Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 165-167)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ ٱللَّهِ } . قيل فيه بوجوه : قيل : { يَتَّخِذُ } يعبد { مِن دُونِ ٱللَّهِ أَندَاداً } . وقيل : { يَتَّخِذُ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَندَاداً } في التسمية . يعني : يتخذ الجواهر التي تصاغ أو تنحت ونحو ذلك ، مما يتعلق كونهم بصنيعهم ، يسفههم بهذا ، أنهم تركوا عبادة من به قامت لهم كل نعمة ، وسلم لهم كل خير ، وعبدوا ما قد اتخذوه بالمعالجات ولا قوة إلا بالله . وقيل : { يَتَّخِذُ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَندَاداً } ، أي أشباهاً في التسمية ، أو أعدالاً في العبادة ، أو شركاء في الحقوق كقوله : { وَجَعَلُواْ للَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ ٱلْحَرْثِ وَٱلأَنْعَٰمِ نَصِيباً فَقَالُواْ هَـٰذَا للَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَـٰذَا لِشُرَكَآئِنَا … } الآية [ الأنعام : 136 ] ، يسفههم بما عبدوا ما قد صنعوه بالصناعة أو النحت ، وزينوا بأنواع الزينة ، وعلموا أنه لا يملك شيئاً ، وأعرضوا بذلك عن عبادة من عرفوه بشهادة جميع العالم به [ لهم وعلموا أنه لا يملك شيئاً مما عبدوه ضرّاً ولا نفعاً ] ، بل لو كان يجوز العبادة لغير الله لكان أولئك الذين اتخذا أولى من المتخذين . ثم بين عظم سفههم : علمهم بجهلها بعبادتهم ، وعجزها عن الدفع عنها ، ثم قاموا بنصرها والدفع عنها سفهاً بغير علم . وقوله : { يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ ٱللَّهِ } . قيل : يحبون عبادة الأنداد وطاعتهم [ كحبهم عبادة ] الله وطاعته ؛ لأنهم يقولون : { مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ } [ الزمر : 3 ] ، ويقولون : { هَـٰؤُلاۤءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ ٱللَّهِ } [ يونس : 18 ] . وقيل : يحبون عبادة الأنداد كحب المؤمنين عبادة ربهم . وقيل : يحبون آلهتهم كما يحب الذين آمنوا ربهم . ثم قال : { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً للَّهِ } منهم لآلهتهم . قيل : { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً للَّهِ } أي : أشد حبّاً لأجل الله . وقيل : أي أشد اختياراً لطاعته ، وأكثر ائتماراً وإعظاماً وإجلالاً لأمره من إعظامهم وإجلالهم آلهتهم . والله أعلم . { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً للَّهِ } أي لعبادته منهم لعبادة الأوثان من حيث لا يؤثر المؤمن على عبادة الله ، أعني في الاختيار لا فيما يوجد من ظاهر الأحوال في الدارين جميعاً ، وهم يتركون عبادة الأوثان بوجود ما هو أعجب منها أو بأدنى شيء من متاع الدنيا . ثم المحبة - محبة الشهوة والميل إليها ، وهو في الخلق ، لا يحتمل في الله ، ومحبته - الطاعة وإيثار الأمر والإعظام ، فهو في الله يحتمل . وبعد فإن الحب يخرج على الثناء ، وعلى العبادة والطاعة ، وعلى التبجيل والتعظيم ، وقد يخرج على ميل القلوب ، فحب الكفرة هذا ، وهو حب الجسداني به الذي يولده الشهوة أو يستحسنه البصر . وحب الله من المؤمنين من هذين الوجهين فاسد ، بل هو من الوجوه التي ذكرنا ، وقد كان حب الهيبة والرغبة ؛ إذ علموا النعم كلها من الله تعالى ، وعلموا أن السلطان والعزة لله ولا أحد ينال شيئاً من ذلك إلا بالله ، فأوجب ما عنده من النعم الرغبة ، وما له من السلطان والهيبة . فلذلك طريق حب المؤمنين مع ما ظهر من أياديه التي لا تحصى وأفضاله التي لا تحاط ، والعلم بهما موجباً تعظيم الأمور والمبادرة بالقيام بها مع الأدلة المظهرة تعاليه عن تقدير العقول وتصوير الأوهام . فيكون حبه في الحقيقة في تعظيم أموره ، وحسن صحبة نعمه ، ومعرفة حقوقه ، لا في توهم ذاته ، وإشعار القلب ما يعقله ليرجع المحبة إلى ذلك ، بل هو فيما ذكرت ؛ ولذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم : { إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ ٱللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ } [ آل عمران : 31 ] ، وهو أن من أحب آخر محبة الجلال والرفعة عظم رسوله وانقاد لما يدعوه إليه وإن كان في ذلك هلاكه ، وتعظيماً لأمره وتبجيلاً ، فكيف فيما نجاته وفوزه في الدارين . والله الموفق . وقوله : { وَلَوْ يَرَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ إِذْ يَرَوْنَ ٱلْعَذَابَ أَنَّ ٱلْقُوَّةَ للَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعَذَابِ } . قوله : { يَرَى } قرئ بالياء والتاء جميعاً . ومن قرأ بالتاء جعل الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول : ولو ترى الذين ظلموا يا محمد : شهدوا لك : { أَنَّ ٱلْقُوَّةَ للَّهِ جَمِيعاً } . ومن قرأ بالياء ، يقول : ولو يرى الذين ظلموا في الدنيا إذا رأوا العذاب يعلمون أن القوة لله جميعاً . [ ويحتمل : لو علم الذين ظلموا إذا علموا عذاب الآخرة يعلمون أن القوة لله جميعا ] ويحتمل : المراد من قوله : { يَرَى } ، أي : يدخل ، كقوله : { وَبُرِّزَتِ ٱلْجَحِيمُ لِمَن يَرَىٰ } [ النازعات : 36 ] ، أي لمن يدخلها ويصليها . وقوله : { إِذْ تَبَرَّأَ ٱلَّذِينَ ٱتُّبِعُواْ مِنَ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ ٱلْعَذَابَ } . { ٱلَّذِينَ ٱتُّبِعُواْ } يعني : الرؤساء ، { مِنَ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُواْ } يعني : الأتباع والسفلة ، تبرأ بعضهم من بعض العبادة من الأتباع من القادة ، وهو كقوله : { قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولاَهُمْ رَبَّنَا هَـٰؤُلاۤءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَاباً ضِعْفاً مِّنَ ٱلنَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَـٰكِن لاَّ تَعْلَمُونَ } [ الأعراف : 38 ] ، وقوله : { وَقَالَتْ أُولاَهُمْ لأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ فَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ } [ الأعراف : 39 ] ، وكقوله : { يَقُولُ ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ لِلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ لَوْلاَ أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ } [ سبأ : 31 ] ، وقوله : { وَقَالَ ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ لِلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ بَلْ مَكْرُ ٱلَّيلِ وَٱلنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَآ أَن نَّكْفُرَ بِٱللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَاداً } [ سبأ : 33 ] ، وقوله : { قَالَ ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ لِلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُوۤاْ أَنَحْنُ صَدَدنَاكُمْ عَنِ ٱلْهُدَىٰ بَعْدَ إِذْ جَآءَكُمْ بَلْ كُنتُمْ مُّجْرِمِينَ } [ سبأ : 32 ] وكقوله : { يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَمَأْوَاكُمُ ٱلنَّارُ وَمَا لَكُمْ مِّن نَّاصِرِينَ } [ العنكبوت : 25 ] . وقيل : { إِذْ تَبَرَّأَ ٱلَّذِينَ ٱتُّبِعُواْ } ، يعني : الشياطين ، { مِنَ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُواْ } يعني : الإنس . وقيل : يبرأ الله كلا غدا أن أوثانهم لن تغني عنهم شيئاً ، ولا شركاؤهم الذين أضلوهم ، ولا أشرافهم شغلوا عنهم حين عاينوا النار . وقوله : { وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ ٱلأَسْبَابُ } . قيل : { ٱلأَسْبَابُ } الأرحام والأنساب ؛ كقوله : { فَإِذَا نُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَآءَلُونَ } [ المؤمنون : 101 ] ، وكقوله : { يَوْمَ يَفِرُّ ٱلْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَٰحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ } [ عبس : 34 - 37 ] . وقيل : { وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ ٱلأَسْبَابُ } يعني العهود والأيمان التي كانت بينهم في الدنيا . وقيل : تواصلهم في الدنيا وتوادهم لم ينفعهم شيئاً ؛ لأنهم كانوا يتواصلون ويتوادون في الدنيا رجاء أن ينفع بعضهم بعضاً ؛ كقوله : { ٱلأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ ٱلْمُتَّقِينَ } [ الزخرف : 67 ] . وقوله : { وَقَالَ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُواْ مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ ٱللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ ٱلنَّارِ } . وقوله : { كَذَلِكَ يُرِيهِمُ ٱللَّهُ أَعْمَالَهُمْ } التي لم يريدوا الله بها . { حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ } ، أي : حسرة عليهم وندامة . وقيل : كل عمل عملوه أرادوا به غير وجه الله ، كان ذلك عليهم حسرة يوم القيامة . وقيل : أعمالهم التي عملوها في الدنيا تصير حسرات عليهم حين يرفع الله لهم الجنة ، فينظرون إلى مساكنهم التي كانت لهم ، وبأسمائهم لغيرهم ، وبأسماء غيرهم لهم . قال : وهذا عندي لا يصح أن يجعل الله لأحد نصيباً في الجنة ثم يحرمه ، ولكن هذا على أصل الوعد - وعد من أطاع الله الجنة ، ومن عصاه النار - فهو على أن هؤلاء لو أطاعوا كان لهم نصيباً في الجنة وهؤلاء لو عصوا كان لهم نصيباً في النار . أو يكون ذكر النصيب لهؤلاء في الجنة هو الذي ادعوه لأنفسهم كما قالوا : { لَن يَدْخُلَ ٱلْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَىٰ } [ البقرة : 111 ] فيحرمون ونورث عنهم ما ذكروا أنه لهم في الجنة ؛ كما قال الله تعالى : { كَلاَّ سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ ٱلْعَذَابِ مَدّاً * وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْداً } [ مريم : 79 - 80 ] .