Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 18, Ayat: 27-31)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { وَٱتْلُ مَآ أُوْحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ } . يحتمل : { كِتَابِ رَبِّكَ } : اللوح المحفوظ ، أي : بلغ ما أوحي إليك من اللوح الذي عند الله من متلو [ وغير متلو ] ؛ كقوله : { بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ } [ المائدة : 67 ] وهو جميع ما أنزل إليه من المتلو وغير المتلو . ويحتمل : { مِن كِتَابِ رَبِّكَ } : الكتاب الذي أنزل عليه ، وهو القرآن ، أي : اتل عليهم ذلك الكتاب ، فإن كان هذا ففيه أن القرآن مما يتقرب بتلاوته . ثم في قوله : { بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ } [ المائدة : 67 ] ، وقوله : { وَٱتْلُ مَآ أُوْحِيَ إِلَيْكَ } فريضة ضيعناها ؛ وذلك أنه أمر رسوله بتبليغ رسالته وما أنزل إليه ، ثم معلوم أن من كان في أقصى الدنيا وأبعد أطرافها لم يقدر رسوله أن يتولى التبليغ بنفسه وكذلك بعد وفاته لا يجوز أن يتولى بتبليغه ، فكان ذلك القيام يلزم المسلمين وأئمتهم بتبليغه فضيعوا ذلك ؛ ولهذا ما رخص - والله أعلم - بدخول المسلمين دار الحرب للتجارة ، ودخول أولئك دار الإسلام للتجارة أيضاً ؛ لينتهي إليهم خبر هذا الدين ؛ حيث علم أنه يكون أئمة في آخر الزمان لا يهتمون لدينه ولا يتولون بتبليغ ما أمروا بتبليغه ، ويضيعون أمره ، فيلزمهم حجة الله ، وإلا ما الحاجة في تلك التجارة والأموال التي يتجرون فيها ؟ ! ولكن ما ذكرنا ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { لاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ } : قال بعضهم : لا مبدل لسنته ؛ إذ سنته في المكذبين الإهلاك ، والمصدقين النجاة ، هذا سنته وإن أمكن تعجيلها وتأخيرها ، فأما نفس سنته فهي لا تبدل ولا تحول ؛ كقوله : { وَلاَ تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً } [ الإسراء : 77 ] و { تَبْدِيلاً } [ فاطر : 43 ] . وقال الحسن في قوله : { لاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ } : ما وعد وأوعد لهم في الدنيا ، فذلك في الآخرة لا يبدل ولا يحول ؛ إذ وعد للمؤمنين الجنة ، وللكافرين العذاب ، فذلك لا يبدل . وقال بعضهم : { لاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ } وهي القرآن لا يتبدل ، ولا يغير ، ولا يزداد ، ولا ينقص ؛ كقوله : { لاَّ يَأْتِيهِ ٱلْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ } [ فصلت : 42 ] . وقال بعضهم : { لاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ } لحججه وبراهينه التي جعل لدينه وأقام له ذلك ، يلزم الإسلام ودينه ، إلا من قصر عليه في العبادة ، أو كان المقام عليه الحجة معناداً مكابراً . وأما من لم يكن هذين المعنيين يسلم لا محالة ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً } . هذا الخطاب وإن كان في الظاهر لرسول الله ، فهو يخرج مخرج التنبيه على ما ذكرنا في غير آي من القرآن . وقوله : { مُلْتَحَداً } قال بعضهم : مدخلا ؛ ولذلك سمي اللحد : لحداً ؛ لما يدخل فيه . وقال بعضهم : ملجأ ، والله أعلم . وقوله : { وَٱصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِيِّ } . يحتمل : واصبر نفسك بالغداة والعشي مع الذين يدعون ربهم ، فيكون في الأمر بالجلوس لهم بالغدوات والعشيات ؛ للتذكير وتعليم العلم ، على ما تعارف الناس الجلوس للناس لذلك في هذين الوقتين ؛ إذ ذانك الوقتان خاليان عن الأشغال التي تشغلهم عن ذلك [ ذكر ] الغداة والعشي لما لم يجعل عليهم بعد صلاة الغداة صلاة ، وكذلك بعد العصر ؛ للذكر الذي ذكرنا وتعليم ما يحتاجون في ليلهم ونهارهم . أو أن يكون ذلك كناية عن صلاة الفجر والعصر ؛ لما جاء لهما من فضل وعيد لم يجئ في غيرهما من الصلوات ؛ نحو ما ذكر : { وَقُرْآنَ ٱلْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ ٱلْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً } [ الإسراء : 78 ] ، وما روي في العصر من الوعيد : " من فاته العصر فكأنما وتر أهله وماله " ، ونحوه أمر بصبر نفسه على حفظ هذين ؛ لما ذكرنا مع من ذكر . أو أن يكون لا على إرادة غداة أو عشي ، ولكن بالكون مع أتباعه في كل وقت والصبر معهم . وقال أهل التأويل : ذكر هذا ؛ لأن رؤساء كفار مكة سألوه أن يطرد أتباعه من عنده ويتخذ لهم مجلساً ، فنزل قوله : { وَلاَ تَطْرُدِ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِيِّ … } الآية [ الأنعام : 52 ] ، وقوله : { وَٱصْبِرْ نَفْسَكَ … } الآية . وقالوا في قوله : { وَٱتْلُ مَآ أُوْحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ لاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ } في أصحاب الكهف ، يقول : وأخبرهم ما سألوك مما أوحينا إليك من أخبار أصحاب الكهف ولا تزيد ولا تنقص عليه . فإن كان في أمرهم نزل هذا فرسول الله كان لا يخبرهم إلا ما أوحي إليه وأنزل عليه من أمرهم ، والوجه فيه ما ذكرنا ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ } . قيل : لا تتعد عنهم إلى غيرهم . وقيل : لا تصرف ولا ترفع عينيك عنهم تجاوزهم إلى غيرهم . { تُرِيدُ زِينَةَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } هذا يحتمل وجهين : أحدهما : إن كان على تأويل أهل التأويل أنهم سألوه أن يتخذ لهم مجلساً دون أولئك ، فيكون تأويل قوله : { تُرِيدُ زِينَةَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } أي : تريد أولئك الذين يطلبون منك مجلساً على حدة يريدون بذلك زينة الحياة الدنيا لا يريدون بذلك وجه الله . والثاني : لو فعلت ما سألوك كان فعل ذلك [ كفعل ] من يريد زينة الحياة الدنيا ؛ لأن المجلس الذي يحضره الأشراف والرؤساء إنما يراد به زينة الحياة الدنيا ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا } . تأويل الآية على قولنا ظاهر ، نحن نقول على ما نطق ظاهر الآية : من أغفلنا قلبه عن ذكرنا ، أي : من خلقنا ظلمة الكفر بكفرهم في قلوبهم ، أو خذلناهم بكفرهم الذي فعلوا . وأما المعتزلة فإنهم قد تحيروا فيه وتاهوا وأكثروا التأويلات فيها ، حتى أن منهم من صرف القراءة عن وجهها فقال : { وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا } بنصب اللام ، و { قَلْبَهُ } برفع الباء ، معناه : أن من أغفل قلبه عن ذكرنا على قول المعتزلة ، على صرف الفعل إلى القلب ، وكذلك قالوا في قوله : { مِن شَرِّ مَا خَلَقَ } [ الفلق : 2 ] ؛ ليصح على مذهبهم ويستقيم . ومنهم من قال : { وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا } ، أي : لا تطع من وجدنا قلبه غافلا ، وقال : ذلك مستقيم في اللغة ؛ يقال : قاتلناهم فيما أجبَنَّاهم ، أي : ما وجدناهم جبناء ، ويقال : فسألناهم فما أبخلناهم ، أي : ما وجدناهم بخلاء ، ونحوه من الكلام ، وهو تأويل الجبائي فيما أظن . وقال بعضهم : { وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ } ، أي : من خلينا بينه وبين ما يفعل وهو كما يقال لمن خلى عبده حتى أفسده كثيراً من الناس يقال : سلطت عبدك على الناس ، وهو لم يسلطه عليهم ، لكنه يقال له ؛ لما قدر على منعه عن ذلك والحيلولة بينه وبين ما فعل أضيف ذلك إليه ؛ فعلى ذلك قوله : { أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا } أي : خلينا بينهم وبين ما فعلوا ولم نمنعهم ، وهو تأويل جعفر بن حرب . وقال بعضهم : أضاف ذلك إلى نفسه للأسباب التي أعطاهم من السعة والغناء والشرف في الدنيا ، فتلك الأسباب التي أعطاهم هي التي حملتهم على ذلك ؛ فأضيف إليه ذلك لذلك ، وهو ما قال : { وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً } [ الزخرف : 32 ] وهو تأويل أبي بكر الأصم . وقال الحسن : { أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ } أي : خذلناهم وطبعنا على قلوبهم ، وهو يقول : إن للكفر حدّاً إذا بلغ ذلك الحد يخذله ويطبع على قلبه ؛ فلا يؤمن أبداً . فيقال : خذله في أول حال الكفر أو بعد ذلك بأوقات وزمان . فإن قال : في أول حال كفره فهو قولنا . وإن قال : لا في أول حاله ، ولكن بعد زمان ، فهو كافر موفق ومؤمن مخذول على قوله ، فنعوذ بالله مما قال . ثم الجواب للأول ما ذكرنا من صرف التنزيل عن وجهه وظاهره ، فلو جاز لهم ذلك ، [ لجاز ] لغيرهم