Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 35-37)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { وَقَالَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ نَّحْنُ وَلاۤ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ كَذٰلِكَ فَعَلَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } ، وقال في سورة الأنعام { كَذٰلِكَ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِم } [ الأنعام : 148 ] وقال : { قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَآ } [ الأنعام : 148 ] وقال هاهنا : { فَهَلْ عَلَى ٱلرُّسُلِ إِلاَّ ٱلْبَلاغُ ٱلْمُبِينُ } . و ( هل ) : هو حرف استفهام في الظاهر ، لكن المراد منه : ما على الرسول إلا البلاغ المبين ؛ [ على ما قاله أهل التأويل ، ما قد كان من الله من البيان أن ليس على الرسل إلا البلاغ المبين ] . وكذلك قوله : { هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمُ ٱلْمَلائِكَةُ } [ النحل : 33 ] أي : ما ينظرون إلا أن تأتيهم كذا . وكذلك قوله : { أَمْ لِلإِنسَانِ مَا تَمَنَّىٰ } [ النجم : 24 ] ( أم ) : هو حرف شك ، ومراده : [ ما ] للإنسان ما تمنى ، وأمثاله لما سبق من الله ما يبين لهم أن ليس للإنسان ما تمنى ، وقد ذكر [ تأويل ] قوله : { وَقَالَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ } في سورة الأنعام . ويحتمل قولهم هذا وجوهاً : أحدها : قالوا ذلك على الاستهزاء [ به ] ؛ كقوله : { وَيَقُولُ ٱلإِنسَانُ أَءِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً } [ مريم : 66 ] . والثاني : قولهم : { لَوْ شَآءَ ٱللَّهُ } أي : لو أمر الله أن نعبده ولا نعبد غيره لفعلنا ؛ كقوله : { وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَآ آبَاءَنَا وَٱللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا … } الآية [ الأعراف : 28 ] . والثالث : قالوا : لو لم يرض الله منا ذلك ما تركنا فعلنا ذلك ؛ ولكن أهلكنا . وقوله - عز وجل - : { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً } . يخبر رسوله أنك لست بأول [ رسول ] مبعوث إلى أمتك ؛ ولكن قد بعث إلى كل أمّة رسولٌ ، وهو كقوله : { وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ } [ فاطر : 24 ] يصبّره على ما يصيبه منهم من المكروه والأذى ؛ أي : لست أنت بأول من يصيبه ذلك ، بل كان لك قبلك [ إخوان ] أصابهم من أممهم ما يصيبك من أمتك . وقوله : { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ } . هو على الإضمار ؛ كأنه قال : ولقد بعثنا في كل أمة رسولا وقلنا لهم : قولوا : { أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ … } الآية ، { أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱجْتَنِبُواْ ٱلْطَّاغُوتَ } على ذلك كان بعث الرسل جميعاً إلى قومهم بالدعاء إلى توحيد الله ؛ وجعل العبادة له ، والنهي عن عبادة الأوثان دونه ؛ كقوله : { قَالَ يٰقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ } [ هود : 50 ] . ويكون قوله : { وَٱجْتَنِبُواْ ٱلْطَّاغُوتَ } : [ كقوله : ] { مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ } [ المؤمنون : 23 ] هما واحد . والطاغوت : قال بعضهم : كل من عبد دون الله فهو طاغوت . وقال الحسن : الطاغوت هو الشيطان ، أضيف العبادة إليه بقوله : { لاَّ تَعْبُدُواْ ٱلشَّيطَانَ } [ يس : 60 ] لأن من يعبد دونه يعبد بأمره ، فأضيف لذلك إليه ، وقد ذكرنا هذا أيضاً فيما تقدم . وقوله - عز وجل - : { فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى ٱللَّهُ وَمِنْهُمْ مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ ٱلضَّلالَةُ } . هذا يدل أنه لم يرد بالهدى البيان ؛ على ما قاله بعض الناس ؛ إذ قد سبق منه البيان لكل واحد ، وما ذكر أيضاً : { وَمِنْهُمْ مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ ٱلضَّلالَةُ } وهذا يرد على المعتزلة قولهم ؛ حيث قالوا : الهدى : البيان من الله ، لكن الهدى منه في هذا الموضع ليس هو البيان ، هو ما يكرم الله به عبده ؛ ويوفقه لدينه . وقوله : { فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى ٱللَّهُ } لاختياره الهدى { وَمِنْهُمْ مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ ٱلضَّلالَةُ } أي : لزمت للزومه الضلالة واختياره إياه . وقوله - عز وجل - : { فَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ … } الآية . قال الحسن : قوله : { فَسِيرُواْ } ليس على الأمر ؛ ولكن كأنه قال : لو سرتم في الأرض لرأيتم كيف كان عاقبة المكذبين ؛ بالتكذيب . وقال بعضهم : سيروا ؛ كأنه على الحجاج عليهم أن سيروا في الأرض ؛ فإنكم ترون آثار من [ كان ] قبلكم الذين أهلكوا بالتكذيب ، كان النبي يخبرهم من أنباء الأمم الخالية ؛ وما نزل بهم ، فينكرون ذلك ، فقال عند ذلك : فسيروا في الأرض فانظروا إلى آثار من كان قبلكم . ويشبه أن يكون ليس على السير نفسه ؛ ولكن على التأمل والنظر في آثار أولئك وأمورهم أنه بم نزل بهم ما نزل ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { إِن تَحْرِصْ عَلَىٰ هُدَاهُمْ } . قال أبو بكر الأصم : [ قوله : { إِن تَحْرِصْ عَلَىٰ هُدَاهُمْ } : ] كان يحب ويحرص على هدى قراباته ؛ كقوله : { إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ } [ القصص : 56 ] فقال : { فَإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي مَن يُضِلُّ } ؛ أي : لا يهديهم بضلالهم وقت ضلالهم أو لا يهديهم وقت اختيارهم الضلال ، أو لا يهدي من علم أنه يختار الضلال [ ويهلك على الضلال ] ، أو لا ينجي من يهلك على الضلال . وفيه لغات ثلاث : ( فإن الله لا يُهْدَى من يُضِل ) أي : لا يُهْدَى من أضله الله ؛ أي : إذا أضله الله فليس أحد يهديه ، و ( لا يهدي من يَضِلُّ ) ؛ ما ذكرنا ، ولا ( يَهِدِّي من يُضِلُّ ) ؛ أي : لا يهتدي من أضله الله ، والله أعلم بذلك . أو لا يهتدي في الآخرة طريق الجنة مَنْ أضله الله في الدنيا لاختياره الضلال ، وهو كقوله : { وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْكَافِرِينَ } [ البقرة : 264 ] { وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } [ الصف : 7 ] وقت اختيارهم الكفر والظلم ، أو لا يهدي من علم منه أن يختار الضلال والظلم ، أو لا يهدي من يلزم الضلال وقت لزومه . وقوله - عز وجل - : { وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ } . ظاهر تأويله .