Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 189-195)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَٱلْحَجِّ } . يحتمل : { يَسْأَلُونَكَ } ، أي : سألوك عن الأهلة . ويحتمل : { يَسْأَلُونَكَ } [ أنهم يسألونك ] من بعد ، فإن كان على هذا ففيه دليل رسالته ؛ لأنه كان كما أخبر من السؤال له . ثم معنى السؤال عن الأهلة - والله أعلم - هو أنهم لما رأوا الشمس تطلع دائماً على حالة واحدة ، ورأوا القمر مختلف الأحوال من الزيادة والنقصان فحملهم ذلك على السؤال عن حال القمر ، فأخبر - عز وجل - أنه جعل الهلال معرفاً للخلق الأوقات والآجال والمدد ومعرفة وقت الحج ؛ لأنه لو جعل معرفة ذلك بالأيام لاشتد حساب ذلك عليهم ، ولتعذر معرفة السنين والأوقات بالأيام . فجعل - عز وجل - بلطفه وبرحمته ، الأهلة ليعرفوا بذلك الأوقات والآجال ، ويعرفوا وقت الحج ، ووقت الزكاة ؛ طلباً للتخفيف والتيسير عليهم . ثم قال : { هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَٱلْحَجِّ } ، جعل الأهلة كلها وقتاً للحج . ولهذا قال أصحابنا : إنه يجوز الإحرام في الأوقات كلها ، على ما يجوز بقاء الإحرام في الأوقات كلها . وأما أفعال الحج : فإنها لا تجوز إلا في وقت فعل الحج ، وهو قوله : { ٱلْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ } [ البقرة : 197 ] ، فإنما هي على أفعال فيه ، دليله قوله : { فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ ٱلْحَجَّ } [ البقرة : 197 ] ، ولا تفرض من الحج في غير الإحرام ؛ دل أنه عنى به أفعال الحج ، وقد جاء : أنه سمى الإحرام على الانفراد حجّاً ، وسمى الطواف بالبيت حجّاً ، والوقوف حجّاً ، وقال : " الحج عرفة " وسمى الذبح حجّاً ، حيث قال : " أفضل الحج العج والثج " وإنما سمى كلاًّ منها حجّاً ؛ لما جعل لها أوقاتاً معلومة يؤدى فيها . وأما الإحرام فإنه جعل الأشهر كلها وقتاً له بقوله : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَٱلْحَجِّ } . وقوله : { وَلَيْسَ ٱلْبِرُّ بِأَن تَأْتُواْ ٱلْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا } . لا معنى لعطف هذا على الأول إلا على إضمار السؤال ، كأنهم سألوه عن الأهلة وعن إتيان البيوت من ظهورها ، فأخبر : أن ليس البر في إتيان البيوت من ظهورها . { وَلَـٰكِنَّ ٱلْبِرَّ مَنِ ٱتَّقَىٰ وَأْتُواْ ٱلْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } . ثم اختلف في القصة هذا الكلام : قال بعضهم : إن بعض العرب إذا أحرم أحدهم لم يدخل بيته من بابه ، ولكن يدخل من ظهر البيت ؛ مخافة تغطية الرأس إذا دخل من بابه . وقيل : إن بعض العرب إذا خرج أحدهم لحاجة ولم يقض حاجته ، فرجع لم يدخل البيت من بابه ، ولكن يدخل من وراء ظهره ، يكره دخول بيت غير منجح - يتطيرون به - ويتفاءلون قضاءها ثانياً . فقال الله عز وجل : { وَلَيْسَ ٱلْبِرُّ } فما تصنعون ، { وَلَـٰكِنَّ ٱلْبِرَّ مَنِ ٱتَّقَىٰ } ، واتبع أمر الله ، وانتهى عما نهى عنه ، ويأتي { ٱلْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا } . ويحتمل : أن يكون على التمثيل والرمز ، ليس على التحقيق ؛ كقوله : { فَنَبَذُوهُ وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ } [ آل عمران : 187 ] ، وكقوله : { نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَٰبَ كِتَٰبَ ٱللَّهِ وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ } [ البقرة : 101 ] ، فهو ليس على حقيقة الطرح وراء الظهر ، ولكن كانوا لا يسمعون كلام الله ولا يعبئون به . وكذلك كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يسمعونه ولا