Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 14, Ayat: 1-3)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { الۤر كِتَابٌ } : الر : كناية عن حروف مقطعة جعلها - بالحكمة - كتاباً . { أَنزَلْنَاهُ } : أي : جمعناها [ وأنزلناها ] وجعلناها كتاباً ؛ أعني تلك الحروف المقطعة كتاباً ؛ وأنزلناه إليك بعدما لم تكن تدري ما الكتاب ؛ وهو كما قال : { مَا كُنتَ تَدْرِي مَا ٱلْكِتَابُ وَلاَ ٱلإِيمَانُ } [ الشورى : 52 ] ؛ وقوله : { وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ } [ العنكبوت : 48 ] . { لِتُخْرِجَ ٱلنَّاسَ } . وما يضاف الإخراج إلى الله فإنه يكون بإعطاء الأسباب ، وحقيقة ما يكون به الأفعال ، وهي القدرة ، وما يضاف الإخراج إلى الرسل ؛ فإنه لا يكون إلا بإعطاء الأسباب ؛ لأنه لا يملك أحد سواه إعطاء ما به يكون الفعل ، ثم الأسباب تكون بوجهين : أحدهما : الدعاء إلى ذلك . والثاني : ما أتي بهم من البيان والحجة على ذلك ؛ فهو الأسباب التي يملك الرسل إتيانها ، وأما ما به حقيقة الفعل ؛ فإنه لا يملكه إلا الله . وقوله : { لِتُخْرِجَ ٱلنَّاسَ مِنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ } قيل : من الكفر إلى الإيمان ، سمى الكفر : ظلمات ؛ وهو واحد ؛ لأنه يستر جميع منافذ الجوارح ؛ من البصر والسمع واللسان ؛ يبصر ما لا يصلح ؛ ويسمع ما لا يصلح ، وكذلك القول : يقول ما لا يصلح ، وكذلك جميع الجوارح والإيمان يرفع ويكشف جميع الحجب والستور ؛ ويضيء له كل مستور . والثاني : قوله : { مِنَ ٱلظُّلُمَاتِ } أي : من الشبهات إلى النور ؛ أي : إلى الإيمان والهدى . وقوله : { لِتُخْرِجَ ٱلنَّاسَ مِنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ } الإخراج المضاف إلى الله والهداية تخرج على وجوه أربعة : أحدها : يأمر ويدعوهم إلى ما ذكر . والثاني : يكشف ويبين . والثالث : يرغب ويرهب ، حتى يرغبوا في المرغوب ويحذروا المرهوب . والرابع : تحقيق ما يكون به الهداية ؛ وذلك لا يكون إلا بالله ؛ وهو التوفيق والعصمة ، وأما الوجوه الثلاثة الأُول فإنها تكون برسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ يأمر ويدعو ؛ ويرغب ويرهِّب ؛ ويبين ويكشف . والله أعلم . وقوله : { الۤر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ ٱلنَّاسَ } كأنه قال : كتاب أنزلناه إليك ؛ لتأمر الناس بالخروج مما ذكر إلى ما ذكر . الثاني : أنزلناه لتخرج به الناس مما ذكر . { بِإِذْنِ رَبِّهِمْ } . قيل : بأمر ربهم ؛ أي : تدعوهم بأمر ربهم . وقال قائلون : بعلم ربهم ؛ أي : أنزل هذه الحروف المقطعة بعلمه . والثالث : يحتمل بتوفيق ربهم الإذن من الله ، يحتمل [ أحد ] هذه الوجوه التي ذكرنا : الأمر والعلم والتوفيق . وقوله - عز وجل - : { إِلَىٰ صِرَاطِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَمِيدِ } . [ العزيز الحميد ] هو الله ؛ أي : يدعوهم إلى طريق الله الذي من سلكه نجا . { ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَمِيدِ } سمي عزيزاً ؛ لأن كل عزيز به يعز ، أو يقال : عزيز ؛ لأنه عزيز بذاته ليس بغيره كالخلائق ، أو العزيز : هو الذي لا يغلب ، والحميد : هو الذي لا يلحقه الذم في فعله ؛ كالحكيم : هو الذي لا يلحقه