Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 13, Ayat: 8-11)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { ٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَىٰ } . قيل : يعلم أنها حملت ذكراً أو أنثى مستوياً أو غير مستوٍ مؤفّاً ؛ يخبر - عز وجل - عن علمه وقدرته أنه لا يخفى عليه شيء ولا يعجزه شيء ، فإن قيل : هذا دعوى : ما الذي يعلمنا أنه يعلم ذلك ؟ قيل : اتساق تدبيره ولطفه يدل على علم ذلك فيه ؛ حيث رباه فيه وأنشأه مستوياً غير مؤفٍّ سليماً عن الآفات ، ونماء الجوارح كلها على الاستواء ؛ لا يكون بعضها [ أكبر وأعظم وبعضها ] أنقص وبعضها أتم ؛ نحو العينين ؛ تراهما مستويتين ؛ لا زيادة في إحداهما دون الأخرى ؛ بل تنموان على الاستواء ، وكذلك اليدان والرجلان والأذنان ؛ وأمثاله ؛ فدلّ ذلك على العلم له به والتدبير . وقوله - عز وجل - : { وَمَا تَغِيضُ ٱلأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ } . أي : يعلم ما تغيض الأرحام وما تزداد . قال عامة أهل التأويل : { وَمَا تَغِيضُ ٱلأَرْحَامُ } : ما تنقص عن التسعة الأشهر ، { وَمَا تَزْدَادُ } : على التسعة الأشهر ، فكان الحسن يقول : غيضوضة الرحم : أن تضع لستة أشهر أو لسبعة أشهر أو ثمانية ، وأما الزيادة : فما زاد على تسعة أشهر . وفي حرف أُبي : ( اللهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَضَعُ ) ولكن يحتمل قوله : { وَمَا تَغِيضُ ٱلأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ } وجهين : أحدهما : { وَمَا تَغِيضُ ٱلأَرْحَامُ } أي : ما لا تحمل شيئاً ؛ وهي التي تكون عقيماً لا تلد ، والغيضوضة تكون ذهاب الشيء ، قال الله - تعالى - : { وَغِيضَ ٱلْمَآءُ } [ هود : 44 ] أي : ذهب . { وَمَا تَزْدَادُ } أي : ما تحمل وما تغيض الأرحام ، فتلد بدون الوقت الذي تلد النساء ، وما تزداد على الوقت الذي تلد النساء . أو { وَمَا تَغِيضُ ٱلأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ } في زيادة عدد الأولاد ونقصانهم ؛ ما تحمل واحداً أو أكثر من واحد ، أو يكون في زيادة قدر نفس الولد ونقصانه ؛ لأن من الولد ما يصيبه في البطن آفة ؛ فلا يزال يزداد له نقصان في البطن ، ومنه ما ينمو ويزداد ؛ وأمثاله . والله أعلم . { وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ } مقدّر بالتقدير ؛ ليس على الجزاف ؛ على ما يكون عند الخلق ، ولكنه بتقدير وتدبير . { عَالِمُ ٱلْغَيْبِ } قال بعضهم : لا يغيب عنه شيء ، ولكن هو عالم بالذي يغيب عن الخلق ويشهده الخلق ؛ أي : ما يغيب عنهم وما يشهدونه عنده بمحل واحد في العلم به . وقال بعضهم : { عَالِمُ ٱلْغَيْبِ } : ما غاب بنفسه ، وما شهد بنفسه ؛ فالغائب بنفسه : هو ما لم يوجد بعد ؛ ولم يكن ، والشهادة : ما قد وجد وكان ، يعلم ما لم يوجد بعد أنه يوجد أو لا يوجد ، وإذا وجد ، كيف يوجد ؛ ومتى يوجد ؛ وفي أي : وقت يوجد ؛ وما جد وشهد ؛ يعلمه شاهداً موجوداً . على هذين الوجهين يجوز أن تخرج الآية ؛ والله أعلم ؛ ويعلم ما غاب عنهم مما شهدوا من نحو قوة الطعام في الطعام ، والقوة التي في الماء ، وماهية البصر والسمع ، والعقل والروح ، وكيفيتها ، وهذا كله مما غاب عن الخلق . وقوله - عز وجل - : { ٱلْكَبِيرُ ٱلْمُتَعَالِ } . [ المتعال ] عن جميع ما يحتمله الخلق ؛ يقال : هذا عظيم القوم ؛ وكبيرهم ، وهذا واحد زمانه ؛ لا يعنون عظيم النفس وكبيره أو توحده من حيث العدد ؛ ولكن من حيث نفاذ الأمر له والمشيئة