Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 15, Ayat: 1-9)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { الۤر تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُّبِينٍ } . قد ذكرنا فيما تقدم : أنه يحتمل أن الحروف المقطعة كناية عن كتابه وآياته ، أو آياته ؛ أنه جمعها على ما توجبه الحكمة ؛ فجعلها كتاباً أو [ آيات كتاب يتلى ] ، أو يكون كناية عن الإنباء والإخبار عن الأمم السالفة ؛ التي لم يشهدها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، تلك الأنباء والأخبار التي جعلناها كتاباً أو آيات ؛ ليعلموا أن هذا الكتاب إنما نزل من السماء ، وأنه إنما علم بالوحي من الله ، وقد ذكرنا هذا في غير موضع . { وَقُرْآنٍ مُّبِينٍ } . قال : بيَّن فيه ما يؤتى ، وما يتقى . أو { مُّبِينٍ } : يبين بين الحقّ والباطل . والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { رُّبَمَا يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِينَ } . قال عامة أهل التأويل : إنما يودون الإسلام والتوحيد ، بعد ما عذب بالنار قوماً من أهل التوحيد بذنوبهم ، ثم أخرجوا منها بالشفاعة أو بالرحمة ، فعند ذلك يتمنى أهل الشرك ؛ ويودّون الإسلام والتوحيد ؛ لكن هذا بعيد ألا يتمنوا إلا في النار بعد ما أخرج أولئك وقد أصيبوا الشدائد والبلايا ؛ من قبل أن يأتوا النار ، قال الله تعالى : { حَتَّىٰ إِذَا جَآءَ أَحَدَهُمُ ٱلْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ٱرْجِعُونِ * لَعَلِّيۤ أَعْمَلُ صَالِحاً } الآية [ المؤمنون : 99 - 100 ] أخبر أنه يتمنى عند حلول الموت - الإسلام ؛ حيث طلب الرجوع إلى الدنيا ، دلّ أنهم يودون الإسلام ؛ قبل الموت الذي ذكروا ، أو يتمنون الإسلام إذا حوسبوا ، أو إذا بعث أهل الجنة [ إلى الجنة وبعثوا هم ] إلى النار ، يتمنون الإسلام قبل ذلك بمواضع ، وربما يتمنى الآحاد من الكفرة ، ويودّون لو كانوا مسلمين في أحوال ؛ وأوقات ؛ يظهر لهم الحق ، وقد بان لهم الحق ؛ لكن الذي يمنعهم عن الإسلام - فوت شيء من الدنيا ، وذهاب شيء قد طمعوا فيه . وقال الحسن في قوله : { الۤر تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ } : قسم ؛ لما ذكر : { رُّبَمَا يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِينَ } ؛ يقول : أقسم بالحروف المقطعة أنهم يودّون الإسلام . والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ } . هذا ليس على الأمر ، ولكن على الوعيد ، والتهديد ، والإبلاغ في الوعيد ، وتأكيد ؛ كقوله : { ٱعْمَلُواْ مَا شِئْتُمْ … } الآية ، [ فصلت : 40 ] هو على الوعيد ؛ حيث قال : { إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } [ فصلت : 40 ] فعلى ذلك قوله : { ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ } وعيد بقوله : { فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } ، ويشبه أن يكون : ذرهم ولا تكافئهم بصنيعهم . وقوله - عز وجل - : { فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } المحقّ من المبطل ، وأن المحقّ والمبطل من أنت أو هم ؟ أو سوف يعلمون نصحك إياهم ، وشفقتك لهم ، أنك نصحت لهم ، وأشفقت عليهم لا أن خنتهم أو يعلموا بما سخروا بكم وهزءوا . وقوله : { وَيُلْهِهِمُ ٱلأَمَلُ } . الأمل : الطمع ، اختلف فيه : قال بعضهم : [ أي ] : منعهم طمعهم أنهم وآباءهم قد أصابوا الحق ، ذلك منعهم عن الإجابة ، والنظر في الآيات والحجج . والثاني : تقديرهم بامتداد حياتهم ؛ ليبقى لهم الرياسة ، والشرف ، ذلك الذي كان يمنعهم عن الإجابة له ، والانقياد له ، والنظر في الآيات والحجج . والثالث : يطمعون هلاك النبي صلى الله عليه وسلم ، ويتمنون ذلك ، وانقطاع ملكه ، وأمره ، والعود إليهم ، فذلك الذي كان منعهم . وفي حرف حفصه : ( ذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا وَيُلْهِهِمُ ٱلأَمَلُ ) . وقوله : { ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ … } الآية في قوم علم الله أنهم لا يؤمنون ، آيس رسوله عن إيمانهم ؛ وهو كقوله : { وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } [ الأنعام : 110 ] . وقوله - عز وجل - : { وَمَآ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَهَا كِتَابٌ مَّعْلُومٌ } . قال الحسن : وما أهلكنا من أهل قرية إهلاك تعذيب ؛ إلا وقد أرسلنا إليهم رسلا بكتاب معلوم ، نتلو ذلك الكتاب المعلوم عليهم ؛ فإذا كذبوهم وأيسوا من إيمانهم ؛ فعند ذلك يهلكون هلاك تعذيب ، وهو ما قال : { وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ ٱلْقُرَىٰ حَتَّىٰ يَبْعَثَ فِيۤ أُمِّهَا رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا } [ القصص : 59 ] ، فعلى ذلك الأول . وقال بعضهم : { وَمَآ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَهَا كِتَابٌ مَّعْلُومٌ } يقول : كتاب فيه أجل معلوم مؤقت لها ؛ على هذا التأويل ؛ كأنه قد خرج جواباً لقول كان من أولئك الكفرة من استعجالهم الإهلاك . وقوله - عز وجل - : { مَّا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ } . أي : ما تسبق أمة عن أجلها الذي جعل الله لها بالإهلاك ، وما تستأخر عنه ، وهو ما قال : { لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ } [ الأعراف : 34 ] [ أي : ما يستأخرون ساعة عن الوقت الذي جعل لهم ولا يستقدمون ] . فهذا ينقض على المعتزلة قولهم ؛ حيث قالوا : إن الله يجعل لخلقه آجالا ، ثم يجيء آخر فيقتله قبل الأجل الذي جعله له ، والله يقول : { لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ } [ الأعراف : 34 ] ، وقال : { وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلْعَذَابِ وَلَوْلاَ أَجَلٌ مُّسَمًّى لَّجَآءَهُمُ ٱلْعَذَابُ } [ العنكبوت : 53 ] يخبر أنه لجاءهم العذاب ؛ لولا ما جعل من أجل مسمى ؛ قد وعد جلَّ وعلا أن يفي بما وعد ؛ من البلوغ إلى الأجل الذي سمى . وعلى قول المعتزلة : لا يملك إنجاز ما وعد ؛ لأنه يجيء إنسان ؛ فيقتله ؛ فيمنع الله عن وفاء ما وعد ، فذلك عجز وخلف في الوعد ، فنعوذ بالله من السرف في القول ، والزيغ عن الحق . وقوله - عز وجل - : { وَقَالُواْ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ ٱلذِّكْرُ } يعني : القرآن . { إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ } . قال الحسن : قوله : يا أيها الذي تدعي أنه نزل عليه الذكر : إنك لمجنون ؛ فيما تدعي من نزول الذكر ، هو على الإضمار الذي قال الحسن ، وإلا في الظاهر متناقض ؛ لأنهم كانوا لا يقرون بنزول الذكر عليه ؛ لأنهم لو أقروا نزول الذكر عليه لكان قولهم متناقضاً فاسداً . { إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ } سموه مجنوناً ، والذي حملهم على تسميتهم إياه مجنوناً وجوه : أحدها : [ أنهم ] لما رأوه أنه قد أظهر الخلاف لذوي العقول منهم والأفهام ، والدعاء إلى غير ما هم فيه ؛ فرأوا أنه