Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 21, Ayat: 26-29)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ } . دل قوله : { بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ } : أنهم لم ينسبوا الولد إليه ، ولا قالوا ذلك : إنه اتخذ ولداً على حقيقة الولادة ، ولكن قالوا ذلك على الصفوة واصطفائه من أضافوا ونسبوا إليه ؛ لأن الذين قالوا : إنهم ولده من نحو عيسى وعزير والملائكة ليسوا كما وصفوا ، ولكنهم عباد مكرمون ، ثم أخبر بما أكرمهم فقال : { لاَ يَسْبِقُونَهُ بِٱلْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ } أخبر أنهم لا يتقدمون في قول ولا فعل إلا بإذن منه وأمر . أو أن يكون قوله : { لاَ يَسْبِقُونَهُ بِٱلْقَوْلِ } أي : لا يأمرون بشيء ولا ينهون عن شيء إلا بإذن من الله وأمر منه ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ } هذا قد ذكرناه في سورة " طه " . وقوله - عز وجل - : { وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ٱرْتَضَىٰ } ، وقال في آية أخرى : { يَوْمَئِذٍ لاَّ تَنفَعُ ٱلشَّفَاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً } [ طه : 109 ] فيكون تأويل قوله : { إِلاَّ لِمَنِ ٱرْتَضَىٰ } أي : إلا لمن أذن له . ثم يتوجه قوله : { إِلاَّ لِمَنِ ٱرْتَضَىٰ } إلى الشفيع ، أي : لا يؤذن لأحد بالشفاعة إلا من كان مرضيا مرتضى دينا وعملا ، ويتوجه قوله : { إِلاَّ لِمَنِ ٱرْتَضَىٰ } إلى المشفوع له : إلا لمن ارتضى عنه الرب مذهباً وعملا ؛ حتى لم يدخل في عمله تقصير . ثم الشفاعة إنما جعلت في الأصل للتجاوز فيما دخل في العمل من التقصير . ثم لا يخلو الذي يشفع له إما أن يكون صاحب الصغيرة فيجوز أن يعذب عليها ، أو أن يكون صاحب كبيرة ، ففيه دلالة التجاوز والعفو عن صاحب الكبيرة ؛ لأنا قد قلنا : إن الشفاعة إنما جعلت لمن منه التقصير في العمل ، ففيه دلالة نقص قول المعتزلة ؛ لأنهم يقولون : إن صاحب الصغيرة معفو عنه الصغيرة حتى لا يجوز أن يعذب عليها ، وصاحب الكبيرة لا يجوز العفو عنه والتجاوز ، بل هو معذب أبداً . وقوله - عز وجل - : { وَهُمْ مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ } هذا - والله أعلم - كأنه صلة قوله : { لاَ يَسْبِقُونَهُ بِٱلْقَوْلِ … } الآية ، أي : من خشية عذابه وهيبته لا يتقدمون بقول ولا فعل ولا أمر ولا نهي ؛ خوفاً منه وهيبة ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّيۤ إِلَـٰهٌ مِّن دُونِهِ فَذٰلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلظَّالِمِينَ } . هذا كأنه مقطوع عما سبق وتقدم ذكره غير موصول به ؛ لأن ما سبق هو القول منهم : إنه اتخذ الرحمن ولداً ، فلو كان على اتصاله بالأول ، لكان يقول : ومن يقل منهم : إني ولد إله ؛ لأنهم قالوا : { ٱتَّخَذَ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَلَداً } ، ولم يقولوا : إنه اتخذ الرحمن إلها ، فلو كان على الصلة بالأول والجواب له ، فهو يخرج على الجواب لهم ، ومن يقل منهم : إني ولد إله ، لكن كأنهم كانوا فرقاً : منهم من قال : اتخذ ولدا ، ومنهم من عبد دونه الملائكة واتخذهم آلهة ، فخرج هذا جواباً لذلك فقال : { وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّيۤ إِلَـٰهٌ مِّن دُونِهِ فَذٰلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ . … } الآية ، فإن قيل لنا في قوله : { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ } [ الأنبياء : 98 ] ، وقد عبد عيسى من دونه ، وعبد الملائكة دونه ؛ فيكون حصب جهنم على ظاهر ما ذكر ، قلنا : تأويل قوله : { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ } أي : { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } بأمر الذين عبدوا وقالوا لهم : اعبدوني { حَصَبُ جَهَنَّمَ } ، دليله ما ذكر في الآية : { وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّيۤ إِلَـٰهٌ مِّن دُونِهِ فَذٰلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلظَّالِمِينَ } أي : المشركين { ٱلظَّالِمِينَ } هاهنا : المشركين الكافرين . ثم قال الحسن في قوله : { وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّيۤ إِلَـٰهٌ مِّن دُونِهِ } : لا يحتمل أن يكونوا يقولون ذلك ؛ لما وصفهم بالطاعة له وترك الخلاف لأمره ، لكنه ذكر هذا ؛ ليعلم الخلق أن من قال ذلك وإن عظم قدره عنده ، وجلت منزلته أنه يجزيه بما ذكر أنه يستوجب لذلك . ولكن عندنا المعصية من الملائكة ممكن محتمل ؛ دليله قوله : { وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّيۤ إِلَـٰهٌ مِّن دُونِهِ } ، ولأنه قد مدحهم بقوله : { لاَّ يَعْصُونَ ٱللَّهَ مَآ أَمَرَهُمْ … } الآية [ التحريم : 6 ] ، وقوله : { لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ … } الآية [ الأنبياء : 19 ] ، فدل ذلك كله على أنهم مختارون في ذلك غير مجبولين عليه . وقال بعضهم من أهل التأويل : { وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّيۤ إِلَـٰهٌ مِّن دُونِهِ فَذٰلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ } هو إبليس هو كان منهم ، وهو الذي قال ذلك { إِنِّيۤ إِلَـٰهٌ مِّن دُونِهِ } فاعبدوني ، والله أعلم .