Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 94-100)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { وَمَا مَنَعَ ٱلنَّاسَ أَن يُؤْمِنُوۤاْ إِذْ جَآءَهُمُ ٱلْهُدَىٰ } أي : إذ جاءهم الرسول بالهدى { إِلاَّ أَن قَالُوۤاْ أَبَعَثَ ٱللَّهُ بَشَراً رَّسُولاً } ، وقال في آية أخرى : { وَمَا مَنَعَ ٱلنَّاسَ أَن يُؤْمِنُوۤاْ إِذْ جَآءَهُمُ ٱلْهُدَىٰ وَيَسْتَغْفِرُواْ رَبَّهُمْ إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ ٱلأَوَّلِينَ } [ الكهف : 55 ] ، لكن هذا على الإياس عن إيمانهم ، إنهم لا يؤمنون إلا عند معاينتهم بأس الله ، والإيمان في ذلك الوقت لا يقبل ولا ينفعهم . وأما قوله : { وَمَا مَنَعَ ٱلنَّاسَ أَن يُؤْمِنُوۤاْ إِذْ جَآءَهُمُ ٱلْهُدَىٰ إِلاَّ أَن قَالُوۤاْ أَبَعَثَ ٱللَّهُ بَشَراً رَّسُولاً } ، فيخرج هذا القول منهم مخرج الاحتجاج : لو شاء الله أن نؤمن لأنزل ملائكة كقوله : { قَالُواْ لَوْ شَآءَ رَبُّنَا لأَنزَلَ مَلاَئِكَةً } [ فصلت : 14 ] . ففيه يوضح الشبهة لهم أن يقولوا : هو بشر [ ونحن بشر ] فليس هذا أولى بالرسالة إلينا من أن نكون نحن رسلاً إليه ، فذلك موضع الشبهة ، فأجابهم لذلك لما استنكروا واستبعدوا بعث الرسول إليهم من جوهرهم وجنسهم ، فقال : { قُل لَوْ كَانَ فِي ٱلأَرْضِ مَلاۤئِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ } أي : مقيمين ساكنين فيها { لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ مَلَكاً رَّسُولاً } ؛ ثم اختلف فيه . قال بعضهم : { لَوْ كَانَ فِي ٱلأَرْضِ مَلاۤئِكَةٌ } ، أي : لو كان سكان الأرض ملائكة ، فبعث إليهم رسولاً منهم أكان لهم أن يقولوا : أَبَعَثَ اللهُ مَلَكاً رَّسُولاً ، أي : أبعث الله إلينا من جوهرنا ؟ ! أي : ليس لهم أن يقولوا ذلك ؛ فعلى ذلك إذا كان سكانها البشر ليس لهم أن يقولوا : أبعث الله إلينا من جوهرنا رسولاً . والثاني : لو كانت الأرض مكان الملائكة ، وهم سكانها ، لكان لكم أن تقولوا : { أَبَعَثَ ٱللَّهُ بَشَراً رَّسُولاً } من غير جوهرنا ، فأمّا إذا كانت الأرض مكان البشر ، وهم سكانها ، فليس لهم أن ينكروا بعث الرسول منهم ومن جوهرهم ؛ لأنهم لا يعرفون الملائكة ، ولا من كان من غير جوهرهم ، ويعرفون من كان من جوهرهم ، فبعث الرسول من جوهرهم أولى بهم من غير جوهرهم . أو يقول : لو كان في الأرض ملائكة وبشر ، فعرفوا الملائكة ، لكان لهم أن يسألوا رسولاً من الملائكة لما عرفوهم ، فأمّا إذا كان سكان الأرض ليسوا إلا بشراً فليس لهم أن يقولوا ذلك ؛ لأنهم لم يعرفوا قوى الملائكة ، ولا قوى الجن ، وقد عرفوا قوى البشر فيعرفون الآيات والحجج من التمويهات إذ عرفوا قواهم ولم يعرفوا قوى الملائكة والجنّ ؛ فلا يعرفون ما أقاموا أنها آيات وحجج ، أو كان ذلك بقواهم ، ويعرفون ذلك من البشر إذا خرجت من احتمال وسعهم وقواهم . وبعد فإنهم قد أقروا برسالة البشر ؛ لأنهم لا يعرفون الملائكة إلا بخبر من البشر أنه ملك ؛ إذ لم يكن [ لهم خلطة معهم ] ليعرفوهم ؛ وإنما يعرفونهم بخبر من البشر : أنه ملك ؛ فليس لهم أن ينكروا رسالة البشر . وأصله ما قال : { وَلَوْ جَعَلْنَٰهُ مَلَكاً لَّجَعَلْنَٰهُ رَجُلاً } [ الأنعام : 9 ] ؛ لما ذكرنا أنهم لا يعرفون الملائكة ، ومَن كان من غير جوهرهم ؛ فلا بدّ من أن يكون رجلاً ، فكان في ذلك تلبيس عليهم على ما أخبر ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { قُلْ كَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ } . قال بعضهم : كفى بما أقام الله من الآيات والحجج على رسالتي وأني رسول إليكم ؛ إذ كان ذلك [ في قول كان ] من أولئك الكفرة من إنكار الرسالة . وقال بعضهم : يحتمل أن يكون على الإياس من إيمانهم كقوله : { لاَ حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ ٱللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا … } ، الآية [ الشورى : 15 ] . وقوله - عز وجل - : { إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً } . يذكر هذا - والله أعلم - بأنه - عن علم بإجابتهم وردّهم - بعثه إليهم رسولاً لا عن جهل بأحوالهم ، وليس فيما يعلم أنهم يردون ، ولا يجيبون رسله خروج عن الحكمة ؛ لأنه ليس في إجابتهم منفعة للرسل ، ولا في ردّهم ضرر له ، وإنما المنفعة في الإجابة لهم ، وفي الردّ الضرر عليهم ؛ لذلك لم يكن في بعث الرسل على علم منه بالردّ خروجاً عن الحكمة [ وفي الشاهد كان خروجاً عن الحكمة ؛ لأن ] ؛ في الشاهد إنما يبعث الرسول لمنفعة تتأمّل وتصل إليه أو دفع ضرر عنه ، فإذا علم أنه يرد رسالته ، ولا يجيب ، كان في بعث الرسول إليه بعد علمه بالردّ خروج من الحكمة . أو يخرج قوله : { إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً } على الوعيد ، وكذلك أمثاله . وإن احتج علينا بعض المعتزلة بقوله : { وَمَا مَنَعَ ٱلنَّاسَ أَن يُؤْمِنُوۤاْ إِذْ جَآءَهُمُ ٱلْهُدَىٰ } ، يقولون له : منعنا القضاء والقدر ؛ إذ من قولهم : إن ما يفعل الإنسان من فعل أو معصية أو طاعة ، فإنما يفعل بقضائه وتقديره ؛ فيكون لهم الاحتجاج عليه بأن يقولوا : منعنا قضاؤك وتقديرك . لكن هذا فاسد ؛ لأنهم لا يفعلون هم ما يفعلون عند وقت فعلهم لأن الله - تعالى - قضى ذلك وقدر ، ولو جاز لهم [ هذا ] الاحتجاج لأنه كذلك قضى وقدر ، فإذا كانوا هم عند أنفسهم لا يفعلون ما يفعلون ؛ لأنه كذلك قضى وقدر ، لم يكن لهم الاحتجاج عليه بذلك ؛ لأن القضاء والقدر ، لم يضطرهم إلى ذلك ، ولا قهرهم عليه ، بل كان غيره ممكناً لهم ؛ لذلك لم يكن لهم الاحتجاج [ عليه بذلك ؛ لأن القضاء ] بهذا أعني بالقضاء والقدر ، لكان لهم الاحتجاج عليه - أيضاً - بالعلم ؛ إذ لا شك أنه علم ذلك منهم ، فإذا لم يكن الاحتجاج عليه بما علم منهم ذلك ؛ إذ لا يقدرون أن يفعلوا غير الذي علم منهم ، فعلى ذلك لم يكن الاحتجاج عليه بالقضاء والقدر [ لأن القضاء والقدر ] لما علم أنه يختار ذلك ويؤثره على ضدّه لجاز ذلك لهم بالعلم ونحوه ، دلّ أن ذلك ليس بشيء لما قضى ذلك عليهم وقدر ، وإذا كانوا هم عند أنفسهم لا يفعلون وقت فعلهم ؛ لما كذلك قضى عليهم ؛ فلم يكن الاحتجاج لهم عليه بذلك ؛ إذ القضاء والقدر لم يمنعهم عن ذلك لما لا يضطرون على ذلك ، وإنما قضى ذلك لما علم أنهم يفعلون ويختارون ذلك ؛ لذلك كان ما ذكرنا ، وكذلك كل من قضى في الشاهد على آخر إنما يقضي ؛ لما سبق منه العلم به . وقوله - عز وجل - : { وَمَن يَهْدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلْمُهْتَدِ } . أي : من وفقه لقبول ما كان من الهدى