صرف جميع الآيات عن ظاهر التنزيل ، وذلك بعيد محال . وأما تأويل الجبائي ، أي : ما وجدناهم كذا ، فإنما يسوغ له هذا إذا كان جميع حروف ( أفعل ) يخرج على ما يقوله في اللغة ، فأمّا أن يقال في بعض ، فإن ذلك غير مستقيم . وبعد فإنه لو كان كما ذكر لكان يقول : ( ولا تطع من أغفلته عن ذكرنا ) ، أي : وجدته غافلا عن ذكرنا ؛ لأنه نهى عن أن يطيع من وجده غافلا ، فهو لا يعلم من وجده الله غافلا ، إنما يعلم من وجده بنفسه غافلا . فأما إذا كان ما ذكرنا لم يكن للنهي عما ذكر معنى ؛ فدل أن تأويله فاسد وخيال ، وأن إضافته إليه لمعنى يكون من الله . وأما جواب جعفر بن حرب أنه على التخلية والتسليط ، فهو إنما يقال : سلطت عبدك على كذا على الذم لا على المدح ؛ فلا يجوز أن يقال ذلك في الله على الذم ويضاف إليه أيضاً ذلك . وكذلك يقال لأبي بكر حيث قال : إنما أضاف ذلك إليه للأسباب التي ذكر أنه أعطاهم ، يقال له : ذلك يضاف على الذم : إنك أعطيت كذا حتى فعل كذا ، فأما أن يقال على المدح فلا ؛ فيبطل قوله وتأويله ؛ فدل إضافة ذلك إلى نفسه أنه كان منه في ذلك معنى يستقيم إضافته إليه ، وهو ما ذكرنا من خلق الظلمة في قلوبهم بكفرهم الذي اختاروا وخذلانه إياهم لما اختاروا وآثروا ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً } . قال بعضهم : { فُرُطاً } أي : ضياعاً وهلاكاً . وقال بعضهم : { فُرُطاً } أي : خسرانا وخساراً . وقال أبو عوسجة : هو من التفريط . وقال غيره : أفرط في القول كما قال : ( إنا رءوس من مضر إن نسلم يسلم الناس بعدنا ) على ما ذكر في بعض القصة . وقال أبو عبيدة : فرطاً ، أي : ندماً . وقوله - عز وجل - : { وَقُلِ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ } . كأنه على الإضمار ، أي : قل : قد جئتكم بالحق من ربكم . أو يقول : قل لهم : قد تعلمون أني قد جئتكم من الآيات والحجج على ما أدعوكم إليه ما لا يحتمل بليتي ويخرج عن وسعي وطاقتي . وقوله - عز وجل - : { فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ } . ثم يحتمل هذا وجوهاً : أحدها : من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ؛ فإنه إنما يعمل لنفسه ليس يعمل لأحد سواه ؛ كقوله : { مَّنْ عَمِلَ صَـٰلِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَآءَ فَعَلَيْهَا } [ فصلت : 46 ] ، وقوله : { إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ … } الآية [ الإسراء : 7 ] ؛ فعلى ذلك يقول ، والله أعلم . والثاني : يقول : إني بلغت الرسالة إليكم فلا أكرهكم أنا على الإسلام ولا أحد سواي ، فمن شاء منكم فليؤمن ومن شاء فليكفر ، فإنه إنما يؤمن باختياره ومشيئته ، ومن كفر فإنما يكفر باختياره ومشيئته لا يكره على ذلك . والثالث : أن الإيمان والكفر قد بين الله لهما العواقب ما عاقبة من اختار الإيمان وما عاقبة من اختار الكفر ، وهو ما قال : { إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا … } إلى آخر ما ذكر ، وقال للمؤمنين : { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً * أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ … } الآية . يقول : قد بين لكل واحد منهما عاقبة ، فمن شاء اكتسب لنفسه في العاقبة الجنان وما فيها من النعيم ، ومن شاء اكتسب ما ذكر في العاقبة من النار وأنواع العذاب ، فذلك كله يخرج على الوعيد . وقوله - عز وجل - : { إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ } وقت دخولهم النار أو هو في الآخرة . وقوله - عز وجل - : { أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا } يحتمل هذا وجهين : أحدهما : على إرادة حقيقة السرادق . والثاني : على التمثيل ، أي : يحيط بهم النار فلا يقدرون على الخروج منها على ما يمنع السرادق من الخروج في الدنيا ودفع الحرّ والبرد ، فإن كان على حقيقة السرادق فهو - والله أعلم - على ما جعل الله لهم من أنواع ما كانوا يتفاخرون في الدنيا من اللباس والطعام والشراب وغير ذلك يجعل لهم في الآخرة من ذلك النوع من النار ، وهو ما ذكر : { سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ } [ إبراهيم : 50 ] ، وما قال : { لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِن ضَرِيعٍ } [ الغاشية : 6 ] والشراب ما ذكر من الصديد والغسلين ، وغير ذلك من النوع الذي كانوا يتفاخرون به في الدنيا ويمنعهم عن الإيمان جعل لهم في الآخرة من ذلك النوع من النار وبه يعاقبهم ، فعلى ذلك جائز أن يكونوا يتفاخرون به في الدنيا بالسرادق إذا خرجوا في السفر ، فيعاقبهم الله في النار بذلك ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَإِن يَسْتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ بِمَآءٍ كَٱلْمُهْلِ } . يحتمل استغاثتهم هو ما ذكر في الآية { أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ ٱلْمَآءِ } [ الأعراف : 50 ] فيغاثون { بِمَآءٍ كَٱلْمُهْلِ } ، ويحتمل : أن يطلبوا في النار الماء بعدما طعموا فيها منها فيغاثون بالمهل . ثم المهل : قال عامتهم : المهل : هو دردي الزيت أو العصير ، لكنهم اختلفوا في معنى التشبيه به : قال بعضهم : يشبه به لغلظه ؛ لأن الشيء الغليظ يكون ألصق وآخذ من غيره . وقال بعضهم : شبهه به لسواده . وقال الحسن وأبو بكر : تشبيهه به ؛ لكثرة تلونه من الحمرة والصفرة والسواد ونحوه لشدته ، وهو ما ذكر : { يَوْمَ تَكُونُ ٱلسَّمَآءُ كَٱلْمُهْلِ } [ المعارج : 8 ] شبهه كالمهل لتلونه ؛ لشدة ذلك اليوم وهوله . وقوله - عز وجل - : { يَشْوِي ٱلْوجُوهَ } ذلك الشراب ، { بِئْسَ ٱلشَّرَابُ وَسَآءَتْ مُرْتَفَقاً } أي : ساءت النار مرتفقا ، اختلف فيه : قال بعضهم : المرتفق : المتكأ . وقال بعضهم : المجتمع ، أي : بئس الاجتماع . وقال بعضهم : مجلساً . وقال بعضهم : بئس المنزل النار قرناؤهم فيها الكفار والشياطين . وقوله - عز وجل - : { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً } . قال بعضهم : هو على التقديم والتأخير كأنه قال : إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا منهم ، ثم قال : { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً * أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ … } إلى آخر ما ذكر . وقال بعضهم : ليس على التقديم والتأخير ، ولكن على ما ذكر أن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا منهم ، ثم بين ما لهم فقال : { أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ … } إلى آخر ما ذكر . قال أبو عوسجة : السرادق : البناء الذي يبنى من الكرابيس يشبه الدار والحجرة ، { وَسَآءَتْ مُرْتَفَقاً } ، أي : متكأ ومنزلا . وقال القتبي : السرادق : الحجرة التي تكون حول الفسطاط ، قال : وهو الدخان يحيط بالكفار يوم القيامة ، وهو الظل ذو الثلاث الشعب ، و { كَٱلْمُهْلِ } دردي الزيت ، ويقال : ما أذيب من النحاس والرصاص ، و { وَسَآءَتْ مُرْتَفَقاً } ، أي : مجلسا وأصل الارتفاق : الاتكاء على المرفق . وقوله : { أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ ٱلأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ } . يذكر ثواب المؤمنين الذين تركوا شهواتهم في الدنيا لها . { وَيَلْبَسُونَ ثِيَاباً خُضْراً مِّن سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ } . قالوا : الإستبرق : الديباج الغليظ ، والسندس : وهو الرقيق والغليظ منه لا يلبس ، لكنه كأنه جمع بين ما يلبس وبين ما يبسط ، فذكر اللبس لما يلبس ، كما يقال : أطعمت فلاناً طعاماً وشراباً والشراب لا يطعم . وقيل : إن الإستبرق هو الرقيق من الديباج بلغة قوم ، فإن كان ما ذكر فكأنه إنما ذكر ذلك لأولئك ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى ٱلأَرَآئِكِ } . قال بعضهم : { ٱلأَرَآئِكِ } : السرر في الحجال ، والأريكة : السرير في الحجلة . وقال بعضهم : { ٱلأَرَآئِكِ } : السرر عليها حجال . وقال أبو عوسجة : { ٱلأَرَآئِكِ } : الوسادة . { وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً } قيل : منزلا . وأصل هذا : أنه وعد لهم في الآخرة ما كانت أنفسهم ترغب فيه في الدنيا ليتركوا ذلك في الدنيا للموعود في الآخرة ، وكذلك حذرهم في الآخرة بأشياء تنفر [ منها ] أنفسهم وطباعهم في الدنيا ؛ ليحذروا ما يستوجبون الموعود في الآخرة ، والله أعلم .