Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 13, Ayat: 41-43)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { أَوَلَمْ يَرَوْاْ } . قد ذكرنا فيما تقدم أنه إنما هو حرف تعجب وتنبيه ؛ فهو يخرج على وجهين : أحدهما : على الخبر ؛ أي : قد رأوا أنا فعلنا ما ذكر . والثاني : على الأمر ؛ أي : [ رَوْا أنَّا ] فعلنا ما ذكر ؛ وهو ما ذكر من قوله : { أَوَلَمْ يَسيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ } [ الروم : 9 ] أي : قد ساروا في الأرض ؛ أو سيروا . { أَنَّا نَأْتِي ٱلأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا } . قال بعضهم : هو ما جعل من أرض الكفرة للمسلمين ؛ بالفتح لهم ؛ والنصر على أولئك ؛ والإخراج من سلطان أولئك الكفرة وأيديهم ، وإدخالها في أيدي المسلمين ؛ فذلك النقصان . [ وهو ] والله أعلم لما وعد لرسوله أن يريه بعض ما وعد لهم ؛ فقال الكفرة عند ذلك : أين ما وعد أن يريك ؟ فقال عند ذلك : { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِي ٱلأَرْضَ نَنقُصُهَا } أي : ألم يروا أنه جعل بعض ما كان لهم من الأرضين للمسلمين ؛ فإذا قدر على جعل البعض - الذي كان لهم لهؤلاء ؛ لقادر أن يجعل الكل لهم ؛ فهلا يعتبرون . هذا والله أعلم ما أراد بما ذكر من النقصان . وقال قائلون : نقصان الأرض : موت فقهائها وعلمائها وفنائها . ووجه هذا : وهو أن الفقهاء والعلماء - هم عمّار الأرض وأهلها ؛ وبهم صلاح الأرض ؛ فوصف الأرض بالنقصان بذهاب أهلها ، وهو كما وصف الأرض بالفساد ؛ وهو قوله : { لَفَسَدَتِ ٱلأَرْضُ } [ البقرة : 251 ] وقوله : { ظَهَرَ ٱلْفَسَادُ فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ } [ الروم : 41 ] فالأرض لا تفسد بنفسها ؛ ولكن وصفت بالفساد ؛ لفساد أهلها ، فعلى ذلك لا تنقص هي بنفسها ؛ ولكن وصفت بالنقصان ؛ لذهاب أهلها ، وعمارها وفقهائها وعلمائها . ثم يحتمل ذهاب العلماء المتقدمين ، الذين تقدموا رسول الله في الأمم السالفة ؛ وهم علماء أهل الكتاب ؛ فيقول ألا يعتبرون بأولئك الذين قبضوا وتفانوا من علمائهم ؟ فلا بدّ من رسول يعلمهم الآداب والعلوم ؛ ويجدد لهم ما دَرَس من الرسوم [ وذهب ] من الآثار ؛ فكيف أنكروا رسالته ؟ وفي بعث الرسول حدوث العلماء ؛ وذلك وقت حدوث العلماء وزمانه ؛ فإن كان أراد العلماء المتأخرين وفقهاءهم - فيخرج ذلك مخرج التعزية له ؛ أي : تصير الأرض بحال توصف بالنقصان ، بذهاب العلماء والفقهاء . والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَٱللَّهُ يَحْكُمُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ } . قيل : لا رادّ لحكمه ، وحكمه : يحتمل : العذاب الذي حكم على الكفرة ؛ يقول : لا رادَّ للعذاب الذي حكم عليهم ؛ [ وهو كقوله : { رَبِّ ٱحْكُم بِٱلْحَقِّ } [ الأنبياء : 112 ] أي : احكم بالعذاب الذي حكمت عليهم ] . ويحتمل قوله : { لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ } أي : لا يتعقب أحد حكمه ؛ ولا يعقب أحد سلطانه ؛ كما يكون في حكم الخلائق يتعقب بعض عن بعض ، وكما ذكر في الحفظة : { لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ } [ الرعد : 11 ] يتعقب بعض عن بعض في الحفظ ؛ وفيما سلطوا . والله أعلم . { وَهُوَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } هذا قد ذكرناه في غير موضع . وقوله - عز وجل - : { وَقَدْ مَكَرَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } . أى : مكر الذين من قبلهم برسلهم ؛ كمكر هؤلاء بك يصبر رسوله على أذاهم به . ثم يحتمل المكر به وجهين : أحدهما : مكروا بنفسه ؛ همّوا قتله