Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 20, Ayat: 115-127)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { وَلَقَدْ عَهِدْنَآ إِلَىٰ ءَادَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً } . قال الحسن وعامة أهل التأويل : إن قوله : { فَنَسِيَ } ، أي : ضيع وترك ، ليس نسيان السهو ؛ لأنه عوتب عليه وعوقب به ، ولا يعاتب المرء على ما هو حقيقة السهو والنسيان ؛ فدل أنه على التضييع والترك ، ليس على النسيان والسهو ، إلى هذا يذهب هؤلاء ، لكن يقبح هذا أن يقال في آدم ، أو في نبي من أنبيائه ، أو في رسول من رسله - صلوات الله عليهم - : إنه ضيع ، والنسيان عندنا على قسمين : نسيان يكون عن غفلة منه وشغل ، ما لولا ذلك الشغل منه والغفلة ، لحفظه وذكره ولا ينساه ، وجائز المعاتبة على هذا النسيان ؛ إذ لو كان تكلف لكان لا ينساه ولا يقع فيه . ونسيان آخر يقع فيه من غير سبب كان منه لا يملك دفعه ، وذلك نسيان ما لا يعاتب عليه ولا يعاقب به ، وهكذا الكلفة من الله تعالى والمحنة : أنه جائز أن يكلف ويمتحن من لا يعلم ولا يعقل الكلفة وقت تكليفه إياه بعد أن يحتمل عقله إدراك ذلك لو استعمله ، فأما من كان عقله لا يحتمل إدراك ما كلفه وإن استعمله وأجهد نفسه فيه ، فإنه لا يكلف ألبتة ؛ فعلى ذلك النسيان الذي ذكر من آدم جائز أنه لو تكلف ، حفظه وذكره ؛ فإنما عوتب لذلك ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً } . قال الحسن : أي : منعاً من الشيطان . وقال بعضهم : حفظا لم يحفظ أمره . وقال بعضهم : صبراً ، ونحوه . والعزم : حقيقة القصد والقطع على الشيء ، وهو ضد النسيان الذي ذكر . وقال بعضهم : العزم : هو المحافظة على أمر الله والتمسك به . وقوله - عز وجل - : { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمََ فَسَجَدُوۤاْ إِلاَّ إِبْلِيسَ } . أي : قال [ بعضهم ] : لولا قول أهل التأويل في سجود الملائكة لآدم إلى حقيقة السجود ، وإلا جائز أن يصرف الأمر بالسجود إلى الخضوع له ، والسجود : هو الخضوع ؛ حيث قال : { يَآءَادَمُ أَنبِئْهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ } [ البقرة : 33 ] وقد يؤمر الإنسان بالخضوع لمن يتعلم منه العلم . وقوله تعالى : { فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ ٱلْجَنَّةِ فَتَشْقَىٰ } . قال أهل التأويل : ليس شقاء الدين ، ولكن تعب النفس والنصب في العمل . وقوله - عز وجل - : { إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلاَ تَعْرَىٰ * وَأَنَّكَ لاَ تَظْمَأُ فِيهَا وَلاَ تَضْحَىٰ } . أي : لا تصيبك الشمس . وقوله - عز وجل - : { فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ ٱلشَّيْطَانُ قَالَ يٰآدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ ٱلْخُلْدِ وَمُلْكٍ لاَّ يَبْلَىٰ } . أي : لا يفنى . { فَأَكَلاَ مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ ٱلْجَنَّةِ } قد ذكرنا هذا فيما تقدم . قال أبو عوسجة : قوله : { وَعَنَتِ ٱلْوُجُوهُ } [ طه : 111 ] ، أي : ذلت ، يقال : عنا يعنو عنوا ، وقال : { وَلاَ هَضْماً } [ طه : 112 ] أي : ظلما ، يقال : هضمته ، أي : ظلمته ، وأهضمته مثله . وقال أبو عبيدة : الهضم : النقصان ، وقال : { قَاعاً صَفْصَفاً } [ طه : 106 ] : القاع : الأرض التي يعلوها الماء ، وهو قريب مما ذكرنا ، والله أعلم . وقوله - تعالى - : { وَعَصَىٰ ءَادَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ } . كل من عصى ربه فقد غوى ، العصيان والغواية واحد . وقوله : { ثُمَّ ٱجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَىٰ } . قوله : { ثُمَّ ٱجْتَبَاهُ } يحتمل وجوها : أحدها : اجتباه للتوبة وهداه لها . أو اجتباه ربه للرسالة وهداه لها . أو اجتباه ربه للدين وهداه للتوحيد ، وهذا جائز عندنا ، للتوحيد والإيمان حكم التجدد والحدوث في كل وقت وكل ساعة ؛ لأنه مأمور بترك الكفر ونفيه في كل وقت ، فإذا كان مأموراً بترك الكفر في كل وقت منهيا عنه كان مأموراً بالإيمان والتوحيد ، فإذا كان ما ذكرنا دل أن للإيمان والتوحيد حكم التجدد والحدوث في كل وقت ، وإلا ظاهر قوله : { ثُمَّ ٱجْتَبَاهُ رَبُّهُ } : أنه لم يكن يجتبيه قبل ذلك فاجتباه من بعد ، لكن الوجه ما ذكرنا من اجتبائه إياه للرسالة ، واجتبائه للتوحيد والطاعات والخيرات