الخطأ في تدبيره . وقال أهل التأويل : العزيز : المنيع ، والحميد : الذي [ هو ] يقبل اليسير من العبادة . وقوله - عز وجل - : { ٱللَّهِ ٱلَّذِي لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } . من قرأ بالخفض صيّره موصولا بالأول ، وجعله كلاماً واحداً ؛ وأتبع الخفض بالخفض . ومن قرأ بالرفع : { ٱللَّهِ ٱلَّذِي } جعله مقطوعاً عن الأول [ على ] حق الابتداء ؛ فقال : { ٱللَّهِ ٱلَّذِي لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } . ذكر قوله : { ٱللَّهِ ٱلَّذِي لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } ؛ ليعلم أنه بما يأمر الخلق ؛ ويدعوهم إلى دينه ؛ ويمتحنهم بأنواع المحن لا يفعل ذلك لمنافع نفسه أو لحاجته في ذلك ؛ بل لحاجة الممتحنين ولمنافعهم . وقوله - عز وجل - : { وَوَيْلٌ لِّلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ } . قال قائلون : الويل : [ هو ] الشدة ، وقيل : الويل : هو اسم وادٍ في جهنم . وقال الأصم : الويل : هو نداء كل مكروب وملهوف من شدة البلاء ، وقول الحسن كذلك . وقوله - عز وجل - : { ٱلَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا عَلَى ٱلآخِرَةِ } . وصف أولئك الذين ذكر أن فيهم الويل من هم ؛ فقال : { ٱلَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا عَلَى ٱلآخِرَةِ } أي : آثروا واختاروا الحياة الدنيا على الآخرة ؛ أي : رضوا بها واطمأنوا فيها ؛ كقوله : { وَرَضُواْ بِٱلْحَيٰوةِ ٱلدُّنْيَا وَٱطْمَأَنُّواْ بِهَا } [ يونس : 7 ] اختاروا الحياة الدنيا للدنيا ؛ لم يختاروا للآخرة ؛ فالدنيا أنشئت لا للدنيا ولكن إنما أنشئت للآخرة ؛ فمن اختارها لها ؛ لا ليسلك بها إلى الآخرة - ضلّ وزاغ عن الحق . وقوله : { ٱلَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا عَلَى ٱلآخِرَةِ } [ وهو ما ذكرنا ] : يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة ؛ حتى يلهوا عن الآخرة ؛ ويسهوا فيها ويغفلوا ، وإلا أهل الإسلام ربما يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة ، وهو ما ذكرنا : أنهم يختارون ذلك للآخرة ، وأولئك للدنيا . وقوله - عز وجل - : { وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } . يحتمل { وَيَصُدُّونَ } : وجهين : أحدهما : أعرضوا هم بأنفسهم . والثاني : صرفوا الناس عن سبيل الله ؛ الذي من سلكه نجا ، [ لكن ] إنما يتبين ويظهر ذلك بالمصدر صدَّ يصدُّ صدّاً : صرف غيره ، وصدَّ يصدّ صدوداً : أعرض هو بنفسه . { وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً } . أي : طعناً وعيباً فيه ، دلَّ هذا على أن الآية في الرؤساء منهم والقادة الذين كانوا يصدون الناس عن سبيل الله ويبغون في دين الله الطعن والعيب ؛ فما وجدوا إلى ذلك سبيلا قط . وقوله - عز وجل - : { أُوْلَـٰئِكَ فِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ } . الضلال : يحتمل وجوهاً : يحتمل : ( الضلال ) : أي : هلكوا هلاكاً لا نجاة فيه قط . ويحتمل الحيرة والتيه ؛ أي : تحيروا فيه وتاهوا حتى لا يهتدوا أبداً . ويحتمل ( الضلال ) البطلان ؛ أي : في بطلان بعيد ؛ حتى لا يصلحوا أبداً ، وهو في قوم علم الله أنهم لا يهتدون أبداً ؛ ويختمون على الضلال ، والله أعلم .