Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 60-61)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { وَإِذِ ٱسْتَسْقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا ٱضْرِب بِّعَصَاكَ ٱلْحَجَرَ } . يعني : طلب الماء لقومه عند حاجتهم إليه ؛ فأَوحى الله - تعالى - إليه : أَن اضرب بعصاك الحجر . قد ذكرنا فيما تقدم : أَن الله - عز وجل - قد أَراهم منْ عَصَاهُ آيات عجيبة ، من نحو الثعبان الذي كان يتلقف ما يأْفكون ؛ كقوله : { فَأَلْقَىٰ مُوسَىٰ عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ } [ الشعراء : 45 ] ، وقوله : { فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ } [ الشعراء : 32 ] . ومن ضربه البحر بها حتى انفلق ؛ كقوله : { فَٱنفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَٱلطَّوْدِ ٱلْعَظِيمِ } [ الشعراء : 63 ] . ومن ضربه الحجر بها ، وانفجار العيون منه ، وغير ذلك من الآيات مما يكثر ، ذكرها عز وجل من آيات رسالته ، وآيات نبُوته . وفيما أرى منها ، من عجيب آياته : دلالةُ حدوث العالم وإبداعه ، لا من شيء ؛ لأَنه - عز وجل - قد أَخرج بلطفه ، من حجر يصغر في نفسه - مما يحمل من مكان إلى مكان - من الماءِ ما يكفي لخلق لا يحصى عددهم إلا الله ، وفجر منه أَنهاراً ، لكل فريق نهر على حدة . ثم لا يحتمل : كون ذلك الماءِ بكليته فيه ، لصغره وخفته ، ولا كان ينبغي ذلك من أَسفله . فإذا كان هذا كما ذكرنا ظهر أن الله - عز وجل - كان ينشىء ذلك الماء فيه ، ويحدث من لا شيء ؛ لأَن ذلك الحجر لم يكن من جوهر الماءِ ، ولا من أَصله . فإذا كان قادراً على هذا فإنه قادر على إنشاءِ العالم من لا شيء سبق ، ولا أَصل تقدم . وكذلك ما أَراهم - عز وجل - من العصا : الثعبان والحية ، لم يكونا من جوهرها ، ولا من أَصلها ، ولا تولدها منها ، بل أَنشأَ ذلك وأَبدع ، بلطفه . والله الموفق . وقوله : { فَٱنفَجَرَتْ مِنْهُ ٱثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً } . قيل : كانوا اثني عشر سبطاً ؛ لقوله : { ٱثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً } [ المائدة : 12 ] وهم بنو يعقوب ؛ فجعل لكل سبط نهراً على حدة ، فانظم كل فريق إلى أبيهم الذي كانوا منه ، ولم ينضموا إلى أَعمامهم وبني أعمامهم . ففيه دلالة : أَن المواريث لا تصرف إلى غير الآباءِ إلا بعد انقطاع أَهل الاتصال بالآباءِ . وفيه دلالة : أَن القوم في الصحارى والبوادي ينزلون مجموعين غير متفرقين ، ولا متباعدين بعضهم من بعض بحيث يكون بعضهم عوناً لبعض وظهيراً ؛ لأَنهم نزلوا جميعاً في موضع واحد ، مجموعين - مع كثرتهم وازدحامهم - غير متفرقين ولا متباعدين ، وإن كان ذلك أنَفع لهم ، وأَهون عليهم ، من جهة الرعي والربع وسعة المنازل . وفي الأَول : سبق المعنى الذي وصفنا ، والله أعلم . وقوله : { قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ } . أي : موردهم . وفيه دلالة قطع التنازع ، ودفع الاختلاف من بينهم ؛ لما بين لكل فريق منهم مورداً على