Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 15, Ayat: 10-15)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي شِيَعِ ٱلأَوَّلِينَ } . قيل : في ملك الأولين . وقيل : في فرق الأولين . وقيل : في جماعات [ الأولين ] ، وهو واحد . { وَمَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } . يصبر رسوله على استهزاء قومه إياه ، وأذاهم له . يقول - والله أعلم - : لست أنت المخصوص بهذا ، ولكن لك شركاء وأصحاب في ذلك ؛ ليخف ذلك عليه ويهون ؛ لأن العرف في الخلق أن من كان له شركاء وأصحاب في شدة أصابته أو بلاء يصيبه - كان ذلك أيسر عليه ، وأهون من أن يكون مخصوصاً به ، من بين سائر الخلائق . والله أعلم . كأن هذه الآية صلة قولهم : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ ٱلذِّكْرُ } ، فكأنه لما سمع هذا اشتد عليه ، وضاق صدره بذلك ؛ فعند ذلك قال : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي شِيَعِ ٱلأَوَّلِينَ … } إلى آخره ، يصبره على أذاهم وهزئهم به ؛ فإنما يشتد عليه ذلك ؛ على قدر شفقته ونصيحته لهم ، وكان بلغ نصيحته وشفقته لهم ما ذكر : { لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ } [ الشعراء : 3 ] وقوله : { فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ } [ فاطر : 8 ] كادت نفسه تهلك ، أو ذكر هذا له لما أن هؤلاء - أعني قومه - إنما استهزءوا به تقليداً لآبائهم ، واستهزاء بهم وتلقنوا منهم ، لا أنهم أنشئوا ذلك من أنفسهم ، وأولئك - أعني : الأوائل - إنما استهزءوا برسلهم ، لا تقليداً بأحد ، ولكن إنشاء من ذات أنفسهم ، فمن استهزأ بآخر [ فشتمه ؛ تقليداً ] واقتداء وتلقناً - كان ذلك أيسر عليه وأخف ممن فعل به من ذاته ؛ لأنه إنما يلقن المجانين والصبيان ومن به آفة ، بمثل ذلك ؛ فهم الذين يعملون بالتلقين ، وأما العقلاء السالمون عن الآفات - فلا ، فذلك أهون عليه من استهزاء أولئك برسلهم والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ ٱلْمُجْرِمِينَ } . اختلف فيه : قال بعضهم : كذلك نسلك التكذيب والاستهزاء في قلوب المجرمين ؛ لا يؤمنون به ، يقول : من حكم الله أن يسلك التكذيب في قلب من اختار التكذيب وكذبه ، ومن حكمه أن يسلك التصديق في قلب من صدقه واختاره ؛ كقوله : { فَلَمَّا زَاغُوۤاْ أَزَاغَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمْ } [ الصف : 5 ] وكقوله : { وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ ٱلْفَٰسِقِينَ } [ البقرة : 26 ] . وقال بعضهم : قوله : { كَذَلِكَ } نجعل الكفر والتكذيب { فِي قُلُوبِ ٱلْمُجْرِمِينَ } بكفرهم ؛ كقوله : { وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ … } الآية [ الأنعام : 25 ] وقوله : { وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً } [ المائدة : 13 ] ونحوه . ويحتمل قوله : { نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ ٱلْمُجْرِمِينَ } الحجج والآيات ؛ ليكون تكذيبهم وردّهم [ الآيات والحجج ] ، وتكذيبهم تكذيب عناد ومكابرة ، لا يؤمنون به . وقوله : { كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ ٱلْمُجْرِمِينَ } أي : مثل الذي سلكنا في قلوب المؤمنين ؛ من قبول الآيات والحجج ، والتصديق لها ؛ لما علم أنهم يختارون ذلك - نسلك في قلوب المجرمين ؛ من تكذيب الآيات والحجج وردها ؛ لما علم منهم الرد والتكذيب لها . هذا يحتمل ، ويحتمل غير هذا مما ذكرنا . والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ ٱلأَوَّلِينَ } . يحتمل قوله : { وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ ٱلأَوَّلِينَ } بالتكذيب ، والردّ ، والمعاندة ، والمكابرة ، بعد قيام الحجج والآيات . ويحتمل : { وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ ٱلأَوَّلِينَ } : الهلاك والاستئصال عند مكابرة حجج الله ، ومعاندتهم إياها . وقال بعض أهل التأويل : { كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ } أي : نجعله ؛ على ما ذكرنا ، الكفر بالعذاب { فِي قُلُوبِ ٱلْمُجْرِمِينَ } ، { لاَ يُؤْمِنُونَ بِهِ } أي : لا يصدقون بالعذاب { وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ ٱلأَوَّلِينَ } بالتكذيب لرسلهم بالعذاب ، فهؤلاء يستنون بسنتهم . وقال أبو عوسجة : { كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ } : أي : ندخله ؛ يقال : السالك : الداخل ، والسلوك : الدخول ، وسلكت أدخلت ، وتصديقه : قوله : { كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ } [ الشعراء : 200 ] وقال : { ٱسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ } [ القصص : 32 ] أي : أدخل . وقوله - عز وجل - : { وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَاباً مِّنَ ٱلسَّمَاءِ فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ } . يخبر - عز وجل - عن سفههم وعنادهم في سؤالهم الآيات ؛ وطلب نزول الملائكة بقوله : { لَّوْ مَا تَأْتِينَا بِٱلْمَلائِكَةِ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ } يقول : إن سؤالهم الآيات ؛ وما سألوا متعنتين مكابرين ؛ ليسوا هم بمسترشدين ، لكن أهل الإسلام لا يعرفون تعنتهم بالذكر ؛ حيث قال : { وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَٰنِهِمْ لَئِن جَآءَتْهُمْ آيَةٌ … } الآية [ الأنعام : 109 ] ثم قال : { وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَآ إِذَا جَآءَتْ لاَ يُؤْمِنُونَ } [ الأنعام : 109 ] وذلك أن المؤمنين كانوا يشفعون لهم بسؤالهم الآيات لعلهم يؤمنون ؛ فأخبر : { وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَآ إِذَا جَآءَتْ لاَ يُؤْمِنُونَ } [ الأنعام : 109 ] فعلى ذلك قوله : { وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَاباً مِّنَ ٱلسَّمَاءِ فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ } يخبر أنهم بسؤالهم نزول الملائكة ؛ معاندين مكابرين - ليسوا بمسترشدين . ثم اختلف فيه : قال بعضهم : قوله : { وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم } : يعني على الملائكة بابا حتى رأوا ، وعاينوا الملائكة ينزلون من السماء ويصعدون ؛ فلا يؤمنون ؛ وقالوا : { إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا } قيل : حيرت وسدت ، { بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ } : أي : سحرت أعيننا ؛ فلا نرى ذلك . وقال بعضهم : قوله : { وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَاباً } أي : لهم { بَاباً مِّنَ ٱلسَّمَاءِ } كقوله : { وَمَا ذُبِحَ عَلَى ٱلنُّصُبِ } [ المائدة : 3 ] أي : للنصب . وقوله - عز وجل - : { فَظَلُّواْ فِيهِ } حتى { يَعْرُجُونَ } فيه ويعاينون نزول الآيات ويشاهدون كل شيء { لَقَالُواْ إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا } يؤيس رسوله وأصحابه عن إيمانهم ، وقوله تعالى : { لَقَالُواْ إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ } يقولون ذلك لشدة تعنتهم وسفههم ، وينكرون معاينة ذلك .