Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 18, Ayat: 9-16)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { أَمْ حَسِبْتَ } . قيل : أحسبت . وقيل : قد حسبت . ويحتمل بمعنى : بل حسبت ، كقوله : { أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَىٰ } [ الشورى : 24 ] أي : بل يقولون ، فعلى ذلك قوله : { أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ ٱلْكَهْفِ وَٱلرَّقِيمِ } . وقد ذكرنا في غير موضع أن حرف الاستفهام من الله يكون على الإيجاب والإلزام ، ثم هو يخرج على وجهين : أحدهما : على الأمر : احسب واعلم : أن أبناء الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجباً . أو ما ذكرنا : بل حسبت ، وهو كذلك . أو يقول : لا تحسبن أن أصحاب الكهف والرقيم من آياتنا عجبٌ ليس أعجب منها ، بل أتاك آيات أعجب منها بكثير ، والله أعلم . ثم اختلف في { وَٱلرَّقِيمِ } قال بعضهم : { وَٱلرَّقِيمِ } : الكتاب ؛ كقوله : { كِتَابٌ مَّرْقُومٌ } [ المطففين : 9 ] ، أي : مكتوب . وقال بعضهم : { وَٱلرَّقِيمِ } : الوادي الذي فيه كهفهم . وقيل : { وَٱلرَّقِيمِ } : اللوح الذي كتب فيه أسامي الفتية . وقيل : { وَٱلرَّقِيمِ } : القرية التي خرجت الفتية منها وكذلك روي عن ابن عباس - رضي الله عنه - أنه قال : ما أدري ما الرقيم ؟ لكني سألت كعباً عنها فزعم أنها القرية التي خرجوا منها . وقيل : { وَٱلرَّقِيمِ } : الكلب الذي كان معهم . قالوا أمثال ما ذكرنا ، وليس بنا إلى معرفة الكهف والرقيم حاجة ، إنما ذلك بلسانهم ولم يسألوا عن الكهف والرقيم ، وإنما سألوا عن أصحاب الكهف والرقيم مما ينبغي لهم أن يشتغلوا به . ثم قال أهل التأويل : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن قصة أصحاب الكهف والرقيم وأنبائهم ، فقال : أخبركم غداً ولم يستثن ، فعاقبه الله فيه أن حبس عنه الوحي كذا وكذا يوماً ، فنزل : { وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَاْىءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذٰلِكَ غَداً * إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ } [ الكهف : 23 - 24 ] . لكن ذلك فاسد ، وما توهموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم محال ؛ لأنه كذب لا يجوز أن يكون رسول الله يقول : ( أخبركم غداً ) والله لم يأمره بذلك ، أو قال ولم يستثن ؛ فيحبس الله الوحي عنه ، ولا يخبرهم في الوقت الذي قال إنه يخبرهم ؛ فيظهر كذبه عندهم بعدما اختاره لرسالته ، واصطفاه لموضع وحيه ، ثم يكذبه فيما أخبر ؛ هذا فاسد محال غير محتمل ما توهموا به على الله وعلى رسوله ، قد كان من كفار مكة السعي في منع رسول الله عن تبليغ الرسالة إلى الناس ، والحيلولة عن الدعاء إلى ما أمر أن يدعوهم ، واستقبال حججه وبراهينه بتمويهاتهم ، وقد ذكر في غير قصة وخبر : أنهم سألوا اليهود عنه ، وعن نعته : هل تجدون نعته في كتبكم ؟ أن لم يكونوا أهل كتاب يعلمون ذلك ؛ فاحتاجوا إلى من يعلمهم ويخبرهم عنه ، فسألوا يهود المدينة عنه وعن خبره ، فقالوا : نجد نعته في كتابنا كما يقولون ، فهذا وقت خروجه وأوانه ، فقالوا لهم : حدثونا بشيء نسأله لا يعلمه إلا نبيّ ، فقالوا : سلوه عن ثلاث خصال ، فإن أجابهن ، فهو نبي ، وإلا فهو كذاب ، اسألوه عن أصحاب الكهف ، واسألوه عن ذي القرنين فإن كان ملكاً ، وكان من أمره كذا وكذا ، واسألوه عن الروح ، فإن أخبركم فهو نبي ، وإن لم يخبركم فهو كذاب ، فسألوه ، فأخبرهم عن ذلك . وفي بعض القصة : اسألوه عن الروح ، فإن أخبركم عنه ، فهو ليس بنبيّ وإن لم يخبركم ، ولكنه وكل أمره إلى الله فهو نبي . ثم قوله : { أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ ٱلْكَهْفِ وَٱلرَّقِيمِ كَانُواْ مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً } : يحتمل أن يكون الخطاب وإن كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم فالمراد به غيره ، على ما خاطبه في غير آي من القرآن والمراد به غيره . ويحتمل أن الخطاب له والمراد هو ، وإن كان هو المخاطب بهذا ، فإنه يحتمل قوله : { أَمْ حَسِبْتَ … } إلى آخره وجهين : أحدهما : يقول : قد حسبت أن أنباءهم وأخبارهم كانت من آياتنا لرسالتك ونبوتك عجباً ؛ فيكون الحساب على هذا التأويل في موضع العلم واليقين ، كأنه قال : قد علمت أن أنباء أصحاب الكهف وأخبارهم آية عجيبة لرسالتك . والثاني : إخبار عن أحوالهم وتقلبهم من حال إلى حال ، فإن كان على هذا ، فيكون الحسبان في موضع الحسبان ، كأنه قال : قد حسبت أن أحوالهم وتقلبهم كان من آياتنا عجباً ، هذا إذا كان الخطاب به لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأمّا إذا كان الخطاب به لغيره ، فإنه يجوز على الحسبان والظن وغيره ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { إِذْ أَوَى ٱلْفِتْيَةُ إِلَى ٱلْكَهْفِ } : أي : انضم . قال بعضهم : الكهف : الغار في الجبل . وقيل : الفضاء . وقيل : الملجأ . ولكن قد ذكرنا : أنا لا ندري ما الكهف وما الرقيم ؟ ذلك بلسانهم ، وليس لنا إلى معرفة ذلك حاجة ، وهم الفتية اسم الأحداث منهم والشبان ، لا اسم المشيخة ، ثم يكون المماليك والخدم ، ويكون الأحرار ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { فَقَالُواْ رَبَّنَآ آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً } : قال الحسن : { رَبَّنَآ آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً } أي : جنة ، { وَهَيِّىءْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً } أي : يسيراً ، وهو ما ذكر في قوله : { يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِّنْ أَمْرِكُمْ مِّرْفَقاً } . فهذا ليس بدعاء ، إنما هو تلقين وإلهام منه إياهم ، فيكون تفسيراً للأول . وقال بعضهم : قوله : { آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً } أي : رزقاً ؛ لأنهم كانوا يفارقون قومهم ؛ لكفرهم ؛ ليسلم لهم دينهم الذي هم عليه ، وهو الإسلام ، وقد عرفوا أنه يسع مفارقة الناس طلباً لسلامة الدين ، ولكن لم يعرفوا أنه يسع قوتهم ، وما به قوام أنفسهم إلى مكان خال عن ذلك فسألوا ربهم الرزق ؛ إشفاقاً على أنفسهم بقولهم : { آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً } أي : رزقاً { وَهَيِّىءْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً } أي : احمل جميع أمورنا على الصواب والرشد على ما ذكرنا : أنهم عرفوا سعة المفارقة للدين ، ولكن لم يعرفوا سعة ذلك ؛ إذا كان فيه خوف هلاك أنفسهم ، فسألوا ربهم أن يحمل أمرهم ذلك على الرشد والصواب . ويحتمل { آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً } : نعمة وسعة ، وهيئ لنا من أمر ديننا صواباً ، يقول { آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّىءْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً } . وقوله عز وجل : { فَضَرَبْنَا عَلَىٰ آذَانِهِمْ فِي ٱلْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً } : الضرب على الآذان : هو المحو ، محو الأسماع ، ويقال : اضرب على حديث كذا : امحه . ثم يحتمل محو الأسماع وجهين : أحدهما : محو الأرواح التي بها تحيا الأنفس ؛ فيكون كناية عن الموت . أو يكون محو أرواح الأسماع التي تسمع لا الموت ، فلما قال في آية أخرى : { وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظاً وَهُمْ رُقُودٌ } [ الكهف : 18 ] دل أنه إنما أراد محو أرواح الأسماع ، لا محو الأرواح التي بها حياة الأنفس ، وهو كقوله : { وَهُوَ ٱلَّذِي يَتَوَفَّٰكُم بِٱلَّيلِ … } الآية [ الأنعام : 60 ] . وقوله - عز وجل - : { ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ } ، من رقودهم ؛ { لِنَعْلَمَ أَيُّ الحِزْبَيْنِ } أي : لنعلم ما قد علمناه غائباً شاهداً ؛ إذ كان عالماً بما يكون منهم ، وتأويله : ما ذكرنا : ليعلم الخلق شاهداً ، كما علم هو غائباً . أو ليعلم المخطئ منهم من المصيب ، إذ محال وصفه بالعلم بالمخطئ ولا مخطئ ثم ، وبالمصيب ولا مصيب ثمة ، فإذا كان كذلك فيكون قوله : ليعلم المخطئ من المصيب ، والمصيب من المخطئ إذا كان ، وأصله : أنه يعلمه كائنا على ما علم أنه يكون . وقوله - عز وجل - : { لِنَعْلَمَ أَيُّ الحِزْبَيْنِ أَحْصَىٰ لِمَا لَبِثُواْ أَمَداً } . يحتمل : { لِنَعْلَمَ أَيُّ الحِزْبَيْنِ } قال بعضهم : مشركيهم ومؤمنيهم . ومنهم من قال : الملك والفتية . وقال بعضهم : هم اختلفوا في مكثهم إذ بعثوا . قال بعضهم : { لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ } ، وقال بعضهم : { رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ } ولكن لسنا ندرى من أي الحزبين ، وليس لنا إلى معرفة ذلك حاجة ، سوى أنا ذكرنا قول أهل التأويل . وقوله - عز وجل - : { نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نبَأَهُم بِٱلْحَقِّ } ، الحق في النبأ : الصدق ، والحق في الأحكام : العدل ، وفي الأفعال : الصواب . وقال بعضهم : الحق - هاهنا - : هو القرآن ، فيكون قوله : { بِٱلْحَقِّ } أي : في الحق ، وهو القرآن ، أي : نقص عليك نبأهم في القرآن ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُواْ بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى } . هذان الحرفان معناهما واحد : الزيادة والربط ، كل واحد منهما يؤدي معنى صاحبه زيادة الهدى ، أي : ثبتناهم على الهدى . ويجوز أن يقال : هو التثبيت والربط . وكذلك يجوز أن يقال على التجديد والابتداء ، إذ للإيمان حكم التجدد في كل وقت ؛ إذ هو يكون منكراً جاحداً للكفر في كل وقت ؛ فهو مجدد للإيمان كذلك في كل وقت ؛ فإن شئت حملته على الثبات والزيادة على ما كان ، وإن شئت على الابتداء والتجدد ، وكذلك قوله : { فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً } [ التوبة : 124 ] . وقال الحسن في قوله : { وَزِدْنَاهُمْ هُدًى } أي : من حكم الله أن من اهتدى زاده هدى ؛ كقوله : { وَٱلَّذِينَ ٱهْتَدَوْاْ زَادَهُمْ هُدًى } [ محمد : 17 ] ، لكن هذا لو كان على ما ذكر ، لكان لا يجوز أن يكفر إذا اهتدى مرة ، لا يزال يزيد له هدى ، فإذا لم يكن دلّ أنه لا يصح ذلك ، والوجه فيه ما ذكرنا . وقوله - عز وجل - : { إِذْ قَامُواْ فَقَالُواْ رَبُّنَا } . يحتمل قوله : { إِذْ قَامُواْ } بالحجج والبراهين . ويحتمل : { إِذْ قَامُواْ } بالنهوض إلى الكهف ، حين انضموا إليه . أو قاموا لله ولدينه . أو قاموا من عند أولئك الكفرة ، فقالوا ما ذكر : { رَبُّنَا رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } أي : قالوا : ربنا هو رب السماوات والأرض ورب ما فيهن . وقوله - عز وجل - : { لَن نَّدْعُوَاْ مِن دُونِهِ إِلـٰهاً } . يحتمل قوله : { لَن نَّدْعُوَاْ مِن دُونِهِ إِلـٰهاً } أي : لن نسميهم آلهة ؛ على ما سمى قومهم الأصنام التي عبدوها : آلهة . وقوله - عز وجل - : { لَّقَدْ قُلْنَا } . من دونه إلهاً ، فسموهم : آلهة ، على زعمهم ، وعلى ما عندهم ؛ كقوله : { فَرَاغَ إِلَىٰ آلِهَتِهِمْ } [ الصافات : 91 ] وقوله : { وَٱنظُرْ إِلَىٰ إِلَـٰهِكَ ٱلَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً } [ طه : 97 ] لا يجوز أن يسمي الأنبياء الأصنام التي كانوا يعبدونها : آلهة ، وهي ليست بآلهة ، ولكن قالوا ذلك على زعمهم ، وعلى ما عندهم ؛ فعلى ذلك قوله : { لَن نَّدْعُوَاْ مِن دُونِهِ إِلـٰهاً } ، أي : لن نعبد ، فإن كان على العبادة ، ففيه إضمار ، أي : لن نعبد من دونه إلهاً غير الله ، كفعل قومنا ، ولو فعلنا لقد قلنا شططاً ، أي : جوراً وظلماً . ثم قال : { هَـٰؤُلاۤءِ قَوْمُنَا ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ آلِهَةً } : يعبدونها { لَّوْلاَ يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ } ، أي : هلا يأتون على تسميتهم آلهة أو استحقاق العبادة لها بحجة بينة . ثم حرف ( هلا ) يستعمل في الماضي ، ويستعمل في المستقبل ، فإن كان على الماضي فهو على الإنكار ، أي : لم يكن ؛ وإن كان على المستقبل فهو على السؤال ، أي : ائتوا بحجة بينة على أنها آلهة ، كما أتوا هم : أن الله هو الإله الحق ، وأنه خالق السماوات والأرض ، ورب ما فيهما . قال القتبي : { فَضَرَبْنَا عَلَىٰ آذَانِهِمْ } أي : أنمناهم ، والأمد : هو الغاية ، { وَرَبَطْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ } ، أي : ألهمناهم الصبر ، وثبتنا قلوبهم . وقوله : { شَطَطاً } ، أي : غلوا ، يقال : أشط على ؛ إذا غلا في القول . وقوله - عز وجل - : { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً } . أي : لا أحد أظلم ممن جعل مع الله آلهة ، وقد ذكرنا تأويله في غير موضع . وقوله - عز وجل - : { وَإِذِ ٱعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ ٱللَّهَ } ، وفي حرف ابن مسعود - رضي الله عنه - : ( وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون من دون الله ) فتأويل الآية على القراءة الظاهرة : وما يعبدون إلا الله ، أي : وإن اعتزلتموهم ، والذين لا يعبدون إلا الله ، فلا تعتزلوا عبادته ؛ لأنه كانوا يعبدون الأصنام ، ويعبدون الله أيضاً ويرونه معبوداً ؛ فكأنهم قالوا : وإذا اعتزلتموهم والذين يعبدون إلا الله فلا تعتزلوه ، وهو كقول إبراهيم - عليه السلام - لقومه حيث قال : { قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَّا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنتُمْ وَآبَآؤُكُمُ ٱلأَقْدَمُونَ … } الآية [ الشعراء : 75 - 76 ] استثنى عبادة رب العالمين من بين عبادة من يعبدون من دونه ؛ إذ كانوا يعبدون الأصنام ، ويعبدون الله ويرونه معبوداً ؛ إلا أن بعضهم لا يرون أنفسهم بلغت مرتبة عبادة الله ، فيعبدون الأصنام ؛ رجاء أن تشفع لهم عنده ، أو تقرب عبادتهم إلى الله زلفى وأمثاله . وجائز أن يكون قوله : { وَإِذِ ٱعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ ٱللَّهَ } : على التقديم والتأخير ، أي : وإذ اعتزلتموهم فأووا إلى الكهف ؛ لأنهم كانوا لا يعبدون إلا الله يعني : أصحاب الكهف . والثاني : ما ذكرنا : وإذ اعتزلتموهم وما يعبدونهم في الحقيقة إلا الله ، وإن كانوا في الظاهر يعبدون غير الله . وتأويل قراءة عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - : وإذ اعتزلتموهم وجميع ما يعبدون من دون الله . ويحتمل أن يكون هذا منهم ليس على القول والنطق ؛ ولكن ألقى في قلوبهم وقذف : أنهم إذ فارقوا قومهم وباينوا يأوون إلى الكهف وينشر لكم ربكم من رحمته . وقال الحسن : إن في قومهم من قد آمن سواهم ؛ فقالوا : إنكم إذا باينتم وفارقتم فأووا إلى الكهف ، فلا تقعدوا معهم فلعلهم يلحقونكم ويطلبون لقاءكم ، فلا تقعدوا معهم . ويشبه أن يكون قوله : { فَأْوُوا إِلَى ٱلْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ } ، لما عزموا أن يفارقوا قومهم اعترض لهم الشيطان ، فقال : إنكم تفارقون قومكم إلى مكان ، وليس معكم شراب ولا طعام ؛ فتهلكون أنفسكم ؛ فدفعوا وساوسه ؛ بقوله : { يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِّنْ أَمْرِكُمْ مِّرْفَقاً } . ثم قوله : { يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ } ، قال بعضهم : يخلق لكم ربكم ، كقوله : { وَٱنْظُرْ إِلَى ٱلعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا } [ البقرة : 259 ] بالراء ، أي : كيف نخلقها . وقال بعضهم : { يَنْشُرْ لَكُمْ } ، أي : يبسط ، والنشر : هو البسط . قوله عز وجل : { مِّن رَّحْمَتِهِ } : يحتمل الرزق ، ويحتمل كل شيء به يدفع الهلاك عن أنفسهم . وقوله - عز وجل - : { وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِّنْ أَمْرِكُمْ مِّرْفَقاً } . أي : ما ترفقون به وتنتفعون به ، وهو قول أبي عوسجة ، وهو من الرفق ، والمرفق - أيضاً - مثله ؛ لأنه : ينتفع [ به ] . وقال القتبي : { مِّرْفَقاً } : ما يرتفق به . وقال أبو عبيدة : المِرْفق : ما ارتفقت به ، فأما في اليدين فهو مَرْفِق ، والله أعلم .