Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 41-44)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { وَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي ٱللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ } . كان ظلمهم إياهم على وجوه : منهم من ظلم بالإخراج من الدّيار والطرد من البلد ؛ كقوله : { إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي ٱلدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ … } الآية [ الممتحنة : 9 ] ومنهم من ظلم بالمنع عن الهجرة ، ومنهم ظلم بالمنع عن إظهار الإسلام ؛ والعمل له ، وأنواع ما أوذوا وظلموا بإظهارهم الإسلام ، وإجابتهم رسول الله ، واتباعهم إياه . ثم وعد لهم في الدنيا حسنة ؛ فقال : { لَنُبَوِّئَنَّهُمْ } : قيل : لنعطينهم ، وقيل : لنرزقنهم ، وهو واحد . { فِي ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً } . تحتمل الحسنة في الدنيا العزّ بعد الذل ، والسعة بعد الضيق ، والشدة والنصر والغلبة لهم بعد ما كانوا مقهورين مغلوبين في أيدي الأعداء ، والذكر والشرف بعد الهوان ، هذه الحسنة التي بوّأهم في الدنيا . والمهاجرة : المقاطعة ؛ كأنه قال : والذين قاطعوا أرحامهم ، وأقاربهم ، وأموالهم ، ومكاسبهم ، وديارهم ، فأبدل الله لهم مكان الأرحام والأقارب أخلاء وإخواناً ، ومكان أموالهم أموالا أخرى ، وكذلك الدور وكل شيء تركوا هنالك ؛ فأبدلهم مكان ذلك كله . وأما قوله : { وَلأَجْرُ ٱلآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } . يشبه أن يكون ذكر هذا عن حسد كان من الكفرة للمهاجرين ؛ لما أنزلهم في المدينة ، وبوأهم فيها ، وأعزهم ، ورفع ذكرهم ، وأمرهم ، ونصرهم حسدهم أهل الكفر بذلك ، فعند ذلك قال : ولأجر الآخرة لهم أكبر وأعظم في الآخرة ، لو كانوا يعلمون ما وعد لهم في الآخرة . ويحتمل أيضاً قوله : { وَلأَجْرُ ٱلآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } هؤلاء المهاجرون فيخفّ عليهم احتمال ما أوذوا وظلموا ، ويهون ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } . قال الحسن : أي : على ربهم يثقون في إنجاز ما وعد لهم في الآخرة أنه ينجز ذلك . ويحتمل قوله : { صَبَرُواْ } على أمره ، أو صبروا على الهجرة ، وانقطاع ما ذهب عنهم ، وفراق ما كان لهم . وقوله - عز وجل - : { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِيۤ إِلَيْهِمْ } . هذا - والله أعلم - يكون على إثر أمر كان من الكفرة ، نحو ما قال أهل التأويل : أنهم قالوا : { أَبَعَثَ ٱللَّهُ بَشَراً رَّسُولاً } [ الإسراء : 94 ] ، وقالوا : { لَوْلاَ أُنْزِلَ عَلَيْنَا ٱلْمَلاَئِكَةُ } [ الفرقان : 21 ] ، ونحوه ؛ من كلامهم ، فقال : { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِيۤ إِلَيْهِمْ } أي : [ إلا بشراً ، أي : لم نرسل من غير البشر ، فيكون قوله : { إِلاَّ رِجَالاً } كناية عن البشر ، أو أن يكون قوله : { إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِيۤ إِلَيْهِمْ } أي : ] لم يبعث من النساء رسولا إنما بعث الرسل من الرجال إلى الرجال والنساء ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { فَٱسْأَلُواْ أَهْلَ ٱلذِّكْرِ إِن كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ } . قال بعضهم : ليس على الأمر بالسؤال ، ولكن لو سألتم أهل الذكر لأخبروكم أنه لم يبعث الرسول من قبل إلا من البشر . وقال بعضهم : هو على الأمر بالسؤال ؛ أي : اسألوا أهل الذكر فتقلدوهم ؛ أي : إن كان لا بد لكم من التقليد فاسألوا أهل الذكر فقلدوهم ؛ ولا تقلدوا آباءكم ومن لا يعرف الكتاب ، ولكن قلدوا أهل الذكر ، [ وقوله تعالى { فَٱسْأَلُواْ أَهْلَ ٱلذِّكْرِ إِن كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ * بِٱلْبَيِّنَاتِ وَٱلزُّبُرِ } ] . قال بعضهم : فاسألوا أهل الذكر فقلدوهم ؛ إن كنتم لا تعلمون بالبينات والحجج ؛ لأنهم كانوا أهل تقليد ، لم يكونوا أهل نظر وتفكر في الحجج والبينات . ويحتمل أن يكون قوله : { إِن كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ * بِٱلْبَيِّنَاتِ وَٱلزُّبُرِ } والحجج التي أتت بها الرسل [ فيكون تأويله : أي اسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون البينات والزبر التي أتت بها الرسل ليخبروكم ] أن الرسل إنما بعثوا من البشر بالبينات والكتب ، فيكون على التقديم الذي ذكره بعض أهل التأويل : وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم بالبينات والزبر . ويحتمل قوله : { فَٱسْأَلُواْ أَهْلَ ٱلذِّكْرِ } أي : أهل الشرف من أهل الكتاب ؛ ليبينوا لكم البينات والزبر ؛ لأنهم يأنفون الكتمان والكذب ، وإن كان أهل الذكر جميع أهل الكتاب ، فالسؤال عن الرسل أنهم كانوا من البشر والرجال ؛ لأنهم يعلمون ذلك . وقوله : { وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ ٱلذِّكْرَ } . قيل : أنزل إليك القرآن ؛ لتبين للناس ما نزل إليهم . يحتمل قوله : { لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ } من أنباء الغيب ؛ وما غاب عنهم ، وما لله عليهم ، وما لبعضهم على بعض ، ولتبين لهم جميع ما يأتون وما يتقون ، وما يحل وما يحرم . { وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } في ذلك . ويحتمل قوله : { وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ ٱلذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ } لهم ما حرفوا من كتبهم وبدلوه وغيروه ، فيكون فيه آية لرسالتك ، أو يكون الذي أنزل إليه كالمنزل إليهم ، حيث ذكر أنه يبين ما أنزل إليه ، والله أعلم .