Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 53-55)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عزّ وجلّ - : { وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ ٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } . يحتمل قوله : { ٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } الوجوه الثلاثة : أحدها : الدعوة ؛ كقوله : { ٱدْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلْحِكْمَةِ وَٱلْمَوْعِظَةِ ٱلْحَسَنَةِ } [ النحل : 125 ] : أمره أن يدعو إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة ؛ فالتأنيث للدعوة ، كأنه قال : ادع لهم الدعوة التي هي أحسن الدعوة ، على إضمار الدعوة . وجائز على إضمار الحسنة ، أي : قل لهم أن يقولوا لهم الحسنة التي هي أحسن . أو على إضمار الأقوال ؛ كأنه قال : يقولوا لهم الأقوال التي هي أحسن الأقوال ، وإلا ظاهره أن يقول : " يقولوا الذي هو أحسن " . والثاني : على إضمار المجادلة - المناظرة - معهم ؛ كقوله : { وَجَٰدِلْهُم بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } [ النحل : 125 ] : أمر رسوله أن يجادلهم أحسن المجادلة والمحاجة معهم . والثالث : في حسن المعاملة معهم والعفو والصفح عما كان منهم إلى المسلمين من أنواع الأذى فأمرهم أن يحسنوا معاملتهم ويصفحوا عنهم ؛ كقوله : { فَٱعْفُ عَنْهُمْ وَٱصْفَحْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ } [ المائدة : 13 ] ، وكقوله : { ٱدْفَعْ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ … } الآية [ المؤمنون : 96 ] ، وقوله : { وَٱلْكَاظِمِينَ ٱلْغَيْظَ … } الآية [ آل عمران : 134 ] ونحوه من الآيات : أمرهم أن يعاملوا أولئك أحسن المعاملة ، [ وهو أن الله يتركهم ] ولا يكافئهم بسوء صنيعهم ، ولكن يعفون عنهم ، ويصفحون لما لعلهم يكونون أولياء وحميماً على ما أخبر ، ويصيرون إخواناً لهم من بعد هذا في حق هذه الآية . وأمّا من جهة الحكمة ، وهو أن الله - تعالى - أنشأ هذا اللسان وجعله ترجماناً بين الخلق : به يفهم بعضهم من بعض ، وبه يقضي الحوائج بعضهم من بعض ، وبه قوام معاشهم ومعادهم ، وبه بعث الرسل والكتب جميعاً ، فإذا كان كذلك فالواجب ألا يستعمل إلا في الخير والحكمة ، ولا ينطق به إلا ما هو أحسن وأصوب ، والله أعلم . وقوله - عزّ وجلّ - : { إِنَّ ٱلشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ } . أي : يفسد بينهم ويوسوس إليهم ويغري بعضهم على بعض ؛ ليفسد بينهم ، وذلك كقوله : { إِنَّ ٱلشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوّاً مُّبِيناً } . أي : كان الشيطان منذ كان للإنسان عدوّاً ظاهراً عداوته بيّناً . جعل الله - تعالى - الشيطان بحيث يوسوس إليهم ويدعوهم إلى أشياء يظنون أن ذلك خير لهم ، وأبداً يلقي إليهم ما يقع عندهم أن ذلك أنفع لهم ويحبب إلى كلٍّ مذهباً يقع عنده هو الحق ؛ فيقع بذلك الإفساد وإبقاء العداوة بينهم أبداً هذا دأبه وشأنه يجبر كلا إلى جهة ، ويري كل أحد جهة غير الجهة التي أرى الآخر ، والله أعلم . وقوله - عزّ وجلّ - : { رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ } . هذا يحتمل وجهين : أحدهما : { أَعْلَمُ بِكُمْ } : بمصالحكم ، وما لا يصلح لكم في الدّنيا والآخرة . والثاني : { رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ } : بما تسرون وما تعلنون ، وما تعلمون وتفعلون ، وإلا : لا شك أنه أعلم بنا منا . وقوله - عزّ وجلّ - : { إِن يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِن يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ } . قال بعضهم : : إن [ يشأ ] يرحمكم فينجيكم من أذى هؤلاء ، أو إن يشأ يعذبكم فيسلّطهم عليكم . والثاني : إن يشأ يرحمكم ، فيهديكم إلى دينه ، ويوفقكم لسبيله ، أو إن يشأ ، يترككم ويخذلكم ، ولا يهديكم إلى سبيله ، ولا يوفقكم لدينه . وقوله : { إِن يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ } : يحتمل الرحمة في الدنيا والآخرة : أما في الدنيا : هو أن يوفقهم على الطاعة ، ويعينهم على ذلك وفي الآخرة : ينجيهم ويدخلهم الجنة . وأما التعذيب في الدنيا : أن يخذلهم ويتركهم على ما يختارون ، وفي الآخرة يعذبهم في النار بالذي اختاروا في الدّنيا . وقوله - عزّ وجلّ - : { وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً } . قال بعضهم : أي : لم نجعلك حفيظاً على ردّهم وإجابتهم وعلى صنيعهم . وقال بعضهم : وكيلاً ، أي : ثقيلاً بأعمالهم ، أي : لا تؤخذ أنت بصنيعهم ؛ كقوله : { مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِّن شَيْءٍ } [ الأنعام : 52 ] ، وكقوله : { فَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَّا حُمِّلْتُمْ } [ النور : 54 ] . وقال بعضهم : { وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً } ، أي : مسلطاً عليهم وقاهراً لهم . وقوله - عزّ وجلّ - : { وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } . يحتمل ما ذكرنا : أنه أعلم بمصالحهم ومفاسدهم ، وما يسرّون وما يعلنون ، ويحتمل غير هذا ؛ جواباً لقولهم : { لَوْلاَ نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } [ الزخرف : 31 ] ، وقوله : { ٱللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ } [ الأنعام : 124 ] . يقول - والله أعلم - { وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ } ، أي : أعلم بمن يصلح للنبوة والرسالة ، وبمن لا يصلح ، ومن هو أهل لها [ ومن ليس بأهل لها ] . أو يقول : أعلم بمن في السماوات والأرض ، أي : عن علم بما يكون منهم أنشأهم لا عن جهل ، أو أعلم بهم من أنفسهم ، والله أعلم . وقوله - عزّ وجلّ - : { وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ ٱلنَّبِيِّينَ عَلَىٰ بَعْضٍ } . مثل هذا لا يكون إلا في نازلة ، لكنه لم يذكر النازلة التي عندها نزلت ، ثم اختلف فيما ذكر من تفضيل بعض على بعض : قال بعضهم : إنه أعطى كلاًّ شيئاً لم يعط غيره ؛ من نحو ما ذكر أنّه كلّم موسى ، واتخذ إبراهيم خليلاً ، وأعطى عيسى إحياء الموتى ، وإبراء الأكمه والأبرص ، وهو روح منه وكلمته ، وأعطى سليمان ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده ، وأعطى داود زبوراً ، وأعطى سيّدنا محمّداً صلى الله عليه وسلم أن بعث إلى الناس كافّة ، وغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخّر ومثله . وقال بعضهم : فضل بعضاً على بعض في الدرجة والمنزلة والقدر عنده . فالأوّل : يكون التفضيل في الآيات والحجج ، والثاني : في أنفسهم : في المنزلة والقدر . ويحتمل ما ذكر من تفضيل بعض على بعض في الآيات والحجج . ويحتمل في كثرة الأتباع : يفضل بعضهم على بعض بكثرة الأتباع . والثالث : يفضل بعضهم على بعض في القيام بشكر ما أنعم عليه وصبره على ما ابتلاه به . والرابع : [ … ] . وعلى قول المعتزلة : لا يكون لأحد فضيلة عند الله إلا باستحقاق منه . وقوله - عزّ وجلّ - : { وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً } . جميع كتب الله : زبور ؛ لأن الزبور هو الكتاب . وقد ذكرنا أنا لا ندري لأية نازلة ذكر هذا ، ولا يحتمل ذكر مثله على الابتداء والاستئناف ، لكن فيه أن التفضيل والمنزلة إنما يكون من عند الله ، ومن عنده يستفاد لا بتدبير من أنفسهم واستحقاق ؛ حيث قال : { ٱنظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً } [ الإسراء : 21 ] ، لئلا يرى أحد الفضل والمنزلة لنفسه بأسباب منه ؛ ولكن من عند الله . وقال الأصم في قوله : { وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ ٱلنَّبِيِّينَ عَلَىٰ بَعْضٍ } يقول : يخاطب به أهل الكتاب : أن أوائلكم كانوا يرون لبعض على بعض فضلاً في الدنياوية . ثم إن أولئك المفضلين كانوا يتبعون الرسل ؛ لما رأوا لهم من الفضل والخصوصية ؛ فما بالكم يا أهل مكة لا تتبعون محمداً ، وقد ترون [ له ] فضائل وخصوصية ما لا ترون ذلك لأنفسكم ولا لأحد سواه ، وكلام نحو هذا ، والله أعلم .