Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 14, Ayat: 4-8)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ } . لو كان غيره من الكتب أرسلت بغير لسان الأمم لكان هذا الكتاب يجب أن يكون مبعوثاً بلسان قومه ؛ لأنه جعل هذا الكتاب نفسه حجة وآية لرسالته ؛ لأنهم يعجزون عن إتيان مثله ؛ وهو كان بلسانهم ؛ ليعلموا أنه [ جاء من الله ] ؛ إذ لو كان من اختراع الرسول - لقدروا [ هم ] على اختراع مثله ؛ لأن لسانهم مثل لسانه ، فإذا عجزوا عن إتيان مثله - دلَّ أنه منزَّل من الله تعالى لا من عند الخلق . ثمّ يحتمل قوله : { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ } وجوهاً : قال قائلون : هذا بعد ما اختلفت الألسن ؛ أرسل هذا وفيه أنباء أوائلهم الذين كان لسانهم غير لسان هؤلاء ، وأخبارهم ليعلموا أنه إنما عرف تلك الأنباء والأخبار التي كانت بغير لسانهم بالله . وقال بعضهم : أرسل بلسان قومه ؛ لئلا يكون لهم مقال كقوله : { لَوْلاَ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ … } الآية [ فصلت : 44 ] . والثالث : أنه إذا كان بلسانهم يكون آلف وأقرب إلى القبول ؛ من إذا كان بغيره ؛ إذ كل ذي نوع وجنس يكون بجنسه ونوعه آلف من غير نوعه وجوهره ؛ [ وهو ] كقوله : { وَلَوْ جَعَلْنَٰهُ مَلَكاً لَّجَعَلْنَٰهُ رَجُلاً } [ الأنعام : 9 ] إذ ليس في وسع البشر رؤية الملك والنظر إليه على ما هو عليه ، فعلى ذلك : كل ذي لسان يكون بلسانه أفهم وأقرب للقبول وآلف من غيره . وقوله - عز وجل - : { لِيُبَيِّنَ لَهُمْ } . قال قائلون : ليكون أبين لهم وأفهم . وقال قائلون : ليبين لهم فيفهموا قول رسولهم . وقوله : { لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ ٱللَّهُ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ } . أي : يضل الله من آثر سبب الضلال ، ويهدي من آثر سبب الذي به يهتدي ؛ يهديه ذلك . وقال قائلون : يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء : هذا حكم الله ؛ أن يضل المكذبين ويهدي المصدقين ، لكن الوجه فيه ما ذكرنا بدءاً [ أنه ] يضل من آثر سبب الضلال ؛ ويهدي من يشاء [ هذا حكم الله : أن يضل المكذبين ويهدي المصدقين ] ؛ أي : من آثر سبب الاهتداء . { وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } [ العزيز ] ؛ لأن جميع الخلائق مفتقرون إليه لأنه يعزّ من عزّ . أو أن يكون العزيز : هو الذي لا يغلب ، والحكيم : هو الذي لا يلحقه الخطأ في الحكم والتدبير ، أو الحكيم في بعث الرسل وفي جميع فعله ، ولم يؤخذ عليه في فعله خطأ قط ، مصيبٌ وضع كل شيء موضعه . وقوله - عز وجل - : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَآ } . يحتمل آياته : حججه وبراهينه التي أرسل بها على وحدانية الله وألوهيته . ويحتمل آياته : التي بعثها إلى موسى ليقيمها على رسالته . إن شئت قلت : آياته : حججه وإن شئت سميتها أعلاماً ، والآيات والأعلام والحجج - كله واحد ؛ فيكون أعلام وحدانية الله وألوهيته أو أعلام رسالته . وقال قائلون : { بِآيَاتِنَآ } : أي : بديننا ، أي : أرسلنا موسى بديننا ، ليدعوهم إليه . { أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ } . وعلى ذلك بعث جميع الرسل والأنبياء ، بعثوا ليخرجوا قومهم من الظلمات إلى النور ، وقد ذكرنا هذا في غير موضع . وقوله - عز وجل - : { وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ ٱللَّهِ } . التذكير : هو العظة ؛ أي : عظهم بأيام الله . قال قائلون : أيام الله : نعمه . قال قتادة : أمره أن يذكرهم بنعم الله التي أنعمها عليهم ؛ فإن لله عليكم أياماً من النعم ؛ كأيام القوم ؛ كم من خير قد أعطاه الله تعالى لكم ؛ وكم من سوء [ قد ] صرفه الله تعالى عنكم ، [ وكم من كرب نفسه الله تعالى عنكم ] ، وكم من غَمٍّ فرجه الله تعالى عنكم ؛ فاللهم ربنا لك الحمد . وقال قائلون : أيام الله : وقائعه ؛ أي : ذكّرهم بوقائع الله في الأمم السالفة ؛ كيف أهلكهم لما كذبوا [ الرسل ] . هذا يحتمل : أن يذكرهم بنعم الله التي كانت على المصدقين بتصديقهم ؛ وهو ما أنجى المصدقين من التعذيب والإهلاك ؛ إهلاك تعذيب . أو ذكر المكذبين منهم بالوقائع التي كانت على أولئك بالتكذيب ؛ وهو الإهلاك . ويشبه أن يكون قوله : { بِأَيَّامِ ٱللَّهِ } : الأيام المعروفة نفسها ، أمره أن يذكرهم بها ؛ لأن الأيام تأتي بأرزاقهم ؛ وتمضي بأعمالهم وأعمارهم ؛ إن كان خيراً فخير وإن كان شرّاً فشر ، وتفني أعمارهم وآجالهم ، وفيما تأتي بأرزاقهم نعمة من الله عليهم ، وفي ذهاب أعمارهم وآجالهم إظهار سلطان الله وقدرته ، فأمره أن يذكرهم بذلك . والله أعلم . هذا يشبه أن يكون أمر موسى أن يذكر بني إسرائيل ما كان عليهم من فرعون ؛ من أنواع التعذيب ، ثم الإنجاء من بعد ، يقول - والله أعلم - ذكّرهم الأيام الماضية وما يتلوها ، وهذا أشبه وأقرب . والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ } قد ذكرنا أن الصبر : هو كف النفس عن معاصي الله وعن جميع مناهيه ، والشكر : هو الرغبة في طاعته ، أخبر أن فيما ذكر آيات لمن كف نفسه عن المعاصي ؛ ورغب في طاعته ، لا لمن تطاول على الرسل ؛ وتكبر عليهم ؛ وترك إجابتهم ؛ ولم يرغب فيما دعوه إليه ، ليس لأمثال هؤلاء عبرة وآية ولكن لمن ذكرنا . ويشبه أن يكون الصبار والشكور كناية عن المؤمن لأن كل من آمن بالله ووحَّده - اعتقد الكفّ عن جميع معاصيه ، والرغبة في كل طاعته ، وإن كان يقع أحياناً في معصيته ، فكأنه قال : إن في ذلك لآيات للمؤمنين ، على ما ذكر في غيره من الآيات ؛ من ذلك قوله : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ } [ الحجر : 77 ] و { لِّلْمُوقِنِينَ } [ الذاريات : 20 ] و { لِّلْمُتَّقِينَ } [ البقرة : 2 ] ؛ ونحوه . والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنجَاكُمْ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ } . يشبه أن يكون [ هذا ] على الإضمار ؛ وهو ما ذكر في آية أخرى ؛ أي : اذكروا نعمة الله عليكم { إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَآءَ وَجَعَلَكُمْ مُّلُوكاً … } الآية [ المائدة : 20 ] . واذكروا أيضاً : { إِذْ أَنجَاكُمْ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ } قيل يعذبونكم { سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ } . وقال قائلون : يكلفونكم سوء العذاب { وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ } . السوم : الإذاقة والتعريض ؛ يقال : سامني كذا : أي : أذاقني وعرضني ، ويقال : سمت الدابة على الحوض : أي : عرضتها . { وَفِي ذٰلِكُمْ بَلاۤءٌ مِّن رَّبَّكُمْ عَظِيمٌ } هذا أيضاً قد ذكرناه ؛ فيما تقدم في سورة البقرة والأعراف . والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَإِذْ تَأَذَّنَ } . قال