Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 18, Ayat: 22-26)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِٱلْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ } . قال بعضهم : عددهم كان سبعة والثامن الكلب ؛ لأنه ذكر في الثالث والخامس { رَجْماً بِٱلْغَيْبِ } ، أي : قذفاً بالغيب وظنا ، وقيل : ترجمة بالغيب ، أي : بلا علم ولم يذكر في قوله : { سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ } ، وكذلك قال ابن عباس - رضي الله عنه - وقال : " أنا من القليل الذين استثناهم الله ، وكانوا سبعة والثامن الكلب " ، لعل ابن عباس قال : " أنا من القليل " ظنا واستدلالا بالذي ذكر ، أو كان سماعا [ سمع ] من رسول الله ذلك . وقال الحسن وأبو بكر وغيرهما : إن الله تعالى قال : { قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم } ، ثم استثنى قليلا من عباده ، فلا نعلم بأن أولئك القليل من الملائكة أو من البشر أو منهم ؟ فلا ندري من هم ؟ ولا كم عددهم ؟ وبه نقول نحن ، وهو ما قال : { فَلاَ تُمَارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِرَآءً ظَاهِراً وَلاَ تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِّنْهُمْ أَحَداً } نهى رسوله أن يستفتي منهم أحداً ؛ لما يحتمل أن يكون ذلك غير مبين في كتبهم ، فلا يطلع رسوله خوف التكذيب . ثم اختلف في وقتهم : قال [ بعضهم ] : كان فيما بين عيسى ومحمد . وقال بعضهم : ذلك كان قبل بعث موسى ، وهو قول الحسن وأبي بكر وهؤلاء ، وهذا أشبه ؛ لأنهم إنما سألوا عنهم أهل التوراة وهم اليهود ، فلا يحتمل أن يكون بعد عيسى وهم لا يؤمنون بالإنجيل . وقول أهل التأويل : كان أساميهم وعددهم [ كذا ، ليس لنا إلى معرفة أساميهم وعددهم ] حاجة ، ولو كانت لتولي الله بيان ذلك في الكتب . وقال القتبي : { رَجْماً بِٱلْغَيْبِ } أي : ظنا بالغيب ، أي : يقولون بالظن . وقيل : قذفاً بالغيب على غير استيقان ، وهما واحد . وقوله - عز وجل - : { فَلاَ تُمَارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِرَآءً ظَاهِراً } إلى قوله : { إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ } يحتمل الخطاب بهذا لكل الناس ، ليس أحد أولى به من غيره ؛ فيخرج ذلك مخرج التعليم لهم في ترك المراء مع الكفرة إلا مراء ظاهراً ، وكذلك في ترك الاستفتاء ، وكذلك علمهم وأدبهم ألا يعدوا عدة إلا والثنيا بها ملحقة . ويحتمل أيضاً أن يكون الخطاب به لرسول الله ، لكن ليس لأنه قد كان منه ما ذكر من المراء والاستفتاء والوعد بغير ثنيا ، ولكن خاطب به رسول الله ليتأدب غيره من الناس بذلك الأدب ، وهو كما خاطبه بقوله : { وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُشْرِكَينَ } [ الأنعام : 14 ] ونحوه من الخطاب الذي خاطبه به ، فخاطبه به لا لأنه كان منه ذلك أو كان فيه ما ذكر ، ولكن لما ذكرنا من الوجوه فيما تقدم . ثم اختلف في قوله : { فَلاَ تُمَارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِرَآءً ظَاهِراً } : قال بعضهم : ذلك في أمر أصحاب الكهف ، أي : لا تمار فيهم ولا تستفت فيهم منهم إلا قدر ما كان في كتبهم ، فإنك لو ماريتهم بما ليس في كتابهم كذبوك ، ولكن قدر ما في كتبهم ؛ هذا كان على المسألة ، فإن كان على غير المسألة في غير أمر أصحاب الكهف على ابتداء