Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 149-152)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } . نقول - والله أعلم : حيثما كنت من المدائن والبلدان { فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } ، شطره : تلقاءه ونحوه وجهته . وهذا يبطل قول من يقول : إن الحرم قبلة لمن نأى عن البيت ، وبعد من أهل الآفاق ، حيث أمر نبيه صلى الله عليه وسلم بالتوجه إلى شطر المسجد الحرام حيث ما كانت من البلدان . وبالله العصمة والتوفيق . وقال الشيخ رحمه الله تعالى : ذكر المسجد ، ومعناه موضعاً منه عرف ذلك بالفحص من البقاع البعيدة والأمكنة الخفية ، لا بالظاهر ولا ذكر وصل البيان به . وقوله : { وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ } . قيل : { وَإِنَّهُ } تحويل القبلة ، هو الحق { مِن رَّبِّكَ } . وقيل : { وَإِنَّهُ } يعني محمداً صلى الله عليه وسلم ، هو الحق { مِن رَّبِّكَ } [ ويحتمل يعني : القرآن هو الحق من ربك ] . وقوله : { وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } . قد ذكرنا هذا فيما تقدم . وقوله : { وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } على ما ذكرنا . وقوله : { وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ } . خاطب الكل ، وأمرهم بالتوجه إليه حيثما كانوا ، حتى لا يكون هو المخصوص به دونهم . وقوله : { لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ } . تأويل هذا الكلام - والله أعلم - أنه لما اختار اليهود ناحية المغرب قبلة ، والنصارى ناحية المشرق بهواهم ، فأنزل الله عز وجل : { للَّهِ ٱلْمَشْرِقُ وَٱلْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } [ البقرة : 142 ] ، وقال : فأينما تولوا وجوهكم شطره ، فثم وجه الله . فيقطع عذرهم وحجاجهم بما بين في كتب لهم أنه يحولهم . وذلك معنى قوله : { لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ } . وقوله : { إِلاَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَٱخْشَوْنِي وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } . ثم اختلف في قوله : { لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ } . قيل : أراد بـ " الناس " أهل الكتاب ، وأراد بـ " الذين ظلموا " غيرهم من الكفرة . وتأويله : لئلا يكون لأهل الكتاب عليكم حجة ، ولا الذين ظلموا . وقيل : { لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ } يعني أهل الكتاب { عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ } فيقولوا : ليس هذا الوصف في كتبهم أنه يصلي إلى بيت المقدس وقتاً ثم يتحول إلى الكعبة ، { إِلاَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ } يقول : إلا من ظلم منهم عليكم في الكلام بلا حجة ولا دليل فيقولوا : ليس هذا الوصف . ومثل هذا جائز في الكلام ، يقول لآخر : ليس لك على حجة إلا أن تظلمني بلا حجة . وقال الفراء : هذا كما يقول الرجل الآخر : الناس لك حامدون إلا الظالم المتعدي عليك ، صواب في المعنى ، خطأ في العربية . وذكر بيتاً يدل على الجواز . @ ما بالمدينة دار غير واحدة دار الخليفة إلا دار مروان @@ بمعنى : ولا دار مروان . وقيل أيضاً : { إِلاَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَٱخْشَوْنِي } على القطع من الأول والابتداء بهذا ، أي : لا تخشوا الذين ظلموا في الضرر لكم ، ولكن اخشوني في ترككم إياها ، وأن يقال : لا تخشوهم بالقتال والغلبة ، فذلك لهم منه أمن وإظهار على الأعداء ، وعلى هذا يخرج قوله : { وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ } يعني الأمن من الأعداء ، [ ولا نعمة أعظم من الأمن وإظهار الحق كقوله : { أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي } [ المائدة : 3 ] قيل : هو الأمن من الأعداء ] أو أراد بالنعمة كل نعمة من الإسلام ، والنصر ، وغيره . { وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } القبلة . { وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } الإرشاد والصواب . وقوله : { كَمَآ أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنْكُمْ يَتْلُواْ عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ } . { كَمَآ } حرف لا يصح ذكره إلا على تقدم كلام ؛ إذ هو حرف عطف ونسق ، وهو - والله أعلم - كما أرسلنا إليكم رسولاً ، وأنعم عليكم بمعرفة وحدانيته وبمعرفة محاجة الكفرة وأنعم عليكم بإكرامه إياكم بمحمد صلى الله عليه وسلم ، كذلك يجب عليكم أن تذكروه وتشكروا له . ويحتمل على التقديم والتأخير على ما قاله أهل التفسير : كأنه قال : فاذكروني كما أرسلنا فيكم رسولاً منكم ، وذلك في القرآن كثير . قال الفراء : يحتمل : كما أرسلنا فيكم رسولاً منكم أذكركم ، فيكون فيه جوابه ؛ لذلك جزم ، وهذا كقول الرجل : كما أحسنت فأحسن . وقوله : { وَيُزَكِّيكُمْ } ، قال ابن عباس - رضي الله عنه - : يأخذ زكاة أموالكم ، ففيه زكاتهم . وقيل : { وَيُزَكِّيكُمْ } يدعوكم إلى ما به زكاة أنفسكم وصلاحها ، وهو التوحيد ، وقد ذكرنا هذا فيما تقدم . وقوله : { وَيُعَلِّمُكُمُ ٱلْكِتَابَ } هو القرآن . { وَٱلْحِكْمَةَ } ، قيل فيه بوجوه : قيل : " الحكمة " : الفقه . وقيل : " الحكمة " : الحلال والحرام . وقيل : " الحكمة " : السنة . وقيل : " الحكمة " : المواعظ . وقيل : " الحكمة " : هي الإصابة ؛ ومنه سمي الحكيم حكيماً ؛ لأنه مصيب . وقال الحسن : { ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ } : واحد ، وهو على التكرار ؛ كقوله : { تِلْكَ آيَاتُ ٱلْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُّبِينٍ } [ النمل : 1 ] ، وهما واحد . وقوله : { وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ } من التوحيد ، والشرائع ، والمحاجة مع الكفرة ، وما أكرمهم بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وما أنعم عليهم من أنواع النعم . وقوله : { رَسُولاً مِّنْكُمْ } : خاطب العرب ، وذكرهم بما أنعم عليهم من بعث الرسول فيهم ومنهم ، وإنزال الكتاب بلسانهم وهم كانوا يتمنون ذلك ، كقوله : { لَوْ أَنَّآ أُنزِلَ عَلَيْنَا ٱلْكِتَابُ لَكُنَّآ أَهْدَىٰ مِنْهُمْ فَقَدْ جَآءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ } [ الأنعام : 157 ] ، فمنّ عليهم بذلك ، وبه استوجبوا الفضيلة على غيرهم ، وكفى بهم فضلاً ، وقوله : { وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَآءَهُمْ نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ أَهْدَىٰ مِنْ إِحْدَى ٱلأُمَمِ فَلَمَّا جَآءَهُمْ نَذِيرٌ مَّا زَادَهُمْ إِلاَّ نُفُوراً } [ فاطر : 42 ] . وقوله : { فَٱذْكُرُونِيۤ أَذْكُرْكُمْ وَٱشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ } . قيل : { فَٱذْكُرُونِيۤ } قيل : بالطاعة في الدنيا ، { أَذْكُرْكُمْ } في الآخرة بالتجاوز عن سيئاتكم . وقيل : اذكروني في الرخاء والسعة ، أذكركم في الضيق والشدة . وقيل : اذكروني في الخلوات ، أذكركم في ملأ الناس وأذكركم في ملأ من الملائكة . ويحتمل : اذكروني بالشكر بما أنعمت عليكم ، أذكركم بالزيادة عليها . والله أعلم . وقوله : { وَٱشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ } ، أي : وجهوا شكر نعمتي إليّ ، ولا تشكروا غيري . ويحتمل : { وَٱشْكُرُواْ لِي } : أي وجهوا العبادة إليّ ، { وَلاَ تَكْفُرُونِ } : ولا تعبدوا غيري . والله أعلم .