حدة . ولو كان مشتركاً لخيف وقوع التنازع والاختلاف بينهم ، وفي وقوع ذلك بينهم قطع الأَنساب والأَرحام ، وبالله التوفيق . وقوله : { كُلُواْ } . يعني : المنَّ والسلوى . وقوله : { وَٱشْرَبُواْ } من رزق الله ، من الماءِ الذي أَخرج لهم من الحجر ، وكلاهما رزق الله ، الذي ساقه إليهم ، من غير تكلف ولا مشقة . وقوله : { وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي ٱلأَرْضِ مُفْسِدِينَ } . قيل : لا تسعوا في الأرض بالفساد . ويحتمل : لا تعثوا ، أَي : لا تفسدوا ؛ لأن العُثُوَّ هو الفساد نفسه ، كأَنه قال : لا تفسدوا في الأرض ؛ فتكونوا مفسدين . وقوله : { وَإِذْ قُلْتُمْ يَٰمُوسَىٰ لَن نَّصْبِرَ عَلَىٰ طَعَامٍ وَاحِدٍ } . قيل فيه بوجوه : قيل : أَول ما أنزل المن ، فعند ذلك قالوا : لن نصبر على طعام واحد ، ثم أَنزل السلوى . وقيل : كانوا يتخذون من المن القُرَص ، فيأْكلون مع السلوى ، فهو طعام واحد ؛ فقالوا : لن نصبر عليه . ويحتمل : أَن يكون طعامهم في اليوم مرة ؛ فطلبوا الأَطعمة المختلفة . والله أعلم . وقوله : { فَٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ ٱلأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا } . قال : يبين لنا معنى إضافة خصوصية الأشياءِ إلى الله - عز وجل - يخرج مخرج التعظيم لذلك الشيء المخصوص ، من ذلك : بيت الله ، ورسول الله ، وناقة الله ، هذا كله يخرج مخرج التعظيم لهذه الأَشياءِ . وإضافة كلية الأشياءِ إلى الله تعالى يخرج مخرج تعظيم الرب وإجلاله ، نحو ما قال : { رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ } [ الأنعام : 164 ] ، و { خَٰلِقُ كُلِّ شَيْءٍ } [ الرعد : 16 ، الأنعام : 102 ، الزمر : 62 ، غافر : 62 ] ، و { رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } [ الرعد : 16 ، الأنبياء : 56 ] ، و { خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ } [ الأنعام : 1 ، الأعراف : 54 ، يونس : 3 ] ونحوه . هذا كله وصف تعظيم الرب وأجلاله . وقد اختلف في " الفوم " : قيل : الفوم هو الثوم ، وكذلك رُوِي في قراءة عبد الله أَنه قرأَه : وثومها . وقيل : الفوم البر . وقوله : { أَتَسْتَبْدِلُونَ ٱلَّذِي هُوَ أَدْنَىٰ بِٱلَّذِي هُوَ خَيْرٌ } . قيل فى " أدنى " بوجوه : قيل : أَدنى في القيمة . وقيل : أَدنى في الخطر والرغبة . وقيل : أدنى في المنافع . وقيل : أَدنى ؛ لما لا يصل هذا إليهم إلا بالمؤنة والمشقة ، وذلك لهم بلا مؤنة ولا مشقة ؛ فهو خير . وكل يرجع إلى واحد ، والله أَعلم . ويحتمل : أَدنى ، أَي : أَدْوَن وأَقل ، ولا شك أَن ما طلبوا ، وسَأَلوا دون الذي كان لهم . ويحتمل : { أَتَسْتَبْدِلُونَ ٱلَّذِي هُوَ أَدْنَىٰ بِٱلَّذِي هُوَ خَيْرٌ } : قد أعطوا . ولو كان ذلك أَصلح لهم في الدين ، لم يكن موسى ليلومهم عليه . ثبت أنه لم يكن ، ثم أعطوا ذلك . ثبت أَن الله تعالى قد يجوز له - في الحكمة - فعل ما كان غيره أَصلح لهم في الدين ، ولا قوة إلا بالله . وقوله : { ٱهْبِطُواْ مِصْراً } . قيل : المصر المعروف . وقيل : مصر من الأَمصار ؛ لأَن ما طلبوا لا يوجد إلا في الأَمصار ، وبالله التوفيق . وقوله : { فَإِنَّ لَكُمْ مَّا سَأَلْتُمْ } . من الأَطعمة المختلفة إن كان المراد منه المراد ، وإن كان الأَطعمة المختلفة فَهو كما قال . وقوله : { وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلذِّلَّةُ } . قيل فيه بوجوه : قيل : الذلة : ذلة احتمال المؤنة والشدائد ؛ لما سأَلوا من الأَطعمة المختلفة . وقيل : الذلة : ذلة الجزية والصغار ؛ بعصيانهم ربَّهم . وقيل : ذلة الكسب والعمل ؛ لأَن الأَول كان يأْتيهم من غير كسب ولا مؤنة . وقوله : { وَٱلْمَسْكَنَةُ } . قيل : هي الفقر والحاجة . وقيل : قطعُ رجائهم من الآخرة ، ؛ لم عصوا ربهم . وقوله : { وَبَآءُو بِغَضَبٍ مِّنَ ٱللَّهِ } . قيل : فيه بوجوه : قيل : باءُوا : رجعوا . وقيل : استوجبوا . وقيل : أَقَروا ، وكله يرجع إلى واحد . وقوله : { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ } . قد ذكرنا فيما تقدم : أَن الآيات ، هي الحجج التي أَعطى الرسل ، وأَجراها على أيديهم . وقال الحسن : هي دين الله . وقوله : { وَيَقْتُلُونَ ٱلنَّبِيِّينَ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ ذٰلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ } . يحتمل : أن يكون هذا في غيرهم ؛ لأَنه لم يكن في زمن موسى نبي سوى هارون ، وهم لم يقتلوه . إلا أَن يقال : إن ذلك كان من أولادهم بعد موسى . أو كان ذلك من غيرهم سوى هؤلاء وأَولادهم . على أَن قتل الأَنبياء في بني إسرائيل كان ظاهراً ، حتى قيل : قتل في يوم كذا كذا نبيّاً . ولم يذكر قتل رسول من الرسل ، وذلك - والله أعلم - لقوله : { إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا } [ غافر : 51 ] ، ولقوله : { إِنَّهُمْ لَهُمُ ٱلْمَنصُورُونَ } [ الصافات : 172 ] أَخبر أَنه ينصرهم ، وأَنهم منصورون ومن كان الله ناصره فهو المنصور أَبدا . ولأَن الرسل هم الذين أُوتوا الآيات المعجزة ؛ فلم يكن لهم استقبال الرسل بذلك للآيات التي كانت معهم . وأما الأَنبياء ، فلم يكن معهم تلك الآيات المعجزة ، وإنما كانوا يدعون الخلق إلى دين الله بالآيات التي كانت للرسل ، والحجج التي كانت معهم ؛ لذلك كان ما ذكر ، والله أعلم . قال قوم : لم يقتل أَحد من الرسل ، وإنما قتل الأَنبياء ، أَو رسل الرسل . فإن كان كذلك فعلى ذلك يخرج ما ذكرنا من الآيات . وإن لم يكن فالنصر كان بالحجج والآيات ؛ فكانت تلك للكل . وعلى ذلك : لا دلالة في كون الآيات مع الأَنبياء ، وغير كونها ، فإن لم يكن لهم ابتداء شرع ، ولا نسخ ، بل على الدعاء إلى ما سبق من الشرائع وكانت آياتهم كآيات الرسل ، أَو دلالات العصمة ، مع ما كان بهم حفظ الكتب السماوية بلا تبديل . والله أَعلم بالحق في ذلك ، ونعتصم بالله عن بسط اللسان في ذلك ، بالتدبير ، دون شيء ظهر على أَلسن الرسل ، أَو القول فيهم بشيء إن كانت آية لكل ، أَوْ لا . لكن الله تعالى قد أَقام حجته لكلٍّ على قدر الكفاية والتمام .