وعصمه عما وسوس إليه الشيطان ، فهو المهتدي عند الله وعند من عقل الهدى ، { وَمَن يُضْلِلْ } ، أي : من خذله ولم يعصمه حتى يقبل من الشيطان ما جاء من وساوسه هو ضال . { فَلَن تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِهِ } . يحتمل : لن تجد لهم أولياء من دونه يهدونهم لدينهم ويوفقونهم . أو لن تجد لهم أولياء ينصرونهم من دونه ، ويدفعون عنهم ما نزل بهم من العذاب ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً } . قال الحسن : يحاسبون حتى يعلموا سوء صنيعهم الذي صنعوا في الدنيا ، ثم يحشرون إلى جهنم ما ذكر عمياً وبكماً وصمّاً ، أو كلام نحو هذا . ثم يحتمل قوله : { وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } ما ذكر في آية أخرى : { يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي ٱلنَّارِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ } [ القمر : 48 ] وقوله : { أَفَمَن يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ … } الآية [ الزمر : 24 ] ، إنما يتقي بوجهه ؛ لما تكون أيديهم مغلولة إلى أعناقهم ، وقوله : { عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً } هذا يحتمل وجهين : أحدهما : أسماهم : عمياً وبكماً وصمّاً لذهاب منافع هذه الحواس ولذاتها في الآخرة ، ليس على حقيقة ذهابها ، لكن حال بينهم وبين الانتفاع بها ما ذكر لهم : { مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ … } الآية [ الزمر : 16 ] ، فتلك الظلل تحول بينهم وبين رؤية الأشياء . وسماهم في الدنيا : عمياً وبكماً وصمّاً ليس على حقيقة ذهاب أعينها ، ولكن لما لم ينتفعوا بهذه الحواس في الدنيا ، ولم يستعملوها فيما أمروا باستعمالها - نفى ذلك عنهم ، فعلى ذلك في الآخرة . ويحتمل على حقيقة ذهاب أعين هذه الحواس ؛ عقوبة لما لم يستعملوها في الدنيا لما له خلقت ، كقوله : { لِمَ حَشَرْتَنِيۤ أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً } [ طه : 125 ] . وقوله - عز وجل - : { مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ } . أي : مقامهم جهنم ، وإليها يأوون . وقوله : { كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً } [ اختلف فيه : قال الحسن : قوله : { كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ } ، أي : كلما خبا لهبها ، وسكن { زِدْنَاهُمْ سَعِيراً } ] قال : يخمد لهبها من غير أن يذهب وجع ما أصابهم ، ثم يزداد لهم سعيراً . [ و ] قال بعضهم : { كُلَّمَا خَبَتْ } ، أي : نضجت جلودهم ، وسكنت النار { زِدْنَاهُمْ سَعِيراً } ، أي : نعود بنار على ما كانت ، وجعلت تلتهب ، وتستعر ؛ كقوله : { كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ } [ النساء : 56 ] . وقال بعضهم : وذلك أن النار إذا أكلتهم فلم يبق منهم غير العظام وصاروا فحماً ، سكنت النار ؛ فهو الخبت ، ثم بدلوا جلوداً غيرها ، فتكون وقوداً لها ، والله أعلم ، وكله واحد . وقال بعضهم : { كُلَّمَا خَبَتْ } ، أي : كلما أحرقتهم النار ، فصاروا رماداً ، خلقوا لها خلقاً جديداً ، فتعاودهم النار فتحرقهم ، وذلك قوله : { زِدْنَاهُمْ سَعِيراً } ، وهو قول الله : { لاَ تُبْقِي وَلاَ تَذَرُ } [ المدثر : 28 ] لا تبقي منهم