Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 110-111)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { قُلِ ٱدْعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدْعُواْ ٱلرَّحْمَـٰنَ أَيّاً مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ ٱلأَسْمَآءَ ٱلْحُسْنَىٰ } . ذكر هذا - والله أعلم - لأن العرب كانت لا تعرف الرسل والكتب المنزلة من السماء ولا يؤمنون بهما ، وكانت لا تعرف ذكر الرحمن ولا التسمية به وكذلك غيره من الأسماء ، لما لا سبيل إلى معرفة ذلك إلا بألسن الرسل والأنبياء ، وإما بالكتب المنزلة من السماء ، فإذا لم يؤمنوا بالرسل ، ولا عرفوا الكتب ، حملهم ذلك على الإنكار والجحود لأسمائه ، ولذلك قالوا : { وَمَا ٱلرَّحْمَـٰنُ } [ الفرقان : 60 ] وقوله : { وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِٱلرَّحْمَـٰنِ } [ الرعد : 30 ] أي : يكفرون بذكر الرحمن واسمه ؛ لما ذكرنا . أو أن يكونوا أنكروا اسم الرحمن ؛ لما لم يعرفوا أنه مأخوذ من الرحمة ، [ ولو عرفوا : أنه من الرحمة ما أنكروا ؛ على ما لم ينكروا " الرَّحِيمِ " ؛ لأنهم عرفوا أن الرحيم مأخوذ من الرحمة ] وأما الله فهم يسمون كل معبود إلهاً ، وعلى ذلك سموا الأصنام التي كانوا يعبدونها : آلهة ، ويقولون : { مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ } [ الزمر : 3 ] ، و { هَـٰؤُلاۤءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ ٱللَّهِ } [ يونس : 18 ] ، فيسمون الله لما هو المعبود عندهم ، ورجعت عبادتهم الأصنام إلى الله ؛ حيث زعموا { مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ } [ الزمر : 3 ] ، كانوا يطلبون بعبادتهم الأصنام القربة إلى الله ؛ لذلك أنكروا غيره من الأسماء ؛ على أن العرب لم ينكروا لشيء واحد اسمين وأكثر ، وعرفوا أن اختلاف الأسماء ، وكثرتها لا يوجب اختلاف المسمى بها ، ولا يوجب عدداً منه ، وأن ما قالوا : إنه كان يدعو حتى الآن إلى عبادة واحد ، فالساعة يدعو إلى عبادة اثنين وأكثر ، إنما قالوا على التعنت والعناد ، وإلا قد عرفوا لشيء واحد اسمين وأكثر ، لكنهم أنكروا لله ذلك ؛ لما ذكرنا ؛ تعنتاً منهم ، وعناداً ، على هذا يجوز أن - تتأوّل الآية - والله أعلم . ثم اختلف في تخصيص ذكره بهذين الاسمين : قال بعضهم : وجه تخصيصهما ؛ لأنهما اسمان مخصوصان له ، لا يجوز أن يسمى غيره بهذين الاسمين ، وأما غيرهما من الأسماء فإنه يجوز أن يسمى غيره بها . وقال الحسن : خصّ بذكرهما ؛ لأنهما اسمان معظمان عند الخلق ما لم يجعل لغيرهما من الأسماء من التعظيم ما جعل لهذين . وقال أبو بكر الأصم : خص بذكر هذين ؛ لأن غيرهما من الأسماء أسماء أخذت عن صفاته ، وأما هذان فهما ليسا أخذاً عن صفته . وقال الزجاج : الرحمن : هو مأخوذ من الرحمة إلا أنه النهاية في الرحمة ؛ لأنه " فعلان " ، وهو ما يقال : غضبان ، إذا انتهى غضبه غايته ، وإلا قوله : " الرحيم " و " الرحمن " كلاهما من الرحمة إلا أن الرحمن " فعلان " والفعلان هو النهاية من وصف الرحمة ؛ لما ذكرنا ، وغيره من الخلائق لا يبلغون في الرحمة ذلك المبلغ ؛ لذلك خصّ بذكر " الرحمن " دون " الرحيم " . وهذا كله واحد ليس فيه خلاف ، وأصله ما ذكرنا لا يشرك غيره في هذين ، ويجوز في غيره . وقوله عز وجل : { فَلَهُ ٱلأَسْمَآءَ ٱلْحُسْنَىٰ } أي : أسماؤه التي يسمى بها كلها الحسنى ، ليس شيء منها قبيحاً . أو أن يكون قوله : { فَلَهُ ٱلأَسْمَآءَ ٱلْحُسْنَىٰ } أي : كل أعمال صالحة ، وأمور حسنة له ، أي : تنسب إليه ، وتضاف ، ولا يجوز أن يضاف وينسب ما قبح منها ، وسمج ، وأصله : ما ذكرنا [ أنه ينسب إليه ] كل حسن ، وكل صالح على الإشارة [ ولا يجوز أن ينسب إليه كل قبيح سمج على الإشارة ] والتسمية به ، وهو ما يذكر : " التحيات لله ، والصلوات والطيبات … " إلى آخره ، ينسب إليه كل طيب ، وكل حسن . وقوله - عز وجل - : { فَلَهُ ٱلأَسْمَآءَ ٱلْحُسْنَىٰ } . هذا يحتمل وجهين : أحدهما : له أسماء حسنة يسمى بها . والثاني : أن كل حسن يسمى به غيره فهو راجع إليه في الحقيقة ، وهو مسمى به ، وكل حسن منسوب إليه . وقوله - عز وجل - : { وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَٱبْتَغِ بَيْنَ ذٰلِكَ سَبِيلاً } ، اختلف أهل التأويل في ذلك : قال بعضهم : قوله : { وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ } أي : لا تجعل صلاتك في مكان غيظاً للمشركين { وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا } ، أي : ولا تسر عن أصحابك فتخفى عنهم ، لكن ابتغ بين ذلك سبيلاً . وقال بعضهم : لا تجعل كل صلواتك في جماعة ، ولا تخافت بها ، ولا كلها في غير جماعة . { وَٱبْتَغِ بَيْنَ ذٰلِكَ سَبِيلاً } ، ولكن اجعل بعضها بالجماعة ، وبعضها لا بالجماعة . وقال بعضهم : { وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا } ، أي : لا تجاوز الحد في الأمور والأعمال التي أمرتك بها ، ولا تقصرها عن الحدّ الذي حددت لك فيها ، ولكن ابتغ بين ذلك سبيلاً . وقال بعضهم : { وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ } مراءاةً للناس ، { وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا } أي : ولا تعجب بها للإخفاء . وجائز أن يكون قوله : { وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا } [ الإسراء : 110 ] أي : لا تجهر بجميع الأذكار التي في الصلاة أو بجميع القراءات التي فيها ولا تخافت بالكل ، ولكن بعضها بالجهر وبعضها بالمخافتة . وقال بعضهم : إنه كان يجهر في صلاته بحيث يسمعه المشركون فيؤذونه ، فأمره ألا يجهر بها لئلا يؤذوه ، ولا يخافت كل المخافتة ، فيسمع أصحابك فيأخذوا قراءتك . وقال بعضهم : ذلك في الدعاء إلى الله وتوحيده في حق التبليغ ، والمسألة وأمثاله ، ولكن لا يجوز أن يقطع التأويل في هذا وأمثاله ، فيقال : إنه كان كذا إلا بخبر منه ثابت ؛ لأن الخطاب به خطاب له ، فقطع التأويل فيه والقول على شيء واحد شهادة على الله وعلى رسوله ، ولا تحل الشهادة على الله ، ولا على رسوله إلا بالإحاطة أنه أراد ذلك ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَقُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَم يَكُنْ لَّهُ شَرِيكٌ فِي ٱلْمُلْكِ } . ذكر في هذه الآية جميع ما يقع به الحاجة إلى التوحيد ؛ لأن من نفى التوحيد وأنكره إنما نفى لأحد الوجوه التي ذكر : منهم من قال له بالولد ، وهم اليهود والنصارى . ومنهم من قال بالشريك ، وهم مشركو العرب . ومنهم من قال له بالولي والعون من الذل وهم الثنوية وغيرها حيث قالوا : أنشأ هذا النور ؛ ليستعين به على التخلص من ويلات الظلمة فنزّه نفسه ، وبرّأها عن جميع ما قالوا فيه ونسبوا إليه ؛ لأن الولد في الشاهد إنما يطلب ، إمّا للتسلي ، وإمّا للاستئناس والله يتعالى عن أن يقع له الحاجة إلى ذلك ، ويتعالى عن أن يكون له شريك لأن الشركاء في الشاهد ؛ إنما تُتَّخذ للمعونة ، والتقوي بهم على بعض ما لهم ، وما هم فيه ، والولي من الذل إنما [ يتخذ ] في الشاهد ؛ للاستنصار والاستعانة على أعدائه ، والله يتعالى عن أن تقع له الحاجة إلى شيء من ذلك فنفى عنه جميع معاني الخلق وجميع ما ينسب إليهم ويضاف ويصفون به . وقوله - عز وجل - : { وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً } : أي : صفه بما وصف نفسه ، وانفِ عنه جميع معاني الخلق فيكون في ذلك تعظيمه وتكبيره . أو يقول : اعرفه بما ذكر ، فإذا عرف هكذا فقد عظمته وكبرته . والولد في الشاهد إنما يتخذ ، ويطلب لوجوه : أحدها : للتسلي به والاستئناس عن وحشة . أو لحاجة تمسّه فيستعين به على قضائها . أو لذل يخافه من عدوّ له فيستنصر به عليه ، والله يتعالى عن أن يصيبه شيء من ذلك . وقوله { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ ٱلذُّلِّ } : أي : لم يتخذ الأولياء ؛ ليستعزز بهم من الذل ، بل إنما اتخذ أولياء رحمة منه ، وفضلاً ؛ ليتعززوا هم بذلك ويكونوا عظماء ، وذكر : { لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً } وقد خلق الأولاد للخلق ؛ ليعلم أن ليس في خلق الشيء ما يصلح أن يتخذ لنفسه . وقوله : { وَلَم يَكُنْ لَّهُ شَرِيكٌ فِي ٱلْمُلْكِ } ولو كان على ما تقوله المعتزلة ، لكان له شريك في الملك على قولهم ؛ لأنهم يقولون : إن الله لم يرد لأحد من الكفرة الملك لهم وإنما أراد لأوليائه ؛ فعلى قولهم صار الفراعنة شركاء له في الملك حيث لم يكن ما أراد هو وكان ما أرادوا هم ، والله أعلم والحمد لله رب العالمين .