Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 21, Ayat: 1-10)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { ٱقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ } . قال الحسن : أي : محاسبتهم . وقوله - عز وجل - : { وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ } . ظاهر هذا أنه نزل في المشركين ؛ لأنها نزلت بمكة وكان أكثر أهلها أهل شرك ، لكن لأهل الإسلام في ذلك حظ وشرك فيما وصفهم بالغفلة عن ذلك والإعراض عنه ، وأهل الإسلام قد يغفلون عن الحساب إلا أن غفلة الكفرة غفلة تكذيب وإعراضهم إعراض تكذيب بالحساب والآيات التي أنزلها عليهم ، وغفلة أهل الإسلام ليست كذا ، قد آمنوا بالحساب وصدقوا بآياته وعرفوها ، لكنهم غفلوا عن الحساب ؛ لشهوات مكنت فيهم وغلبت شهواتهم وأغفلتهم عنه ، فمن هذه الجهة [ كانوا ] كأولئك ، فأما من جهة الإيمان به والتصديق بالآيات فليسوا كأولئك . ثم وصف الحساب والساعة بالقرب والدنو والإتيان ؛ كقوله : { ٱقْتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ } [ القمر : 1 ] ، وقوله : { أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ } [ النحل : 1 ] ، و { ٱقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ } وأمثاله : هي قريبة كالماهية عند الله ؛ لأن الله تعالى عرف جملة الأوقات فهي في جملة ما عرف قريبة كالماهية ، وأما الخلق فإنهم قد استبعدوها ؛ لأنهم إنما يقدرون ذلك بآجالهم وأعمارهم وما جاوز أعمارهم ، فهو عندهم بعيد ليس بقريب ، وهذا إِنما يكون بعد ذهاب أعمارهم . وقال قتادة : ذكر أنه لما نزلت هذه الآية { ٱقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ } ، و { أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ } [ النحل : 1 ] قال ناس من أهل الضلال : يزعم هذا الرجل أن الساعة قد اقتربت فتناهوا قليلا ، ثم عادوا إلى أعمالهم ، وكذلك قالوا في قوله : { أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ } [ النحل : 1 ] تناهوا عنها ، ثم لما تأخر ذلك عنهم عادوا إلى ما كانوا من قبل ؛ هذا لأنهم فهموا من قرب الساعة وإتيان أمره وقتاً يقرب ومدة تدنو ، فلما مضى ذلك وقع عندهم أن الخبر كذب فكذبوه ؛ لأنهم إنما قدروه بآجالهم وما عرفوا هم من القرب والدنو . وقوله : { وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ } ما ذكرنا من غفلة تكذيب وإعراض ، تكذيب بعد ما عرفوا أنها آيات ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { مَا يَأْتِيهِمْ مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِمْ مُّحْدَثٍ } . قوله : { مِّن ذِكْرٍ } ما يذكرهم ما يأتون وما يتقون . أو ما يذكر ما أوعدوا وخوفوا . أو { مِّن ذِكْرٍ } يذكرهم ما لهم وما عليهم . وقوله : { مُّحْدَثٍ } قال بعضهم : محدث : محكم أحكمه من أن يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وأحكمه لما أعجز الخلق عن أن يأتوا بمثله . وقال بعضهم : محدث ؛ لأن الله أنزل هذا القرآن بالتفاريق وأحدث إنزاله في كل وقت على قدر الحاجة ، فعلى ما نزل بالتفاريق أحدثوا هم - أعني الكفرة - تكذيبه ورده على ما ذكر ، فزادهم رجساً إلى رجسهم ونحوه ، فهو محدث من الوجوه التي ذكرنا ؛ لأن كل موصوف بالإتيان فهو محدث . وقوله - عز وجل - : { إِلاَّ ٱسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ } . دل قوله : { إِلاَّ ٱسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ } أن استماعهم إياه استماع استهزاء به . وقوله - عز وجل - : { لاَهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّواْ ٱلنَّجْوَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ هَلْ هَـٰذَآ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ ٱلسِّحْرَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ } هذا الذي أسروا فيما بينهم { هَلْ هَـٰذَآ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ ٱلسِّحْرَ } ، هذا كان نجواهم . وقوله : { لاَهِيَةً قُلُوبُهُمْ } ، قيل : غافلة قلوبهم عن الذكر ، { وَأَسَرُّواْ ٱلنَّجْوَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ } الذي أسروه هو ما ذكرنا قولهم : { هَلْ هَـٰذَآ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ ٱلسِّحْرَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ } السحر . وفي حرف ابن مسعود وأبي : ( وأسروا النجوى الذين كفروا منهم ) ، وقال الكسائي : وفي بعض الحروف : { وَأَسَرُّواْ ٱلنَّجْوَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ } ، قال : وفي حرفنا : { وَأَسَرُّواْ ٱلنَّجْوَى } . ثم أخبر - عز وجل - عنهم خبراً مستأنفاً فقال : { ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ } ؛ كقول الله تعالى : { ثُمَّ عَمُواْ وَصَمُّواْ } [ المائدة : 71 ] ثم قال : { كَثِيرٌ مِّنْهُمْ } [ المائدة : 71 ] ، وهذا على كلامين ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ ٱلْقَوْلَ فِي ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ } . يشبه أن يكون قوله : { يَعْلَمُ ٱلْقَوْلَ فِي ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ } القول الذي أسروا فيما بينهم : { هَلْ هَـٰذَآ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ } ، وقوله : { أَفَتَأْتُونَ ٱلسِّحْرَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ } ، وقوله : { أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ بَلِ ٱفْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ } ، وأمثال ما قالوا فيه ونسبوه إليه ، أي : قل لهم : ربي يعلم ذلك القول منكم في السماء والأرض لينتهوا عن ذلك ؛ لأن من يعلم في الشاهد أن أحداً يطلع على جميع ما يختاره من القول والفعل ، ترك ذلك وامتنع عن التفوه به والإقدام على ما يختاره . أو أن يكون قال ذلك على الابتداء والاستئناف أنه لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء { وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } : السميع لقولهم ، العليم بأفعالهم . ثم أخبر عن سفههم وقلة نظرهم في قولهم وكلامهم وحفظهم عن التناقض فقال : { بَلْ قَالُوۤاْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ بَلِ ٱفْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ } فيما نسبوه إلى الشعر والسحر والافتراء وأنه أضغاث أحلام تناقض في قولهم ؛ لأن السحر هو غير الافتراء ، والسحر غير أضغاث الأحلام ، كل حرف من هذه الحروف التي نسبوه إليها يناقض الآخر ويبطله ؛ فدل أنهم إنما قالوا ذلك ونسبوه إلى ما نسبوا متعنتين مكابرين لا عن معرفة وعلم قالوا ذلك ؛ إذ تناقض قولهم وكلامهم ؛ إذ السحر لا يدوم ولا يبقى في وقت آخر ، فإذا عرفوا وعلموا أنه دام وبقي إلى آخر الدهر ، وكذلك ما قالوا من أضغاث أحلام والافتراء ، أعني : ما أتى رسول الله به ، وبعد فإنه لو كان ما أتاهم به سحرا كان ذلك آية وعلامة على صدقه ونبوته ؛ لأن السحر لا يعرفه أحد إلا بالتعليم ، فإذا رأوه نشأ بين أظهرهم ولم يكن في قومه ساحر حتى يتعلم منه ، ولا اختلف إلى أحد من السحرة يتعلم منهم السحر ، ثم أتى به - لكان ذلك يدل على أنه إنما عرف ذلك بالله تعالى ، فكيف وقد أتاهم بالحجج المنيرة الواضحة والآيات المعجزة الخارجة عن وسع البشر وطوقهم ؟ لكنهم كابروا وعاندوا في ردها وتكذيبها ، والله الموفق . وقوله - عز وجل - : { فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَآ أُرْسِلَ ٱلأَوَّلُونَ } . قد علموا علم حقيقة أنه قد أتاهم بآيات وحجج ما لو تأملوا فيها ولم يكابروا ، لدلهم على صدقه ورسالته ، وقد عرفوا أنه صادق ، لكنهم سألوا في قولهم : { فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ } الآية التي تنزل عند المكابرة والعناد ، وهي الآية التي نزلت في الأمم الخالية عند مكابرتهم الآيات والحجج ، وهو إهلاكهم واستئصالهم ؛ إذ من سنته وحكمه في الأولين الإهلاك والاستئصال عند مكبارتهم الآيات والحجج ، وسنته وحكمه في هذه الآية ختم النبوة بهم وإبقاء شريعة محمد - صلوات الله عليه - إلى الساعة ، وسنته في الأمم الماضية نسخ شرائعهم واستبدال أحكامهم ، فإذا كان ما ذكرنا جعل وقت إهلاكهم الساعة ، وهو ما قال : { بَلِ ٱلسَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ … } الآية [ القمر : 46 ] . وقوله - عز وجل - : { مَآ آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَآ } . أي : ما آمنت قبلهم من قرية سألوا الآية سؤال مكابرة وعناد . وقوله - عز وجل - : { أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ } . أي : لا يؤمن هؤلاء وإن أتاهم بآية فإنهم لا يؤمنون ، كما لم يؤمن أولئك المتقدمون ؛ لأنهم يسألون سؤال عناد ومكابرة لا سؤال استرشاد واستهداء . وقوله - عز وجل - : { وَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِيۤ إِلَيْهِمْ } . كأن هذا خرج جواباً لقولهم : { هَلْ هَـٰذَآ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ ٱلسِّحْرَ وَأَنتُمْ … } كذا ، وجواب قولهم : { أَبَعَثَ ٱللَّهُ بَشَراً رَّسُولاً } [ الإسراء : 94 ] ، وجواب قولهم : { لَوْلاۤ أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ } [ الأنعام : 8 ] ، فقال : { وَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً } ، أي : بشراً ، { نُّوحِيۤ إِلَيْهِمْ } إلى عامة الخلق ، أي : الرسالة في الأمم الذين من قبله إلى عامة الخلق كانت في البشر لم تكن في الملائكة ، وإلا كانت الرسالة إلى الخواص في الملائكة وهم الرسل ، فعلى ذلك لا تجعل الرسالة في هذه الأمة إلى عامة الخلق في الملائكة ، ولكن تجعل في البشر على ما جعلت في الأمم الأولى في البشر . وجائز أن يكون قوله : { وَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِيۤ إِلَيْهِمْ } ، أي : جعلها في الذكور منهم لم يجعلها في النساء والإناث ؛ لما لم يستكملن شرائط الرسالة والنبوة ، فكأن الأول في بيان الجنس ، أي : لم يجعل الرسالة إلى عامة الخلق في الملائكة ، ولكن جعلها في البشر ، والثاني في بيان استكمال شرائط الرسالة واستحقاقها . وفي حرف ابن مسعود وأبي : ( وما أرسلنا قبله إلا رجالا نوحي إليهم ) ، فعلى حرفهما كأنه خاطب به أولئك الكفرة ، أي : ما أرسلنا قبل محمد إلا رجالا نوحي إليهم ، وفي القراءة الظاهرة المشهورة يكون الخطاب لرسول الله ، أي : قل لهم : إنه ما أرسل الله من قبلك إلا رجالا يوحي إليهم . وقوله - عز وجل - : { فَاسْئَلُوۤاْ أَهْلَ ٱلذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } . قال بعضهم : إنما خاطب به مشركي العرب وأمرهم أن يسألوا أهل الكتاب الذين كانوا يؤمنون بالرسل المتقدمة ؛ ليخبروكم : أنه لم تجعل الرسالة فيهم إلى عامة الخلق إلا في البشر ، وقال بعضهم : إنما خاطب من كفر من أهل الكتاب - من لا يعرف الكتاب وغيره - بمحمد أن اسألوا أهل الذكر ، أي : من آمن منهم ؛ ليخبروكم أن محمدا رسول الله إليكم إن كنتم لا تعلمون أنتم أنه رسول الله ، [ فهذا التأويل في محمد ] خاصة والتأويل