Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 75-79)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ } . قيل : الآية - وإن خرجت على عموم الخطاب - فالمراد منها الخصوص ، وهو الرسول صلى الله عليه وسلم . وإلى هذا يذهب أَكثر أَهل التفسير . وقيل : المراد منها - بعموم الخطاب - العموم ؛ يعني : النبيَّ صلى الله عليه وسلم ، وأَصحابه ؛ وكأَنها خرجت على النهي عن طمع الإيمان منهم ، كأَنه قال : لا تطمعوا في إيمانهم . كقوله : { أَفَأَنتَ تُنقِذُ مَن فِي ٱلنَّارِ } [ الزمر : 19 ] ؛ أي : لا تُنقذ . وكقوله : { أَفَأَنتَ تُسْمِعُ ٱلصُّمَّ } [ الزخرف : 40 ] ؛ أَي : لا تسمع الصم . وقوله : { وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ ٱللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ … } الآية . لقائلٍ أن يقول : أَليس فيما كان فريقٌ منهم يسمعُون كلام الله ثم يحرفونه ما يجب أَن يدفع الطمع عن إيمان هؤلاء ؟ فهو - والله أعلم - لوجهين : أَحدهما : أَنهم كانوا أصحاب تقليد ؛ كقوله : { إِنَّا وَجَدْنَآ ءَابَآءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ ءَاثَارِهِم مُّهْتَدُونَ } [ الزخرف : 22 ] . فأَخبر - عز وجل - أَن هؤلاء - وإن رأَوْا الآيات العجيبة - فإنهم لا يؤمنون أَبداً ؛ لأَنهم أَصحاب تقليد ، لا ينظرون إلى الحجج والآيات . والثاني : أَنهم - معَ كثرة ما عاينوا من الآيات ، وشاهدوا من العجائب في عهد رسول الله موسى صلى الله عليه وسلم - لم يطمع في إيمانهم ، فيكف طمعتم أَنتم في إيمان هؤلاء ، وهم أَتباعهم ؟ والله الموفق . ولهذا وجهان آخران : أحدهما : كأَنه قال : لا تطمع في إيمانهم ؛ لأَنهم - في علم الله على ما عليه من ذكر . والثاني : لأن أولئك كانوا خيراً من هؤلاءِ ، وأَرغبَ في الحق منهم ، ثم لم يؤمنوا مع سماع الحجج ، وما يجب به الإيمان ، فكيف تطمع في إيمان هؤلاء ؟ وقوله : { ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } . أنه من عند الله ، ويعلمون أَنه رسول الله ، وأَنه حقّ . وقوله : { وَإِذَا لَقُواْ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ قَالُوۤاْ آمَنَّا } . فقد ذكرنا فيما تقدم أَنها في المنافقين نزلت . وقوله : { وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ } . يحتمل وجهين : يحتمل : خلا بعض المنافقين إلى بعض ، قالوا : أَتحدثونهم بكذا . ويحتمل : خلاء المنافقين إلى اليهود . وقوله : { قَالُوۤاْ أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ } . قيل : فتح الله ؛ قصَّ الله . وقيل : فتح الله ؛ بيَّن الله . وقيل : فتح الله ؛ قضى الله . وقيل : منّ الله عليكم في التوراة . وكله يرجع إلى واحد . وقوله : { لِيُحَآجُّوكُم بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ } . أي : باعترافكم عند هؤلاءِ . ويحتمل : على إضمار رسول الله صلى الله عليه وسلم كأَنه قال : ليحاجوكم بإقراركم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم . ويحتمل : على معنى ليحاجوكم به عند ربكم أي في ربكم ؛ إذ العرب تستعمل حروف الخفض بعضها في موضع بعض . ويحتمل : عند ربكم ، أَي : يوم القيامة . ويكون ليحاجوكم بما عند الله ؛ أَي : بالذي جاءكم من عند الله . لكن لقائل أَن يقول : ما معنى ذكرِ المحاجَّةِ عند ربكم ، والمحاجةُ يومئذٍ لا تكون إلا عنده ، ولا تكون ليحاجوكم بها عند الله ؛ أَي : بالذي جاءَكم من عند الله ؟ قيل : لأَن ذلك أَشد إِظهاراً ، وأَقلّ كتماناً ؛ لما سبق منهم الإِقرارُ بذلك ؛ لذلك نهوا عن ذلك ، لأَنهم كانوا يَنْهوْن أولئك عن الإِقرار بالإِيمان عند المؤمنين ، وإظهار ما في التوراة من بَعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وَصِفته . وقوله : { أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } . أَنَّ هذه حجةٌ لهم عليكم ، حيث تعترفون به ، وتظهرون نعته وصفته ثم لا تبايعونه . ويحتمل : { أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } أَنه حق . وقوله : { أَوَلاَ يَعْلَمُونَ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ } . قيل : { مَا يُسِرُّونَ } في الخلوة ؛ من الكفر به والتكذيب له { وَمَا يُعْلِنُونَ } لأصحابه ؛ من التصديق له والإِيمان به . وقيل : { مَا يُسِرُّونَ } من كتمان نعته وصفته . { وَمَا يُعْلِنُونَ } من إظهار نعته وصفته الذي في التوراة . ويحتمل : ما يُسِرُّ هؤلاءِ لهم من النهي عن إظهار ما في التوراة ، وما يُعْلِنُ هؤلاء للمؤمنين من إظهار نعته وصفته ، والله أعلم . وقوله : { وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ ٱلْكِتَابَ } . يقول : مِنَ اليهود من لا يقرأ التوراة ولا يعرفها ، إلا أَن يحدثهم العلماء والرؤساء عنها . والأُمِّيُّ : الذي لا يكتب ، ولا يقرأ عن كتابة ، لكنه يقرأ لا عن كتابة ، كالنبي صلى الله عليه وسلم ، كان لا يكتب ، ولا يقرأ عن كتابة ؛ كقوله : { وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ } [ العنكبوت : 48 ] . ويقال أَيضاً : الذي لا يقرأ ولا يكتب ، لا عن كتابة ، ولا ؛ غير كتابة . وقوله : { إِلاَّ أَمَانِيَّ } . قيل : أَحاديث باطلة يحدث لهم ، وهو قول ابن عباس . وقيل : إلا أَمانيّ ، يعني إلا كذباً . وقال الكسائي : إلا أَماني : إلا تِلاوة ؛ كقوله : { إِلاَّ إِذَا تَمَنَّىٰ أَلْقَى ٱلشَّيْطَانُ فِيۤ أُمْنِيَّتِهِ } [ الحج : 52 ] يعني : في تلاوته . وقوله : { وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ } ، يقول : ما هم إلا ظن يظنون في غير يقين . وأَصله : أَي لا يعلمونَ علم الكتاب ، إنما عندهم أَمانيُّ النفس وشهواتها ؛ كقوله : { لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلاۤ أَمَانِيِّ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ } [ النساء : 123 ] . وقوله : { فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ ٱلْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـٰذَا مِنْ عِنْدِ ٱللَّهِ } . قيل : الويلُ : الشدةُ . وقيل : الويلُ : وادٍ في جهنم . وقيل : الويل : هو قول كلِّ مكروب وملهوف يقول : ويلٌ له بكذا . وقوله : { يَكْتُبُونَ ٱلْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ } يحتمل وجهين : يحتمل : يكتبون : يمحون نعته ، وصفته عن التوراة . ويحتمل : يكتبون : يُحْدثون كتابة ، على خلاف نعته وصفته ، ثم يقولون : هذا من عند الله ؛ فتكون الكتابة في هذا إثباتاً ؛ كقوله : { كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلإِيمَانَ } [ المجادلة : 22 ] ، والمثبت : هو ذلك الملحق ليظن أنه كذلك في الأَصل . وقوله : { لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً } . قد ذكرنا هذا فيما تقدم . وقوله : { فَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ } . ذكر لهم ثلاث ويلاتٍ : ويل ؛ بإِحداث كتابة ببعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ومحوه وتغييره . والثاني : بقولهم : هذا من عند الله . والثالث : وويل لهم مما يكسبون من المأْكلة والهدايا .