Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 158-158)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قال دل : قوله : { إِنَّ ٱلصَّفَا وَٱلْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ ٱللَّهِ فَمَنْ حَجَّ ٱلْبَيْتَ أَوِ ٱعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ ٱللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ } . دل أن صعودهما من اللازم في نسكه ، وكذلك صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم الصفا وقال : " نبدأ بما بدأ الله " ، وقد قال الله تبارك وتعالى : { مَنْ حَجَّ ٱلْبَيْتَ أَوِ ٱعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا } الآية ، ولم يقل : بينهما . فمن لم يصعد الصفا والمروة فلم يطف بهما ، مع ما قال الله تعالى : { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ ٱللَّهِ } [ المائدة : 2 ] ، وفي ترك صعودهما إحلال شعائر الله ، إذ قد بين الله أنهما { مِن شَعَآئِرِ ٱللَّهِ } . وما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف بينهما على ناقته ، ومعلوم أن ناقته لا تصعدهما ، فهو عندنا للعذر فعل ذلك ، وإلا فإنه قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه صعدهما واستقبل البيت وقال : " نبدأ بما بدأ الله " . دليل ذلك ما روي عن ابن عباس ، رضي الله عنه ، أنه طاف بينهما على ناقته وبالبيت لعُذر به . ولا يحتمل أيضاً أن يكون بغير عذر وهو الملقب بالسعي ؛ لما فيه من فعل السعي ، والراكب لا يسعى . وقال الشافعي : روي عن جابر بن عبد الله : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف بالبيت وبين الصفا والمروة على ناقته ليرى الناس " . وقال : خبر جابر أولى من خبر ابن جبير ؛ فكأنه وقع عنده أنه عن ابن جبير . وذلك عن ابن جبير عن ابن عباس ، رضي الله تعالى عنه ، وهو أولى ؛ لأن العذر كامن لا يعرف بالنظر من بعد ، وإنما يعرف بالتأمل ، أو بالخبر من عند ذي العذر ، وعلى هذا خرج خبر ابن عباس ، رضي الله عنه ، على أن خبر جابر لو صح على ما يروى فهو لما ذكر أنه " يرى الناس " فكأنه أراد أن يعلمهم ، وذلك كالتعليم منه ، والتعليم عليه لازم ، فهو بتركه يلام عليه ، فذلك عذر . والله أعلم . والثاني : أنه يجوز أن يكون فعله ذلك ليس هو فعل ما كان عليه ، أنه كيف كان يفعله ؟ فكان ذلك لمكان الدلالة للخلق بذلك هو الأمر المتوارث من صنيع الحج والعمرة ، أن الأولى يفعلون ما يفعل الحاج ، لا على فعل الحج ، ولكن على التعليم ؛ فعلى ذلك أمر المروى عنه صلى الله عليه وسلم . والله أعلم . ثم اختلف في الطواف بينهما بعد ما قبل : إن الجناح فيه لوجهين : أحدهما : ما قيل : كان بالصفا صنم وبالمروة صنم فيخرجوا لمكانهما . وقيل : كان بينهما أصنام ، لذلك كان يخرجهم . ثم قال الشافعي : إن السعي بينهما مفروض ، حتى لو ترك الحاج خطوة منه وأتى أقصى بلاد المسلمين أمر بالعود ليضع قدمه موضعها ويخطو تلك الخطوة . واحتج بما روت صفية بنت فلان أنها سمعت امرأة سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، فقال : " إن الله كتب عليكم السعي بين الصفا والمروة فاسعوا " وهو يأتي مرة بقبول المراسيل لتوهم الغلط ، ومرة يحتج بامرأة لا يعرف ولا يذكر اسمها . والوجه فيه إن ثبت وصح أن الكتاب يحتمل غير ما قاله . وهو أن يقال : { كُتِبَ } أي حكم ، كقوله : { ٱلنَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُوْلُواْ ٱلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ ٱللَّهِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُهَاجِرِينَ } [ الأحزاب : 6 ] ، وقوله : { وَٱلْمُحْصَنَٰتُ مِنَ ٱلنِّسَآءِ إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أَيْمَٰنُكُمْ كِتَٰبَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَّا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَٰلِكُمْ مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَٰفِحِينَ } [ النساء : 24 ] ، قيل : به حكم الله عليكم . وقال آخرون : ليس بفرض ولا لازم . واحتجوا بما ذكر في حرف أُبيّ : " لا جناح عليه أن لا يطوف بينهما " ، ولا يذكر ذلك في شيء واجب . والثاني : إن هذه اللفظة لفظة رخصة ، ولا يرخص بترك ما هو فرض أو لازم . ثم الجواب عن الحرف الأول أن اللاآت ربما تزاد وتنقص ، ولا يوجب زيادتها ونقصانها تغير حكمها ، كقوله : { يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ } [ النساء : 176 ] أي : لا تضلوا . ومثل هذا كثير في القرآن . والثاني : ما ذكرنا أن المسلمين كانوا يتحرجون عن الطواف بينهما لمكان الأصنام . فبين عز وجل أن لا حرج عليهم في ذلك ، لا أن ليس الجناح يدفع الحرج في تركه . وأما عندنا : فهو لازم ؛ لأنه نوع ما لا يتبرع به ، والأصل عندنا : أن ما لا يتبرع به يخرج الأمر به مخرج الوجوب واللزوم ؛ كالطواف ، وسجدة التلاوة ، وكالوتر ، والأضحية وغيره . وقد روي عن عائشة ، رضي الله تعالى عنها ، أنها قالت : " ما تم حج امرىء قط إلا بالسعي " . فهو وصف [ بالنقصان لا وصف ] بالفساد ، وفرق بين التمام من النقص وبين الجواز من الفساد . وقوله : { فَإِنَّ ٱللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ } . قيل : { شَاكِرٌ } ، أي يجزيهم جزاء الخطير بعمل اليسير . وقيل : يقبل القليل ويعطي الجزيل . وهو واحد . عامل الله عز وجل بكرمه ولطفه عباده معاملة من لاحق له في أموالهم وأنفسهم ؛ حيث وعد قبول اليسير من العمل ، وإعطاء الجزيل من الثواب ؛ وحيث طلب منهم الإقراض ، ووعد لهم العظيم من الجزاء ، كمن لا حق له فيها ، بقوله : { وَأَقْرِضُواْ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُمْ مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ ٱللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً } [ المزمل : 20 ] ، وحيث خرج القول منه في الابتلاء والامتحان مخرج الاعتذار لهم كأن لا حق له فيه ، بقوله : { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ ٱلْخَوْفِ … } [ البقرة : 155 ] ، ثم بشرهم بالجنة بما صبروا على أخذ ما له أخذه ، وذلك من غاية اللطف والكرم .