Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 92-96)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { وَلَقَدْ جَآءَكُمْ مُّوسَىٰ بِٱلْبَيِّنَاتِ ثُمَّ ٱتَّخَذْتُمُ ٱلْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ } . والبينات : ما ذكرنا - فيما تقدم - من الآيات المعجزة ، والحجج العجيبة ، والبراهين الظاهرة على رسالته ونبوته ، وصدق ما يدعوهم إليه ، مما يدل كله أَنه من عند الله . ثم - مع ما جاءَهم موسى بها - عبدوا العجل واتخذوه إلهاً ، وكفروا بالله . يُعَزِّي نبيه صلى الله عليه وسلم ؛ لئلا يظن أَنه أَول مُكذَّب من الرسل ، ولا أَول من كُفِر به ؛ حتى لا يضيق صدره بما يقولون ، ويستقبلونه بما يكره ، وبالله التوفيق . كقوله : { وَكُـلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ ٱلرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ } [ هود : 120 ] . وقوله : { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ ٱلطُّورَ خُذُواْ مَآ ءَاتَيْنَٰكُم بِقُوَّةٍ } . قد ذكرنا هذا فيما تقدم ما فيه مقْنع ، إن شاءَ الله تعالى . وقوله : { وَٱسْمَعُواْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا } . يحتمل وجهين : يحتمل : اسمعوا ، أَي : أَجيبوا . ويحتمل : اسمعوا : أَطيعوا ، لكن هذا فيما بين الخلق جائز السمع والطاعة . وأََما إِضافة الطاعة إلى الله - عز وجل - فإِنه غير جائز ؛ إذ لا يجوز أَن يقال : أَطاع الله . وأَما السمع فإنه يجوز ؛ لقوله : " سمع الله لمن حمده " . { قَالُواْ سَمِعْنَا } قولك ، { وَعَصَيْنَا } أَمرك . لكن قولهم : { وَعَصَيْنَا } لم يكن على أثر قولهم : { سَمِعْنَا } ، ولكن بعد ذلك بأَوقات ؛ لأَنه قيل : لما أَبوا قبول التوراة ؛ لما فيها من الشدائد والأَحكام ، رفع الله الجبل فوقهم ، فقبلوا ؛ خوفاً من أَن يرسل عليهم الجبلَ ، وقالوا : أَطعنا ، فلما زايل الجبل ، وعاد إلى مكانه ، فعند ذلك قالوا : { وَعَصَيْنَا } ، وهو كقوله : { ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِّن بَعْدِ ذٰلِكَ } [ البقرة : 64 ] فالتولي منهم كان بعد ذلك بأَوقات . وقوله : { وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ } . قيل : أُشربوا ، أَي : جُعل في قلوبهم حبُّ عبادة العجل بكفرهم بالله عز وجل . وقيل : سُقُوا حُبَّ العجل . وقيل : إِن موسى لما أَحرق العجل ، ونسفه في البحر جعلوا يشربون منه لحبهم العجل . وقيل : لما أَحرق ونسف في البحر جعلوا يلحسون الماء حتى اصفرت وجوههم . وقيل : إنهم لما رأوا في التوراة ما فيها من الشدائد ، قالوا عند ذلك : عبادةُ العجل علينا أَهون مما فيها من الشرائع . وكله يرجع إلى واحد ، وذلك كله آثار الحب . وقوله : { قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ } . قيل : قل يا محمد : بئسما يأْمركم إيمانكم بالعجل الكفرَ بالله عز جل . وقيل : إن اليهود ادعوا أَنهم مؤمنون بالتوراة ؛ فقال : { بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ } أي بالتوراة ؛ إذ كفرتم بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وقد وجدتم فيها نعته وصفته . وقوله : { قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ ٱلدَّارُ ٱلآخِرَةُ عِندَ ٱللَّهِ خَالِصَةً مِّن دُونِ ٱلنَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ ٱلْمَوْتَ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ } . وذلك أَن أَعداءَ الله - تعالى - كانوا يقولون : إن الجنة لنا في الآخرة ، بقولهم { لَن يَدْخُلَ ٱلْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَىٰ } [ البقرة : 111 ] ، وكقولهم : { كُونُواْ هُوداً أَوْ نَصَارَىٰ تَهْتَدُواْ } [ البقرة : 135 ] ، وكقولهم : { نَحْنُ أَبْنَاءُ ٱللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ } [ المائدة : 18 ] ؛ فقال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : قل لهم : إن كانت لكم الدار الآخرة - كما تزعمون - وأَنكم أَبناءُ الله وأَحباؤه - كما تقولون - { فَتَمَنَّوُاْ ٱلْمَوْتَ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ } . وذلك أَن المرء لا يكره الانتقال إلى داره ، وإلى بستانه ، بل يتمنى ذلك ، وكذلك المرءُ لا يكره القدوم على أبيه ، ولا على ابنه ، ولا على حبيبه ، ولا يخاف نقمته ولا عذابه ، بل يجد عنده الكرامات والهدايا . فإن كان كما تقولون ، فتمنوا الموت ؛ حتى تنجوا من غم الدنيا ، ومن تحمل الشدائد التي فيها إن كنتم صادقين في زعمكم : بأَن الآخرة لكم ، وأَنكم أَبناءُ الله وأَحباؤه . فإن قيل : إنكم تقولون : إن الآخرة للمؤمنين ، ثم لا أَحد منهم يتمنى الموت إذا قيل له : تمنّ الموت ، فما معنى الاحتجاج عليهم بذلك ، وذلك على المؤمنين كهو عليهم ؟ قيل : لوجهين : أَحدهما : أَن المؤمنين لم يجعلوا لأَنفسهم من الفضل والمنزلة عند الله ما جعلوا هم لأَنفسهم ؛ فكان في تمنيهم صدقُ ما ادعَوْا لأَنفسهم ، وفي الامتناع عن ذلك ظهورُ صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم . والثاني : ما ذكرنا أَنهم ادعوا : أَنهم أَبناءُ الله وأَحباؤه ، وفي تمنيهم الموت ردهم ، وصرفهم إلى الحبيب ، والأَب الذي ادعوه ، ولا أَحد يرغب وينفر عن حبيبه وأَبيه ؛ فدل امتناعهم عن ذلك : على كذبهم في دعاويهم . وبالله نستعين . فإن سأَلونا عن قوله : { فَتَمَنَّوُاْ ٱلْمَوْتَ } أنهم إذا تمنوا ليس كان انقضاء عمرهم بدون الأَجَل الذي جعل لهم ، وفي ذلك : تقديم الآجال عن الوقت الذي كان أَجَلا ، وقال الله تعالى : { لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ } [ الأعراف : 34 ] . قيل : إن الله علم منهم - في سابق علمه ، وأَزليته - أَنهم لا يتمنون جعل أَجلهم ذلك . ولو علم منهم أَنهم يتمنون الموت لكان يجعل أَجلهم ذلك في الابتداءِ ، وكذلك هذا الجواب ؛ لما روي : " أَن صلة الرحم تزيد في العمر " . إنه كان كذلك يحتمل في الابتداءِ ، لا أَن يجعل أَجله إلى وقت ، ثم إذا وصل رحمه يزيد على ذلك الأَجل أَو ينقص ، فيتمنى الموت عن الأَجل المجعول المضروب له ، وبالله التوفيق . وقوله : { وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً } . فيه دلالة إِثبات رسالة محمد صلى الله عليه وسلم ، وذلك أَنه أَخبر - عز وجل - أَنهم لا يتمنون أَبداً ، فكان كما قال ؛ فدل أَنه من عند الله علم ذلك . وقوله : { بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ } . من الذنوب ، والعصيان ، والتكذيب بمحمد صلى الله عليه وسلم ، والحسد له . وهم - والله أعلم - قد عرفوا عن صنيعهم ، وما لهم من عند الله من العذاب والجزاءِ ، لكنهم قالوا ذلك ؛ على التعنت ، والمكابرة ، والسفه ؛ لذلك لم يتمنوا ، والله الموفق . وقوله : { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلظَّالِمينَ } . هو على الوعيد ؛ كقوله : { وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ ٱلظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ } [ إبراهيم : 42 ] . ويحتمل : عليم بالظالمين ؛ بما يفضحهم بالحجج ، ويُظهر كذبهم في الدنيا ؛ لئلا يظن أحد أَنه عن غفلة بما يعملون ، بل خلقهم على علم منه بما يعملون . خلقهم ؛ ليعلم أنه لا لنفع له بخلقهم خلَقَهم ، وأَن ذلك لا يضره . وقوله : { وَلَتَجِدَنَّهُمْ } يعني اليهود . { أَحْرَصَ ٱلنَّاسِ عَلَىٰ حَيَاةٍ } . وعلى كراهية الموت . فدل حرصهم على حياة الدنيا أَنهم كذبة فيما يزعمون ويدعون . وقوله : { وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ ٱلْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ } . يعني : المجوس . أي : هم أحرص الناس على حياة الدنيا من المجوس ؛ لأَن المجوس لا يؤمنون بالبعث ولا بالقيامة ، وهم يؤمنون بها ؛ فهم - مع إيمانهم بالبعث ، وتصديقهم بالقيامة - أَحرص على حياة الدنيا من المجوس الذين لا يؤمنون بالبعث ولا بالقيامة . وقيل : إِنَّه على الابتداءِ . ولا يتنافى بقول : { وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ } يعني : المجوس { يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ } ؛ لأنهم يقولون فيما بينَهم : أَلف سنة تأْكل النيروز والمهرجان ، ويقولون بالفارسية : هزار ساله بزه . فأَخبر الله - تعالى - أَن طول العمر في الدنيا لا ينجيه من العذاب في الآخرة ، ولا يباعده عنه . وهو قوله : { وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ ٱلْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ } ، وهو كقوله : { أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَآءَهُم مَّا كَانُواْ يُوعَدُونَ * مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يُمَتَّعُونَ } [ الشعراء : 205 - 207 ] . وقوله : { وَٱللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ } . هو على الوعيد أيضاً .