بعضهم : { وَإِذْ تَأَذَّنَ } قال ربكم . وقيل : إذ أعلم ربكم وأخبر ، والعرب ربما قالت : أفعلت في معنى تفعلت ؛ فهذا من ذلك ، ومثله في الكلام : أوعدني وتوعدني ؛ وهو قول الفراء ، وحقيقته : وعد ربكم أو كفل ربكم ؛ لئن شكرتم لأزيدنكم ، لم يقل : لئن شكرتم نعمة كذا ، ولا بيّن أي نعمة : النعم كلها ، أو نعمة دون نعمة ، ولا قال : شكرتم بماذا ، وقال لأزيدنكم ؛ لم يذكر الزيادة في ماذا ؛ ومن أي : شيء هي . فيشبه أن يكون قوله : { لَئِن شَكَرْتُمْ } بالتوحيد ؛ أي : وحّدتم الله في الدنيا ؛ فيما خلقكم خلقاً ؛ وركّب فيكم ما تتلذذون وتتنعمون في الدنيا ؛ وفيما قومكم من أحسن تقويم . { لأَزِيدَنَّكُمْ } النعم الدائمة في الآخرة ؛ فيصير على هذا التأويل كأنه قال : لئن أتيتم شاكرين في الآخرة لأزيدنكم النعم الدائمة ، وإلى هذا يذهب ابن عباس رضي الله عنه ؛ أو قريب منه ؛ ألا ترى أنه قال : { وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ } أي : ولئن كفرتم ولم توحدوه ؛ وأشركتم غيره فيه ؛ وصرفتم شكر تلك النعم إلى غيره إن عذابي لشديد . ويحتمل أن يكون كل نعمة يشكرها يزيد له من نوعها في الدنيا ؛ ويدوم ذلك له . وفي قوله : { لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ } لطف وفضل ؛ لأن الشكر هو المجازاة والمكافأة لما سبق ، والله تعالى لا يكافئ فيما أنعم ؛ لأنهم يستزيدون لأنفسهم الزيادة بالشكر الذي ذكر ؛ فهو ليس بشكر في الحقيقة ، لكن هذا [ منه لطف ] ذكره ؛ وهو كما قال الله تعالى : { وَأَقْرَضُواْ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً … } الآية [ الحديد : 18 ] وقال : { إِنَّ ٱللَّهَ ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ … } الآية [ التوبة : 111 ] فهذه الأنفس والأموال في الحقيقة لله ؛ ليست لهم ؛ فهم فيما يقرضون ، [ يقرضون ] لأنفسهم ، وكذلك في الشراء يشترون لأنفسهم من مولاهم ، لكنه ذكر شراه [ من أنفسهم ] ؛ لطفاً منه وفضلا ؛ فعلى ذلك فيما ذكر من الشكر له يطلبون الزيادة لأنفسهم ؛ لطفاً منه ، وإن كان الشكر في الظاهر موضوعه المكافأة لما سبق ، فهو فيما بين الرب والعباد ليس بمكافأة ؛ ولكن سبب الزيادة ، ولكن سمي شكراً ؛ لطفاً منه وفضلا على ما ذكر التصدق قرضاً ؛ والله أعلم ، ألا ترى أنه قال : { إِن تَكْفُرُوۤاْ أَنتُمْ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ ٱللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ } أي : غني [ بذاته ، ليس يأمر ما يأمر لحاجة نفسه ، ولا لمنفعة له ، ولكن ما امتحنكم إنما امتحنكم لحاجة أنفسكم ؛ ولمنفعة أبدانكم . وقال بعضهم : قوله : { إِن تَكْفُرُوۤاْ أَنتُمْ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ ٱللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ } أي : غني ] عن عبادة خلقه ؛ حميد عند خلقه ؛ وهو ما ذكرنا أنه ليس يأمرهم فيما يأمر لمنفعة نفسه أو لحاجة نفسه ؛ ولكن لمنافع تحصل للخلق ولحوائج تبدو لهم ، وكذلك النهي عما ينهى ليس ينهى لخوف مضرّة تلحقه ؛ ولكن للضرر يلحقهم ولآفة تتوجه إليهم . يخبر - عز وجل - عن غناه ؛ عما يأمر خلقه من طاعته وعبادته وتوجيه الشكر إليه . والحميد : هو الذي لا يلحقه الذمّ في فعله ، يقول - والله أعلم - : إنهم ؛ [ وإن كفروا ] وكان علم الله منهم أنهم يكفرون ؛ فعلمه بذلك لا يجعله في إنشائهم مذموماً . والله أعلم .