Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 19, Ayat: 1-6)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { كۤهيعۤصۤ } . قيل : اسم من أسماء القرآن . وقيل : اسم من أسماء الله تعالى ، وعلى ذلك روي عن علي - رضي الله عنه - أنه قال : يا كهيعص ، اغفر لي . قال أبو بكر الأصم : لا يصح هذا من علي ؛ لأن هذا لم يذكر في أسمائه المعروفة التي يدعى بها . وقال بعضهم : حروف من أسماء الله افتتح بها السورة فهو ما ذكرنا ، وهو الأوّل ، وقال بعضهم : الكاف مفتاح اسمه كافٍ ، والهاء مفتاح اسمه هادٍ ، والعين مفتاح اسمه عالم ، والصاد مفتاح اسمه صادق . وقال ابن عباس : الكاف من كريم ، والهاء من هاد ، والياء من حكيم ، والعين من عليم ، والصاد من صادق . وقال الربيع بن أنس : الياء من قوله : { وَهُوَ يُجْيِرُ وَلاَ يُجَارُ عَلَيْهِ } [ المؤمنون : 88 ] . وقال الكلبي : هو ثناء أثنى الله على نفسه ؛ فقال : كافٍ هادٍ عالمٍ صادقٍ ، يقول : كافٍ لخلقه ، هادٍ لعباده ، عالم ببريّته وبأمره ، صادق في قوله . وقال بعضهم : لم ينزل الله كتاباً إلا وله فيه سرّ لا يعلمه إلا الله ، وسرّ القرآن فواتحه . وقال بعضهم : تفسيره ما ذكر على أثره ، وهو قول الحسن ، وأمثال هذا قد أكثروا فيه ، وقد ذكرنا الوجه في الحروف المقطعة فيما تقدم في غير موضع . وقوله - عز وجل - : { ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّآ } هذا يحتمل وجهين : أحدهما : على الأمر ، أي : اذكر لهم رحمة ربك عبده زكريا بالإجابة له عند سؤاله الولد في الوقت الذي أيس عن الولد في ذلك الوقت ؛ فيكون فيه دلالة رسالته ، حيث ذكر لهم رحمة ربه على زكريا ، وأخبرهم على ما في كتبهم . والثاني : { ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ } : هذا ذكر رحمة ربك لعبده زكريا في دعائه ، وعلى هذا التأويل يكون الذكر هو القرآن ، وقد سمى الله القرآن : ذكراً في غير آي من القرآن ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ نِدَآءً خَفِيّاً } . قال بعضهم : نداءً خفيّاً في قلبه على الإخلاص من غير أن ينطق به . وقال بعضهم : نداءً خفيّاً عن قومه ومن حضره . ثم يحتمل وجهين : أحدهما : أخفاه وأسرّه منهم إخلاصاً لله وإصفاء له . والثاني : أخفاه وأسره منهم حياء أن يعيبوه أن سأل ربه الولد في وقت كبره وإياسه ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { قَالَ رَبِّ إِنَّي وَهَنَ ٱلْعَظْمُ مِنِّي } أي : ضعف ورق { وَٱشْتَعَلَ ٱلرَّأْسُ شَيْباً } : اعتذر إليه ، وقدم زكريا ما حل به من الكبر وبلوغه الوقت الذي لا يطمع في ذلك الوقت الولد ، أي : بلغت المبلغ الذي ضعف بدني ، ورق عظمي ، ثم سأل ربه الولد ليس على أنه كان لا يعرف قدرة الله أنه قادر على هبة الولد ، وإنشائه في كل وقت في وقت الكبر والضعف ، وبالسبب وبغير السبب ؛ لكنه لأنه يعرف أنه [ لا ] يسع ويصلح سؤال الولد وهبته في الوقت الذي كان بلغ هو ، وهو الوقت الذي لا يطمع فيه الولد في الأغلب ، وهو ما ذكر في سورة آل عمران : { كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا ٱلْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يٰمَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَـٰذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ } [ آل عمران : 37 ] فعند ذلك عرف زكريا أنه يسعه دعاء هبته الولد وسؤاله في وقت الإياس ، حيث رأى [ عند ] مريم فاكهة الشتاء في الصيف ، وفاكهة الصيف في الشتاء غير متغيرة عن حالها ، فسأل عند ذلك ربه الولد ، وهو قوله : { هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً … } الآية [ آل عمران : 38 ] ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَآئِكَ رَبِّ شَقِيّاً } . قال بعضهم : أي : كنت تعودني الإجابة في دعائي إياك فيما مضى . وقال بعضهم : أي : لم يكن دعائي مما يخيب عندك ، وهما واحد ، ذكر مننه وفضله [ الذي ] كان منه إليه . وقوله - عز وجل - : { وَإِنِّي خِفْتُ ٱلْمَوَالِيَ مِن وَرَآءِى } . قال الحسن : خاف مواليه أن يرثوا ماله ، فأما علمه ونبوته فمما لا يورث . قال أبو بكر الأصم : هذا لا يصح ، لا يحتمل أن يخاف زكريا وراثة ماله مواليه ؛ فيسأل ربه لذلك الولد ليرثه ماله ، ولكن خاف أن يُضَيِّعَ مواليه دينه وسننه من بعده ؛ فسأل ربه أن يهب له الولد ليقوم مقامه في حفظ دينه وسننه . وقال : لا يحتمل وراثة المال ؛ لما روي في الخبر : " إنا معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة " ، فلا يخلو هذا من أحد وجهين : إمّا أن كان هذا في المال له خاصّة دون سائر الأنبياء ، وإما إذَنْ لم يكن زكريا نبيّاً فدلّ هذا أنه لا يحتمل وراثة المال فدلّ أنه على العلم : أن يضيع الموالي علمي من ورائي . ويحتمل قوله : { وَإِنِّي خِفْتُ ٱلْمَوَالِيَ مِن وَرَآءِى } ، وسؤاله الولد وجهاً آخر ، وهو أنه سأل ربه الولد الرضى الطيب ؛ ليذكر هو به بعد وفاته بالأعمال والصنيع الذي كان منه في حياته ، ويُدْعَى له ، لئلا ينقطع ذكره ، ودعاء الخلق له ، وهذا هو المعروف في الخلق أنهم يذكرون ويدعون لهم بالخيرات التي كانت في حال حياتهم ، إذا كان له ولد صالح فعلى ذلك سؤال زكريا الولد ، والله أعلم . وقوله - عزّ وجل - : { وَكَانَتِ ٱمْرَأَتِي عَاقِراً } أي : لا تلد . وقوله - عز وجل - : { فَهَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً * يَرِثُنِي } أي : يلي أمري . وقوله : { وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ } . قال بعض أهل التأويل : ما ذكرنا : يرثني مالي ، ويرث من آل يعقوب النبوة ، وقيل : { فَهَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً } وارثاً يرثني مكاني ، ونبوتي ، ويرث من آل يعقوب الملك ؛ لأنهم كانوا ملوكاً ، وكانوا أخواله ، وهو كان حَبْراً ، والله أعلم بذلك . ولكن قوله : { يَرِثُنِي } ما كان له من العلم والحكمة والدّين وغيره ، ويرث من آل يعقوب ما كان لهم من العلوم وغيرها ، فإن ثبت أن آل يعقوب كانوا أخواله ، ففيه دلالة أن ذوي الأرحام يرثون بعضهم من بعض ، والله أعلم .