Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 1-5)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ الۤـمۤ } قيل : فيه وجوهٌ : روي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : قوله : { الۤـمۤ } أنا الله أعلم . وقيل : إنه قسم أقسم بها . وقيل : إن هذه الحروف المعجمة مفتاح السورة . وقيل : إن كل حرف من هذه الحروف كناية اسم من أسماءِ الله : الأَلف الله ، واللام لطفه ، والميم ملكه . وقيل : إن اللام آلاؤه ، والميم مجدهُ . وقيل : إن الأَلف هو الله ، واللام جبريل ، والميم محمد . وقيل : إنها من التشبيب ؛ ليفصل بين المنظوم من الكلام ، والمنثور من نحو الشعر ونحوه . وقيل : إن تفسير هذه الحروف المقطعة ما أَلحق ذكرها بها على أَثرها نحو قوله : { الۤـمۤ * ذَلِكَ ٱلْكِتَابُ } [ أول سورة البقرة ] ، { ذَلِكَ ٱلْكِتَابُ } هو تفسير { الۤـمۤ } ، و { الۤمۤ * ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } [ أول سورة آل عمران ] ، { الۤمۤصۤ * كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ } [ أول سورة الأعراف ] ، و { الۤر كِتَابٌ } [ أول سورة هود ، وإبراهيم ] ، و { الۤـمۤ * تِلْكَ آيَاتُ } [ أول سورة لقمان ] كلُّ ملحقٍ بها فهو تفسيرُها . وقيل : إن فيها بيان غاية ملك هذه الأُمة من حساب الجُمَّل ، ولكنهم عدوا بعضها وتركوا البعض . وقيل : إنه من المتشابه الذي لم يطلع الله خلقه علم ذلك ، ولله أن يمتحن عباده بما شاءَ من المحن . وقيل : إنهم كانوا لا يستمعون لهذا القرآن ؛ كقولهم : { لاَ تَسْمَعُواْ لِهَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ وَٱلْغَوْاْ فِيهِ } [ فصلت : 26 ] ، وكقوله : { وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ ٱلْبَيْتِ إِلاَّ مُكَآءً وَتَصْدِيَةً } [ الأنفال : 35 ] فأنزل الله عز وجل هذه الحروف المعجمة ليستمعوا إليها فيلزمهم الحجة . والأصل في الحروف المقطعة : أنه يجوز أن تكون على القَسَم بها على ما ذكرنا . وأريد بالقدْر الذي ذكر كليةُ الحروف بما كان من شأْن العرب القسمُ بالذي جلَّ قدْرُه ، وعظم خطره . وهي مما بها قوام الدارين ، وبها يتصل إلى المنافع أَجمع . مع ما دّلت على نعمتين عظيمتين - اللسان والسمع - وهما مجرى كل أنواع الحكمة ، فأَقسم بها على معنى إضمار ربّها ، أَو على ما أَجلّ قدرها في أعين الخلق ، فيقسم بها ، ولله ذلك ، ولا قوة إلا بالله . ويحتمل : أَن يكون بمعنى الرمز والتضمين في كل حرف منها أمراً جليلاً يعظم خطره على ما عند الناس في أَمر حساب الجُمل . ثم يُخرَّج على الرمز بِها عن أَسماءِ الله وصفاته ونعمه على خلقه ، أَو على بيانِ منتهى هذه الأُمة ، أَو عددِ أَئمتها ، وملوكها ، والبقاع التي ينتهي أمرها ، وذلك هو في نهاية الإيجاز ، بل بالاكتفاءِ بالرمز عن الكلام ، وبما هو بمعنى من الإشارة في الاكتفاءِ بها عن البسط ، ولا قوة إلا بالله ؛ ليُعلم الخلائقَ قدرة الله ، وأَنَّ له أَنْ يضمن ما شاء فيما شاءَ على ما عليه أَمرُ الخلائق من لطيف الأَشياءِ التي كادت العقولُ وأَسباب الإدراك تقصر عنها ، وكنهِها التي يدركها كل أَحد ، وبين الأَمرين ، فعلى ذلك أَمر