Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 90-93)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ ٱلأَرْضِ يَنْبُوعاً * أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ … } . إلى آخر ما ذكر من الأسئلة ، يشبه أن تكون هذه الأسئلة جميعاً من فريق واحد . ويجوز أن يكون من كل فريق سؤال ، لم يكن ذلك من غيره من الفرق ؛ كقوله : { وَقَالُواْ كُونُواْ هُوداً أَوْ نَصَارَىٰ تَهْتَدُواْ } [ البقرة : 135 ] كان من كل فريق غير ما كان من الآخر ؛ كان من اليهود : كونوا هوداً تهتدوا ، ومن النصارى : كونوا نصارى تهتدوا ؛ فعلى ذلك يشبه أن يكون الأوّل كذلك . ثم إن الذي حملهم على هذه الأسئلة المحالة الفاسدة وجوه : أحدها : سؤاله بما كان يعدهم رسول الله الجنان ؛ والأنهار الجارية ، والبساتين المثمرة إن هم تابوا وأجابوا ، وكان يعدهم العقوبات إن تركوا إجابته من إسقاط السماء كسفاً كقوله : { هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ ٱللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ ٱلْغَمَامِ … } الآية [ البقرة : 210 ] ، سألوه ذلك استعجالاً منهم ؛ على الاستهزاء ، كقوله : { يَسْتَعْجِلُ بِهَا ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِهَا } [ الشورى : 18 ] ، أو أن يكون أهل الكتاب علموا مشركي العرب الذين لا كتاب لهم هذه الأسئلة الفاسدة المحالة التي عرفوا أنهم لا يجابون فيها ليسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها ، فإنه لا يجيبهم ليرى [ السفلة منهم والأتباع أن لو كان رسولاً لأجابهم ؛ فيتمادون في طغيانهم وضلالتهم ، ويبغون عليهم ثم عليه . أو أن يكون الرؤساء منهم والقادة سألوه عن ذلك ، على علم منهم أنه لا يجيبهم ؛ ليرى ] أتباعهم وسفلتهم أنهم قد حاجّوا رسول الله ، واعترضوا لحججه وبراهينه لئلا ينظروا إلى حججه وبراهينه ؛ لتبقى لهم الرئاسة والمنافع التي كانت لهم ، ولا يذهب ذلك عنهم . ثم بين أن أسئلتهم التي سألوها سؤال تعنت عن عناد لا سؤال استرشاد ، وحاجة - ما ذكر في قولهم : { أَوْ تُسْقِطَ ٱلسَّمَآءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِٱللَّهِ وَٱلْمَلاۤئِكَةِ قَبِيلاً } . وقوله - عز وجل - : { أَوْ تَرْقَىٰ فِي ٱلسَّمَآءِ وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ } . دل هذا كله أن سؤالهم إياه كله سؤال معاندة ، لا سؤال استرشاد واستهداء ؛ لأنه لو كانوا يسألون ما يسألون سؤال استرشاد واستهداء ، لكانوا لا يسألون إسقاط السماء عليهم ؛ إذ لا منفعة لهم في ذلك وإن في سؤالهم الجنة منفعة ، ويذكر سفه القوم وتعنتهم وسوء معاملتهم رسول الله . ثم الحكمة والفائدة في جعل سفههم قرآناً يتلى إلى يوم القيامة ؛ ليعرف المتأخرون معاملة السفهاء إذا بلوا بهم أن كيف يعاملونهم [ بمثل ] معاملة رسول الله ؟ ! وقوله - عز وجل - : { قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي } أمره أن [ ينزه ربّه عن أن يكون لأحد الاحتكام عليه والحكم ، والذي سألوه احتكام منهم على الله . وفي قوله : { قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلاَّ بَشَراً رَّسُولاً } ] . ينزه ربه عن أن يملك سواه ما سألوا من إتيان الجنة وغير ذلك مما ذكر في الآية ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { هَلْ كُنتُ إِلاَّ بَشَراً رَّسُولاً } . أي : هل كنت إلا بشراً كغيره من الرسل الذين كانوا من قبل من البشر ، فلم يسألوهم بمثل الذي تسألونني أنتم من الأسئلة . أو إن سألوا ذلك فلم يجابوا ، كقوله : { أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْأَلُواْ رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَىٰ مِن قَبْلُ } [ البقرة : 108 ] ، أو أن يكون قوله : { هَلْ كُنتُ إِلاَّ بَشَراً رَّسُولاً } ، أي : ليس للرسول أن يعترض على المرسل بشيء ، إنما على الرسول تبليغ ما أرسل وأمر بتبليغه . أو يقول : إني لا أملك مما تسألونني سوى تسبيح ربي وتنزيهه . وقوله : { قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي } أي : تعاظم ربي ، وتعالى عن أن يكون لعباده عليه احتكام أو اختيار . وقال أبو عوسجة والقتبي : الينبوع : العين ، والينابيع : جمع ؛ والكسفة : القطعة ، والكسف : جمع . وقال غيره : الكِشف - بالجزم - : عذاب ، وكسفاً مثل قطعاً ، [ قال أبو عوسجة : { قَبِيلاً } ، أي : معاينة ، وقال : هو من المقابلة . و { بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ } ، أي : من زينة . وقال أبو عوسجة : المزخرف : المزين ، يقال : زخرفت البيت ، أي : زينته . { أَوْ تَرْقَىٰ فِي ٱلسَّمَآءِ } ، أي : تصعد . { وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ } ، أي : لارتقائك ، وهو من الارتفاع . وقال بعضهم : { كِسَفاً } بالجزم ، أي : جانبا ، وكسفا : مثل : قطعا ] . والله أعلم .