فيهم ؛ والعزة والسلطان ، وذلة الخلق له والخضوع ؛ فعلى ذلك لا [ يفهم مما ] وصف هو به ؛ ما يفهم من الخلق من عظم الجسم وكبر النفس ، وعلى ذلك ما وصف هو بأسماء - لا يحتمل ذلك في الخلق ، يقال : أوّل وآخر ، وظاهر وباطن ، وعظيم ولطيف ؛ ليعلم أنه ليس يفهم مما أضيف إليه ؛ ووصف هو به ؛ ما يفهم مما يضاف إلى الخلق ؛ إذ من قيل في الشاهد : إنه عظيم - لم يقل إنه لطيف ، ومن قيل : إنه أوّل - لم يقل له : آخر ، وكذلك الظاهر والباطن ؛ إذا وصف بأحدهما انتفى عنه الآخر ، وذلك مما وصف به الغائب وأضيف إليه ، ليعلم أنه لا يفهم بما يوصف هو به ؛ ويضاف إليه ما يفهم ؛ مما وصف به الخلق وأضيف إليهم . والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { سَوَآءٌ مِّنْكُمْ مَّنْ أَسَرَّ ٱلْقَوْلَ } في نفسه في حال انفراده { وَمَنْ جَهَرَ بِهِ } لغيره { وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِٱلَّيلِ } في ظلمة الليل { وَسَارِبٌ بِٱلنَّهَارِ } . قيل : ظاهر بالنهار ، وقال بعضهم : { وَسَارِبٌ بِٱلنَّهَارِ } : من يكون في السرب وهو الغار بالنهار ، وقال بعضهم : من هو مستخف بالليل : أي : ساكن بالليل في مقره ، وسارب بالنهار : أي : متصرف متقلب بالنهار في حوائجه . ذكر هذا صلة ما تقدم ؛ وهو قوله : { يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَىٰ وَمَا تَغِيضُ ٱلأَرْحَامُ } ويعلم - أيضاً - ما تزداد ، وما ذكر أن عالم الغيب والشهادة ، يقول - أيضاً - : يعلم من أسرّ القول ، ومن جهر به ، ومن كان مستخفياً بالليل أو سارباً بالنهار ، أي : يعلم كل شيء ؛ لا يخفى عليه شيء : من عمل سرّاً ؛ من الخلق ؛ أو عمل بظاهر منهم . يذكر هذا - والله أعلم - ليكونوا على حذر من المعاصي ؛ لأن من علم أن عليه رقيباً حفيظاً يكون أحذر وأخوف ؛ ممن يعلم أن ليس عليه ذلك . وقال مقاتل : سواء منكم ؛ عند الله ؛ من أسر القول ومن جهر به ، وسواء منكم من هو مستخف بالليل وسارب بالنهار ؛ أي : من هو مستخف بالمعصية في ظلمة الليل ، أو هو منتشر بتلك المعصية بالنهار ؛ معلن بها ؛ فعلم ذلك كله عند الله ؛ سواء . في ذلك تذكير أمرين : أحدهما : يذكرهم نعمه التي أنعمها عليهم ؛ من أول حالهم إلى آخر ما ينتهون إليه يستأدي بذلك شكره ؛ ليستديموا بذلك تلك النعم أبداً ما كانوا . والثاني : يذكرهم علمه بجميع أحوالهم وأفعالهم ؛ ليكونوا أبداً على حذر من معاصيه ، والخلاف له . أما علمه هو ما ذكر الله : { يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَىٰ … } إلى قوله : { سَوَآءٌ مِّنْكُمْ … } الآية . وأما نعمه [ فهو ] ما ذكر . { لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ } . وقوله : { لَهُ مُعَقِّبَاتٌ } قال بعضهم : هم الأمراء ، والشرط الذي يحفظونه في ظواهر من أمره ؛ يخبر أنه محفوظ عليه الخفيات من أمره ؛ حيث قال : { سَوَآءٌ مِّنْكُمْ مَّنْ أَسَرَّ ٱلْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ … } الآية : حيث أخبر أنه يعلم ذلك ومحفوظ عليه الظواهر من أمره . وقال بعضهم : { لَهُ مُعَقِّبَاتٌ } : الملائكة الذين يحفظونه ، وعلى ذلك روي في الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يجتمعون فيكم عند صلاة العصر وصلاة الصبح يحفظونه من بين يديه ومن خلفه " ، مثل قوله : { عَنِ ٱلْيَمِينِ وَعَنِ ٱلشِّمَالِ قَعِيدٌ } [ ق : 17 ] قال : الحسنات من بين يديه والسيئات من خلفه ؛ الذي عن يمينه . وقوله - عز وجل - : { لَهُ مُعَقِّبَاتٌ } يحتمل قوله : { لَهُ } ، أي : لله معقبات يحفظونه ، ويحتمل : { لَهُ } من كل ذكر وأنثى ؛ يكون مثله قوله : { يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَىٰ } . وقوله : { يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ } يحتمل قوله : { يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ } ، أي : يحفظون نفسه من البلايا والنكبات التي تنزل على بني آدم ؛ فإن كان في حفظ نفسه فقوله من أمر الله ؛ أي : من عذاب الله وبلاياه ؛ كقوله : { حَتَّىٰ إِذَا جَآءَ أَمْرُنَا } [ هود : 40 ] ، وهو عذابنا . ويحتمل قوله : يحفظون أعماله ؛ بأمر الله ، ثم يحتمل قوله : { مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ } [ وجوهاً : يحتمل : من بين يديه : الخيرات التي يعملها ، ومن خلفه ] : الشرور والسيئات ، ويحتمل قوله : { مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ } : ما قدّم من الأعمال ، { وَمِنْ خَلْفِهِ } : ما بقي وأخّر ؛ كقوله : { عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ } [ الانفطار : 5 ] ويحتمل { مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ } : ما مضى من الوقت ، { وَمِنْ خَلْفِهِ } : ما بقي . والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ } . يشبه أن يكون هذه النعمة ؛ نعمة الدين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو القرآن ، أو ما كان في أمر الدين ؛ لا يغير ذلك عليهم إلا بتغيير يكون منهم ؛ كقوله : { ثُمَّ ٱنصَرَفُواْ صَرَفَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُم } [ التوبة : 127 ] ؛ وكقوله : { فَلَمَّا زَاغُوۤاْ أَزَاغَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمْ } [ الصف : 5 ] . ويحتمل أن يكون ذلك في النعمة الدنياوية ؛ من الصحة والسلامة والمال ، لا يغير ذلك عليهم إلا بتغيير ذلك من أنفسهم . فإن قيل : إن الأنبياء قد كانوا بلوا بشدائد وبلايا ؛ ولا يحتمل أن يكون ذلك منهم البداية في التغيير . قيل : أبدلت لهم مكان تلك النعمة خيراً منها فليس ذلك بتغيير ؛ ولكن لما ذكرنا أنه أبدلت لهم مكان النعمة نعمة هي خير منها . ثم ما كان من النعم ؛ والأفضال من الطاعات لها حق التجدد والحدوث ؛ يكون التغيير عليهم حالة اختيارهم ؛ وتغييرهم على أنفسهم ، وأما الأفعال التي لها حق البقاء ؛ يكون التغيير من الله من بعد ؛ وهو من نحو السلامة والصحة والسعة ، والذي له حق التجدد والحدوث الطاعات والمعايى . وقوله - عز وجل - : { وَإِذَا أَرَادَ ٱللَّهُ بِقَوْمٍ سُوۤءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ } . الآية ترد على المعتزلة قولهم ؛ لأنهم يقولون : إنه لا يريد إلا ما هو أصلح لهم في الدين ، وقد أخبر أنه إذا أراد بهم سوءاً ؛ { فَلاَ مَرَدَّ لَهُ … } [ الآية ] . دل هذا أنه قد يريد بهم السوء إذا غيروا هم ما أنعم الله عليهم ، أراد أن يغير عليهم والمعتزلة يقولون يملك الخلق دفع سوء إرادة الله بهم ، وإذا أراد الخير يملكون رد ذلك ، والله يقول : { فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ } [ يونس : 107 ] ولا مردّ لسوئه . وقوله - عز وجل - : { وَمَا لَهُمْ مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ } . أي : ليس لهم في دفع العذاب الذي أراد بهم ولي يدفع عنهم أو نصير ينصرهم ؛ كقوله : { وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ } [ البقرة : 107 ] .