Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 13, Ayat: 38-40)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً } . قال بعض أهل التأويل : نزل هذا وذلك : أن اليهود عيروا رسول الله ، وطعنوا في كثرة النساء والأولاد ؛ [ وقالوا : لو كان نبيّاً على ما يزعم لكان لا يمتع بالنساء ؛ ولا يطلب الأولاد ] كما يفعله غيره ؛ وكانت النبوة تشغله عن ذلك . فأنزل الله تعالى : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا … } الآية ، أي : الاستمتاع بالنساء واستكثاره [ منهن ] - لم يمنع عن الاختصاص بالنبوة والرسالة ، على ما لم يمنع غيره من الرسل الذين كانوا من قبله . والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } . أي : لا يملكون إنزال الآيات من أنفسهم ؛ إنما يتولى الله إنزالها إذا شاء ذلك ؛ وهو كقول عيسى ؛ حيث قال : { وَأُبْرِىءُ ٱلأَكْمَهَ وٱلأَبْرَصَ … } الآية [ آل عمران : 49 ] أخبر أن ما يأتي من الآيات إنما يأتيها بإذن الله وبأمره ؛ لا من نفسه . يحتمل أن يكون جواب ما ذكر أهل التأويل ، وجواب غير ذلك أيضاً ؛ وهو طعنهم الرسل بالأكل والشرب والمشي في الأسواق ، وسؤالهم الآيات التي سألوهم ، وجواب إنكارهم الرسل من البشر يقول : لست أنت بأول رسول طعنت بما طعنك به قومك ؛ ولكن كان قبلك رسل طعن قومهم بما طعن به قومك ؛ وسألوهم من الآيات من سأل به قومك ؛ فلم يكن ذلك لهم عذراً في رد ما ردّوا وترك ما تركوا ؛ بل نزل بهم العذاب ، فعلى ذلك قومك . وقوله - عز وجل - : { لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ } . اختلف فيه : قال قائلون : لكل كتاب أجل ؛ وهي : الكتب التي أنزلت على الرسل ؛ يعمل بها إلى وقت ؛ ثم تنسخ أو يترك العمل بها . وقال قائلون : هو ما قال : لكل أجل كتاب ؛ أي : لكل ذي أجل أجله ؛ إلى وقت انقضائه ؛ ليس يراد به الكتابة باليد ؛ ولكن الإثبات ؛ كقوله : { أُوْلَـٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلإِيمَانَ } [ المجادلة : 22 ] أي : أثبت ؛ ليس أن كتب هنالك باليد ، فعلى ذلك قوله : { لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ } أي : إثبات إلى وقت . ويحتمل قوله : لكل كتاب أجل ؛ أي : لكل ما كتب له الأجل ؛ وجعل له الوقت ؛ من العذاب ينزل بالمعاندين والنصر للرسل ؛ فإنه لا يكون قبل ذلك الوقت ، ولا يتأخر أيضاً عن ذلك الوقت ؛ وهو كقوله : { فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً … } الآية [ الأعراف : 34 ] . وقوله - عز وجل - : { يَمْحُواْ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ وَيُثْبِتُ } . قال قائلون : قوله : { يَمْحُواْ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ } المحو - هاهنا - : أن أنشأه في الابتداء بمحو ؛ ليس على أن كان مثبتاً فمحاه ، ولكن أنشأه هكذا ممحوّاً ؛ وهو كقوله : { فَمَحَوْنَآ آيَةَ ٱلَّيلِ } [ الإسراء : 12 ] ليس أنه كان منشأ كذا ثم محي ؛ ولكن أنشأه في [ الابتداء ممحوّاً ] ، وكقوله : { رَفَعَ ٱلسَّمَاوَاتِ } [ الرعد : 2 ] ليس أنها كانت موضوعة [ ثم رفعها ] ؛ ولكن أنشأها مرتفعة كما هي ، فعلى ذلك هذا . ثم يحتمل ذلك الأعمال التي كانت معفوّة في الأصل ؛ من [ نحو ] أعمال الصبيان ؛ والأعمال التي لا جزاء عليها . وقال قائلون : على إحداث محو ؛ ثم هو يحتمل وجوهاً : [ يحتمل : ] ما ينسخ من الأحكام - فهو على محو الحكم به ؛ والعمل ليس على محو نفسه ؛ { وَيُثْبِتُ } : وهو ما لا ينسخ ؛ ولا يترك العمل به والحكم . ويحتمل المحو : محو الأحوال ؛ وهو ما ينقل ويحول