Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 20, Ayat: 9-23)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : و { وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَىٰ * إِذْ رَأَى نَاراً } ، ظاهر ، هذا سؤال واستفهام ، لكن المراد منه الإيجاب ، ثم اختلف في معنى الإيجاب : قال الحسن وأبو بكر : قوله { وَهَلْ أَتَاكَ } ، أي : لم يأتك حديث موسى وسيأتيك ، ثم أخبره وأعلمه بحديثه ونبئه . وقال بعضهم : { هَلْ أَتَاكَ } ، أي : قد أتاك حديث موسى ؛ لتخبرهم عما كان في كتبهم ؛ ليكون ذلك آية لنبوتك ورسالتك . وقوله - عز وجل - : { فَقَالَ لأَهْلِهِ ٱمْكُثُوۤاْ إِنِّيۤ آنَسْتُ نَاراً } : قيل : رأيت ناراً ، وقيل : علمت ناراً ؛ { لَّعَلِّيۤ آتِيكُمْ مِّنْهَا بِقَبَسٍ } ليس في هذه الآية بيان أن موسى في أي حال كان ؟ وفي أيّ وقت ؟ لكن في موضع آخر بيان ذلك ، وهو ما قال : { فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى ٱلأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ ٱلطُّورِ نَاراً } [ القصص : 29 ] ، هذا يدل أنه كان في حال السير والسفر رأى ذلك ، وقال في آية أخرى : { لَّعَلِّيۤ آتِيكُمْ مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِّنَ ٱلنَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ } [ القصص : 29 ] فهذا يدل أنه كان في أيام الشتاء والبرد ، حيث قال : { لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ } [ القصص : 29 ] . قال أبو عوسجة : { لَّعَلِّيۤ آتِيكُمْ مِّنْهَا بِقَبَسٍ } القبس : النار ، والأقباس : النيران ، ويقال : قبس يقبس قبساً ، أي : جاء بالنار ، ويقال : اقتبست ناراً ، واقتبست - أيضاً - : تعلمت ، وهذا من ذاك ؛ لأن العلم ضوء ، ويقال : اقتبستك ، أي : علمتك ، واقتبستك أي النار والعلم . وقال القتبي : { آنَسْتُ نَاراً } : أبصرت ، ويكون في موضع آخر : علمت ، كقوله : { فَإِنْ آنَسْتُمْ مِّنْهُمْ رُشْداً } [ النساء : 6 ] أي : علمتم منهم رشداً . وقوله - عز وجل - : { أَوْ أَجِدُ عَلَى ٱلنَّارِ هُدًى } : هذا يشبه أن يكون قد استقبلته الطرق ؛ فلم يعلم الطريق الذي له من غيره ، فقال : { أَوْ أَجِدُ عَلَى ٱلنَّارِ هُدًى } ، أي : من يدلني ويرشدني على الطريق . أو أن كان قد ضل الطريق وعدل عنه ، فقال عند ذلك ما قال ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { فَلَمَّآ أَتَاهَا نُودِيَ } نداء وحي { يٰمُوسَىٰ * إِنِّيۤ أَنَاْ رَبُّكَ فَٱخْلَعْ نَعْلَيْكَ } : قال بعضهم : إنما أمره بخلع نعليه ؛ لأنهما كانا من جلد ميتة . وقال قائلون : أمره ينزع نعليه ؛ ليمس قدماه بركة ذلك الوادي ، أو يصيبه من يمنه . وقال بعضهم : أمره بذلك ؛ للتواضع والخضوع له ؛ لأن لبس النعل يخرج مخرج المباهاة ، فأمر بذلك ؛ ليكون أخضع له وأكثر تواضعاً ، والله أعلم بذلك ، وليس لنا أن نفسّر ذلك أنه لماذا أمره بذلك ؟ إذ له أن يأمر بخلع نعليه لا لمعنى ، وليس لنا أن نقول : أمره لهذا ، أو لعله أمره بذلك لمعنى آخر ، أو لا لمعنى ؛ فيخرج ذلك مخرج الشهادة على الله تعالى . وقوله - عز وجل - : { إِنَّكَ بِٱلْوَادِ ٱلْمُقَدَّسِ طُوًى } : المقدّس : المطهر ، ولعلّه سماه مطهراً ؛ لما لم يعبد عليه سواه ودونه ، أو سماه : مطهراً ؛ لمعنى خصّ به ؛ لفضل عبادة أو غيرها على ما خصّ بقاعاً بفضل عبادة تقام فيها من نحو المساجد والحرم وغيره . وقوله - عز وجل - : { طُوًى } : قال بعضهم : هو من وطء الأرض ، أي : طأ الوادي المبارك حافياً . وقال بعضهم : { طُوًى } : قد قدس مرتين ، وهو قول الحسن . وقال بعضهم : { طُوًى } يقول : يطوي مسيره . نحو هذا قد قالوا ، لكن الأصوب ألا يفسّر إلا بعد حقيقة به ؛ لأنه أنباء كانت في كتبهم ذكرت لرسول ؛ لتكون له حجة ودلالة على رسالته عليهم ، ففي التفسير