Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 61-65)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاۤئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمََ فَسَجَدُواْ إَلاَّ إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً } . قوله : { أَأَسْجُدُ } ، أي : لا أسجد ؛ كقوله : { لَمْ أَكُن لأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِن صَلْصَالٍ } [ الحجر : 33 ] ؛ فدلّ هذا أن قوله : { أَأَسْجُدُ } معناه ، أي : لا أسجد . ذكر في قصة إبليس ألفاظاً مختلفة : مرة قال : { يٰإِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلاَّ تَكُونَ مَعَ ٱلسَّاجِدِينَ } [ الحجر : 32 ] ، وقال في موضع [ آخر ] : { مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ } [ ص : 75 ] ، وفي موضع آخر : { مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ } [ الأعراف : 12 ] ، ونحوه ؛ فجائز أن يكون ذكر هذا على اختلاف الأحوال لا في حال واحدة . هذا على ما ذكر في قصّة آدم من اختلاف الأحوال حيث قال مرة : { مِن تُرَابٍ } ، وقال مرة : { مِّن طِينٍ } [ المؤمنون : 12 ] ، ومرة : { مِن صَلْصَالٍ } [ الحجر : 33 ] ، ونحوه ، وذلك إخبار عن أحوال تغيرت فيها . وجائز أن يكون ذلك بغير هذا اللسان ؛ فذكر هاهنا بألفاظ مختلفة ؛ والزيادة والنقصان ؛ لأن اختلاف الألفاظ لا يغير المعنى . وقوله - عزّ وجلّ - : { قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَـٰذَا ٱلَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ } . قد أقر إبليس - لعنه الله - بالفضيلة لآدم والإكرام له إما من جهة الطاعة له والنبوة التي أعطاها الله [ له ] ، وإن ادعى لنفسه الفضيلة عليه من جهة الخلقة ؛ بأنه ناري وهو طيني ، حيث قال : { قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَـٰذَا ٱلَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ } : أقر بالفضل له عليه ، والإكرام : إما لطاعتهم له ، أو لما جعله رسولاً إلى خلقه . وقوله - عز وجل - : { لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً } : لا يحتمل أن يخاطب ربه ويقول : لئن أخرتني إلى كذا لأحتنكن ؛ لأنه لما طلب التأخير والبقاء إلى يوم القيامة كان طالب نعمة منه ومنة ؛ فيقول مقابل ما يطلب من النعمة : لئن أعطيتني ذلك لأعصينك ؟ ! إنما يذكر مقابل طلب النعمة الطاعة له والشكر ؛ على ما قال : { وَمِنْهُمْ مَّنْ عَاهَدَ ٱللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ } [ التوبة : 75 ] : إنما يقابل بطلب النعمة الطاعة له ، وأما مقابلة المعصية - فلا تعرف . ثم يخرج قوله : { لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ } على وجهين : أحدهما : على التأكيد ، يقول : أي إنك ، وإن أخرتني إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته . أو على التمني منه الأمرين جميعاً : التأخير ، واحتناك ذرّيته ، وسؤاله إياهما . ثم اختلف في قوله : { لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ } : قال بعضهم : لأحتوينهم ولأحيطن بهم . وقال بعضهم : لأضلّنهم ؛ على ما ذكر في آية أخرى : { وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ } [ النساء : 119 ] . وقال بعضهم : { لأَحْتَنِكَنَّ } : لأستزلن . وقيل : لأستولين . وقال القتبي : { لأَحْتَنِكَنَّ } ، أي : لأستأصلنهم . ويقال : هو من حنك الدابة ، حنك دابته : يحنكها ، حنكاً ، إذا شد في حنكها الأسفل حبلاً يقودها به . وقال القتبي : أي : لأقودنهم كيف شئت . ثم قوله : { لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ } كأنه سأل ربه التأخير ، على ما ذكر في آية أخرى ؛ حيث قال : { رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ } [ الحجر : 36 ] ؛ كأن اللعين لما سمع قوله : { وَإِنَّ عَلَيْكَ ٱللَّعْنَةَ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلدِّينِ } [ الحجر : 35 ] [ علم ] أنه لا تناله الرحمة في الإيمان به ؛ حيث ذكر اللعنة عليه إلى يوم الدين ، واللّعين هو المطرود عن رحمته ، فعند ذلك سأل ربّه النظرة [ إلى يوم القيامة ] ؛ ليغوين عباده ، وعلم اللعين : أن طاعة خلقه له لا تزيد في ملكه شيئاً ، وعصيانهم لا ينقص في ملكه شيئاً . لذلك قال : { لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ } ، { وَلأُغْوِيَنَّهُمْ } ، { وَلأُضِلَّنَّهُمْ } ، وما ذكر . وقوله - عز وجل - : { قَالَ ٱذْهَبْ فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ } . مع إحساني إليهم وإنعامي عليهم . { فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ جَزَاءً مَّوْفُوراً } . وقوله - عزّ وجلّ - : { وَٱسْتَفْزِزْ مَنِ ٱسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ } . هذا يخرج على وجهين : أحدهما : على التمكين له ذلك والإقدار على ما ذكر ، أي : مكن له ذلك ، وأقدر عليه ؛ لخذلانه إياه لما عصى ربّه وترك أمره ؛ لما رأى أمره بالسجود لآدم جوراً منه ، حيث قال له : { وَإِنَّ عَلَيْكَ ٱللَّعْنَةَ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلدِّينِ } [ الحجر : 35 ] . مكن له ذلك ، لتتم له اللعنة والخذلان . والثاني : قال ذلك له على التوعد والتهدد ؛ ألا ترى أنه ذكر هذا على أثر وعيد ، وهو قوله : { قَالَ ٱذْهَبْ فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ جَزَاءً مَّوْفُوراً } ، فيخرج على إثر ذلك مخرج الوعيد له ولمن تبعه وأجابه ، كقوله : { ٱعْمَلُواْ مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } [ فصلت : 40 ] لهذا وإن كان ظاهره أمراً فهو وعيد ؛ فعلى هذا قوله : { وَٱسْتَفْزِزْ مَنِ ٱسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ } فإن لك ولمن تبعك كذا . أو لما ذكرنا من التمكين له ذلك والإقدار على ذلك ليتم له اللعنة والخذلان . والثاني : قال ذلك الذي لعنه ، وإلا لا يجوز أن يكون الله يأمره بما ذكر أن يخرج الأمر بما ذكر مخرج سفه والأمر بالفحشاء ، وقد أخبر أنه : لا يأمر بالفحشاء والمنكر ، وإنما يأمر بالعدل ؛ كقوله : { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَأْمُرُ بِٱلْفَحْشَآءِ } [ الأعراف : 28 ] ، وقوله : { إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلإحْسَانِ وَإِيتَآءِ ذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَاءِ وَٱلْمُنْكَرِ وَٱلْبَغْيِ } [ النحل : 90 ] ؛ فلو حمل هذا على الأمر لكان أمراً بالفحشاء والمنكر فدلّ أنه يخرج على أحد الوجهين اللذين ذكرناهما ، أو على الاستبعاد والإياس عن أن يملك أو يقدر عليهم بما ذكر إلا من اختار منهم اتباعه ، وهو ما ذكر : { إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ … } الآية [ الإسراء : 65 ] ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَٱسْتَفْزِزْ } : قال القتبي ، أي : استخف ، والرجل : الرجالة . وقال أبو عوسجة : { وَٱسْتَفْزِزْ } ، أي : استخف ، أي : دعاه فأجابه وأمره فأطاعه ؛ وعلى هذا يخرج قوله : { فَٱسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ } [ الزخرف : 54 ] ، أي : أمرهم فأطاعوه ، أو دعاهم فأجابوه . وقوله - عزّ وجلّ - : { بِصَوْتِكَ } . يحتمل وجوهاً ثلاثة : أحدها : على حقيقة الصوت ، يكون له صوت يدعو الناس به ، فيسمع ذلك الصوت النفس الخفية التي تكون في هذه النفس الظاهرة الكثيفة ، ولا تسمعه النفس الظاهرة ، على ما يخطر أشياء بالقلب من غير أن يعلم به الإنسان أنه من أين جاء ؟ ومن أين هيجانه ؟ وعلى ما يقذف ويوسوس أشياء في القلوب من غير أن يعلم ذلك ويطلع عليه ؛ فعلى ذلك يجوز أن يكون له صوت يدعو الناس به ، وإن كنا لا نسمعه ؛ لكنّه يسمع النفس الخفيّة بما يسمع النفس الظاهرة ، وبها نبصر - أعني : بالنفس الخفية - ألا ترى أن النائم يرى أشياء ويكون في أقصى الدنيا ، ونفسه الظاهرة ملقاة هاهنا ؛ فذلك كله بالنفس الخفية . والثاني : على التمثيل ، ليس على تحقيق الصوت ، لكن ذكر الصوت ؛ لما بالصوت يوصل إلى إعلام بعضهم بعضاً ، وبه يدعو بعضهم بعضاً عند البعد ؛ فذكر الصوت له مكان الوسوسة التي يوسوس الناس أشياء من بعد ، ويدعوهم به إلى معاصي الله - تعالى - وكذلك قال الحسن في قوله : { فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ ٱلشَّيْطَانُ } [ طه : 120 ] : من بعد من غير أن كان هنالك تقرب منه . والثالث : على إضافة عمل كل عاص من نحو الغناء والمزامير وغيره ، أو ما يضاف عمل كل طاغ وكل ضال إليه ؛ أضيف ذلك إليه كما أضاف إليه موسى حيث قال : { هَـٰذَا مِنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَانِ } [ القصص : 15 ] ، وقوله : { وَمَآ أَنْسَانِيهُ إِلاَّ ٱلشَّيْطَانُ } [ الكهف : 63 ] ، ولم يكن ذلك عمل الشيطان حقيقة ، ولكن قال ذلك وأضافه إليه ؛ لما بأمره ودعائه يعمل ذلك . وقال عامة أهل التأويل : { بِصَوْتِكَ } ، أي : بدعائك . وقوله - عز وجل - : { وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ } . قال بعضهم : { وَأَجْلِبْ } ، أي : اجمعهم ، ويقال : وأجلبتهم ، أي : أعنتهم - أيضاً - وهو قول أبي عوسجة . وقوله : { بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ } . يخرج على الوجوه الثلاثة التي ذكرنا : أحدها : أن يكون له خيل ورجالة من جنسه وجوهره بجلبهم بهم ، وإن كنا لا نراهم ؛ كما قال : { إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ … } الآية [ الأعراف : 27 ] ؛ فجائز أن يكون له خيل ورجالة وجنود لا نراهم نحن ، وهم يروننا . والثاني : على ما ذكرنا : أنه على التمثيل ، لكنه ذكر الخيل والرجل ؛ لما بالخيل والمشي يصل بعض إلى بعض عند الحاجة إليه في البعد والقرب ؛ فذكر ذلك له على ما ذكرنا في الصوت . والثالث : أنه أضاف كل خيل راكب في معصية الله ، أو كل ماش [ مشى ] في معصية الله إليه ؛ على ما ذكرنا في الصوت : أنه أضاف كل صوت في معصية الله إليه ، والله أعلم . وقوله - عزّ وجلّ - : { جَزَآؤُكُمْ جَزَاءً مَّوْفُوراً } : قال القتبي : { مَّوْفُوراً } ، أي : موفراً . وقال غيره : وافراً . وفي قوله : { لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ } دلالة نقض قول المعتزلة ؛ لأن إبليس سأل ربّه التأخير والإبقاء له إلى يوم القيامة ، وقد علم أنه إذا أعطاه ذلك له يفي ما وعد ، وأبقاه إلى ذلك الوقت ، وهم لم يعرفوا ذلك ؛ بل قالوا : إنه يجيء عبد فيقتله ؛ فيمنعه عن وفاء ما وعد ، والإبقاء إلى الوقت الذي وقت له ؛ فهو أعرف بربه منهم ، وكذلك قال : { رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي } [ الحجر : 39 ] ، وهم يقولون لم يغوه ؛ فهو أعرف به منهم . وقوله - عز وجل - : { وَشَارِكْهُمْ فِي ٱلأَمْوَالِ وَٱلأَوْلادِ } . قال بعض أهل التأويل : مشاركته في الأموال : هي أن يجعلوا [ له ] البحيرة والسائبة والوصيلة والحامي ؛ على ما كانوا يفعلونه . وأمّا الأولاد : فإنهم هودوهم ونصروهم ، ومجَّسوهم ، وهو قول قتادة . وقال بعضهم : مشاركته في الأموال : هي أن يكتسبوها من خبيث وحرام ، وينفقونها في مثله وفيما لا يحل . وأمّا الأولاد : ما ولدوا من الزنا . وقال بعضهم : الأموال : ما كانوا يذبحون لآلهتهم ، ويجعلون لها من الحرث والأنعام . والأولاد : ما ولدوا من الزنا . وجائز أن يكون هذا صلة ما تقدم من قوله : { وَٱسْتَفْزِزْ مَنِ ٱسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ … } [ الإسراء : 64 ] إلى آخر ما ذكر ؛ حتى تشاركهم في الأموال والأولاد . ثم معنى المشاركة له - فيما ذكر ، والله أعلم - هو أن