من حال إلى حال ؛ من حال النطفة إلى حال العلقة ، ومن حال العلقة إلى حال المضغة ، يحوله وينقله من حال إلى حال أخرى ؛ فذلك هو المحو . ويحتمل المحو - أيضاً - : هو ما يختم به العمر ؛ السعادة أو الشقاء : إذا كان كافراً ثم أسلم في آخر عمره - محيت الأعمال التي [ كانت له ] في حال كفره ؛ فأبدلت حسنات ، وإذا كان مسلماً ثم ختم بالكفر - محيت أعماله التي كانت له من الصالحات ، فلم ينتفعوا بها . أو أن يكون ما ذكر من المحو والإثبات : هو ما يكتب الحفظة من الأعمال والأفعال يمحي عنها ما لا جزاء لها ولا ثواب ؛ ويبقى ما له الجزاء والثواب ويترك مكتوباً كما هو . أو يكون للخلق مقاصد في أفعالهم ؛ والحفظة لا يطّلعون على مقاصدهم ؛ فيكتبون هم ما هو في الحقيقة حسنة ؛ لقصده سيئة ؛ على ظاهر ما عمل ، أو حسنة في الظاهر ؛ وهو في الحقيقة سيئة ؛ فيغير ذلك ؛ فيجعل ما هو في الحقيقة شر وفي الظاهر خير - شرّاً بالقصد ، وما هو في الحقيقة خير وفي الظاهر شر - خيراً . أو [ أن ] يكون في كتابة الحفظة لكنه من وجه آخر ؛ وهو أن الحفظة يكتبون الأعمال ؛ ثم يعارض ذلك بما في اللوح المحفوظ ؛ فمحى من كتابة الحفظة من الزيادة ؛ ويثبت فيها ما كان فيه من النقصان . والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَعِندَهُ أُمُّ ٱلْكِتَابِ } . هذا يحتمل : عنده الذي يعارض به كتب الملائكة . ويحتمل : وعنده أُمّ الكتاب الذي يستنسخ منه الكتب التي أنزلت على الأنبياء والرسل ؛ وهو [ في ] اللوح المحفوظ . وفيه دلالة أن اختلاف الألسن لا يوجب تغيير المعنى ؛ لأنه لا يدري أن تلك الكتب في اللوح بأي لسان هي ، ثم أنزل منه كل كتاب على لسان الرسول الذي نزل عليه ، وكذلك الملائكة الذين يكتبون أعمال بني آدم ؛ لا يحتمل أن يكتبوا بلسان الخلق ؛ لأنه يظهر لو كانوا يكتبون بلسان هؤلاء ؛ فدل أنهم إنما يكتبون بلسان أنفسهم ، فهذا كله يدل أن اختلاف اللسان لا يوجب اختلاف المعنى . والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَإِن مَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ ٱلَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ ٱلْبَلاَغُ وَعَلَيْنَا ٱلْحِسَابُ } . كأنه صلوات الله وسلامه عليه طمع أو سأله أن يريه جميع ما وعد [ له ] ؛ من إنزال العذاب عليهم ، وأنواع ما وعد ؛ فقال : إن شئنا نريك بعض ما وعدناهم ، وإن شئنا نتوفاك ولم نرك ؛ فإنما عليك البلاغ ؛ أي : ليس لك من الأمر شيء ؛ أي : ليس إليك هذا إنما عليك البلاغ ؛ وهو كقوله : { لَيْسَ لَكَ مِنَ ٱلأَمْرِ شَيْءٌ … } الآية [ آل عمران : 128 ] إنما عليك كذا ؛ فيخرج مخرج العتاب والتوبيخ ؛ ليس مخرج الوعد والعدة ؛ إذ قوله : ذا ، وذا ، بحرف شك [ ولا يجوز أن يضاف إليه ذلك . وقوله : { وَإِن مَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ ٱلَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ } هذا في الظاهر حرف شك ] ، فهو يخرج على الوعد أو على النهي عن سؤال كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم : فإن كان على النهي - فكأنه نهاه أن يسأل إنزال العذاب عليهم ؛ يقول : إن شئنا أنزلنا وإن شئنا لم ننزل ، وإن كان على الوعد ؛ يقول : نريك بعض ما وعدنا ؛ ولا نريك كله ، وإلا ظاهره حرف شك . وقوله : { وَعَلَيْنَا ٱلْحِسَابُ } يحتمل حساب ما وعد وجزاءه ، ويحتمل الحساب المعروف ؛ الذي يحاسبهم يوم القيامة . والله أعلم . [ أي : لا يتركهم هملاً سدى ، أو قوله : { وَعَلَيْنَا ٱلْحِسَابُ } أي : إلينا الحساب ، أو لنا الحساب ، وذلك جائز في اللغة ] .