Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 33-34)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمُ ٱلْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ } . هذا الحرف يخرج على الإياس [ له ] من إيمانهم ؛ أي : ما ينظرون لإيمانهم إلا وقت قبض أرواحهم ، أو وقت نزول العذاب عليهم ؛ أي : لا يؤمنون إلا في هذين الوقتين ، ولا ينفعهم إيمانهم في هذين الوقتين ؛ لإن إيمانهم إيمان اضطرار ؛ كقوله : { فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا قَالُوۤاْ آمَنَّا بِٱللَّهِ } [ غافر : 84 ] وكقوله : { وَإِن مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ } [ النساء : 159 ] [ يؤمنون ] عند معاينتهم بأس الله ؛ لكن لا ينفعهم إيمانهم في ذلك الوقت ، يخبر أنهم ينظرون ذلك الوقت يؤيس رسوله عن إيمانهم ، لما علم أنهم لا يؤمنون ؛ ليرفع عنه مؤنة الدعاء إلى الإيمان والقتال معهم . وقوله : { أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ } يحتمل العذاب في الدنيا ، ويحتمل عند معاينتهم العذاب في الآخرة . وقوله تعالى : { كَذَلِكَ فَعَلَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } . هذا يحتمل وجهين : أحدهما : كذلك فعل المعاندون ، والمكابرون ، الذين كانوا من قبل برسلهم ؛ من التكذيب لهم ، والعناد ، وتركهم الإيمان إلى الوقت الذي ذكر ، كما فعل قومك من التكذيب لك يا محمد والعناد . ويحتمل كذلك فعل الذين من قبلهم ؛ أي : هكذا أنزل العذاب بمن كان قبل قومك بتكذيبهم الرسل والعناد معهم ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَمَا ظَلَمَهُمُ ٱللَّهُ } بما عذبهم { وَلـٰكِن كَانُواْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } حيث وضعوا أنفسهم في غير موضعها الذي وضعها الله ، وحيث صرفوها عن عبادة من نفعهم ، وأنعم عليهم ، واستحق ذلك عليهم إلى من لا يملك نفعاً ولا ضرّاً ، ولا يستحق العبادة بحال ، فهم ظلموا أنفسهم ؛ حيث صرفوها عن الحكمة إلى غير الحكمة لا الله ؛ إذ الله وضعها ؛ حيث توجب الحكمة ذلك ، والظلم : هو وضع الشيء في غير موضعه ، والحكمة : هي وضع الشيء في موضعه ، فهم وضعوا أنفسهم في غير موضعها ، فأما الله تعالى فقد وضعها في المواضع التي توجب الحكمة وضعها . وقوله - عز وجل - : { هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمُ ٱلْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ } . كأنه قال : ما ينتظرون للإيمان بعد الحجج السمعيات ، وبعد الحجج العقليات ، والحجج الحسيات إلا نزول الملائكة بالعذاب من الله تعالى [ عليهم ] ؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أقام عليهم الحجج السمعيات والعقليات والحسيات ، فلم يؤمنوا به ولم يصدقوه ، فيقول : إنهم ما ينتظرون إلا الحجج التي تقهرهم وتضطرهم ، فعند ذلك يؤمنون ؛ وهو ما ذكر من نزول العذاب بهم . أو يقول : ما ينظرون بإيمانهم إلا الوقت الذي لا ينفعهم إيمانهم ، وهو الوقت الذي تخرج أنفسهم من أيديهم ؛ فأخبر إن إيمانهم لا ينفعهم في ذلك ، وهو ما قال : { فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ … } الآية [ غافر : 85 ] .