شيئاً إذا أخذت حتى تحرقهم . وقوله - عز وجل - : { ذَلِكَ جَزَآؤُهُم } . أي : ذلك الذي ذكر جزاؤهم بأنهم كفروا بآياتنا ، وقالوا أئذا كنا عظاماً ورفاتاً أئنا لمبعوثون خلقاً جديداً ، ثم قال : { أَوَلَمْ يَرَوْاْ } . أي : أو لم يعتبروا ، ولم ينظروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض قادر على أن يخلق مثلهم . هذا الاعتبار يحتمل وجهين : أحدهما : أنكم تقرّون : أن الله هو خالق السماوات والأرض ، وخالقكم ، فخلق السماوات والأرض على الابتداء ، وخلق سائر الخلائق على الابتداء بلا احتذاء ، تقدم وسبق - أعظم وأكبر من خلق من دونه ، فمن قدر على إنشاء ذلك ، فهو على إنشاء أمثالكم وإعادتكم أقدر ، وإعادة الشيء في عقولكم أهون وأيسر من ابتدائه . والثاني : تعلمون أنه خلق السماوات والأرض ، وخلقكم أيضاً ، فلم يخلقهما للفناء خاصة ؛ إذ خلق الشيء للفناء خاصة لا لعاقبة عبث ولعب ؛ فدلّ أنه خلقكم ، وخلق السماوات والأرض ؛ لعاقبة ، وهي البعث . وعلى ذلك يخرج قوله : { وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لاَّ رَيْبَ فِيهِ } أنه كائن لا محالة . وجائز أن يكون قوله : { وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لاَّ رَيْبَ فِيهِ } جواباً لما استعجلوا من العذاب ، فقال : وجعل لهم أجلاً لا يتقدم عنه ولا يتأخر . أو أن يكون قوله : { وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لاَّ رَيْبَ فِيهِ } . الموت الذي به تنقضي آجالهم ، لكنه لم يخلقهم للموت خاصّة ولكن للعاقبة ، وهو ما ذكرنا . وقال القتبي : " خبت " أي : سكنت : [ يقال : خبت ] إذا سكن لهبها تخبو ، فإذا سكن لهبها ولم يطفأ الجمر ، قلت : خمدت تخمد خموداً ، فإذ طفئت ، ولم يبق منها شيء ، قيل : همدت تهمد هموداً . وقوله - عز وجل - : { زِدْنَاهُمْ سَعِيراً } . أي : ناراً تتسعر ، أي : تتلهب . وقال أبو عوسجة : " السعير " : النار ، يقال : سعرت النار : إذا أوقدتها ، ويقال : نار مسعورة ، أي : موقدة . وقوله - عز وجل - : { فَأَبَىٰ ٱلظَّالِمُونَ إِلاَّ كُفُوراً } . أي : كفراً بالبعث ، [ و ] " الظالمون " هاهنا هم الكافرون ، ولو قال : فأبى الكافرون إلا ظلموا ، ما كان واحداً . وقوله عز وجل - : { قُل لَّوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لأمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ ٱلإِنْفَاقِ } . تحتمل الآية وجوهاً : قال بعضهم : هي صلة ما تقدم من أسئلتهم ، وهو قوله : { وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ ٱلأَرْضِ يَنْبُوعاً * أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ ٱلأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً * أَوْ تُسْقِطَ ٱلسَّمَآءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِٱللَّهِ وَٱلْمَلاۤئِكَةِ قَبِيلاً * أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَىٰ فِي ٱلسَّمَآءِ وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ } [ الإسراء : 90 - 93 ] . وقوله : { أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا } [ الفرقان : 8 ] . كانوا يسألون هذه الأشياء على التعنت والعناد والاستهزاء ، فأخبر أنّه وإن أعطاهم ما سألوا لا ينفقون ، بل