يكترثون إليه ، فأخبر أنه كالمنبوذ والمطروح وراء الظهر لما لم يعملوا به ؛ فعلى ذلك الأول ، أخبر أنه { وَلَيْسَ ٱلْبِرُّ } في ترك اتباع محمد صلى الله عليه وسلم والائتمار بأمره ، أي : ليس فعلى البر مخالفة محمد صلى الله عليه وسلم [ فيما يأمر ] ، ولكن البر فب الاتباع له والائتمار بأمره . وقال القرامطة : إن المراد من الأبواب هو علي بن أبي طالب ، رضي الله تعالى عنه ، والبيوت بيوت رسول الله صلى الله عليه وسلم . أمروا بإتيان رسول الله صلى الله عليه وسلم من عند علي ، رضي الله تعالى عنه ، على ما جاء أنه قال : " أنا مدينة العلم وعلي بابها " . فمن أراد الدخول في البيت ، لا بد من أن يأتي الباب فيدخل من الباب . لكن الجواب لقولهم على قدر ما تأولوا - أنه ذكر البيوت ، وذكر الأبواب أيضاً والبيوت كثيرة ، والأبواب كذلك أيضاً ، فعليٌّ وغيره من الصحابة من نحو أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، رضوان الله تعالى عليهم أجمعين ، فيه شرع سواء ؛ ألا ترى أنه قال : " أنا مدينة الحكمة " ، والمدينة لا يعرف لها باب واحد ، بل يكون لها أبواب ؛ فدل أن تأويلهم في علي ، رضي الله تعالى عنه ، خاصة ، لا يصح . وبالله العصمة . وقوله : { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } . أي : اتقوا الله ولا تعصوه ، ولا تتركوا أمره ، وانتهوا عن مناهيه . وقوله : { وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوۤاْ } . { سَبِيلِ ٱللَّهِ } : دينه وطاعته ، أي : في إظهار دينه . قيل : هي أول آية نزلت في الأمر بالقتال . وقيل : أول آية نزلت في الأمر بالقتال قوله : { أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْ } [ الحج : 39 ] . ويحتمل : أنه أخبر كأنهم نهوا أولاً ثم أذن لهم فقاتلوا فأنكر عليهم ، فأنزل الله أنه أذن لهم إخباراً . فلا يدري أيتهما أول ، ولكن فيه الأمر بالقتال ، والنهي عن الاعتداء هاهنا : قيل : هو نهي عن قتل الذراري والنساء والشيخ الفاني ، على ما جاء أنه بعث سرية أوصى لهم ألا يقتلوا وليداً ولا شيخاً . وقيل : نهاهم أن يقتلوهم في الشهر الحرام إلا أن يبدأهم المشركون بالقتال . والله أعلم . وقوله : { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ } . أي أنه لا يحب الاعتداء ، لم يحب من اعتدى . وقوله : { وَٱقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُم } . قيل : لفظ { حَيْثُ } يعبر عن المكان ؛ ففيه إذن بقتلهم في جميع الأمكنة ، وفي تعميم الأمكنة تعميم الأوقات ، فهو على عموم المكان إلا فيما استثنى من المسجد الحرام مطلقاً . وأما قوله : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ } [ البقرة : 217 ] ، فالاستثناء فيه مقيد ، فلا يخرج عن ذلك العام . والله أعلم . ثم منهم من جعل لهم القتال في الحرم وفي أشهر الحج بظاهر هذه الآية . ومنهم من قال : لا يقتل فيهما جميعاً . وقال أصحابنا - رحمهم الله تعالى : يقتل في الشهر الحرام ، ولا يقتل في الحرم إلا أن يبدأهم بالقتال ، فحينئذ يقتلهم . وكذلك يقولون فيمن قتل آخر ثم التجأ إلى الحرم : لم يقتل فيه ، ولكن لا يؤاكل ولا يشارب ولا يجالس حتى يضطر فيخرج ، فيقتل . وإذا قتل في الحرم يقتل . فعلى ذلك لا يقاتل في الحرم إلا أن يبدأهم بالقتال ، فعند ذلك يحل القتل . وإنما لم يحل القتال في الحرم إلا أن يبدءوهم به ، وإن كان ظاهر قوله : { وَٱقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُم } يبيح القتل في الأمكنة كلها ، بقوله : { وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ حَتَّىٰ يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ } ، استثنى