الأول في جميع الرسل . وقوله - عز وجل - : { وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَداً لاَّ يَأْكُلُونَ ٱلطَّعَامَ } . قال بعضهم : ما جعلنا أجساداً لا أرواح فيها لا يأكلون ولا يشربون ، ولكن جعلناهم أجسادا فيها أرواح يأكلون ويشربون ويمشون في الأسواق . وجائز أن يكون قوله : { وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَداً لاَّ يَأْكُلُونَ } من نحو الملائكة والجن ، ولكن جعلناهم بشراً . وحاصله : أنهم كانوا يطعنون الرسل بأشياء ، مرة قالوا : { أَبَعَثَ ٱللَّهُ بَشَراً رَّسُولاً } [ الإسراء : 94 ] ، وقالوا : { هَلْ هَـٰذَآ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ } ونحوه ، كانوا لا يرون الرسالة في البشر ، ولا يرون الرسول يكون من نوع المبعوث إليه ، فألزمهم أن الرسل الذين كانوا من قبل الذين صدقهم آباؤهم وآمنوا بهم كانوا من البشر بقوله : { وَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِيۤ إِلَيْهِمْ } ، ومرة طعنوا الرسل أنهم يأكلون الطعام ويشربون وينكحون ويمشون في الأسواق كغيرهم من الناس ؛ كقوله : { مَالِ هَـٰذَا ٱلرَّسُولِ يَأْكُلُ ٱلطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي ٱلأَسْوَاقِ } [ الفرقان : 7 ] ونحوه ، فألزمهم - عز وجل - وأخبرهم أن الرسل الذين كانوا من قبل كانوا يأكلون ويشربون ويقضون حوائجهم ؛ حيث قال : { وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَداً لاَّ يَأْكُلُونَ ٱلطَّعَامَ وَمَا كَانُواْ خَالِدِينَ } في الدنيا ، وما قال في آية أخرى : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً } [ الرعد : 38 ] ؛ فعلى ذلك الرسول المبعوث إليكم هو كسائر الرسل الذين كانوا من قبل ، هو ممن يأكل ويشرب وينكح وهو رسول ، وأنه بشر كسائر الرسل ، وهو رسول الله ؛ على هذا يخرج تأويل الآية . وهذه الآية ترد على الباطنية قولهم ومذهبهم ؛ لأنهم يقولون : إن الرسالة لا تكون في الجوهر الكثيف الجسداني الذي يأكل ويشرب ويفنى ويبيد ، إنما تكون في الجوهر البسيط الذي لا يأكل ولا يشرب ولا يبيد ولا يفنى ، فأخبر - عز وجل - أنه لم يجعلهم جسداً لا يأكلون الطعام ولا يبيدون ، بل جعلهم أجساداً يأكلون ويموتون بقوله : { وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَداً لاَّ يَأْكُلُونَ ٱلطَّعَامَ وَمَا كَانُواْ خَالِدِينَ } . وقوله - عز وجل - : { ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ ٱلْوَعْدَ } . أخبر أنه وعد الرسل وعداً ، لكنه لم يبين ما كان ذلك الوعد الذي وعد رسله ؟ لكن في آخره بيان أن الوعد الذي وعدهم كان وعد إهلاك وتعذيب ؛ لأنه قال : { فَأَنجَيْنَاهُمْ وَمَن نَّشَآءُ وَأَهْلَكْنَا ٱلْمُسْرفِينَ } ، دل قوله : { فَأَنجَيْنَاهُمْ وَمَن نَّشَآءُ وَأَهْلَكْنَا ٱلْمُسْرفِينَ } : أن الوعد كان وعد إهلاك ، فنقول : كان وعد - عز وجل - الرسل الذين من قبل إهلاك من كذبهم ، فكان كما وعدوا ، وإن تأخر ذلك الموعود عن وقت الوعد ؛ فعلى ذلك ما وعدكم محمد من العذاب فإنه نازل بكم وإن تأخر نزوله ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { لَقَدْ أَنزَلْنَآ إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ } . يحتمل قوله : { ذِكْرُكُمْ } ما يذكركم ما تأتون وتتقون ، أو يذكركم ما لكم وما عليكم . وقال بعضهم : { فِيهِ ذِكْرُكُمْ } ، أي : شرفكم ونبلكم لو اتبعتم . وقال الحسن في قوله : { فِيهِ ذِكْرُكُمْ } أي : فيه دينكم الذي أمسك عليكم به . وقال غيره : فيه شرفكم ونبلكم لو اتبعتموه ؛ كقوله : { وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ } [ الزخرف : 44 ] ، أي : شرف لك .