Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 1-2)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قال بعض أهل التأويل : سورة النحل كلها مكية إلا ثلاث آيات ؛ فإنها نزلت بالمدينة والله سبحانه أعلم بالصواب . قوله - عز وجل - : { أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ } . في قوله : { أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ } وجهان : أحدهما : أن يعرف قوله : أمر الله ، [ ما أراد به وما ] الذي استعجلوه ، وإنما استعجلوه الساعة والقيامة ؛ بقوله : { يَسْتَعْجِلُ بِهَا ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِهَا … } الآية [ الشورى : 18 ] ونحوه من الآيات . وقال بعضهم : أمر الله هو عذابه ، وكذلك [ جميع ] ما ذكر في جميع القرآن من أمر الله ؛ المعنى منه عذابه ؛ كقوله : { جَآءَ أَمْرُ ٱللَّهِ } [ الحديد : 14 ] أي : عذابه ، ونحوه . ويحتمل قوله : { أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ } : رسوله الذي كان يستنصر به أهل الكتاب على المشركين ؛ كقوله : { وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ … } الآية [ البقرة : 89 ] وكان يتمنى مشركوا العرب أن يكون لهم رسول كسائر الكفرة ؛ كقوله : { وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَٰنِهِمْ … } الآية [ الأنعام : 109 ] { فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ } ذهاب ما كنتم تتمنون بمحمد صلى الله عليه وسلم أو شيء آخر . والله أعلم . ثم إنه لم يرد بقوله : { أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ } وقوعه ؛ ولكن قربه ؛ أي : قرب آثار [ أمر ] الله ؛ كما يقال : أتاك الخبر ، وأتاك أمر كذا ؛ على إرادة القرب ؛ لا على الوقوع . وجائز أن يكون قوله : { أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ } أي : ظهر أعلام أمر الله وآثاره ، ليس على إتيان أمره من مكان إلى مكان ؛ كقوله : { جَآءَ ٱلْحَقُّ وَزَهَقَ ٱلْبَاطِلُ } [ الإسراء : 81 ] وآثاره : هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه كان به يختم النبوة ؛ فهو كان أعلام الساعة على ما روي عنه صلى الله عليه وسلم ؛ فقال : " بعثت أنا والساعة كهاتين " أشار إلى أصبعين لقربها منه . والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ } . لأنه لا منفعة لكم فيها فلماذا تستعجلونه ؟ كقوله : { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتاً أَوْ نَهَاراً مَّاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ ٱلْمُجْرِمُونَ } [ يونس : 50 ] إذ لا منفعة لهم فيه ، بل فيه ضرر عليهم . وقوله - عز وجل - : { سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ } . سبحان : هو كلمة إجلال الله يجريها على ألسن أوليائه على تنزيه ما قالت الملحدة فيه ، وتعاليه عن جميع ما نسبوا إليه من الولد ، والصاحبة ، والشريك ، وغيره من الأشباه والأضداد ، تعالى عن ذلك . سبحان الله : حرف يذكر على أثر شيء مستبعد ، أو مستعجب ، أو مستعظم ؛ جواباً لذلك ، وهو ما ذكره على أثر وصف أو قول لا يليق بالله من الولد ، والشريك ، ونحوه ؛ فقال : ( سبحان الله ) على التنزيه مما وصفوه . وقوله - عز وجل - : { يُنَزِّلُ ٱلْمَلاۤئِكَةَ بِٱلْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ } قال بعضهم : قوله : { بِٱلْرُّوحِ } أي : بالوحي الذي أنزله على رسله ، والرحمة ، أو الروح : الرحمة ؛ وهو الذي به نجاة كل من رحمه الله ، وهداه لدينه ؛ وهو ما ذكر ؛ حيث قال : { وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } [ الأنبياء : 107 ] . وقيل : الرسالة [ هي القرآن والرسالة ] ، وما ذكر روحاً ؛ لأنه به حياة الدين ؛ كما سمي الذي به حياة الأبدان أرواحاً . وقال الحسن : قوله : { بِٱلْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ } : أي : بالحياة من أمره ؛ وهو ما ذكرنا من حياة الدين . وقوله تعالى : { عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ } . أي : على من يشاء أن يختص من عباده ويختاره ، وهو مشيئة الاختيار ؛ وإن كان غيره يصلح لذلك ، وفيه دلالة اختصاص الله بعضهم على بعض ؛ وإن كان غيره يصلح لذلك . وقوله - عز وجل - : { أَنْ أَنْذِرُوۤاْ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنَاْ فَٱتَّقُونِ } . على هذا جاءت الرسل والأنبياء عليهم السلام جميعاً بالإنذار والدعاء إلى وحدانية الله ، وتوجيه العبادة إليه . وقوله : { أَنْ أَنْذِرُوۤاْ } [ هو ] صلة ما تقدم من قوله : { يُنَزِّلُ ٱلْمَلاۤئِكَةَ } أن أنذروا ، ولا يوصل بما تأخر ، ثم يخرج على الإضمار ؛ أي : أنذروا وقولوا : إنه لا إله إلا أنا فاتقون .