يمسكون عن الإنفاق ، ومن سنته : أنه إذا أعطاهم ما سألوا على السؤال ، فتركوا الإيمان به والوفاء - : أنهم يهلكون ، فأخبر أنهم يسألون سؤال تعنت ، لا سؤال ما يتوسعون بها . وفي الآية إثبات الرسالة ؛ وهو ما بين من بخلهم وإمساكهم عن الإنفاق . وقال بعضهم : قوله : { قُل لَّوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لأمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ ٱلإِنْفَاقِ } في قوم خاص يعلم الله أنهم لو أعطوا ما سألوا لفعلوا ما ذكر ، لا في كل منهم ، وهو كقوله : { ءَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ … } الآية [ البقرة : 6 ] ، وكقوله : { وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَآ إِلَيْهِمُ ٱلْمَلاۤئِكَةَ } الآية [ الأنعام : 111 ] ، كان في قوم علم الله أنهم لا يؤمنون فعلى ذلك الأوّل . ويحتمل أن تكون الآية في قوم ضمنوا آية الإنفاق والتوسيع ، وعاهدوا الله على ذلك إن وسع عليهم ، فأخبر أنهم لا يوفون ما عاهدوه وضمنوا ؛ كقوله : { وَمِنْهُمْ مَّنْ عَاهَدَ ٱللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلصَّالِحِينَ } الآية [ التوبة : 75 ] . ويحتمل أن يكون هذا إخباراً منه عن طبع الخلق وعادتهم : وذلك أنهم إذا استكثروا من الأموال وجمعوا يزداد لهم بذلك حرص على جمعها ، وبخل على التوسيع والإنفاق ما لم يكن قبل الجمع والاستكثار ، هذا [ هو ] المعروف في الناس ، فأخبر أنهم يمسكون عن الإنفاق والتوسيع إذا ملكوا ما ذكر على ما طبع الإنسان بالبخل والتضييق عند الاستكثار ما لم يكن قبل ذلك . وقوله - عز وجل - : { وَكَانَ ٱلإنْسَانُ قَتُوراً } . يحتمل أن يكون هذا صفة كل كافر ، وكذلك قوله : { إِنَّ ٱلإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً } [ المعارج : 19 ] و { مَنُوعاً } [ المعارج : 21 ] يكون عادتهم البخل والجزع عند المصائب . وجائز أن يكون هذا صفة كل إنسان في الابتداء هكذا يكون ، ثم بالامتحان والتجربة ، يكونون أسخياء صابرين . أو يكون يخبر أنهم لو ملكوا وأعطوا جميع ما يرزقون في عمرهم على التفاريق بدفعة واحدة مجموعاً ، لأمسكوا عن الإنفاق ؛ خشية الفقر في آخر عمرهم ؛ إذ لا يعلمون إلى ما ينتهون من آجالهم ؛ فيحملهم ذلك على البخل والإمساك . أو يذكر لما أنه جبلهم ، وأنشأهم على الإمساك والمنع في الابتداء ، وإن لم تكن حاجة لهم إلى ذلك : ترى الصبيان والصغار من الأولاد يمنعون ما في أيديهم عن غيرهم وإن لم يكن لهم حاجة إلى ذلك ، هذا معروف فيهم ، وإنما جبلهم وأنشأهم هكذا ؛ ليمتحنهم بالجود والتوسيع ، والبخل والتضييق ، وإلا كانوا في أصل خلقتهم وابتداء إنشائها على ما ذكر أشحة بخلاء وهو [ ما أخبر ] { إِنَّ ٱلإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً } [ المعارج : 19 ] و { جَزُوعاً } [ المعارج : 20 ] ، و { وَكَانَ ٱلإِنْسَانُ عَجُولاً } [ الإسراء : 11 ] أنشأهم جزوعين عن الألم والمصائب غير صابرين عليها ، وكذلك أنشأهم عجولين لا يصبرون على أمر واحد ، ولا حال واحد . ثم امتحنهم على الصبر ، وترك الجزع والعجلة ؛ فعلى ذلك قوله : { وَكَانَ ٱلإنْسَانُ قَتُوراً } أي : طمعاً بخيلاً ممسكاً مضيقاً ، والله أعلم . ثم ترك ذلك بالامتحان واعتياد ذلك ، وخلافه .