Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 6-10)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله : { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ ءَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } . هذا - والله أعلم - في قوم خاص ، عَلِمَ الله أَنهم لا يؤمنون فأَخبر عز وجل رسولَه بذلك ، فكان كما قال . وفيه آية النُّبوَّة . ويحتمل أَيضاً : أَنهم لا يؤمنون ما داموا في كفرهم ؛ كقوله : { وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } [ البقرة : 258 ، آل عمران : 86 ، التوبة : 19 ، 109 ، الصف : 7 ، الجمعة : 5 ] والكافرون ما داموا كافرين ظالمون . وقوله : { خَتَمَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ وَعَلَىٰ أَبْصَٰرِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ } . روي عن الحسن : " إن للكافر حدا إذا بلغ ذلك الحد ، وعلم الله منه أنه لا يؤمن ، طبعَ على قلبه حتى لا يؤمن " . وهذا فاسد على مذهب المعتزلة لوجهين : أحدهما : أَن مذهبهم أَن الكافر مكلف ، وإن كان قلبه مطبوعاً عليه . والثاني : أن الله - عز وجل - عالم بكل من يؤمن في آخر عمره ، وبكل من لا يؤمن أَبداً ، بلغ ذلك الحد أَو لم يبلغ . فعلى ما يقوله الحسن إيهام أَنه لا يعلم ما لم يبلغ ذلك . والمعتزلةُ يقولون : إن قوله : { خَتَمَ } ، و { طَبَعَ } يُعلم عَلاَمةً في قلبه أَنه لا يؤمن كإعلام الكتب والرسائل . ولكن عندنا : خلق ظلمة الكفر في قلبه . والثاني : خلق الختم والطبع على قلبه [ إذا فَعَل فِعْل الكفر ؛ لأَن ] فِعْل الكفر من الكافر مخلوق عندنا ، فخلق ذلك الختم عليه ؛ وهو كقوله : { وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً } [ الإسراء : 46 ] أي : خلق الأَكنة . وغيرهِ من الآيات . والأَصل في ذلك : أَنه ختم على قلوبهم لما تركوا التأَمل ، والتفكر في قلوبهم فلم يقع ، وعلى سمعهم لما لم يسمعوا قول الحق والعدل ، خلق الثقل عليه ، وخلق على أَبصارهم الغطاءَ لما لم ينظروا في أَنفسهم ، ولا في خلق الله ليعرفوا زوالها وفناءَها وتغير الأحوال ؛ ليعلموا أن الذي خلق هذا دائِم لا يزول أَبداً . وقوله : { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَبِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ } . إخبار منهم أنهم قالوا ذلك بأَلسنتهم قولا ، وأَظهروا خلاف ما في قلوبهم ؛ فأَخبر عز وجل نبيّه عليه الصلاة والسلام : أَنهم ليسوا بمؤمنين ، أي : بمصدقين بقلوبهم . وكذلك قوله : { مِنَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ } [ المائدة : 41 ] . وكذلك قوله : { فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ … } الآية [ النساء : 65 ] . هذه الآيات كلها تنقض على الكراميَّةِ ؛ لأَنهم يقولون : الإِيمان قول باللسان دون التصديق . فأَخبر الله - عز وجل - عن جملة المنافقين أَنهم ليسوا بمؤمنين لما لم يأْتوا بالتصديق ، وهذا يدل على أن الإِيمان تصديق بالقلب . والكراميّة يقولون : بل هم مؤمنون . وقوله : { يُخَادِعُونَ ٱللَّهَ وَٱلَّذِينَ آمَنُوا } . لا يقصد أحد مخادعة الله ، لكنهم كانوا يقصدون مخادعة المؤمنين ، وأَولياءِ الله ، فأَضاف الله عز وجل ذلك إلى نفسه ؛ لعِظم قدرهم ، وارتفاع منزلتهم عند الله ؛ وهو كقوله : { إِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ يَنصُرْكُمْ } [ محمد : 7 ] ، والله لا يحتاج أَن ينصر ، ولكن كأَنه قال : إن تنصروا أولياء الله ينصركم ؛ وهو كقوله : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ ٱللَّهَ } [ الفتح : 10 ] والله لا يُبايَع ، ولكن إضافة ذلك إلى نفسه ؛ لعظم قدر نبيه ، وعلو منزلته عند الله تعالى ، فكذلك الأَول أَضاف مخادعتهم أَولياءَه إلى نفسه لعلو منزلتهم عند الله وقدرهم لديه . والمخادعة هو فعل اثنين ؛ لخداع هؤلاءِ بحضور المؤمنين ؛ لذلك المعنى ذكر المفاعلة . والله أعلم . وقوله : { وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُم } . الأول : أي حاصل خداعهم ، ووباله يرجع إليهم . والثاني : أنهم يُظهرون لهم الموافقة ليأْمنوا ، فلحقهم خوف دائم بذلك الخداع في الدنيا . وقوله : { وَمَا يَشْعُرُونَ } . الأَول : أي : ما يشعرون أَن حاصل الخداع يرجع إليهم في الآخرة . والثاني : ما يشعرون أَن الله يظهر ، ويطلع نبيه على ما أَضمروا هم في قلوبهم ، و الله أعلم . وقوله : { فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ } . يقال : شكٌ ونفاق ؛ سَمَّى عز وجل المنافقين مرضى ؛ لاضطرابهم في الدين ؛ لأَنهم كانوا يظهرون الموافقة للمؤمنين بالقول ، ويضمرون الخلاف لهم بالقلب ؛ فكان حالهم كحال المريض الذي هو مضطرب بين الموت والحياة ؛ إذ المريض يشرف - ربما - على الموت ، ويرجو الإقبال عليه منه ثانياً ؛ فهو مضطرب بين ذلك ، فكذلك هم ، لما كانوا مضطربين في دينهم سماهم مرضى . وأما سائِر الكفرة فإنهم لم يضطربوا في الدين ، بل أَظهروا بالقول على ما أَضمروا بالقلب ؛ فسماهم موتى ، لما لم ينتفعوا بحياتهم ، ولم يكتسبوا الحياة الدائمة . وسمى المؤمنين أَحياء ؛ لما انتفعوا بحياتهم ، واكتسبوا الحياة الدائمة ، لموافقتهم باللسان والقلب جميعاً لدين الله - عز وجل - والله أعلم . وقوله : { فَزَادَهُمُ ٱللَّهُ مَرَضاً } . اختلف في تأْويله : قالت المعتزلة : هو التخلية بينهم وبين ما اختاروا . وأما عندنا : فهُو على خلق أَفعال زيادة الكفر والنفاق في قلوبهم ، لما زادوا هم في كل وقت من إظهار الموافقة للمؤمنين بالقول ، وإضمار الخلاف لهم بالقلب ، خلق الله عز وجل تلك الزيادة من المرض في قلوبهم باختيارهم . وقد ذكرنا الوجه في ذلك فيما تقدم في قوله : { ٱهْدِنَا } . وقوله : { وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ } . لأَن عذاب الدنيا قد يكون ولا أَلم فيه ؛ فأخبر الله عز وجل أن عذاب الآخرة عذاب شديد عظيم ، ليس كعذاب الدنيا .