Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 21, Ayat: 107-112)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } جائز أن يكون كل رسل الله رحمة من الله للعالمين ، وكذلك كل كتب الله رحمة للعالمين على ما ذكر في عيسى : { وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْراً مَّقْضِيّاً } [ مريم : 21 ] . وجائز أن يكون لرسول الله - صلوات الله وسلامه عليه - خاصّة ؛ فيكون في وجهين : أحدهما : { وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } وما أرسلناك : إلا جعلناك رحمة للعالمين . أو أن قال : وما أرسلناك إلا رحمة منا للعالمين ، والعالمين : هو الجنّ والإنس ؛ لأنه بعث إليهم ، ثم الرحمة فيه يحتمل وجوها : أحدها : تأخير العذاب عنهم . والثاني : أنه رحمة ، حتى إذا اتبعوه يكون به نجاتهم ، وبه عزهم في الدنيا والآخرة . والثالث : شفاعته لأهل الكبائر في الآخرة ، ونحو ذلك . وقوله - عز وجل - : { قُلْ إِنَّمَآ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ } كأنه على الدعاء خرج الأمر ، كأنه قال : أمرني ربي أن أخبركم : أن إلهكم إله واحد ؛ فاصرفوا العبادة إليه ، ولا تشركوا فيها غيره . أو أن يقول : أوحى إليّ أن أدعوكم إلى إلهكم الذي هو إله واحد ، وإلا كان رسول الله يعلم أنه إله واحد ، لكنه خرج على الدعاء والإخبار أنه إله واحد . أو أن يخبرهم أني [ أدعوكم ] إلى ما أدعوكم إليه وآمركم ، إنما أدعوكم وآمركم بالوحي بما أوحي إليَّ ، لا من تلقاء نفسي : { قُلْ إِنَّمَآ أُنذِرُكُم بِٱلْوَحْيِ } [ الأنبياء : 45 ] والله أعلم . وقوله : { فَهَلْ أَنتُمْ مُّسْلِمُونَ } ظاهره وإن كان استفهاماً فهو على الأمر والإيجاب كأنه قال : قد أوحي إلي أن إلهكم إله واحد ، فأسلموا له وأخلصوا العبادة له ، لا تشركوا فيها غيره ، والإسلام هو أن يجعل كلية الأشياء والأعمال كلها لله عز وجل ، ثم هو يكون على وجهين : أحدهما : على الاعتقاد أن يعتقد كلية الأشياء لله ، لا على تحقيق ذلك الفعل . والثاني : على تحقيق جعل الأشياء كلها لله اعتقادا وفعلا وقولا ، منه يخاف ، ومنه يرجو ، لا يخاف غيره ، ولا يرجو من دونه ، فهو حقيقة الإسلام . وقوله - عز وجل - : { فَإِن تَوَلَّوْاْ } هذا يدل على أن الأوّل خرج على الأمر والدعاء ، حيث قال : { فَإِن تَوَلَّوْاْ } عن الإجابة إلى ما دعوتهم إليه { فَقُلْ ءَاذَنتُكُمْ عَلَىٰ سَوَآءٍ } أي : أعلمتكم على عدل وحق ، كقوله : { قُلْ يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَآءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ } [ آل عمران : 64 ] أي : عدل بيننا وبينكم ، فعلى ذلك هذا محتمل أن يكون قوله : { عَلَىٰ سَوَآءٍ } أي : على عدل وحق . ويحتمل أيضاً : { ءَاذَنتُكُمْ عَلَىٰ سَوَآءٍ } أي : أعلمتكم ، أي : حتى أنا وأنتم في العلم على سواء ، أي : على الاستواء في العداوة والمخالفة ، وفي كل أمر على الاستواء ، وهو كقوله : { فَٱنْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَىٰ سَوَآءٍ } [ الأنفال : 58 ] على الاستواء في العداوة ، أي : انبذ إليهم حتى تكون أنت وهم على الاستواء في العلم بالمنابذة ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَإِنْ أَدْرِيۤ أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مَّا تُوعَدُونَ } أي : ما أدري أقريب أم بعيد ما توعدون ؟ ثم يحتمل قوله : { مَّا تُوعَدُونَ } الساعة والقيامة التي كانوا يوعدون بها وهم كانوا يستعجلون بها ، كقوله : { يَسْتَعْجِلُ بِهَا ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِهَا } [ الشورى : 18 ] فيقول : ما أدري أقريب أم بعيد ما توعدون ؟ ويحتمل قوله : { مَّا تُوعَدُونَ } من العذاب الذي كان يعد لهم أنه نازل بهم في الدنيا ، وهم كانوا يستعجلون كقوله : { وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } [ سبأ : 29 ] فيقول : ما أدري أقريب أم بعيد ما توعدون من العذاب ؟ والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { إِنَّهُ يَعْلَمُ ٱلْجَهْرَ مِنَ ٱلْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ } يخرج ذلك على الوعد والتنبيه والزجر عن المكر برسول الله والقول فيه بما لا يليق به ؛ يخبر أنه يعلم ما تظهرون من القول { وَمَا تَكْتُمُونَ } أي : ما تسرون من المكر به . وفي دلالة إثبات رسالة محمد ، حيث أخبرهم عما أسروا فيما بينهم من المكر به . وقوله : { وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ } ذكر أنه ما أدري { لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ } ، ولم يبين ما الذي يكون فتنة لهم . لكن بعض أهل التأويل قال : ما أدري ما قلت لكم من العذاب والسّاعة : هل يؤخر عنكم لمدّتكم ومتاع لكم إلى حين فيصير ما قربت لكم من العذاب والساعة فتنة لكم فتقولون : لو كان ما خوفنا به محمد حقّاً ، لكان نزل بعد ؛ فيصير قولي ذلك فتنة لكم ؛ هذا محتمل . ويحتمل وجهاً آخر ، وهو : لما قال : { وَإِنْ أَدْرِيۤ أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مَّا تُوعَدُونَ } : أنه كان خوفهم نزول العذاب بهم ، ولكن لم يبين لهم الوقت أنه متى ينزل بهم ، فيقول : ما أدري لعل تخويفي إياكم العذاب على بيان وقته فتنة لكم ؛ لأنه إذا تأخر عنهم العذاب متاعاً لهم يأمنون عنه ؛ فيحملهم ذلك على تكذيبه فيما خوفهم من العذاب ، ويكون ما يأمنون من العذاب متاعاً لهم ؛ لأنه لو كان وقت نزول العذاب مبيناً لكانوا أبداً على خوف فينقض ذلك الخوف ويمنعهم عن المتاع وإن لم يبين لهم الوقت ، فإذا تأخر عنهم يأمنون ويتمتعون ، فيقول : ما أدري ، لعل تخويفي إياكم لكم فتنة [ وعندنا : ] ألا يجب أن يفسر قوله : { فِتْنَةٌ لَّكُمْ } أنه أي شيء أراد ؟ وهم قد عرفوا أنه ما أراد به ؟ وليس لنا أن نفسر ذلك : أنه أراد كذا إلا ببيان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقوله : { قَالَ رَبِّ ٱحْكُم بِٱلْحَقِّ } تعلق أكثر المعتزلة بظاهر هذه الآية في مسائل لهم ؛ يقولون : يجوز أن يدعى بدعوات يعلم الداعي أنه قد أعطي ذلك له ، من نحو سؤال المغفرة : ربّ اغفر لي ، وهو مغفور [ له ] ، وربّ أعطني كذا ، وهو معطى له ، ويقول : رب اغفر لي ، وهو يعلم أنه لا يغفر له ، ونحو هذا من المسائل لهم ، فيحتجون بظاهر قوله : { قَالَ رَبِّ ٱحْكُم بِٱلْحَقِّ } أمر رسول الله أن يدعو به على علم منه أنه لا يحكم [ إلا ] بالحق . ونحن نقول : إنه لا يجوز أن يدعى بمثل هذا الدعاء على الإطلاق إلا على اعتقاد معنى آخر في ذلك كأن الله فعل ذلك ؛ فيكون ذلك منه عدلا وحقا ، نحو أن يكون قوله : { قَالَ رَبِّ ٱحْكُم بِٱلْحَقِّ } أي : بالنصر له ، والظفر على أعدائه ، وله ألا ينصره ، ويكون ذلك عدلا منه وحقا . أو أن يكون المراد به : { ٱحْكُم بِٱلْحَقِّ } أي : بالعذاب الذي هو حكمك على مكذبي الرسل ، فأمّا أن يعتقد من قوله : { رَبِّ ٱحْكُم بِٱلْحَقِّ } ما اعتقد المعتزلة فيحصل الدعاء به : اللهم لا تَجُرْ ورب اعدل ، ومن عرف ربه هكذا فهو ليس يعرف حقيقته . وقال أبو عبيدة في قوله : { رَبِّ ٱحْكُم بِٱلْحَقِّ } ، أي : رب احكم بحكمك وهو الحق ، وهو محتمل مستقيم ، وقد ذكرنا هذه المسألة وأمثالها فيما تقدم . وقوله - عز وجل - : { وَرَبُّنَا ٱلرَّحْمَـٰنُ ٱلْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ } أمر رسوله أن يستعين بالله - تعالى - على ما يقولون من تكذيبهم إيّاه فيما يدعو ويعد . قال القتبي : { ءَاذَنتُكُمْ عَلَىٰ سَوَآءٍ } أي : أعلمتكم ؛ فصرت أنا وأنتم على سواء ، وإنما يريد ؛ بـ { ءَاذَنتُكُمْ } : أخبرتكم وأعلمتكم ذلك ؛ فاستوينا في العلم ، وهو ما ذكرنا . وقال أبو عوسجة : قوله : { ءَاذَنتُكُمْ عَلَىٰ سَوَآءٍ } ، أي : كلكم . والله أعلم بالصواب ، وإليه المرجع والمآب ، وعليه التكلان .