ونحوه ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { قَالَ ٱهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ } . قال الحسن : قوله : { ٱهْبِطَا } أي : آدم والشيطان ، { بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ } ، يعني : ذرية آدم وذرية إبليس بعضهم لبعض عدو . وقال فيما قال : { ٱهْبِطُواْ } [ البقرة : 36 ] عنى : آدم وحواء وإبليس ، والهبوط : ليس هو الانحدار والتسفل من المكان العالي المرتفع ، إنما هو النزول في المكان ، فجائز أن يكون قوله : { ٱهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ } [ البقرة : 36 ] أراد ذريتهما : ذرية آدم وذرية إبليس ، وعلى ذلك يخرج قوله : { فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى } يعني : الذرية ، { فَمَنِ ٱتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَىٰ } وقت اتباعه الهدى ، أو لا يضل ولا يشقى إذا ختم بالهدى ، أو لا يضل طريق الجنة ولا يشقى في النار ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً } هو الشدة والضيق ، ثم اختلفوا فيه . قال بعضهم : { فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً } في الدنيا ، وإن كانت في الظاهر واسعة عليه ؛ لأنهم ينفقون ولا يرون لنفقتهم خلفا ولا عاقبة ، ويريدون الدنيا أنها تدوم ، فذلك يمنعهم عن التوسيع في الإنفاق ؛ خوفاً لنفاد ذلك المال وبقاء أنفسهم ؛ لما ذكرنا أنهم لا يرون لنفقتهم خلفا ولا عوضاً ولا عاقبة لها ، فذلك الضنك . وقال بعضهم : { فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً } ؛ لأنهم يعصون بما أعطوا من المال وأنعموا فيه ؛ لأن توسعهم يكون في معصية ، فنفى عنهم الانتفاع به كما نفى عنهم السمع والبصر واللسان باستعمالهم هذه الجوارح في المعصية على قيامها ؛ لما ذهبت منافعها في الطاعة . وقال بعضهم : { فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً } في عذاب القبر ، لكن لا يقال لمن في القبر : إن له معيشة ضنكا حتى يوصف بالضيق ، وعذاب القبر سبيل معرفته السمع ، فإن ثبت السمع وإلا فالترك أولى . وقال قائلون : ذلك في الآخرة - والله أعلم - كقوله : { مَكَاناً ضَيِّقاً مُّقَرَّنِينَ } [ الفرقان : 13 ] . وقوله - عز وجل - : { وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ ٱلْقِيامَةِ أَعْمَىٰ } . قال بعضهم : نحشره أعمى عن حججه في دينه ، لكن متى كانت له الحجج في الدنيا حتى يعمى عنها في الآخرة ؟ ! وقال بعضهم : نحشره يوم القيامة أعمى : عمى الحقيقة ؛ كقوله : { وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً } [ الإسراء : 97 ] فهو على حقيقة عمى البصر ، وهو أشبه ، والله أعلم . وقال مجاهد : قوله : { رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِيۤ أَعْمَىٰ } قال : بلا حجة لي ، { وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً } في الدنيا لكن الأشبه هو ما ذكرنا من حقيقة ذهاب البصر ؛ إذ لم يكن للكافر حجة في الدنيا حتى يقول : { وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً } . ثم اختلف فيه : قال بعضهم : ذلك بعد ما حوسبوا وسيقوا إلى النار - نعوذ بالله من النار - فعند ذلك يعمى عليه البصر . وقال بعضهم : لا ولكن يبعثون من قبورهم ويحشرون عمياناً ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { قَالَ كَذٰلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذٰلِكَ ٱلْيَوْمَ تُنْسَىٰ } . أي : كما أتتك آياتنا فصيرتها كالشيء المنسي ، لم تكترث إليها ولم تنظر فيها ولم ترغب فيها ، كذلك تصير في النار كالشيء المنسي عن رحمته ، لا يكترث إليك ولا ينظر إليك . أو أن يقول : كما ضيعت آياتنا التي أتتك لنجاتك كذلك تضيع أنت وتترك في النار لا نجاة لك . وقوله - عز وجل - : { وَكَذٰلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ } . أي : كذلك نجزي كل من أسرف في الدنيا ولم يؤمن بآيات ربه ، ليس أحد المخصوص بذلك دون غيره ، ولكن كل من كان [ هذا ] صنيعه في الدنيا . وقوله - عز وجل - : { وَلَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَىٰ } . كأنه قد سبق منه الوعيد لهم بعذاب ، ثم قال : { وَلَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَىٰ } من العذاب الذي أوعدتم ، وإلا فعلى الابتداء لا يقال هذا .