الحرم دون غيره من الأماكن . وأما قوله : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ } [ البقرة : 217 ] ظاهر هذه الآية يحرم القتال في أشهر الحج ، لكن فيه دليل حل القتال بقوله : { وَٱلْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ ٱلْقَتْلِ } [ البقرة : 217 ] ، يعني بالفتنة الشرك ، جعل القتل فيه كبيراً ، ثم أخبر أن الشرك فيه أكبر وأعظم من القتل . فالأصل عندنا : أن الابتلاء إذا كان من وجهين يختار الأيسر منهما والأخف ؛ فلذلك قلنا : إنه يختار القتل في الحرم على بقاء الفتنة - وهو الشرك - إذ هو أكبر وأعظم . والله أعلم . وقوله : { وَأَخْرِجُوهُمْ مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ } . يحتمل : { وَأَخْرِجُوهُمْ } من مكة كما { أَخْرَجُوكُمْ } عام الحديبية . ويحتمل : أن أمرهم بأن يضيقوا عليهم ويضطروهم إلى الخروج كما فعل أهل مكة بهم . ويحتمل : الإخراج على ما جاء : " ألا لا يحجن مشرك بعد عامي هذا " . ويحتمل : أن يمنعوهم عن الدخول فيه ؛ كقوله تعالى : { إِنَّمَا ٱلْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـٰذَا } [ التوبة : 28 ] ، وكقوله : { يُخْرِجُهُمْ مِّنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ } [ البقرة : 257 ] ، المنع عن الشرك إخراجاً . وقوله : { وَٱلْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ ٱلْقَتْلِ } . أي : الشرك أعظم جرماً عند الله من القتل فيه . وقوله : { وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ حَتَّىٰ يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَٱقْتُلُوهُمْ } . كما ذكرنا أن هذا وقوله : { وَٱقْتُلُوهُمْ } ، كله يخرج على المجازاة لهم . وفيه لغة أخرى : " ولا تقتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقتلوكم فيه " . فإذا قتلونا لا سبيل لنا أن نقتلهم ، فما معنى هذا ؟ قيل : يحتمل قوله : { وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ حَتَّىٰ يُقَاتِلُوكُمْ } ، أي : إذا قتلوا واحداً منكم فحينئذ تقتلونهم ، أو لا تقتلونهم حتى يبدءوا هم بالقتل ، أو أن يقول : لا تقتلوهم حتى يقتلوا بعضكم ، فإذا فعلوا ذلك فحينئذ تقتلونهم . والله أعلم . وقوله : { كَذَلِكَ جَزَآءُ ٱلْكَافِرِينَ } . أي هكذا جزاء من لم يقبل نعم الله ، ولم يستقبلها بالشكر . ويحتمل : كذلك جزاء من بدأ بالقتال في الحرم أن يقتل . وقوله : { فَإِنِ ٱنتَهَوْاْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } . يحتمل وجهين : يحتمل : { فَإِنِ ٱنتَهَوْاْ } عن الشرك ، وأسلموا يتغمدهم الله برحمته . ويحتمل : { فَإِنِ ٱنتَهَوْاْ } عن بدء القتال ، وأسلموا ، فإن الله يرحمهم ويغفر ذنوبهم . وقوله : { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ ٱلدِّينُ للَّهِ } . أنه أمرنا بالقتال مع الكفرة ليسلموا . فإن قيل : أيش الحكمة في قتل الكفرة ، وهو في الظاهر غير مستحسن في العقل ؟ قيل : إنا نقاتلهم ليسلموا ، ولا نقتلهم إلا أن يأبوا الإسلام ، فإذا أبوا ذلك ثم لم نقتلهم لا يسلمون أبداً ؛ لذلك قتلناهم ، إذ في القتل ذهاب الفتنة . ويحتمل : { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ } ، على وجه الأرض ، أي تطهر من الشرك . وقال قوم : { وَٱلْفِتْنَةُ } هاهنا العذاب ، أي : قاتلوا حتى لا يقدروا عليه كفار . وقوله : { وَيَكُونَ ٱلدِّينُ للَّهِ } . أي : ليكون { ٱلدِّينُ } دين الله في الأرض لا الشرك . و { ٱلدِّينُ } : الحكم . وقوله : { فَإِنِ ٱنْتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى ٱلظَّالِمِينَ } . فإن قيل : فإذا صار الدين كله لله ، فلا ظالم هنالك ، فما معنى هذا الكلام ؟ قيل : يحتمل : أن لا عدوان إلا على الظالم الذي أحدث الظلم من بعد . ويحتمل : أن لا عدوان إلا على من بقي منهم مع الظلم . فإن قيل : فلم سمي عدواناً ، والعدوان هو ما لا يحل ؟ قيل : لأنه جزاء العدوان ، وإن لم يكن هو في الحقيقة عدواناً ، فسمي باسمه كما سمى جزاء السيئة سيئة وإن لم يكن هو سيئة في الحقيقة ؛ كقوله : { وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا } [ الشورى : 40 ] ، وكما سمى جزاء الاعتداء اعتداء وإن لم يكن هو في الحقيقة اعتداء ؛ فكذلك الأول . وقوله : { ٱلشَّهْرُ ٱلْحَرَامُ بِٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ وَٱلْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ } . قيل : خرج النبي صلى الله عليه وسلم في الشهر الحرام يريد مكة فصده المشركون عن دخولها ، فجاء من عام قابل في الشهر الحرام فدخلها وأقام ثلاثاً ، وقضى عمرته التي فاتته في العام الأول ، فسميت عمرة القضاء ، فذلك تأويل قوله : { وَٱلْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ } ، هذه الثانية صارت قصاصاً بالأول . وقيل : إن [ في ] الجاهلية كانوا يعظمون الشهر الحرام ، ولا يقاتلون فيه ، فلما أن ظهر الإسلام عظمه أهل الإسلام أيضاً ، ولم يقاتلوا فيه ، حتى جعل الكفار يغيرون على أهل الإسلام ويستنصرون عليهم ، حتى نسخ ذلك وأمروا بالقتال فيه بقوله : { وَٱلْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ ٱلْقَتْلِ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِن اسْتَطَاعُواْ } [ البقرة : 217 ] ، كأنه قال : ما هتكتم من حرمة الشهر قصاص لما هتكوا . وقوله : { فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَٱعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا ٱعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ } . قد ذكرنا هذا فيما تقدم . وقوله : { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } . يحتمل : { وَٱتَّقُواْ } مخالفة الله . أو : { وَٱتَّقُواْ } عذاب الله . وقوله : { وَٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُتَّقِينَ } . يعني : مع المؤمنين جملة . ويحتمل : { وَٱتَّقُواْ } القتال في الحرم قبل أن يبدءوا هم ، فـ { أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُتَّقِينَ } في النصر والمعونة لهم . وقوله : { وَأَنْفِقُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى ٱلتَّهْلُكَةِ } . قيل فيه بوجوه : قيل : [ أمر بالإنفاق ترتيباً ] على الخروج إلى الجهاد ، وإلا فكلٌّ منفق على نفسه بما يعلم حاجته إليه ، ولا يلقي نفسه في الهلاك من حيث منع الإنفاق . وقيل : في قوله تعالى : { وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى ٱلتَّهْلُكَةِ } ، هو أن يذنب ذنباً ثم ييأس عن العفو عنه . وقيل : { وَأَنْفِقُواْ } أي : لا تضنوا بالإنفاق مخافة الفوت في الوقت الثاني ؛ فإنه يخلف لكم ما أنفقتم . وقيل : { وَأَنْفِقُواْ } أي : أعينوا أصحابكم ، ولا تلقوهم إلى التهلكة بترك المعونة لهم بالإنفاق والتجهيز لهم . وقيل : { وَأَنْفِقُواْ } أي : تصدقوا ، فإن فيه حياة أبدانكم وأنفسكم . وقوله : { وَأَحْسِنُوۤاْ } . قيل : { وَأَحْسِنُوۤاْ } إلى أصحابكم بالإعانة والتصدق . وقيل : { وَأَحْسِنُوۤاْ } الظن بالله في الإنفاق . وقيل : { وَأَحْسِنُوۤاْ } الظن بربكم في الخروج إلى الغزو . ويحتمل : { وَأَحْسِنُوۤاْ } أي أسلموا . وعلى ذلك يخرج قوله : { إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ } يعني : المؤمنين .