ليس يخالف أهل العقول والفهم إلا بجنون به ؛ فسموه مجنوناً . والثاني : رأوه قد أظهر الخلاف للفراعنة والجبابرة ، الذين كانت عادتهم القتل والهلاك من أظهر الخلاف لهم ؛ في أمر من أمورهم الدنياوية ؛ فكيف من أظهر [ الخلاف لهم ] في الدين ؛ فظنوا أنه ليس يخالفهم ، ولا يخاطر بنفسه وروحه إلا لجنون فيه . والثالث : قالوا ذلك لما رأوه ؛ كان يتغير لونه عند نزول الوحي عليه ؛ فظنوا أن ذلك لآفة فيه ، ومن تأمل حقيقة ذلك علم أن من قرفه بالجنون فيه هو المجنون لا هو ؛ حيث قال : { أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَاحِبِهِمْ مِّن جِنَّةٍ … } الآية [ الأعراف : 184 ] وقال : { مَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ } [ القلم : 2 ] أخبر أنهم لو تفكروا عرفوا أنه ليس به جنة ، ولكن عن معاندة ومكابرة ؛ يقولون ؛ وجهلٍ ، وسموه مرة ساحراً ؛ فذلك تناقض في القول ؛ لأنه لا يسمى ساحراً إلا لفضل بصر وعلم ؛ فذلك تناقض . وقوله - عز وجل - : { لَّوْ مَا تَأْتِينَا بِٱلْمَلائِكَةِ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ } . تأويله - والله أعلم - يقولون له : إنك تزعم أن الملائكة يأتونك بالوحي ، فهلا أظهرت لنا إذا أتوك ؛ فننظر إليهم أملائكة هم - على ما تزعم - أم شياطين ؟ وقال بعضهم : لو ما تأتينا بالملائكة فيشهدون أنك رسول الله ، وأنت أرسلت على ما تدعي من الرسالة ؛ فقال : { مَا نُنَزِّلُ ٱلْمَلائِكَةَ إِلاَّ بِٱلحَقِّ } : [ إلا بالموت ] { وَمَا كَانُواْ إِذاً مُّنظَرِينَ } . قال بعضهم : أنْ ليس في وسع البشر رؤية الملائكة على صورتهم ؛ فقال : { مَا نُنَزِّلُ ٱلْمَلائِكَةَ إِلاَّ بِٱلحَقِّ } : إلا بالموت ، لو رأوا ؛ لماتوا ؛ لما لم يجعل في وسعهم رؤية الملائكة ، وهو كقوله : { وَقَالُواْ لَوْلاۤ أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ … } الآية [ الأنعام : 8 ] أخبر أنه لو أنزل [ عليهم الملك ] - لماتوا ؛ إذ ليس في وسعهم رؤية الملائكة على صورتهم ، ثم أخبر أيضاً أنه لو جعله ملكاً لجعله رجلا ، ويكون في ذلك لبس على أولئك . وقال بعضهم : { مَا نُنَزِّلُ ٱلْمَلائِكَةَ إِلاَّ بِٱلحَقِّ } : أي : إلا بالحجج والآيات والبراهين على الرسل ، وعلى من هو أهل لذلك ، ليس على كل أحد . وقال بعضهم : { إِلاَّ بِٱلحَقِّ } : أي : إلاَّ بالعذاب الذي يكون فيه هلاكهم ، وهكذا إن الملائكة لا تنزل إلا بالعذاب الذي فيه هلاكهم أو بالحجج والبراهين . والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذِّكْرَ } يعني القرآن { وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } . حتى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وفيما وكل الحفظ إلى نفسه ؛ لم يقدر أحد من الطاعنين مع كثرتهم منذ نزل موضع الطعن فيه ، وذلك يدلّ أنه سماوي ، وأنه محفوظ . وقال بعضهم : { وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } : أي : محمداً عليه أفضل الصلوات : أي : نحفظه بالذكر الذي أنزل عليه ؛ كقوله : { وَٱللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِ } [ المائدة : 67 ] وكقوله : { قُلْ إِن ضَلَلْتُ فَإِنَّمَآ أَضِلُّ عَلَىٰ نَفْسِي … } الآية [ سبأ : 50 ] أخبر أنه إنما يهتدي بما يوحي إليه ربّه ، فعلى ذلك يحفظه بالقرآن الذي أنزل عليه . ويحتمل [ أن يكون ] الذكر : النبوة ؛ أي : إنا نحن نزلنا النبوة ، وإنا له : أي : لرسوله ؛ لحافظون له : بالنبوة والرسالة .