خوف دخول الغلط فيه وتغييره ، فإذا تغير لم يصر له عليهم حجة ودلالة على رسالته ؛ لذلك كان السكوت عنه أولى ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَأَنَا ٱخْتَرْتُكَ فَٱسْتَمِعْ لِمَا يُوحَىۤ } إما بالرسالة والنبوة ، أو بأشياء أخر كقوله : { وَٱصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي … } الآية [ طه : 41 ] ، وقال في آية أخرى : { إِنَّهُ كَانَ مُخْلِصاً } [ مريم : 51 ] أخلصه الله لنفسه بأشياء . وقوله : { فَٱسْتَمِعْ لِمَا يُوحَىۤ } : هذا يدل أن النداء الّذي نودي كان نداء وحي ، وهو قوله : { فَلَمَّآ أَتَاهَا نُودِيَ } . وقوله - عز وجل - : { إِنَّنِيۤ أَنَا ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاۤ أَنَاْ فَٱعْبُدْنِي } وهو ظاهر ، كذلك أمر رسله أوّل ما أمروا بذلك . وقوله - عز وجل - : { وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ لِذِكْرِيۤ } : قال بعضهم : { وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ لِذِكْرِيۤ } لتكون ذاكراً لي ؛ لأن أكثر ما يذكر المرء به إنّما يذكر في الصّلاة ؛ لأن الصلاة من أولها إلى آخرها ذكر لله ؛ ولذلك سمى الصلاة : مناجاة الربّ ، أو أن يكون قوله : { وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ لِذِكْرِيۤ } ، أي : لتذكرني بها يا موسى . وقال قائلون : { وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ } إذا أنت نسيت إذا ذكرتها ، وعلى هذا رويت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ذلك ، وقرأ هذه الآية إن ثبتت . وجائز أن يكون قوله : { وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ لِذِكْرِيۤ } أي : أقم الصّلاة لتستوجب بها ذكري . وقال القتبي : { وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ لِذِكْرِيۤ } أي : لتذكرني فيها . وقوله - عز وجل - : { إِنَّ ٱلسَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا } : قال الحسن : { أَكَادُ } صلة ، كأنّه قال : إن السّاعة آتية أخفيها ، وفي حرف أُبيّ بن كعب : ( إن الساعة آتية أكاد أخفيها من نفسي ) ، ثم يحتمل قوله : من نفسي وجهين : أحدهما : أخفيها من خلقي ، ولا يجب أن يفهم من نفسه : ذاته بالإضافة إليه ، كما لم يفهم من قوله : { رُّوحِي } و { رُوحَنَا } ، وهو أخفى من الناس : ذاته ، ولكن فهم منه : خلقه ؛ فعلى ذلك لا يفهم من قوله : من نفسي ذاته ، هذا يحتمل ، والله أعلم . والثاني أن يكون قوله : { أكاد أخفيها من نفسي } ، أي : من أخيار عبادي ، أي : أخفيها من أخيار عبادي مع عظيم قدرهم ومنزلتهم عندي من نحو الملائكة والأنبياء والرسل ؛ فإن عادة ملوك الأرض : أنهم لا يكتمون سرائرهم من خواصهم ، بل يطلعونهم على ذلك ، فأخبر - عز وجل - والله أعلم - أنه أخفاها من خواص عباده وأخيارهم ، فكيف من دونهم ؟ فيكون إضافته إياهم إلى نفسه ؛ لعظم قدر أولئك وفضل منزلتهم كقوله : { إِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ يَنصُرْكُمْ } [ محمد : 7 ] والله لا يُنصر ، ولكن إن تنصروا دين الله ينصركم ، أو إن تنصروا أولياء الله ينصركم ، وكذلك قوله : { يُخَادِعُونَ ٱللَّهَ } [ البقرة : 9 ] والله لا يخادع ، ولكن يخادعون أولياءه ونحوه ؛ فعلى ذلك قوله : ( أخفيها من نفسي ) : أي : من خواصي وأخيار عبادي ، والله أعلم . هذا على إسقاط قوله : { أَكَادُ } وجعله صلة ، وأما على إثبات { أَكَادُ } فهو على وجهين . أحدهما : يقال : كاد : أراد ، أي : أريد أخفيها ، وهو معروف باللّغة . والثاني : كاد ، يقال : قارب ، وهو سائغ في اللغة ، جارٍ ( كاد ) على إرادة مقاربة : كادت الشمس أن تطلع ، أو تغرب ، أي : قاربت وكدت أن أسقط ، أي : قاربت ، وإلا لا يريد السقوط ، إذا كان على هذا فهو قال ذلك - والله أعلم - على التعظيم لها ، أي : قارب أن يخفيها من نفسه فكيف من غيره ؟ ! . وقال ابن عباس قريباً من هذا ، أي : ( أكاد أخفيها من نفسي ) فكيف أعلنها لكم ؟ ! أي : لا أظهر عليها أبداً غيري ، فكأنه استجاز الإخفاء في موضع الإظهار باللغة ، نحو ما قالوا في قوله : { وَأَسَرُّواْ ٱلنَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُاْ ٱلْعَذَابَ } [ يونس : 54 ] أي : أظهروا ، فعلى ما كان الإسرار في موضع الإظهار والكتمان ، فعلى ذلك رأوا الإخفاء مستعملاً في الأمرين جميعاً ، وكذلك قال أبو عوسجة : { أُخْفِيهَا } ، أي : أظهرها ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { لِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَىٰ } ، أي : لهذا ما أخفيها { لِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَىٰ } ؛ لأنها لو كانت ظاهرة يعاينها كل أحد ، ويعلمها ، لما كان ذلك جزاء ، ولكن كان دفعاً ؛ لأنه يعاين كل إنسان ما نزل بهذه النفس بما سعت من العذاب فيمتنع هو عنه ، وإذا رأى كل أحد ثواب هذا بسعيه يرغب في مثله ؛ فيكون ذلك كله بحق الدفع ، لا بحق الجزاء ، فأخبر أنه أخفاها ؛ للجزاء والمحنة ، لا للدفع ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { فَلاَ يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَن لاَّ يُؤْمِنُ بِهَا } ، أي : عن الإيمان بها { مَن لاَّ يُؤْمِنُ بِهَا } يعني : السّاعة ، والله أعلم . لا يصدنك عنها بأسباب ألقاها إليك ، وقد يمتنع الإنسان عن الشيء بأسباب تعترض وشبه تستقبل ، وإن لم يقدر على منعه بالتصريح والإفصاح ، والله أعلم ، أي : لا يصدنك عن الإيمان بها - يعني : الساعة - من لا يؤمن بها واتبع هواه في التكذيب بها بالشبه والأسباب التي ذكرنا { فَتَرْدَىٰ } أي : فتهلك لو صدّك عنها ، فالخطاب وإن كان لرسول الله فهو لكل أحد من المؤمنين ، على ما ذكرنا في غير آي من القرآن فيما خاطب رسوله به . وقوله - عز وجل - : { وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يٰمُوسَىٰ * قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا … } الآية كأن موسى - صلوات الله عليه - لم يفهم مراده بسؤاله إياه أنه ما أراد بقوله : { وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يٰمُوسَىٰ } : أنه يسأله عن اسمها [ أو ] عما له فيها ؟ فأجاب الأمرين جميعاً عن اسمها وعما له فيها ، حيث قال : { هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَىٰ غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَىٰ } . ثم قال الحسن : إنه والله كان يعلم أنّ في يده عصًا ، لكنّه أراد أن يقرر عنده : أنها عصا لا حيّة ؛ ليرى له منها آية فيعلم ذلك . أو أن يريد بذلك تنبيهه وإيقاظه ؛ ليعلم أنه وقت ما أخذها عصاً ، فيعلم أنها إنما صارت كذا بالآية التي جعلها له لا أنها كانت يومئذ كذلك حية ، والله أعلم . { قَالَ أَلْقِهَا يٰمُوسَىٰ * فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَىٰ } ثم يحتمل : جعلها حيّة تسعى ، ثم جعلها حيّة ، وأراد الآية له منها ؛ لما أن قوم فرعون كانوا أهل بصر وحذق في ذلك النوع من السحر ، فأحب أن يريهم الآية والعلامة من النوع الذي كان لهم فيه بصر وحذاقة ؛ ليعلموا بخروجها عن وسعهم وطوقهم أنها آية وعلامة سماوية وربوبية لا بشرية ؛ إذ الأعلام التي جعلها آيات وأعلاماً لرسله على رسالتهم إنما جعلها ما كانت خارجة عن وسع البشر وطوقهم ؛ ليعلموا بذلك أنها سماوية ربوبية ، لا بشرية سحراً ولا كهانة ، والله أعلم . ثم قوله : { خُذْهَا وَلاَ تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا ٱلأُولَىٰ } على ما كانت في الحالة الأولى عصاً ، كأنه موسى خاف حين صارت حيّة ، وهو ما قال في آية أخرى : { فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَآنٌّ وَلَّىٰ مُدْبِراً } [ النمل : 10 ] فعند ذلك قال له : { خُذْهَا وَلاَ تَخَفْ } ، وأخبره أنه يعيدها عصاً على ما كانت ، والله أعلم . وفي قوله : { وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يٰمُوسَىٰ } دلالة أن العصا إنما تمسك باليد اليمنى . قال أبو عوسجة : { فَتَرْدَىٰ } ، أي : تهلك أرداه : أهلكه ، ويقال : تردى الرجل : إذا وقع في البئر أو من فوق حائط ، ويقال : رديته ، أي : ألبسته الرداء ، وارتديت : أي : لبست الرداء ، وترديت : مثله . وقوله : { أَتَوَكَّأُ } ، أي : أستعين بها على المشي . وقوله : { وَأَهُشُّ بِهَا عَلَىٰ غَنَمِي } ، أي : أضرب الشجرة حتى تنثر ورقها فتأكله غنمه ، والهش : الكريم ، والبشّ : من البشاشة ، قال : والمآرب : الحوائج ، والأرب - أيضاً - : الحاجة ، والآراب جمع ، ويقال : أربت الشيء : قسمته ، وجعلته إرباً أقساماً : أي : جزأته أجزاء . وفي قوله : { وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يٰمُوسَىٰ * قَالَ هِيَ عَصَايَ } دلالة أن الإنسان إذا استخبر عن شيء ، فإن عليه أن يخبر المستخبر عما يستخبر على الإجابة له ، ولو كان يعلم أن المستخبر له عن ذلك عالم بذلك ؛ لأن موسى كان يعلم أن ربّه كان أعلم بما في يده منه ، ولم يقل حين استخبر عما في يده : إنك أنت أعلم به مني ، ولكنه قال : هي عصاي إجابة له وتعظيماً لأمره ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَٱضْمُمْ يَدَكَ إِلَىٰ جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سُوۤءٍ آيَةً أُخْرَىٰ } ، وقال في آية أخرى : { وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سُوۤءٍ } [ النمل : 12 ] ، وكأن في هذا تفسير الأوّل . وقوله : { مِنْ غَيْرِ سُوۤءٍ } : قال عامة أهل التأويل : { مِنْ غَيْرِ سُوۤءٍ } ، أي : من غير برص ، كأنهم ذهبوا إلى أن البياض في الإنسان إذا اشتد به حتى يغلف سائر بدنه لا يكون إلا بالبرص ؛ لذلك قال : { مِنْ غَيْرِ سُوۤءٍ } أي : من غير برص بك { آيَةً أُخْرَىٰ } سوى آية العصا . وجائز أن يكون { بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سُوۤءٍ } أي : من غير آفة وعيب بك وأذى ؛ لأنّ التغيّر إذا وقع في بعض بدن الإنسان لا يكون إلا بعيب وآفة تحل به ، فبين أن ذلك البياض ليس لآفة بك ، ولا عيب في بدنك ، ولا فيه أذى ، ولكن آية ليريها منها ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا ٱلْكُبْرَىٰ } . قال قائلون : الآية في اليد أكبر من الآية في العصا ؛ لأن سحر أولئك كان في العصا . [ وقال قائلون : ] آية العصا أكبر من آية اليد ؛ لأن أولئك كانوا أهل بصر وعلم في السحر في العصا ، فخروج عصا موسى عما احتمل وسعهم وما لهم فيه بصر وعلم ، يدلّ على أن ما أتى موسى ليس هو بسحر ، ولكن آية من الله ؛ لأن فضل بصر الرجل وعلمه في شيء إنما يظهر بمجاوزته في ذلك عن أهل بصر في ذلك النوع وعلم ، لا يظهر ذلك على أهل الجهل في ذلك ، فعلى ذلك أمر عصا موسى . وجائز أن يكون قوله : { لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا ٱلْكُبْرَىٰ } التي ذكر في آية أخرى ، هو قوله : { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ تِسْعَ آيَاتٍ … } الآية [ الإسراء : 101 ] ، الآيات الكبرى هي التسع التي ذكر في هذه الآية ؛ [ لا ] أن كان لموسى آيات سوى التسع هي أكبر . أو أن يكون ذلك لا على تخصيص آية دون آية بالكبر والعظم ، ولكن وصف الكل بذلك ، كقوله : { وَمَا نُرِيِهِم مِّنْ آيَةٍ إِلاَّ هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا } [ الزخرف : 48 ] هو على وصف آياته كلها بالكبر والعظم ، وهو كقوله : { لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً } [ النساء : 11 ] هو على إثبات النفع في كل واحد عليها في الآخر فعلى ذلك الأول ، والله أعلم .