هذه الأموال والأولاد لله - تعالى - حقيقة ؛ لما هو أنشأها وخلقها ؛ فحقيقة الملك له بما ذكرنا ، وظاهر الانتفاع لعبيده ؛ إذ هذا كله لله بحق المحنة يمتحنهم وحق الانتفاع لهم ؛ إذ لا يجوز أن يخلق الله شيئاً لمنفعة نفسه ، ولكن يخلق لمنافع أنفسهم ؛ ليمتحنهم بها . وقد شرع الله لهم شرائع ، وشرع لهم إبليس شرائع ، وهو ما ذكر : { أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُواْ لَهُمْ مِّنَ ٱلدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ ٱللَّهُ } [ الشورى : 21 ] ، فإذا صرفوا ذلك إلى ما شرع لهم إبليس دون ما شرع الله - فقد أشركوه فيها ، وكل ما أطيع فيها مما [ سن ] لهم إبليس وشرع لهم - فذلك شركته فيها ؛ وذلك أن الأولاد في الشاهد إنما تطلب لأحد الوجوه الثلاثة : إمّا للاستئناس بهم في حال الوحشة . وإمّا للاستنصار بهم والعون على أعدائهم . وإمّا للذكر بعد الوفاة . وكذلك الأموال يطلب منها ما ذكرنا : الانتفاع بها في حال الحياة . وإمّا للمعونة على الأعداء . أو الذكر بعد الموت ؛ لخيرات يتركونها ، فإذا صرفوها إلى ما أمرهم إبليس أشركوه فيها ، ومشاركته إياهم في الأموال هي أن يأمرهم ويدعوهم إلى اكتساب ما يحرم ، والإنفاق فيما لا يحل وفي الأولاد ، وكذلك يأمرهم بالمعصية ، ويدعوهم إليه فيطيعونه ويجيبونه في ذلك ، فذلك - والله أعلم - مشاركته . وقوله - عزّ وجلّ - : { وَعِدْهُمْ } . قال عامة أهل التأويل : أي : وعدهم أن لا جنة ، ولا نار ، ولا بعث ، لكن يعدهم بخلاف ما وعد الله ، وخوفهم على ضدّ ما خوفهم الله : ما كان من الله لهم وعد رجاء يكون منه وعد [ خوف ] ، وما كان من الله [ وعد خوف ] يكون منه وعد رجاء ؛ وهو ما قال : { إِنَّ ٱللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ ٱلْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ } [ إبراهيم : 22 ] : أخبر أن ما وعد هو قد أخلف ، فذلك تأويل قوله : { وَمَا يَعِدُهُمُ ٱلشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً } ، أي : كذباً وباطلاً ؛ لأنه يخرج كله على خلاف ما وعد . وقوله - عز وجل - : { إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ } : يحتمل قوله : { سُلْطَانٌ } وجوهاً ثلاثة : أحدها : القدرة والقهر . والثاني : في الحجة والبرهان . والثالث : الولاية . فأما القدرة والقهر : فليس له عليهم ذلك ؛ لأنه لم يجعل له قدرة القهر عليهم شاءوا أو أبوا ، وكذلك ليس له عليهم الحجة فيما يدعوهم إليه ويأمرهم به ، كقوله يوم القيامة حين يقول : { وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ … } الآية [ إبراهيم : 22 ] . وأمّا سلطان الولاية فإن له ذلك على من اختار اتباعه وتوليه ؛ كقوله : { إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَىٰ ٱلَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ } [ النحل : 100 ] ، وقوله : { إِنَّ عِبَادِي } المخلصين الذين أخلصوا إليّ ، { لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ } يحتمل قوله : { سُلْطَانٌ } ، أي : حجة ؛ لأنهم إنما يتبعون أمر الله بحججه ؛ فلا يتبعون الشيطان بأمانيه التي يمنيهم ، وشبهاته التي يشبه عليهم . أو أن يكون قوله : { لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ } ، أي : سلطان القهر والغلبة ؛ إنما له عليهم الدعاء والتزيين لا غير . أو أن يكون قوله : { إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ } : من الحجة والملك على ما ذكرنا ؛ إنما سلطانه عليهم سلطان الولاية على الذين يتولونه . وقوله - عز وجل - : { وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ وَكِيلاً } . يحتمل : { وَكِيلاً } : عاصماً يعصمك عن تمويهاته وتسويلاته ، وناصراً ينصرك على مكائده ، أو مفزعاً تفزع إليه ، أو معتمداً تعتمد عليه في جميع أمورك ، والله أعلم .