Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 20, Ayat: 105-112)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً } . يشبه أن يكون سؤالهم عن أحوال الجبال في ذلك اليوم لما بين أحوال الناس في الساعة بقوله : { إِنَّ زَلْزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّآ أَرْضَعَتْ … } الآية [ الحج : 1 - 2 ] ، وكقوله : { وَتَرَى ٱلنَّاسَ سُكَارَىٰ … } الآية [ الحج : 2 ] ، وصف لهم أحوال الخلق في ذلك اليوم ، ولم يصف أحوال الجبال والأرض ، فعند ذلك سألوه عن أحوال الجبال ، فأمر رسوله أن يخبرهم بما ذكر أنه { يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً } ، وما ذكر أيضاً في آية أخرى : { هَبَآءً مَّنثُوراً } [ الفرقان : 23 ] ، { كَٱلْعِهْنِ ٱلْمَنفُوشِ } [ القارعة : 5 ] ، { كَٱلْفَرَاشِ ٱلْمَبْثُوثِ } [ القارعة : 4 ] ونحوه ، فجائز أن يكون ذلك على اختلاف الأحوال ، وقد ذكرناه فيما تقدم . وقوله - عز وجل - : { فَيَذَرُهَا قَاعاً صَفْصَفاً * لاَّ تَرَىٰ فِيهَا عِوَجاً وَلاۤ أَمْتاً } . قال بعضهم : { قَاعاً صَفْصَفاً } أي : مستوية ، والقاع والصفصف واحد . وقال بعضهم : هي الأرض الملساء التي لا نبات فيها ولا زرع . وقوله : { لاَّ تَرَىٰ فِيهَا عِوَجاً وَلاۤ أَمْتاً } قيل : لا واديا ولا أمتا ولا رابية . وقال بعضهم : العوج : الارتفاع ، والأمت : الهبوط . وقال بعضهم : العوج : أَحْناء الأودية ، والأمت : التلال . وقيل : لا انخفاضاً ولا ارتفاعاً ، والقاع الصفصف : هو تفسير { لاَّ تَرَىٰ فِيهَا عِوَجاً وَلاۤ أَمْتاً } ، و { لاَّ تَرَىٰ فِيهَا عِوَجاً وَلاۤ أَمْتاً } تفسير قوله : { قَاعاً صَفْصَفاً } . وقوله - عز وجل - : { يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ ٱلدَّاعِيَ لاَ عِوَجَ لَهُ } : لا خلاف له ، ليس كالداعي في الدنيا منهم من يطيعه ويجيبه ومنهم من لا يطيعه ولا يجيبه ، فأخبر أنهم في الآخرة يجيبون الداعي في أي حال كانوا لا يخالفونه . وقوله - عز وجل - : { وَخَشَعَتِ ٱلأَصْوَاتُ } : لا تخشع ، لكن تنخفض وتلين عند خوف أهلها ، وترتفع عند الأمن . أو أن يكون خشوع الأصوات كناية عنهم ، أي يخشعون ويذلون لشدة فزعهم لأهوال ذلك اليوم . وقوله - عز وجل - : { فَلاَ تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْساً } . قيل : الهمس : الكلام الخفي الذي لا يكاد يسمعه . وقيل : رفع الأقدام ونقلها وهو تحريكها . قال أبو عوسجة : { يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ } [ طه : 103 ] ، أي : أخفى صوته . وقوله : { أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً } أي : أفضلهم . فأمّا { قَاعاً صَفْصَفاً } ، قال : القاع : الأرض الصلبة التي لا شيء فيها ، والصفصف : المستوية ، والصفاصف جمع ، والقيعان : جمع القاع ، و { عِوَجاً وَلاۤ أَمْتاً } الأمت : هو العوج وهو التل . وقوله - عز وجل - : { وَخَشَعَتِ ٱلأَصْوَاتُ } ، أي : سكنت [ { فَلاَ تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْساً } ] ، والهمس : الخفى . وقوله - عز وجل - : { لاَّ تَنفَعُ ٱلشَّفَاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً } . هذا