وإهلاكه . والثاني : مكروا بدينه الذي دعاهم إليه وأراد إظهاره ؛ هموا هم إطفاء ذلك وإبطاله وكذلك مكر الذين من قبلهم برسلهم يخرج على هذا . والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { فَلِلَّهِ ٱلْمَكْرُ جَمِيعاً } . هذا أيضاً يخرج على وجهين : أحدهما : يقول : فلله جزاء المكر جميعاً ؛ يجزى كلا بمكره . والثاني : أي : لله حقيقة المكر يأخذهم جميعاً بالحق من حيث لا يشعرون ، وأما هم فإنما يأخذون ما يأخذون لا بالحق ولكن بالباطل ، ولا يقدرون على الأخذ من حيث لا يشعرون إلا قليلا من ذلك ، فحقيقة المكر الذي هو مكر بالحق في الحقيقة لله لا لهم . ويحتمل قوله : { فَلِلَّهِ ٱلْمَكْرُ جَمِيعاً } أي : لله تدبير الأمر جميعاً ، إن شاء أمضاه ؛ وإن شاء منعه ، إليه ذلك لا إليهم . أو لله حقيقة المكر يغلب مكره مكر أولئك . وقوله - عز وجل - : { يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ } من خير أو شرّ . { وَسَيَعْلَمُ ٱلْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى ٱلدَّارِ } . يشبه أن يكون عقبى الدار معروفاً عندهم ؛ وهي الجنة ؛ فيكون صلة قولهم : { لَن يَدْخُلَ ٱلْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَىٰ } [ البقرة : 111 ] فيقول - والله أعلم - سيعلمون هم لمن عقبى الدار ؛ أهي لهم أم هي للمؤمنين ؟ أو أن يكون جواب قوله : { وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَىٰ رَبِّي لأَجِدَنَّ خَيْراً مِّنْهَا مُنْقَلَباً } [ الكهف : 36 ] أنهم لما رأوهم مفضلين في أمر الدنيا ووسع عليهم الدنيا - ظنوا أن لهم في الآخرة كذلك ؛ فقال ذلك جواباً لهم . وقوله - عز وجل - : { وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } أي : قالوا . { لَسْتَ مُرْسَلاً } أي : لن يبعثك الله رسولا ، وهم كانوا يقولون كذلك له فأمره أن يقول لهم . { كَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ } إني نبي رسول الله إليكم بالآيات التي آتي بها ، أو كان قال لهم ذلك ؛ لما بالغ في الحجاج والبراهين في إثبات الرسالة والنبوة ؛ فلم يقبلوا ذلك فأيس من تصديقهم ؛ فعند ذلك قال : { كَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ ٱلْكِتَابِ } أي : يعلم من كان عنده علم الكتاب ؛ يعني التوراة : فيشهد أيضاً أني رسول نبي ؛ أي : يعلم من كان عنده علم الكتاب أني على حق ؛ وأني رسول الله ؛ وهو كقوله : { أَوَ لَمْ يَكُن لَّهُمْ آيَةً … } الآية [ الشعراء : 197 ] وقوله : { فَٱسْأَلُواْ أَهْلَ ٱلذِّكْرِ } [ النحل : 43 ] ومن قرأ بالخفض : { وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ ٱلْكِتَابِ } فتأويله - والله أعلم - : أي : من عند الله جاء علم هذا الكتاب ؛ الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه . وكذلك روي في بعض الأخبار ؛ عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه كان يقرأ : { وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ ٱلْكِتَابِ } بالخفض ، وأما القراء جميعاً فإنهم يختارون النصب { وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ ٱلْكِتَابِ } . قال أبو عبيد : وقرأ بعضهم : ومن عنده علم الكتاب بخفض الميم والدال ورفع العين ؛ وقال : لكن لا أدري عمن هو . وروي عن عبد الله بن سلام أنه قال : فيَّ نَزَلَ : { كَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ ٱلْكِتَابِ } هذا يؤيد أن يثبت قول أهل التأويل ؛ حيث قالوا : { وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ ٱلْكِتَابِ } : عبد الله بن سلام وأصحابه . والله أعلم .