Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 272-274)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ وَمَا تُنْفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلاَّ ٱبْتِغَآءَ وَجْهِ ٱللَّهِ وَمَا تُنْفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ } . أخبر أنه ليس عليه هداهم ، وعليه البيان والتبليغ ؛ فدل أن هناك فضل هدى ، لا يملك هو ذلك ، وهو التوفيق على الهدى والتحقيق له . وهذا يرد على المعتزلة ويكذبهم أن كل الهدى : البيان ؛ إذ لو كان كل الهدى بياناً لكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يملك ذلك ، إذ عليه البيان ، فدل أنه لا يملك الهدى المراد في الآية ؛ فهو على ما ذكرنا من التوفيق . ويحتمل قوله : { لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ } أي : حساب ترك اهتدائهم ، كقوله : { مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِّن شَيْءٍ } [ الأنعام : 52 ] ، و { فَإِنَّمَا عَلَيْكَ ٱلْبَلَٰغُ } [ آل عمران : 20 ] . وقوله تعالى : { وَمَا تُنْفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأَنْفُسِكُمْ } : { مِنْ خَيْرٍ } ، أي : مال ، { فَلأَنْفُسِكُمْ } ، يعني : فلأنفسكم الثواب . [ و ] قيل قوله : { فَلأَنْفُسِكُمْ } ، يعني : منفعته لكم . وفي قوله : { وَمَا تُنْفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأَنْفُسِكُمْ } دلالة على أنهم كانوا يتحرجون بالتصدق على أقربائهم من الكفار خشية ما يقع من التعاون على ما اعتمدوا من الدين ؛ إذ المكاسب لكل أهل دين إنما تقع من العقلاء مكان ما ينفقون به لأجل الدين ؛ فبين جل وعلا : أن ذلك يقع لكم ولأنفسكم ، وتكفير ما ارتكبتم . ثم في الآية دلالة جواز الصدقة على الكفار ، ودليل جواز دفع الكفارات إليهم بقوله : { وَمَا تُنْفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأَنْفُسِكُمْ } ؛ فهو دليل لأصحابنا ؛ لأنه جعل هذه الصدقة مكفرة . وقوله تعالى : { يُوَفَّ إِلَيْكُمْ } ، يعني : يوفر عليكم ثواب صدقاتكم ، وإن كان التصدق على الكفرة . وقوله تعالى : { وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ } ، في حرمان الثواب والجزاء . وقوله تعالى : { لِلْفُقَرَآءِ ٱلَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي ٱلأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ ٱلْجَاهِلُ أَغْنِيَآءَ مِنَ ٱلتَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ ٱلنَّاسَ إِلْحَافاً وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ } . قيل : { لِلْفُقَرَآءِ ٱلَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } قيل : { فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } أي : من سبيل الله ، يعني : حبسوا بالفقر عن الجهاد ، وهو كقوله : { وَلاَ عَلَى ٱلَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ } [ التوبة : 91 ] . والعرب تستعمل حروف الخفض بعضها في موضع بعض . ويحتمل قوله تعالى : { لِلْفُقَرَآءِ ٱلَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } ، أي : حبسوا أنفسهم في طاعة الله ، لا يجدون ما يتجرون ، ولا ما يحترفون ، ولا ما يكتسبون . وقوله تعالى : { لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي ٱلأَرْضِ } : للتجارة . وقوله تعالى : { لاَ يَسْأَلُونَ ٱلنَّاسَ إِلْحَافاً } ، يحتمل وجهين : يحتمل : لا يظهرون السؤال ، أي : لا يسألون ؛ كقوله تعالى : { وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ } [ البقرة : 123 ] ، أي : لا يشفع لهم . ويحتمل : فإن كان على السؤال فإنهم إذا سألوا لم يلحفوا ، دليله قوله صلى الله عليه وسلم : " من فتح على نفسه باباً من المسألة ، فتح الله عليه سبعين بابا من الفقر " ثم ذكر في الخبر : " من استغنى أغناه الله ، ومن استعف أعفه الله " وإن كان على التعريض ، ففيه إباحة التعريض بين يدي أهل الجود والسخاء . وقوله تعالى : { تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ ٱلنَّاسَ إِلْحَافاً } : قيل : { بِسِيمَاهُمْ } ، يعني : سيما التخشع . وقيل : { بِسِيمَاهُمْ } : بسيما الفقر عليهم ، { لاَ يَسْأَلُونَ ٱلنَّاسَ إِلْحَافاً } يعني : إلحاحا . وقيل : { تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ } ، أي : بتجملهم ، { لاَ يَسْأَلُونَ ٱلنَّاسَ إِلْحَافاً } ، أي : إلحاحاً ، ولا غير إلحاح . وقوله تعالى : { ٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } : قيل : هي النفقة على الخيل المحتبسة للجهاد ، ينفقون ليلاً ونهاراً ، سرّاً وعلانية ، لا رياء فيها ، ولا إضمار . وعن علي وأبي أمامة الباهلي - رضي الله تعالى عنهما - : هي النفقة على الخيل في سبيل الله . وعن ابن عباس - رضي الله تعالى عنه - أنه قال : هي في علف الخيل والنفقة عليها . وقيل : نزلت هذه الآية في نفقة عبد الرحمن بن عوف في جيش العسرة . وقيل : " نزلت في علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه - أنه لم يكن يملك من المال غير أربعة دراهم ، وتصدق بدرهم ليلاً ، وبدرهم نهاراً ، وبدرهم سرّاً ، وبدرهم علانية ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما الذي حملك على هذا ؟ " قال : حملني أن أستوجب على الله الذي وعدني ؛ فنزلت فيه هذه الآية " . وقيل : نزلت في ثابت بن قيس بن شماس الأنصاري . فلا ندري فيمن نزلت ، وليس لنا إلا معرفة المنزل [ في ] شأنه حاجة سوى أن وصفهم بالجود والسخاء ، ونفقتهم على الناس ليلاً ونهاراً سرّاً وعلانية ، لا رياء فيها ، ولا مَنَّ ، ولا أذى . وفيه نفي الرياء عن نفقتهم ؛ لأن من عود نفسه الفعل في جميع الأوقات لم يراء . وقوله تعالى : { وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } ؛ لأن نعيم الدنيا مشوب بالحزن والخوف ، فأخبر عز وجل أن نعيم الآخرة لا يشوبه حزن ولا خوف ؛ لذلك كان ما ذكر . والله تعالى أعلم .