يحتمل وجهين : أحدهما : لا تنفع الشفاعة ، ليس أن يكون لهم الشفاعة فلا تنفع ، ولكن لا شافع لهم إلا من أذن له الرحمن بالشفاعة أنه لا أحد يتكلم يومئذ إلا بإذنه ، فضلا أن يؤذن لأحد بالشفاعة ؛ كقوله : { لاَّ يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ } [ النبأ : 38 ] يقول : الشفاعة أنه لا أحد يتكلم يومئذ إلا بإذنه فضلا ، وقال : صوابا . والثاني : لا تنفع الشفاعة إلا من وفق له بما يستوجب الشفاعة له ورضي له قولا وسأله ذلك ، وهو قول الشهادة والتوحيد . فيرجع أحد التأويلين إلى الشفعاء : أنه لا أحد يشفع لأحد إلا بإذنه ورضاه بالقول : قول الشفاعة ، والثاني : يرجع إلى المشفوع له : أنه لا أحد يستوجب شفاعة إلا من وفق له الرحمن في الدنيا بالتوحيد وشهادة الإخلاص ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ } . يحتمل قوله : { مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ } قبل أن يخلقوا ، { وَمَا خَلْفَهُمْ } بعد ما خلقوا وكانوا . أو أن يكون قوله : { مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ } : ما قدموا من الأعمال ، { وَمَا خَلْفَهُمْ } : من بعدهم . أو أن يكون قوله : { مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ } كناية عن الخيرات ، أي : لا يعلم ما يعملون من الخيرات ، { وَمَا خَلْفَهُمْ } من الشرور ، وما نبذوا وراء ظهورهم . وجائز أن يكون المراد من البين والخلف : الأحوال كلها ، أي : عالم بجميع أحوالهم وبكل شيء يكون منهم ، وهو كقوله : { لاَّ يَأْتِيهِ ٱلْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ } [ فصلت : 42 ] أي : لا يأتيه الباطل ألبتة ؛ لأنه ليس للقرآن بين ولا خلف ، ولكن المراد ما ذكرنا ، فعلى ذلك الأول . وجائز أن يكون المراد منه : ليس البين ولا الخلف ، ولكن إخبار عن إحاطة علمه بهم ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً } . هذا يحتمل وجهين : لا يحيطون بالله علما ، ولكن إنما يعرفونه على ما تشهد لهم الشواهد من خلقه ؛ لأن الخلق إنما يعرفون ربهم من جهة ما يشهد ويدل لهم من الدلالات من خلقه ، والإحاطة بالشيء إنما تكون فيما كان سبيل معرفته الحس والمشاهدات ، فأما ما كان سبيل معرفته الاستدلال فإنه لا يحاط به العلم . والثاني : لا يحيطون به علما ، أي : بعلمه ؛ كقوله : { وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَآءَ } [ البقرة : 255 ] ؛ وكقوله : { عَٰلِمُ ٱلْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَداً * إِلاَّ مَنِ ٱرْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ … } الآية [ الجن : 26 - 27 ] . وقوله - عز وجل - : { وَعَنَتِ ٱلْوُجُوهُ لِلْحَيِّ ٱلْقَيُّومِ } . قيل : { عَنَتِ } : ذلت وخضعت الوجوه . وجائز أن يكون ذكر [ الوجوه ] كناية عن أنفسهم ؛ لما بالوجوه يظهر الذلة والخضوع ، فكنى بها عنهم . فإن كان ما أخبر من خضوعهم وذلهم في الآخرة ، فهو على ما أخبر من خضوع الخلائق له في الآخرة . وإن كان بعضهم يتكبر في الدنيا ، وإن كان في الدنيا فهو على خضوع الخلقة له خضعت خلقة الخلائق كلهم له . وقوله : { لِلْحَيِّ ٱلْقَيُّومِ } قد ذكرنا تأويل الحي القيوم فيما تقدم . وقوله - عز وجل - : { وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً } . أي : قد خاب من حمل الشرك ، والظلم هاهنا الشرك ، وقد خاب من حمل ما ذكر من الحمل والوزر ، وهو ما ذكر في قوله : { مَّنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وِزْراً * خَالِدِينَ فِيهِ وَسَآءَ لَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ حِمْلاً } [ طه : 100 - 101 ] أي : خاب من حمل ذلك الحمل ، والله أعلم . وقال بعضهم : في قوله : { يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ } من أمر الآخرة ، { وَمَا خَلْفَهُمْ } من أمر الدنيا ، { وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ } يعني : [ لا يحيط ] الملائكة به { عِلْماً } ، يقول : هم لا يعلمون من كلامه إلا ما علمهم إياه ، فإن كان هذا في الملائكة خاصة ، فإنه لا يحتمل ما ذكرنا من التأويل في قوله : { وَمَا خَلْفَهُمْ } من الشرور وما نبذوه وراء ظهورهم ؛ لأنهم مطيعون لله لا يعصونه طرفة عين ، ويحتمل غيره من التأويلات التي ذكرنا ، والله أعلم . وقال بعضهم : في قوله : { يَوْمَئِذٍ لاَّ تَنفَعُ ٱلشَّفَاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ } [ طه : 109 ] : في الشفاعة ، { وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً } [ طه : 109 ] : قول : لا إله إلا الله ، مسلماً في الدنيا مؤمناً حقا ، فذلك الذي رضي ، والشفاعة تحل لهم ، فأما غيرهم فلا يشفع لهم ، وهو ما ذكرنا فيما تقدم . وقال بعضهم في قوله : { وَعَنَتِ ٱلْوُجُوهُ لِلْحَيِّ ٱلْقَيُّومِ } أي : عملت الوجوه للحي القيوم ، قالوا : وتأويل { عَنَتِ } العمل ، أي : خضعت له بالعمل الصالح في الدنيا ، على ما ذكر بعضهم من الركوع والسجود وغيره ، وهو في المؤمنين خاصة ليس أن يكون تأويل قوله : { وَعَنَتِ } أي : عملت حقيقة ، ولكن من الوجه الذي ذكرنا . وإن كان التأويل في الآخرة فهو في الفريقين جميعاً يذلون له جميعاً ويخضعون في الآخرة ، وإن كان من بعضهم التكبر في الدنيا . وقوله - عز وجل - : { وَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ } . فيه دلالة أنه قد يستحق اسم الإيمان بدون الأعمال الصالحات ؛ حيث قال : { وَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ } . وفيه أن الإيمان شرط في قبول الطاعات وجعلها طاعة لله ؛ حيث شرط الإيمان فيه . وقوله - عز وجل - : { فَلاَ يَخَافُ ظُلْماً وَلاَ هَضْماً } . الظلم هاهنا على مذهبنا : النقصان ، لا ظلم الجور ؛ لأن الثواب على الأعمال بحق الإفضال لا بحق العدل ، فإذا كان على هذا فيخرج قوله : { وَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلاَ يَخَافُ } أن ينقص من حسناته شيئاً أو يزيد في سيئاته شيئاً ، ويجوز في اللغة ذكر الظلم على إرادة النقصان ؛ كقوله في ذكر الجنتين : { كِلْتَا ٱلْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِم مِّنْهُ شَيْئاً } [ الكهف : 33 ] ، والجنة لا توصف بالظلم الذي هو ظلم جور ؛ فدل أنه أراد بالظلم هاهنا النقصان ، أي : لم تنقص ، بل أتت بثمارها وافية وافرة . وإن كان على الظلم الذي هو ظلم الجور فهو على النهي ، أي : لا تخف منه الظلم والجور .