المحاجة والحجاج فهو يحتمل وجهين : أحدهما : أي : لا تمار فيهم إلا بما هو أظهر ويعرفون ذلك ظاهراً ، من نحو ما يعرفون أن الأصنام التي عبدوها لا تنفع ولا تضر ولا تبصر ولا تسمع ، ونحو ذلك مما يعرفون أنها كذلك . والثاني : لا تحاجهم بلطائف الحكمة ودقائقها ، ولكن بشيء محسوس ظاهر من الآية ، لا بما يلطف ويدق ، على ما يحاجهم الأنبياء بآيات حسيات . وفي قوله : { وَلاَ تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِّنْهُمْ أَحَداً } دلالة ألاَّ يسع النظر في كتاب الفلاسفة إلا على جهة العرض لما فيها على كتاب الله فيؤخذ بما يوافقه ويترك الباقي . وقوله - عز وجل - : { وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَاْىءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذٰلِكَ غَداً * إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ } . لو كان فهم الخطاب على ظاهر ما خرج ، لكان في قوله : { وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَاْىءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذٰلِكَ غَداً * إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ } نهى عن العدة بالثنيا ، فإذ لم يفهم هذا ، ولكن فهموا : لا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غداً إلا أن تقول إن شاء الله ، على إضمار القول ؛ دل أن الخطاب ليس يحمل على ظاهر المخرج ، ولكن على ما توجبه الحكمة والدليل . ثم نهى أن [ يعد ] عدة ولا يستثني فيها ، وقاس بعض الناس الأيمان على العدات فيقول : إذا حلف ، فإنه يلزمه أن يستثني فيها ، وذلك فاسد ؛ لأن الأيمان تخرج على تعظيم الرب وإجلاله ، فلا يجوز أن يؤمر بالثنيا فيها ؛ لأن الثنيا نقض ذلك التعظيم ، وكذلك ما روي : " إذا حلفتم فاحلفوا بالله ولا تحلفوا بآبائكم ولا بالطواغيت " نهى عن الحلف بغير الله ؛ لما في الحلف به تعظيم لذلك الشيء ، وأما العدة ، فإنما هي إضافة الفعل إلى نفسه ، وهو لا يملك تحقيقه ؛ لذلك أمر أن يلحق الثنيا فيه ؛ لئلا يلحقه الخلف في الوعد إذا لم يفعل ما وعد ، وعلى ذلك ذكر عن الأنبياء أنهم إذا وعدوا استثنوا فيه ؛ كقول موسى : { سَتَجِدُنِيۤ إِن شَآءَ ٱللَّهُ صَابِراً … } الآية [ الكهف : 69 ] ، ثم إذا لم يصبر لم يعاتبه بترك الصبر ، ولو كان خلفا لعاتبه ، كما عاتب موسى حيث قال : { إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً } [ الكهف : 72 ] وقد ظهر من الأنبياء والرسل الأيمان والقسم ، ثم لم يذكر عن أحد منهم الثنيا في ذلك ؛ دل أن الثنيا في العدات لازمة وفي الأيمان لا . وفي قوله : { وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَاْىءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذٰلِكَ غَداً * إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ } دلالة ألا يكون شيء إلا بمشيئة الله حيث ندبه إلى الثنيا ، ثم إذا خرج على غير ما وعد لم يلحقه الخلف في الوعد ؛ دل أنه قد شاء ذلك ، وأنه إذا لم يشأ شيئاً لم يكن ؛ لأنه لو كان شيئاً لم يشأ هو ، أو شاء شيئاً فلم يكن - لم يكن لقوله : { إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ } معنى إذا كان ما لم يشأ هو ، ولم يكن ما هو شاء ؛ دل أن [ ما ] شاء هو كان ، وما لم يشأ لم يكن . وفيه أنه قد شاء كل طاعة وخير من العبد ، فلو