Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 178-179)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قيل : نزلت الآية في جيشين من العرب ، كان وقع بينهما حرب وقتال ، وكان لإحداهما فضل وشرف على الأخرى . فأرادوا بالعبد منهم الحر من أولئك ، وبالأنثى منهم الذكر . فأنزل الله تعالى : { ٱلْحُرُّ بِالْحُرِّ وَٱلْعَبْدُ بِٱلْعَبْدِ وَٱلأُنثَىٰ بِٱلأُنْثَىٰ } . وهي منسوخة ؛ لأن فيها قتل غير القاتل . نسخها قوله : { وَلاَ تَقْتُلُواْ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلاَ يُسْرِف فِّي ٱلْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً } [ الإسراء : 33 ] . قيل : لا تسرف ولا تقتل غير قاتل وليك . وقيل : لا تسرف ، أي : لا تمثل في القتل . وقيل : لا تسرف في القتل ، أي : لا تقتل أنت إذ هو منصور . فثبت بهذا نسخها ؛ إذ لم يؤذن بقتل غير القاتل . وقوله أيضاً : { وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَآ أَنَّ ٱلنَّفْسَ بِٱلنَّفْسِ } [ المائدة : 45 ] ، ولا يحتمل نفس غير القاتل يقتل بنفس . دليله قوله : { فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ } [ المائدة : 45 ] ، ولا يتصدق على غير القاتل . ثبت أنها منسوخة بما ذكرنا . وفي الثاني : قال الله تعالى : { وَلَكُمْ فِي ٱلْقِصَاصِ حَيَٰوةٌ يٰأُولِي ٱلأَلْبَابِ } [ البقرة : 179 ] ، لما إذا همّ بقتل آخر يذكر قتل نفسه ، فيرتدع عن قتله ، فيحيا به النفسان جميعاً ، فلو لزم قتل غير القاتل لم يكن فيه حياة ، إذ لا يخشى تلف نفسه . ثم هذا يدل على وجوب القصاص بين الحر والعبد ، وبين الكافر والمسلم ، إذ لو لم يجعل بينهما قصاص لم يرتدع أحد عن قتلهم ، إذ لا يخشى تلف نفسه بهم . فدل أنهم يقتلون بهم . والله أعلم . هذا فيما يجعل الآية ابتداء ، لا في الحيين ، اللذين ذكرا به . ثم يقال : ليس في ذكر شكل بشكل تخصيص الحكم فيه وجعله شرطاً ونفيه في غير شكله . دليله ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : " خذوا عني خذوا عني ، قد جعل الله لهن سبيلاً ، البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام ، والثيب بالثيب جلد مائة ورجم بالحجارة " ثم إذا زنى البكر بالثيب وجب ذلك الحكم ، فدل أن ليس في ذكر شكل بشكل تخصيص في الحكم ، [ ولكن فيه إيجاب الحكم ] في كل شكل إذا ارتكب ذلك وهو أن يقتل الحر إذا قتل آخر . والحرية لا تمنع الاقتصاص لفضله . وكذلك العبد إذا قتل آخر يقتل به ، والرق لا يمنع ذلك للذلِّ الذي فيه . وكذلك الأنثى تقتل إذا قتلت أخرى ، ولا يمنع ما فيها من الضعف في وجوب القصاص . وبالله التوفيق . وله وجه آخر : وهو أنه قال : { وَٱلأُنثَىٰ بِٱلأُنْثَىٰ } . ومن الإناث إماء ، وقد أمر بالاقتصاص بينهن ، فلئن وجب تخصيص ما ذكر خاصًّا ، وجب أن يذكر عامّاً ما ذكر فيه العموم . فإن قيل : على عموم الاسم في أحدهما ، وخصوص القول في الآخر . قيل : ليس هكذا . لو كان في ذكر الوفاق في الاسم منع الحق عن ذلك الوجه المذكور إذ ذكر في الخلاف لم يدخل فيما ذكر في الوفاق ما ليس منه . فإذا دخل علم أن ذكر الوفاق في الخلاف في حق إدخال ما ليس من شكله بمحل واحد . ثم يقال : إن نفس العبد للعبد في حق الجناية ، لا للمولى . إنما للمولى في نفسه الملك والمالية ، ألا ترى أن العبد لو أقر على