Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 18, Ayat: 47-49)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { وَيَوْمَ نُسَيِّرُ ٱلْجِبَالَ وَتَرَى ٱلأَرْضَ بَارِزَةً } . يذكرهم - عز وجل - عن شدة أهوال ذلك اليوم وأفزاعه حيث سار أثبت شيء رأوا في الدنيا ، وتكسر أصلب شيء رأوا في الدنيا ، وهو الجبال ؛ لشدة أهوال ذلك اليوم وأفزاعه . وقال في آية أخرى : { يَوْمَ يَكُونُ ٱلنَّاسُ كَٱلْفَرَاشِ ٱلْمَبْثُوثِ * وَتَكُونُ ٱلْجِبَالُ كَٱلْعِهْنِ ٱلْمَنفُوشِ } [ القارعة : 4 - 5 ] ، وقال في آية أخرى : { وَكَانَتِ ٱلْجِبَالُ كَثِيباً مَّهِيلاً } [ المزمل : 14 ] ، وقال في آية أخرى : { وَتَرَى ٱلْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ ٱلسَّحَابِ } [ النمل : 88 ] وقال في آية أخرى : { هَبَآءً مَّنثُوراً } [ الفرقان : 23 ] ، وأمثاله يذكرهم عن شدة أهوال ذلك اليوم وأفزاعه ؛ حيث صار أثبت شيء في الدنيا وأشده - على الوصف الذي ذكره ، وبدون هذه الأهوال والأفزاع التي ذكر - لا تقوم أنفس البشر في الدنيا ؛ فقيامها لمثل هذه الأهوال التي ذكر أحرى ألا تقوم ؛ ألا ترى أن موسى - عليه السلام - كان أشد الناس وأقوى البشر ، ثم لم تقم نفسه ؛ لاندكاك الجبل حتى صعق إلا أن الله حكم أن لا هلاك يومئذ بعدما أحياهم ، وإلا كانت أنفسهم لا تقوم بدون ما ذكر من الأهوال . ثم ما ذكر من أحوال الجبال يكون ذلك في اختلاف الأحوال والأوقات : يكون في ابتداء ذلك اليوم ما ذكر أنها تسير وأنهم يرونها جامدة ، وهي ليست بجامدة ، ثم تصير كثيباً مهيلا ، ثم تصير كالعهن المنقوش في وقت ، ثم تصير هباء منثوراً تكون على الأحوال التي ذكر ، على اختلاف الأحوال والأوقات ، على قدر الشدة والهول ، والله أعلم . ثم يحتمل قوله : { وَتَرَى ٱلْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ ٱلسَّحَابِ } [ النمل : 88 ] ، لشدة ذلك اليوم تتراءى كأنها جامدة ، وهي تمر مرّ السحاب ، وقد يتراءى في الشاهد مثله ؛ للهول والفزع . والثاني : تتراءى ، أي : لازدحام الجبل واجتماعها ، وقد يتراءى في الشاهد : السائر كالجامد والساكن ؛ للكثرة والازدحام ؛ نحو عسكر عظيم يسير يراه الناظر إليه كأنه ساكن لا يسير ؛ فعلى ذلك هذا ، والله أعلم . ثم يحتمل أن يكون هذه الأهوال التي ذكر لأهل الكفر والعصاة منهم ، وأما أهل الإيمان والإحسان يكونون في أمن وعاقبة من تلك الأهوال ؛ كقوله : { إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ ٱلْمَلاَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ … } الآية [ فصلت : 30 ] . وقوله - عز وجل - : { وَتَرَى ٱلأَرْضَ بَارِزَةً } . أي : ظاهرة ليس عليها بناء ولا شجر ولا جبال ولا حجر ولا شيء تصير مستوية - على ما ذكرنا - { قَاعاً صَفْصَفاً * لاَّ تَرَىٰ فِيهَا عِوَجاً وَلاۤ أَمْتاً } [ طه : 106 - 107 ] . ويحتمل قوله : { وَتَرَى ٱلأَرْضَ بَارِزَةً } ، أي : يكون أهلها بارزين له ؛ كقوله : { وَبَرَزُواْ لِلَّهِ جَمِيعاً } [ إبراهيم : 21 ] . وقوله - عز وجل - : { وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً } . أي : نجمعهم جميعاً ؛ كقوله : { قُلْ إِنَّ ٱلأَوَّلِينَ وَٱلآخِرِينَ * لَمَجْمُوعُونَ إِلَىٰ مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ } [ الواقعة : 49 - 50 ] وقوله - عز وجل - { وَعُرِضُواْ عَلَىٰ رَبِّكَ صَفَّاً } . قال بعضهم : عرضوا على ربك جميعاً . ثم يحتمل قوله : { وَعُرِضُواْ عَلَىٰ رَبِّكَ } للحساب . وقال بعضهم : يعرضون على مقامهم ، أي : يعرض كل فريق على مقامه ، أي : يبعث ؛ كقوله : { وَأُزْلِفَتِ ٱلْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ * وَبُرِّزَتِ ٱلْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ } [ الشعراء : 90 - 91 ] . ويحتمل معنى العرض عليه في ذلك اليوم ، وإن كانوا في جميع الأحوال والأوقات في الدنيا والآخرة معروضين عليه عالم بأحوالهم ؛ لما يقرون له جميعاً يومئذ منكرهم ومقرهم - بالعرض والقيامة ، كقوله : { وَبَرَزُواْ لِلَّهِ جَمِيعاً } [ إبراهيم : 21 ] ، { وَٱلأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ } [ الانفطار : 19 ] ، والأمر في جميع الأوقات لله ، وكذلك هم بارزون له في جميع الأحوال ، لكنّه خصّ ذلك اليوم بالإضافة إليه بما يقرون له جميعاً في ذلك اليوم بالألوهية له والملك ، ويعرفون حقيقته ؛ فعلى ذلك هذا ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ } . يحتمل هذا وجوهاً : [ الأول ] يحتمل لقد جئتمونا بالإجابة والإقرار لنا كما أجاب خلقتكم في أول خلقنا إياها في الدنيا . والثاني : لقد جئتمونا كما قلنا في الدنيا : إنكم تبعثون ، وتحشرون ، وتقوم لكم الساعة . والثالث : ما قاله أهل التأويل : لقد جئتمونا فرادى بلا أنصار ينصرونكم ، ولا أعوان يعينونكم على ما كنتم في الابتداء . وقال بعضهم : كما خرجتم من بطون أمهاتكم عراة وحفاة ليس معكم مال يمانعكم ولا أنصار تناصركم ، وهو ما قال : { وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَٰدَىٰ كَمَا خَلَقْنَٰكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَّا خَوَّلْنَٰكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ … } [ الأنعام : 94 ] . وقوله - عز وجل - : { بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّن نَّجْعَلَ لَكُمْ مَّوْعِداً } . هذا يدل أن تلك الأهوال التي ذكر إنما تكون للعصاة ، ومن أنكر البعث ؛ حيث قال : { بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّن نَّجْعَلَ لَكُمْ مَّوْعِداً } يعني : القيامة . وهذا يدل أن الأهوال والأفزاع التي ذكر في الآية الأولى تكون للعصاة والفسقة من خلقه دون المؤمنين . وقوله - عز وجل - : { وَوُضِعَ ٱلْكِتَابُ } . قيل : الحساب ، ويحتمل : الكتاب الذي كتبته الملائكة ، وضع ذلك الكتاب في أيديهم . وقوله - عز وجل - : { فَتَرَى ٱلْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ } . أي : خائفين وجلين وقال بعضهم : لما نظروا في الكتاب فرأوا من أعمالهم الخبيثة فيه عند ذلك خافوا مما فيه . وقوله - عز وجل - : { وَيَقُولُونَ يٰوَيْلَتَنَا مَالِ هَـٰذَا ٱلْكِتَابِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً } . من الأعمال السيئة . { إِلاَّ أَحْصَاهَا } ، أي : حفظها ، ولا يغادر صغيرة ولا كبيرة من الحسنات والسيئات إلا أحصاها . ويحتمل قوله : { لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً } ، أي : لا يترك شيئاً ممّا يجزى به الإنسان وما لا يجزى به { إِلاَّ أَحْصَاهَا } ، أي : حفظها . { وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ } ، في الدنيا ، { حَاضِراً } ، في الآخرة ، محفوظاً غير فائت عنه شيء ولا غائب عنه . وقال بعضهم : إنما هو قول الملك يقول لهم ذلك ، كقوله : { مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } [ ق : 18 ] ، أي : حفيظ ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً } . أي : يجزى كلا على قدر عمله ، لا يزيد على قدر عمله ولا ينقص عنه ، أي : لا ينقص المؤمن من حسناته ، والكافر لا يترك له سيئة ، الظلم : هو في الشاهد وضع الشيء غير موضعه . يقول : لا يظلم ربّك أحداً ، أي : لا يكون بما يجزى كلا على علمه ظالماً واضعاً شيئاً غير موضعه .