لم يشأ ما ليس بطاعة ، لكان لا يستثني ، وقد علم أنه قد شاء ذلك ، فدل ثنياه على أنه قد يشاء ما ليس بطاعة إذا علم أنه يختار ذلك ، وذلك على المعتزلة . فإن قيل : إنما أمر بالثنيا في العدة ؛ لما لعله سيموت قبل أن يفعل ما وعد ، أو تذهب عنه القدرة فيعجز عما وعد . قيل : إن الأوهام لا ترجع إلى ذلك ، بل الإمكان مشروط فيه وإن لم يذكر ؛ نحو ما لا يؤمر الإنسان بالطيران ؛ لعدم الإمكان فيه موجودا فهو كالمشروط وإن لم يذكر ، فعلى ذلك في العدات والأيمان وغيرها . وجائز أن يكون المراد بهذا الخطاب غير النبي ؛ وهو الأشبه ؛ لما لا يحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم يعد عدة ولا يذكر الثنيا ؛ لما يعرف ألا يكون شيء إلا بمشيئة الله وإرادته ، وأما غير النبي فجائز ألا يعرف ذلك ؛ لذلك كان غيره أولى به يخرج منه على التعريف لهم والعلم . وقوله - عز وجل - : { وَٱذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ } : هذا يحتمل وجهين : أحدهما : { وَٱذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ } أي : إذا ذكرته بعدما نسيت فاذكره ؛ كقوله : { وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ ٱلشَّيْطَٰنُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ ٱلذِّكْرَىٰ مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّٰلِمِينَ } [ الأنعام : 68 ] فعلى ذلك هذا . والثاني : { وَٱذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ } ، أي : الثنيا في آخر الكلام إذا نسيت أوله - أعني : الثنيا - إذ المستحب أن يستثني في أول كلامه على التبرك ؛ كقوله : { وَإِنَّآ إِن شَآءَ ٱللَّهُ لَمُهْتَدُونَ } [ البقرة : 70 ] استثنوا أولا ثم وعدوا ، فهو المستحب ، فكأنه قال : { وَٱذْكُر رَّبَّكَ } : الثنيا في آخر كلامك { إِذَا نَسِيتَ } في أوله وهو الثنيا ، وهذا يرد على أصحاب الظاهر ؛ لأن ظاهر الكتاب أن يخاطبهم بذكره إذا نسوا ، ولا يجوز أن يخاطب أحداً في حال نسيانه ، فإذا لم يفهم من هذا هذا ، دل أنه لا يفهم على ما خرج ظاهره ، ولكن على ما يصح ويوجب الحكمة ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَقُلْ عَسَىٰ أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لأَقْرَبَ مِنْ هَـٰذَا رَشَداً } . قال بعضهم : أي : قل : عسى أن يهديني ربي لآية هي أوضح على دلالة رسالتي وآخذ مما تسألونني من أمر أصحاب الكهف ؛ لأنهم كانوا : يسألونه عن خبرهم فيستدلون على رسالته وصدقه ؛ فيقول : قد هداني ربي لآية على دلالة رسالتي أوضح مما تسألونني وآخذ للقلوب ؛ إذ كانت له آيات حسيات على رسالته . وقال الحسن : قوله : { وَقُلْ عَسَىٰ } وعسى من الله واجب ، أي : قد هداني ربي الرشد والصواب ، وأما غيره من أهل التأويل يقولون : إنه وعد لأولئك أن يخبرهم غدا عما يسألونه ، وقال : عسى أن يرشدني ربي لأسرع من هذا الميعاد الذي وعدت ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَلَبِثُواْ فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِاْئَةٍ سِنِينَ } . قال بعضهم : هو صلة قول أولئك الذين قالوا : { سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ … } الآية ، مع قوله : إنهم لبثوا في كهفهم ما ذكرنا ، فأمره أن يقول لهم : { ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُواْ … } الآية . وقال بعضهم : هو قول الله ، أخبر أنهم لبثوا ما ذكر من المدة ، وازدادوا تسعاً ، قال بعضهم : تسع سنين ، لكن ليس فيه بيان أنه أراد تسع سنين أو تسعة أشهر أو تسعة أيام ، فلا ندري أراد بذلك ذا أو ذا ؟ فالأمر فيه إلى الله على ما أمر رسوله أن يقول لهم : { ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُواْ لَهُ غَيْبُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } . فإن قيل في قوله : { ثَلاثَ مِاْئَةٍ سِنِينَ } : ألا قال : ثلائمائة سنة ، كما يقال : ثلاثمائة رجل وثلاثمائة درهم ونحوه ؟ قال بعض أهل الأدب : إنه لم يضف ثلاثمائة إلى سنين ، ولكنه أراد إتمام الكلام بقوله : { ثَلاثَ مِاْئَةٍ } ؛ لذلك نون فيها ، ثم أخبر ما تلك الثلاثمائة ؟ فقال : سنين على القطع من الأول ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { قُلِ ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُواْ } . هو ما ذكرنا : أنه جعل علم مدة لبثهم في كهفهم إلى الله تعالى . وقوله - عز وجل - : { لَهُ غَيْبُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } . يحتمل هذا وجوهاً ثلاثة : أحدها : له علم ما غاب عن أهل السماوات وأهل الأرض ؛ كقوله : { عَالِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ } [ الأنعام : 73 ] . والثاني : له علم ما غيب وأسر أهل السماوات والأرض بعضهم من بعض . والثالث : له علم غيب ما شاهد أهل السماوات وأهل الأرض ؛ لأن فيما شاهدوا من الأشياء وعاينوها غيباً وسرية لم يعلموه ، من نحو الشمس شاهدوها وعرفوا أنها شمس ، ولكن لم يعلموا ما فيها من المعنى الذي به صلاح الأشياء ومنافعها ، وكذلك القمر ، وإنما شاهدوا هذه الأشياء ، ولكن لم يعرفوا المعنى الذي به صارت نافعة للأشياء ومصلحتها ، وكذلك السمع والبصر والعقل ونحوه من الحواس ، عرفوا هذه الحواس على ظواهرها ولكن لا يعرفون المعنى الذي به يسمعون ويبصرون ويفهمون ، فيقول : له علم ما غاب عنكم من هذه الأشياء التي شاهدتموها ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ } . هذا كلام يتكلم على النهاية والغاية والإبلاغ من الوصف ، ويقال : أكرم به من فلان ، إذا كان بلغ الكرم به غايته ، وكذلك يقال : أحسن به من فلان : إذا بلغ في الحسن غايته ونحوه ؛ فعلى ذلك قوله : { أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ } هو وصف له على النهاية ؛ كما يقال : ما أعلمه ، وما أبصره ، وما أكرمه ، وما أحسنه : يعلمهم أنه يعلم ما غاب عن الخلق وما شاهدوا أبصر به من الأفعال التي يفعلون ، وأسمع به من الأقوال التي يتفوهون ، أي : يعلم ما غاب عنهم مما لم يفعلوا ولم يقولوا ، فالذي قالوه وفعلوه أحق أن يعلم ؛ يحذرهم عز وجل عن أفعالهم وأقوالهم ، والله الموفق . وقوله - عز وجل - : { وَلاَ يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً } . يحتمل : لا يشرك في ألوهيته وربوبيته أحداً . ويحتمل : ولا يشرك في حكمه ، أي : الحكم له ليس لأحد دونه حكم ، إنما عليهم طلب حكم الله فيما يحكمون . أو لا يشرك في تقديره وتدبيره الذي يدبر في خلقه أحداً . ويحتمل : ولا يشرك في قسمته التي يقسم بين الخلق أحداً ، { وَلاَ يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً } ، أي : فيما جاءت به الرسل ودعت الخلق إليه .