نفسه بالقصاص أخذ به ، ولو أقر عليه مولاه لم يؤخذ به . فدل أن نفسه له ، لا للمولى . فكان كنفس الحر للحر . فيجب أن يقتل الحر به ، إذ هو ساوى الحر في حق النفس ، فيجب أن يسوي بينهما في حق القصاص . وقال بعض الناس : لا يقتل الحر بالعبد ؛ لأنه أفضل منه . ثم هو يقول : إنه يقتل الذكر بالأنثى . وهو أفضل . وقال : إن القصاص إنما ذكر في المؤمنين . ثم قال بالعموم ، وألزم قتل الكافر بالمؤمن ، ولم يذكر في القصاص الكافر ، وترك القصاص للكافر من المؤمن على عموم إيجاب القصاص على المؤمنين . فإذن جاز ترك القصاص ، على ما ذكر فيه ، وإدخال من لم يذكر في حق الاقتصاص ، ما يجب إنكار مثله في الذي ذكر عقيب ذكر الحق ؛ وهم بأجمعهم تحت الإيجاب مذكورين . ثم الإناث بالإناث مع اختلاف الأحوال يلزم القصاص ، كيف لا لزم مثله في الأحرار ؟ والأصل في هذا : ألا يعتبر في الأنفس المساواة . ألا ترى أن الأنفس تقتل بنفس واحدة . هكذا روي عن عمر ، رضي الله عنه : " أنه قتل رجلاً بامرأة " . وروي أنه قتل سبعة نفر بامرأة ، وقال : لو تمالأ عليها أهل صنعاء لقتلتهم . وقال : وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : " لا يقتل مسلم بكافر " . ثم قال صاحب هذا القول : لو أن كافراً قتل كافراً ثم أسلم القاتل يقتل به . فهو قتل مسلماً تقيّاً برّاً بكافر ، إذ الإسلام يطهره . ولم يقتل مسلماً فاسقاً ارتكب الكبيرة بالكافر ، إذ القتل يفسقه . والمسلم أحق أن يقتل بالكافر من الكافر بالمسلم . وذلك أن المسلم هتك حرمة الإسلام بقتل الكافر ؛ لأنه اعتقد باعتقاد دين الإسلام حرمة دم الذمي ، وهو بقتله كمستخف بمذهبه . وأما الذمي فإنه لا يعتقد باعتقاد مذهبه حرمة دماء أهل الإسلام ، فهو ليس بقتل المسلم كمستخف بمذهبه ، والمسلم كمستخف بدينه ، على ما ذكرنا . لذلك كان أحق بالقصاص من الكافر . ألا ترى أن من قتل في الحرم قتل به ؛ لأنه هتك حرمة الحرم كالمستخف به . وإذا قتل خارجاً منه ، ثم التجأ إليه ، لم يقتل به حتى يخرج منه ؛ لأنه ليس كمستخف له ، والأول مستخف ؛ لذلك افترقا . فكذلك الأول . والله أعلم . والخبر عندنا يحتمل وجهين : أحدهما : قيل : إن قوماً قتل بعضهم بعضاً في الجاهلية ، فأسلم بعضهم ، فأراد أولئك أن يأخذوا من أسلم منهم بالقصاص ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يقتل مسلم بكافر " ، كما قال : " كل دم كان في الجاهلية فهو موضوع تحت قدمي هذا " . والثاني : أنه أراد بالكافر المستأمن ؛ لأنه قال : " لا يقتل مسلم بكافر ولا ذو عهد في عهده " فنسق قوله : " ذو عهد " على المسلم ، فكان معناه : لا يقتل مسلم بكافر ولا ذو عهد به . فكل كافر لا يقتل به ذو عهد في عهده لم يقتل به المسلم . فالذمي يقتل به ذو العهد ، لذلك يقتل به المسلم . والمسلم إذا قتل مستأمناً لم يقتل به . وكذلك الذمي . فدل بما ذكرنا أنه أراد بالكافر المستأمن ، لا الذمي . والله أعلم . وقوله : { فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَٱتِّبَاعٌ بِٱلْمَعْرُوفِ وَأَدَآءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ } . اختلف في تأويله : قال بعضهم : هو القاتل . إذا عفي له : معناه : عنه . فيتبع الولي بأخذ الدية بالمعروف ، شاء القاتل أو أبى . احتج بما " روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في رجل اختصم إليه في قاتل أخيه ، فقال : أتعفو عنه ؟ قال : لا . قال : أتأخذ الدية ؟ قال : لا . قال : أتقتله ؟ قال : نعم " . عرض عليه الدية ، ولو كان غير حقه لم يعرض عليه . وقال في بعض الأخبار : " ولي القتيل بين خيرتين : بين قتل وأخذ دية " . وأما عندنا : تأويل قوله تعالى : { فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ } ليس هو القاتل ؛ لأنه يكون معفواً عنه ؛ ولأنه لا يتبع أحداً وهو المتبع ، بل هو الولي ؛ لأنه هو المعفو له ، لا القاتل ، حيث أمر بالاتباع بالمعروف ؛ كأنه قال : من بذل له وأعطي من أخيه شيء فاتباع بالمعروف ؛ وذلك جائز في اللغة ؛ العفو بمعنى البذل والإعطاء ، على ما قيل : خذ ما آتاك عفواً صفواً ، أي فضلاً . وكذلك روي عن عبد الله بن عباس ، رضي الله عنه ، أنه قال : { فَمَنْ عُفِيَ لَهُ } ، أي : أعطي له . والحق عندنا : هو القود ، لا غير ، على ما جاء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم أنه قال : " العمد قود إلا أن يعفو ولي المقتول " ، وقد روي في بعض الأخبار : " إلا أن تفادي " والمفاداة : هو فعل اثنين ، فلا يأخذه إلا عن تراض واصطلاح منهما جميعًا . وفي الآية دلالة : أن الحق : هو القصاص ، لا غير ، بقوله : { كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِصَاصُ } أخبر أن المكتوب عليه والمحكوم القصاص ، فلو كان الخيار بين القصاص والعفو وأخذ الدية - شاء أو أبى - لكن لا يكون مكتوباً عليه القصاص ، ويذهب فائدة قوله : { كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِصَاصُ } إنما يكون عليه أحدهما ، كما لا يقال في الكفارة : بأن المكتوب عليه العتق ، بل أحد الثلاثة . فلما قال : { كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِصَاصُ } دل أن أخذ الدية كان كالخلف عنه . وما " روي عنه صلى الله عليه وسلم حيث قال لولي القتيل : " أتعفو عنه " ؟ قال : " لا " فقال : " أتأخذ الدية " ؟ قال : " لا " . إنما عرض عليه الدية ، لما علم أن القاتل يرضى بذلك ، على ما روي أن امرأة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بغض زوجها . فقال لها : " أتردين عليه حديقته ؟ " قالت : نعم ، وزيادة . فقال النبي صلى الله عليه وسلم " أما الزيادة فلا " وإنما قال لها ذلك لما علم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يرضى بطلاقها إذا ردت عليه حديقته ؛ فعلى ذلك الأول . ولو كانت لفظة " العفو " تعبر عن إلزام الدية ما أحوجه إلى ذكر الإشارة إلى العفو مرة ، وإلى أخذ الدية ثانياً ؛ فثبت أن ليس للذي يعفو أن يأخذ الدية بالعفو . وقيل في قوله : { فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَٱتِّبَاعٌ بِٱلْمَعْرُوفِ } : أصلها أنها نزلت في دم بين نفر يعفو أحدهم عن القاتل ، ويتبع الآخرون بالمعروف في نصيبهم ؛ لأنه ذكر " الشيء " ، والشيء : هو العفو عن بعض الحق . فألزم الاتباع للآخرين عند عفو بعض حقه ؛ ثبت أن العفو لا يلزم الدية . وروي عن عمر وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس ، رضي الله تعالى عنهم ، أنهم أوجبوا في بعض عفو الأولياء ، للذين لم يعفوا - الدية ، على ترك السؤال عمن عفا عنك عفوت بدية ، ولو كان ثم حق ذكروه له ؛ فدل أن العفو لا يوجب الدية . والله أعلم . ثم لا يخلو إما أن يكون حقه القصاص ثم له تركه بالدية ؛ فهو إلزام بدل حق قِبَل آخر من غير رضاه ، وذلك مما لم يعقل في شيء ، أو كلاهما ، فهو أيضاً كذلك ، لا يكون أحدهما إلا باجتماعهما ، أو أحدهما وهو مجهول ؛ فالعفو عنه يبطل حقه ، إذ العفو ترك . وقال : إن في أخذ الدية إحياء النفس التي أمر الله بإحيائها ، وفي الامتناع عن أداء الدية إليه والبذل له إذن بالقتل . ومن قول الجميع : إن أحدا لو قال لآخر : اقتلني ، أنه لا يعمل بإذنه . فإذا كان معنى الامتناع عن أداء الدية هو إذن بالقتل ، لم يأذن له . يقال له : أبعدت القياس والتشبيه ؛ لأن فيما نحن فيه إذناً بالقتل ، وظهر الأمر به ، وفيما ذكرت لم يظهر ، حيث قال : { كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِصَاصُ } ، فأنى يشبه هذا بذلك ويقاس عليه ؟ أو أن يقال : لو كان الأمر كما ذكرت لكان يجيء أن يكون الصلح على كل شيء ماله ، وفيه تلف نفسه أن ليس له منعه . ومن قول الجميع : إن له المنع وجائز وقوع الصلح على ما فيه تلف ماله . ثبت أن ما يقوم له وهم . وبعد ، فإن الذي ذكرت تدبير الحق عليه أن يفعل ، لا تدبير الإلزام . ولو كان ذلك لازماً ، لكان يقتله ببذله نفسه فيغرم فاعل ذلك ؛ وهذا كما يغني الرجل بشراء ما به قوام نفسه عند الضرورة إلا أن يلزم لو أبى ذلك ، فمثله ديته ، بمعنى أن في ذلك تلف نفس تلك قيمته ، فمثله الأول . وما روي في التخيير بين أخذ الدية ، وما ذكر فهو - والله أعلم - على بيان الحل والرخصة على ما قيل : إن من حكم التوراة القتل ، ولا يجوز لهم العفو ولا أخذ الدية ، ومن حكم أهل الإنجيل العفو ، لا يقتل بالقصاص ، ولا تؤخذ الدية ، فحكم الله عز وجل على أهل القرآن : أن جعل لهم القتل مرة ، والعفو ثانياً ، وأخذ الدية تارة ؛ فدل أنه يخرج مخرج بيان الحل والرخصة . إذا طابت به نفس من عليه يبذله إذا طلب ، ولا يوجب قطع الخيار من الآخر . ولهذا ما نقول في قوله : { فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ } البقرة : 196 ] ، وقوله في التخيير في الكفارة : إن ذلك إلى من عليه ، لا إلى من يأخذ . إذ الحق هاهنا من جانب واحد . فيجعل الخيار إلى من عليه إذا كان من كلا الجانبين يعتبر رضاءهما جميعاً ، والله أعلم . وقوله : { ذٰلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ } . لما ذكر من إباحة العفو في حكم القرآن ، ولم يكن في حكم غيره من الكتب ، وأخذ الدية أو القتل ، ولم يكن في حكم التوراة والإنجيل إلا واحد . ويحتمل : أن كان في التوراة هذا أو هذا كما قال : { فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ } [ المائدة : 45 ] . واحتمل أنه ذكر القود شرعاً لنا ، وقوله : { فَمَن تَصَدَّقَ } [ المائدة : 45 ] ، لنا خاصة . وقوله : { وَرَحْمَةٌ } . فيه دلالة ألا يقطع صاحب الكبيرة عن رحمة الله ؛ لأنه أخبر أن التخفيف رحمته في الدنيا ، فإذا لم يوفِهم في الدنيا من رحمته فلا يوفيهم في الآخرة منها . وفي قوله : { فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ } ، دلالة ألا يزول اسم الإيمان بارتكاب الكبيرة ؛ لأنه سماه أخا من غير أخوة نسب ؛ دل أنه أخوة في الدين [ لأنه سماه أخاً ] . وكذلك قوله : { وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱقْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَىٰ ٱلأُخْرَىٰ فَقَاتِلُواْ ٱلَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيۤءَ إِلَىٰ أَمْرِ ٱللَّهِ فَإِن فَآءَتْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا بِٱلْعَدْلِ وَأَقْسِطُوۤاْ } [ الحجرات : 9 ] أبقى لهم اسم الإيمان بعد البغي والقتل . دل أن ارتكاب الكبيرة لا يخرجه من الإيمان . وهذا يرد على المعتزلة قولهم ؛ لأنهم يقولون : إن من ارتكب كبيرة أخرجته من الإيمان ، وما ذكر من التخليد في قتل العمد يخرج على وجهين : أحدهما لاستحلال قتله ، أو يتغمد ديته ، وإلا فيخرج الآيتان على التناقض في الظاهر لو لم يجعل على ما ذكرنا . والله أعلم . وقوله : { فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ بَعْدَ ذٰلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ } . قيل : من اعتدى على القاتل بعد ما عفى عنه ، أو بعد ما أخذ الدية . وقيل : { بَعْدَ ذٰلِكَ } ، أي : من بعد النهي عن قتله . وقيل : إذا أرى من نفسه العفو ، ثم أخذ الدية ، ثم أراد قتله ، فهو الاعتداء . ثم اختلف بعد هذا بوجهين : قال قوم : إذا فعل ذلك يترك القصاص فيه للعذاب المذكور في الآخرة : [ وقال غيرهم ] إذا اقتص ارتفع عنه العذاب الأليم ، وإن لم يقتص فلا . وجائز عندنا : أن يكون العذاب الأليم في الدنيا ، إذ لم يخلق شيء من العذاب أشد من القتل ؛ إذ القتل هو الغاية من الألم والوجع . والله أعلم . وقوله : { وَلَكُمْ فِي ٱلْقِصَاصِ حَيَٰوةٌ يٰأُولِي ٱلأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } . قيل : فيه بوجهين ، وإلا فظاهر القصاص لا يكون حياة ، لكن قيل : من تفكره في نفسه قتلها إذا قتل آخر ارتدع عن قتله ، فتحيا النفسان جميعاً . والثاني : من نظر فرأى آخر يقتل بغيره امتنع عن قتل [ آخر ففيه حياته أو تذكر أنه مقتص منه إذا قتل حمله حبه في إحياء نفسه على أن يرتدع عن قتل ] كل ، ففيه الحياة للأنفس جميعاً ؛ ولهذا نقول بوجوب القصاص في الأنفس كلها وإن اختلفت أحوالها ، إذ لو لم يجعل بين الأنفس على اختلاف الأحوال قصاص لم يكن في القصاص حياة . فأحق من يجعل فيه القصاص عند مختلف الأحوال لما يغضب الشريف على الوضيع فيحمله غضبه على قتله ، فجعل القصاص ، أو لما يستخف به . وأما الوارث لما يطمع وصوله إلى مورثه فيحمله على قتله ، فسبب القتل ليس ما يذكر ، لكنه شدة الغضب ، وفي المواريث زيادة ، وهو ما يصل إلى ماله ، وفي الكافر من استخفافه بدينه من المقتول ، فطلب فيه المعنى الذي فيه الإحياء وهو حرمان الميراث ؛ فعلى هذا التقدير يقتل المسلم بالكافر ؛ لأن المسلم قد يستخف بالكافر في دار سلمه ، فيحمله استخفافه إياه على قتله . ففيه معنى يدعو إلى الفناء ، فيجب أن يقتص من المسلم بالكافر لتحقيق معنى الحياة . وعلى هذا التقدير يقتل الحر بالعبد ؛ لأن الحر يستخف بالعبد ، فيدعوه استخفافه به على قتله ، فهو يقتل به . أو نقول : يقتل الولد بالوالد لما يستعجل الوصول إلى ملكه ، فيحمله على قتله ؛ فلزم حفظ ما لأجله الحياة ، ثم في الوالد شفقة ومحبة تمنع الوالد عن قتل ولده ؛ لذلك انتهى عنه القصاص ، وهذا معنى قوله عليه الصلاة والسلام : " لا يقاد الوالد بولده " وبالله التوفيق . قال الشيخ - رضي الله تعالى عنه - : الوالد يحب ولده ؛ لأنه يرغب أن يكون له ولد . وأما الولد فإنما يحب والده له لنفسه ومنافع له . فإذا كان الوالد له لم يقتص منه .