تركيب الكلام ، ولا قوة إلا بالله . ويجوز أن يكون بمعنى اسم السور ، ولله تسميتها بما شاءَ كما سمى كتبه ، وعلى ذلك منتهى أَسماءِ الأَجناس خمسة أحرف ، وكذلك أمر السور ، دليل ذلك وصْلُ كل سورة فتحت بها إليها ، كأَنه بنى بها . ولا قوة إلا بالله . ويجوز أن يكون على التشبيب ، على ما ذكرنا للتفصيل بين المنظوم من الكلام والمنثور في المتعارف أن المنظوم في الشاهد يشبب فيخرج عن المقصود بذلك الكلام ، فعلى ذلك أمر الكلام المنزل . أَلا ترى أَنه خرج على ما عليه فنون الكلام في الشاهد إلا أَنه على وجه ينقطع له المثال من كلامهم ، فمثله أَمر التشبيب . ولا قوة إلا بالله . وجائِز : أن يكون الله أَنزلها على ما أَراد ؛ ليمتحن عبادَه بالوقف فيها ، وتسليم المراد في حقيقة معناه والذي له يزول ذلك ، ويعترف أَنه من المتشابه ، وفيها جاءَ تعلق الملحدة ، ولا قوة إلا بالله . ويحتمل : أَن يكون إذ علم الله من تعنت قوم وإعراضهم عنه وقولهم : { لاَ تَسْمَعُواْ لِهَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ وَٱلْغَوْاْ فِيهِ } [ فصلت : 26 ] أَنزل على وجه يبعثهم على التأَمل في ذلك بما جاءَ بالعجيب الذي لم يكونوا يعرفون ذلك : إما لما عندهم أَنه كأَحدهم ، أو لسبيل الطعن ؛ إذ خرج عن المعهود عندهم ، فتلا عليهم ما يضطرهم إلى العلم بالنزول من عند من يملك تدبير الأشياءِ ؛ ولذلك اعترضوا لهذه الأَحرف بالتأَمل فيها من بين الجميع . ولا قوة إلا بالله . وقيل : إنه دعا خلقه إلى ذلك ، والله أَعلم بما أَراد . وقوله : { ذَلِكَ ٱلْكِتَابُ } . أي : هذا الكتاب ، إشارة إلى ما عنده ، وذلك شائع في اللغة ، جائز بمعنى هذا . وقيل : ذلك بمعنى ذلك ، إشارة إلى ما في أَيدي السفرة والبررة . وقوله : { لاَ رَيْبَ فِيهِ } . قيل : فيه وجوهٌ ؛ لكن الحاصل يرجع إلى وجهين : أي : لا ترتابوا فيه أنه من عند الله . وقيل : لا ريب فيه أنه منزل على أَيدي الأُمناءِ والثقات . وقوله : { هُدًى } . قيل فيه بوجهين : { هُدًى } : أَي : بياناً ووضوحاً ، فلو كان المراد هذا ، فالتَّقيُّ وغير التَّقِيِّ سواء . والثاني : هُدىً أي : رشداً ، وحجة ، ودليلاً . ثم اختلفوا في الدليل : فقال الراوندي : الدليل إنما يكون دليلاً بالاستدلال ؛ لأَنه فعل المستدل . مشتق من الاستدلال ؛ كالضرب من الضارب وغيره . وقال غير هؤلاءِ : الدليل بنفسه دليل ، وإن لم يستدل به ؛ لأَنه حجة ، والحجة حجة وإن لم يحتج بها . غير أَن الدليل يكون دليلاً بالاستدلال ، ومن لم يستدل به فلا يكون له دليلاً ، وإن كان بنفسه دليلاً ، بل يكون عليه عمى وحيرة كقوله : { وَإِذَا مَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ } [ التوبة : 124 ] ثم قال : { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً } [ التوبة : 124 - 125 ] . وقوله : { لِّلْمُتَّقِينَ * ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلْغَيْبِ } . قيل : فيه بوجهين : يؤمنون بالله غيباً ، ولم يطلبوا منه ما طلبه الأُمم السالفة ، من أنبيائهم ؛ كقول بني إسرائيل لموسى : { لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى ٱللَّهَ جَهْرَةً } [ البقرة : 55 ] . والثاني : يؤمنون بغيب القرآن ، وبما يخبرهم القرآن من الوعدِ والوعيدِ ، والأَمر والنهي ، والبعث ، والجنة ، والنار . والإيمانُ إنما يكون بالغيب ؛ لأَنه تصديق ، والتصديقُ والتكذيب إنما يكونان عن الخبر ، والخبرُ يكون عن غيب لا عن مشاهدة . والآية تنقض قول من يقول : بأَن جميع الطاعات إيمان ؛ لأَنه أَثبت لهم اسم الإيمان دون إقامة الصلاة والزكاة بقوله : { ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلْغَيْبِ } . وقوله : { وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلٰوةَ } . يحتمل وجهين : يحتمل : الصلاةَ المعروفةَ ، يقيمونها بتمام ركوعها وسجودها ، والخشوغ ، والخضوع له فيها ، وإخلاص القلب في النِّية ؛ على ما جَاءَ في الخبر " انْظُر مَنْ تُنَاجِي " . ويحتمل : الحمد له والثناء عليه . فإن كان المراد هذا فهو لا يحتمل النسخ ، ولا الرفع في الدنيا والآخرة . وقوله : { وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ } . من الأَموال يحتمل فرضاً ونفلاً . ويحتمل : { وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ } من القوى في الأَنفس وسلامة الجوارح ، { يُنْفِقُونَ } : يعينون . والله أعلم . وقوله : { وٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ } . يحتمل وجهين : أي : ما أنزل إليك من القرآن . ويحتمل : ما أنزل إليك من الأَحكام ، والشرائع التي ليس ذكرها في القرآن . وقوله : { وَمَآ أُنْزِلَ مِن قَبْلِكَ } . يحتمل وجهين أيضاً : يعني الكتب التي أنزلت على سائِر الأَنبياءِ عليهم السلام . ويحتمل : الشرائع ، والأَخبار سوى الكتب ، والله أعلم . وقوله : { وَبِٱلآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ } . بمعنى يؤمنون . والإيقان بالشيء هو العلم به . والإيمان هو التصديق ، لكنه إذا أَيقن آمن به وصدق به لعلمه به ؛ لأَن طائفة من الكفار كانوا على ظن من البعث ؛ كقوله : { إِن نَّظُنُّ إِلاَّ ظَنّاً وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ } [ الجاثية : 32 ] فأَخبر عز وجل عن حال هؤلاءِ أَنهم على يقين ، ليسوا على الظن والشك كأُولئك . وقوله : { أُوْلَـٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ } . قِيل : على صواب ، ورشد من ربهم . وقيل : إنهم على بيان من ربهم ، لكن البيان ليس المؤمنُ أحقَّ به من الكافر ؛ لأَنه يبين للكافر جميع ما يحتاج إليه ، إما من جهة العقل ، وإما من جهة السمع . فظهر بهذا أَن الأَول أَقرب إلى الاحتمال من الثاني . وقوله : { وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } . قيل فيه بوجوه : قيل : الباقون في نعم الله والخير . وقيل : الظافرون بحاجاتهم ، يقال : أَفلح ، أَي : ظفر بحاجته . وقيل : { ٱلْمُفْلِحُونَ } هم السعداءُ ، يقال : أَفلح ، أي : سعد . وقيل : { ٱلْمُفْلِحُونَ } الناجون ؛ يقال : أَفلح ، أي : نجا . وكله يرجع إلى واحد ؛ كقوله : { فَمَن زُحْزِحَ عَنِ ٱلنَّارِ وَأُدْخِلَ ٱلْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ } [ آل عمران : 185 ] وكل واحد ممن زحزح عن النار فقد فاز ومن أُدخل الجنة فقد فاز فكذلك الأَول .