إنما يذكر ويثبت إذا كانت الأرض [ قطعاً ، وأما إذا كانت الأرض ] أرضاً واحدة ؛ فإنه لا يقال فيها التجاور ؛ فهذا يبطل قول من يقول : إن التجاور إنما يذكر فيما فيه الشركة ؛ فتجب الشفعة فيما فيه الشركة ؛ وأما في غيره فلا تجب وأمَّا عندنا : هو ما ذكر - عز وجل - : أنه إنما أثبت التجاور في الأرض التي صارت قطعاً . وقوله - عز وجل - : { قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ } . القطع المتجاورات : هي الأرضون الضواحي التي تصلح للزرع . { وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ } أي : جنات متجاورات أيضاً ، والجنات هي البساتين المحفوفة بالأشجار ؛ فيها ألوان الثمار . { وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ } . قيل : { صِنْوَانٌ } هو النخلتان في أصل واحد ، { وَغَيْرُ صِنْوَانٍ } : النخل المتفرق وقيل : الصنوان : ما كان أصله واحداً ؛ وهو متفرق ، { وَغَيْرُ صِنْوَانٍ } التي تنبت وحدها : وقيل : { صِنْوَانٌ } : هي النخلة تخرج ؛ فإذا خرجت انشعبت بعد خروج الأصل ؛ فهو الصنوان ، ولهذا قيل : " عَمُّ الرجل صنو أبيه " . { يُسْقَىٰ بِمَآءٍ وَاحِدٍ } . أي : يسقي ما ذكر ؛ من الزروع والنخيل والثمار والجنان بماء واحد . { وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَىٰ بَعْضٍ فِي ٱلأُكُلِ } . يذكر هذا - والله أعلم - أن جوهر الأرض كلها واحد ؛ وهي قطع متجاورة ؛ بعضها ببعض ، ثم هي مختلفة في حق الثمار والفواكه ، وكذلك الأشجار والنخيل ؛ كلها من جوهر واحد من جنس واحد ، والأرض في جوهرها واحد وتسقى كلها بماء واحد ؛ ثم يخرج مختلفاً في ألوانها وطعومها وطيبها وخبيثها ومناظرها ؛ ليعلم أنها لم تكن بنفسها ؛ ولا بالأسباب التي جعل لها ؛ ولكن بلطف واحدٍ مدبِّرٍ عليم حكيم ؛ لأنها لو كانت بأنفسها وطباعها أو بالأسباب ، لكانت كلها واحدة متفقة في طيبها وخبيثها وألوانها وطعومها ؛ فلما لم يكن ما ذكرنا على لون واحد ولا طعم واحد ولا منظر واحد ؛ دل أنه كان بتدبير مدبر واحد ؛ عليم لطيف . وقوله - عز وجل - : { وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَىٰ بَعْضٍ فِي ٱلأُكُلِ } . قيل : في الحمل ؛ بعضها أكثر حملا من بعض ، وبعضها يحمل ؛ وبعضها لا ، ولكن ما ذكرنا في الطيب والخبيث والطعم واللون والمنظر - مفضل بعضه على بعض . وأصله : أن الأرض واحدة متجاورة ؛ متصلة بعضها ببعض ، والماء واحد أيضاً ؛ ثم خرجت الثمار والفواكه والزروع والأعناب مختلفة متفرقة ؛ ليعلم أن ذلك ليس هو عمل الأرض ؛ ولا عمل الماء ، ولا عمل الأسباب والطباع ؛ ولكن باللطف من الله ، لأنه لو كان بالماء أو الأرض ؛ أو بالأسباب أو الطباع ؛ لكانت متفقة مستوية . { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ } لما ذكرنا من وحدانيته ؛ وتدبيره ؛ وعلمه ؛ وحكمته . { لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } أي : لقوم همتهم العقل والفهم ؛ والنظر والتفكر في الآيات ، لا لقوم همتهم العناد والمكابرة ، أو لقوم ينتفعون بعقلهم وعلمهم . وقال الحسن : هذا مثل [ ضربه الله ] لقلوب بني آدم كانت الأرض في الأصل طينة واحدة ؛ فسطحها الرحمن ثم بطحها ؛ فصارت الأرض قطعاً متجاورات ؛ فينزل عليها الماء من السماء ، فتخرج هذه زهرتها وثمرتها وشجرها ؛ وتخرج نباتها ويحيا مواتها ، وتخرج هذه سبختها وملحها ؛ وخبثها ؛ وكلتاهما تسقى بماء واحد ؛ فلو كان الماء مالحاً ؛ قيل : استسبخت هذه من قبل الماء كذلك الناس : خلقوا من آدم - عليه السلام - فينزل عليهم من السماء تذكرة واحدة ؛ فترقّ قلوب ؛ فتخشع وتخضع ، وتقسو قلوب ؛ فتسهو وتلهو وتجفو ؛ أو كلام نحوه . ثم قال الحسن : والله ؛ ما جالس القرآن أحدٌ إلا قام من عنده بزيادة أو نقصان ؛ ثم تلا قوله : { وَنُنَزِّلُ مِنَ ٱلْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَآءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ ٱلظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَاراً } [ الإسراء : 82 ] . وقوله - عز وجل - : { وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ } . قال الحسن : إن تعجب - يا محمد - من تكذيبهم إياك في الرسالة ؛ فعجب قولهم ؛ حيث قالوا : { أَإِذَا كُنَّا تُرَاباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ } . وقال بعضهم : وإن تعجب - يا محمد - مما أوحينا إليك من القرآن ؛ كقوله - في الصافات - { بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ } [ الصافات : 12 ] . { فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ } أي : أعجب أيضاً قولُهم ، يقول : لكن قولهم أعجب عندك ؛ حين قالوا : { أَإِذَا كُنَّا تُرَاباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ } تكذيباً للبعث . وأصله - والله أعلم - : يقول : إنك إن عجبت ، من قولهم في تكذيبهم إياك في الرسالة ؛ ولم [ تكن ] رسولا من قبل ؛ فقولهم وإنكارهم قدرة الله على البعث والإحياء بعد الموت أعجب ؛ إذ قد رأوا وشاهدوا من قدرة الله وآياته ؛ ما لو تفكروا وتأملوا ولم يعاندوا ، عرفوا أنه قادر على ذلك كله ؛ فوصفهم الله تعالى بالعجز ؛ وأنه لا يقدر على البعث والإحياء بعد الهلاك - أعجب من تكذيبهم إياك في الرسالة ، ولم يكن سبق منك إليهم ما يوجب رسالتك وتصديقك ، وقد سبق من الله إليهم - ما يعرفهم قدرته على ذلك ؛ وعلى أكثر منه . وأصله - والله أعلم - وإن تعجب لإنكارهم رسالتك وتكذيبهم إياك ؛ ولم يكن منك إليهم حقيقة الهداية والنعم والآيات والحجج ، وإنما كان منك البيان والدعاء ؛ فأعجب : قولهم في إنكارهم قدرة الله على البعث ؛ وقولهم في الله سبحانه ما قالوا فيه ؛ بعد معرفتهم حقيقة ذلك كله ؛ بالله إليهم . والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { أُوْلَـٰئِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ } . يشبه أن يكونوا لما كفروا بالبعث ؛ كان كفرهم بالبعث كفراً بالله ؛ لأنهم عرفوه عاجزاً ، حيث قالوا : لا يقدر على بعث الخلق ، ومن عرف ربه عاجزاً - فهو لم يعرف الرب الحقيقة ؛ والإله الحقيقة . وقوله - عز وجل - : { وَأُوْلَئِكَ ٱلأَغْلاَلُ فِيۤ أَعْنَاقِهِمْ } . قال بعضهم : صار الكفر في أعناقهم أغلالا ؛ حيث أنكروا الرسالة في البشر ، ثم جعلوا الأصنام والأوثان معبودهم ؛ يعكفون عليها ويخضعون ؛ فذلك هو الأغلال في أعناقهم . وقال بعضهم : قوله : { وَأُوْلَئِكَ ٱلأَغْلاَلُ فِيۤ أَعْنَاقِهِمْ } . في الآخرة كقوله : { خُذُوهُ فَغُلُّوهُ … } الآية [ الحاقة : 30 ] { وَأُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدونَ } .