Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 20, Ayat: 128-132)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ } ، جميع ما ذكر في القرآن مثل هذا { أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ } ، { أَفَلَمْ يَسِيرُواْ } { أَوَلَمْ يَرَوْاْ } ، وأمثاله كله أنه قد بين لهم وراء ذلك ، أي : قد بين لهؤلاء أنهم قد وافقوا أولئك الذين أهلكهم من القرون الماضية وما نزل بهم بتكذيبهم الرسل والآيات التي أتوا بها ، وهم آمنون يمشون في مساكنهم ، فكيف أمن هؤلاء من عذاب الله [ مع ] موافقتهم أولئك في جميع صنيعهم . أو يقول : أفلم نبين لهم سنتي فيمن كان قبلهم من القرون الماضية بتكذيبهم الرسل وردهم الآيات ، وهم كانوا آمنين في مساكنهم فكيف أمن هؤلاء من عذابه وقد ساووا أولئك في جميع صنيعهم وفعلهم ، وهما واحد . وقوله - عز وجل - : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لأُوْلِي ٱلنُّهَىٰ } . قال بعضهم : { لأُوْلِي ٱلنُّهَىٰ } : هم الذين انتهوا عما نهاهم الله عنه ، وهم ذوو العقول ، وقد ذكرنا هذا في غير موضع . قال أبو عوسجة : { وَأَنَّكَ لاَ تَظْمَأُ فِيهَا وَلاَ تَضْحَىٰ } [ طه : 119 ] ، أي : لا تظهر للشمس ، والظمأ : العطش ، والضحى : الحر . قال أبو عبيدة : وقال أبو عوسجة : وطفقا وعلقا واحد ، يقال : علق يعلق علقا فهو عالق وطافق . وقال : يقال من الخصف : خصفت الخف ، إذا أنعلته ، ونعلت الخف ، ويسمى ذلك : النعيلة ، والنعائل جمع . وقال : قوله : { مَعِيشَةً ضَنكاً } [ طه : 124 ] ، أي : ضيقة . قال أبو عبيدة : وكل ضيق - منزل أو غيره - فهو ضنك . وقوله - عز وجل - : { وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَكَانَ لِزَاماً وَأَجَلٌ مُّسَمًّى } . هو على التقديم والتأخير ، أي : لولا كلمة سبقت من ربك وأجل مسمى ، لكان العذاب لازماً لهم ، يقول - والله أعلم - : يلزم كل إنسان بما عمل . قال : والأجل المسمى : الساعة التي قال : { بَلِ ٱلسَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَٱلسَّاعَةُ أَدْهَىٰ وَأَمَرُّ } [ القمر : 46 ] . وجائز أن يكون قوله على غير التقديم والتأخير ، لكنه على الإضمار ، أي : لولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاما ولكن سيلزمهم إلى أجل مسمى ، وهو ما ذكر في آية أخرى : { وَلٰكِن يُؤَخِّرُهُمْ إلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّىٰ } [ النحل : 61 ] . وقوله : { وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ } بما يكون بحق الإفضال أو توجبه الحكمة ، لكان العذاب لازماً لهم ، وحق الإفضال ما سبق منه من الوعيد أنه يؤخر ، ولا يقال فيما كان طريقه الإفضال : لم تفضلت ؟ وأصل هذا : لولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاما ، لولا ما سبق من وعده : أنه لا يعذب هذه الأمة تعذيب إهلاك وقت تكذيبهم الرسل وردهم الآيات ، ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى ، وهو ما ذكرنا ، وهو قوله : { بَلِ ٱلسَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَٱلسَّاعَةُ أَدْهَىٰ وَأَمَرُّ } [ القمر : 46 ] . وقوله - عز وجل - : { فَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ } : يصبر رسوله على أذاهم بلسانهم من السب والنسبة إلى السحر والجنون والافتراء على الله ونحوه ، وإن كان وعد أنه يعصمه منهم حتى لا يقدروا على إتلافه وإهلاكه ؛ لأن في حفظ نفسه من الإتلاف والإهلاك آية من آيات رسالته ؛ إذ بعثه إلى الفراعنة والجبابرة الذين كانت همتهم وعادتهم قتل من يخالفهم في شيء وإهلاك من يستقبلهم بما يكرهون ؛ فدل عجزهم عن إتلافه وإهلاكه وحفظ نفسه منهم : أنه كان ذلك لآية في نفسه ، وأما أذاهم إياه باللسان ليس في حفظه عنه آية ؛ لأن ذلك لو كان آية ، لمنعهم وذلك مما لم يؤثر نقصاً في نفسه أو شيئاً ؛ ألا ترى أنهم قالوا في الله ما لا يليق به من الولد وغيره ، فدل أنه ليس في حفظ نفسه عن أذاهم بلسانهم آية ، إنما الآية فيما ذكرنا من حفظ نفسه من الإتلاف ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ } : قال أهل التأويل : صل بأمر ربك ، وتأويل قولهم هذا صل بأمر ربك ؛ لأنه أمره أن يصلي لله بقوله : { أَقِمِ ٱلصَّلاَةَ } [ الإسراء : 78 ] ، وقوله : { وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلٰوةَ } [ البقرة : 43 ] ، فيكون قوله : { وَسَبِّحْ } أي : صل بأمر ربك الذي أمرك بقوله : { أَقِمِ ٱلصَّلاَةَ } [ الإسراء : 78 ] ، ولولا صرف أهل التأويل التسبيح في هذه الآية إلى الصلاة وإلا يجوز أن يصرف إلى غيرها من الأذكار في كل وقت ، لكن صرفوا إلى الصلاة ؛ لأن الصلاة تشتمل على معان : قولا وفعلا ، وسائر الأذكار لا تشتمل إلا معنى الذكر قولا ، فهي أجمع وأشمل لذكره ، والله أعلم . ثم قوله : { قَبْلَ طُلُوعِ ٱلشَّمْسِ } : قبل صلاة الفجر ، { وَقَبْلَ غُرُوبِهَا } صلاة العصر . وقال بعضهم : { قَبْلَ غُرُوبِهَا } الظهر والعصر . وقوله - عز وجل - : { وَمِنْ آنَآءِ ٱلْلَّيْلِ } قيل : صلاة المغرب والعشاء . وقوله - عز وجل - : { وَأَطْرَافَ ٱلنَّهَارِ } ؛ قيل : صلاة الفجر والعصر ؛ فهو على التكرار والإعادة تأكيداً ؛ كقوله : { حَافِظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوَٰتِ وٱلصَّلَٰوةِ ٱلْوُسْطَىٰ } [ البقرة : 238 ] ، ذكر الصلوات بجملتها ، ثم خص الصلاة [ الوسطى ] بالذكر لمعنى ؛ فعلى ذلك جائز أن يكون قوله : { وَأَطْرَافَ ٱلنَّهَارِ } تكرارا منه لصلاة الفجر والعصر لمعنى . وجائز أن يكون قوله : { وَأَطْرَافَ ٱلنَّهَارِ } أنه ليس على إرادة وقت دون وقت ، ولكن يريد به الأوقات كلها ، وعلى ذلك يخرج قول من قال في قوله : { وَقَبْلَ غُرُوبِهَا } : صلاة الظهر والعصر ، والله [ أعلم ] . وقوله - عز وجل - : { لَعَلَّكَ تَرْضَىٰ } بالنصب والرفع جميعاً ، أي : يرضيك ربك بما عملت أو يرضى بذلك . وقوله - عز وجل - : { وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ } . هذه الآية تحتمل وجهين : أحدهما : { وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ } أي : لا ترغبن في هذه الدنيا ، ولا تركنن إلى ما متع به هؤلاء من ألوانها وزهرتها ، وهو كقوله تعالى : { فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَٰلُهُمْ وَلاَ أَوْلَـٰدُهُمْ … } الآية [ التوبة : 55 ] . والثاني : قوله : { وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ } على حقيقة مدّ البصر ، أي : لا تمدن بصرك إلى أعين الدنيا وإلى ظاهر ما هم عليه من الغرور والتزيين ، ولكن انظر إلى الدنيا إلى ما جعلت الدنيا ؟ وإلى ما فيها من سمومها وتنغيصها على أهلها ، فإن من نظر إليها لما فيها من سمومها وتنغيصها ، لزهد فيها ورغب عنها ، ومن نظر إليها وإلى عينها وظاهرها [ و ] ما هي عليها من الغرور والتزيين ، لاغتر بها ورغب فيها وركن إليها ، ومن نظر إلى حقيقة ما هي عليه وجعلت على ما ذكرنا لزهد فيها ورغب عنها . ثم معلوم أن رسول الله لم يكن يمد بصره إلى الدنيا أو يركن إليها ويرغب فيها لها ، وإنما هو ابتداء نهي رسوله . ومعلوم أيضاً أنه لو رغب في شيء منها لم يكن يرغب ليتمتع هو به ، إنما يرغب ويتناوله ليوسع به على أهل الحاجة والفقر ، ثم نهاه عن ذلك ؛ فدل أن الزهد فيها والرغبة عنها خير من الأخذ منها والوضع في حق ؛ حيث نهاه عن ذلك على علم منه أنه لا يتناولها ليتمتع هو بها [ و ] ليوسع بها على نفسه ، ولكن يأخذها ؛ ليضعها في المستحقين لها . ثم اختلف أهل التأويل في التقديم والتأخير : قال الحسن : هو على تقديم قوله : { مِّنْهُمْ } على قوله : { أَزْوَاجاً } يقول : تأويله : لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به منهم أزواجاً { زَهْرَةَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } . فعلى تأويله : أزواجاً : زهرة الحياة الدنيا ، أي : ألواناً وأصنافاً من النبات ؛ فذلك زهرة الدنيا . وقال بعضهم : على غير تقديم ، ولكن على سياق ما ذكر في الآية ؛ فعلى هذا يكون تأويل الأزواج ، أي : رجالا منهم ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ } . قال أهل التأويل : أي : لنبتليهم ونختبرهم ، وكأن الفتنة هي المحنة التي فيها شدة وبلاء ، كأنه أخبر أنه إنما متعهم بما متع من زهرة الحياة الدنيا ليمتحنهم فيها بالشدائد ؛ كقوله : { فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَٰلُهُمْ وَلاَ أَوْلَـٰدُهُمْ … } الآية [ التوبة : 55 ] ، وقال في آية أخرى : { وَنَبْلُوكُم بِٱلشَّرِّ وَٱلْخَيْرِ فِتْنَةً } [ الأنبياء : 35 ] ، وقال : { وَبَلَوْنَاهُمْ بِٱلْحَسَنَاتِ وَٱلسَّيِّئَاتِ } [ الأعراف : 168 ] ، ففي هذه الآيات دلالة أن السعة والضيق فيها ليس لفضل أهلها ولا لهواهم ، ولكن إنما هو محنة يمتحنهم ، فيمتحن [ بعضهم ] بالسعة والغناء وبعضهم بالشدة والضيق ، فالتكلم بأن هذا خير من هذا كلام لا معنى له مع ما ذكرنا من البينات في قوله : { وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ } أن الزهد في الدنيا وترك التناول منها حلالاً خير من التناول منها حلالا ووضعها موضعها . وقوله - عز وجل - : { وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ } . أي : ما رزق ربك من النبوة والرسالة والتوحيد له والإيمان به خير وأبقى مما متع [ به ] هؤلاء من ألوان زهرة الحياة الدنيا وأصنافها . وقال بعضهم : { وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ } أي : حظك من ربك خير في البقاء مما متع به هؤلاء من زهرة الدنيا ، وهو قول أهل التأويل : إن نبي الله صلى الله عليه وسلم نزل به ضيف فاستسلف من يهودي طعاماً ، فأبى أن يعطيه إلا برهن ، فرهن درعه عنده ، فنزل قوله : { وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ . … } الآية ؛ تعزية له عن الدنيا ، لكن لسنا نعرف نزول الآية على ما ذكر إلا أن يثبت ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِٱلصَّلاَةِ } قال بعضهم : أراد بأهله : قومه ، وقد يسمى قوم الرسل : أهلهم ، وجائز أن يكون المراد بالأهل : الذين تأهلهم وكانوا في عياله . وقوله - عز وجل - : { وَٱصْطَبِرْ عَلَيْهَا } ، أي : داوم عليها والزمها ، [ و ] فيه أن الصلاة فرضت على الدوام عليها واللزوم . وقوله - عز وجل - : { لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقاً } قال بعضهم : لا نسألك جعلا وأجراً على نبوتك ورسالتك . وقوله - عز وجل - : { نَّحْنُ نَرْزُقُكَ } قال بعضهم : لا نسألك للخلق رزقاً بل نحن نرزقهم . وقوله - عز وجل - : { وَٱلْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ } ؛ كقوله : { وَٱلْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ } [ القصص : 83 ] .