Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 21, Ayat: 21-25)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { أَمِ ٱتَّخَذُوۤاْ آلِهَةً مِّنَ ٱلأَرْضِ } . قوله : { أَمِ ٱتَّخَذُوۤاْ } استفهام في الظاهر من الخلق ، لكن ذلك من الله على الإيجاب كأنه قال : قد اتخذوا آلهة ، وهكذا كل ما خرج في الظاهر من الله على الاستفهام فإنه على الإيجاب ؛ لأنه عالم بما كان ويكون لا يخفى عليه شيء ، وأما الخلق فإنه يجوز أن يستفهم بعض من بعض لما يخفى على بعض أمور بعض ، فيطلب بعضهم من بعض العلم والفهم بذلك ، والله الموفق . وقوله - عز وجل - : { هُمْ يُنشِرُونَ } [ يحتمل ] وجهين : أحدهما : { هُمْ يُنشِرُونَ } أي يخلقون ، أي : اتخذوا آلهة لا يخلقون ؛ كقوله : { خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ } [ الرعد : 16 ] وكيف اتخذوا آلهة لا يخلقون ؟ وإنما يعرف الإله بالخلق وبآثار تكون في الخلق ، فإذا لم يكن من هؤلاء خلق كيف اتخذوها آلهة ؟ ! والثاني : { هُمْ يُنشِرُونَ } ، أي : يبعثون ويحيون . فإن كان على البعث والإحياء فكأنه يقول : كيف اتخذوا من لا يملك البعث والإحياء آلهة ؟ ! وخلق الخلق [ لا ] للبعث والإحياء بعد الموت يخرج على غير الحكمة في الظاهر ؛ لأن من بني في الشاهد بناء للنقض خاصة لا لعاقبة تقصد به كان غير حكيم في فعله عابثاً في بنائه ، وكذلك قوله : { أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ } [ المؤمنون : 115 ] ، جعل خلق الخلائق لا للرجوع إليه عبثاً ، فيخرج هذا على وجهين : { أَمِ ٱتَّخَذُوۤاْ آلِهَةً } ، أي : قد اتخذوا آلهة من الأرض { هُمْ يُنشِرُونَ } . أو لم يتخذوا آلهة من الأرض هم يملكون النشر أو النشور ، والله أعلم . وقوله : { لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ ٱللَّهُ لَفَسَدَتَا } . وفي حرف ابن مسعود وأبي وحفصة : ( لو كان فيهن آلهة لفسدن ) . ثم يحتمل قوله : { لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ ٱللَّهُ لَفَسَدَتَا } وجوهاً : أحدها : { لَفَسَدَتَا } ، أي : لم يكونا من الأصل ؛ لأن العرف في الملوك أن ما بني هذا وأثبته يريد الآخر نقضه وإفناءه ، فلم يثبتا ولم يكونا من الأصل لو كانا لعدد . والثاني : { لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ ٱللَّهُ لَفَسَدَتَا } : لم تكن منافع إحداهما متصلة بمنافع الأخرى للخلق ؛ إذ يمنع كل واحد منهما منافع ما خلق هو من أن تصل إلى الأخرى ، فإذا اتصلت منافع إحداهما بالأخرى ، دل أنه صنع واحد وتدبير واحد لا عدد . والثالث : لو كان عدداً ، لكان لا يخرج تدبيرهما على حد واحد في كل عام ، فإذا اتسق التدبير وجرى الأمر في كل عام على سنن واحد ؛ دل أنه تدبير واحد لا عدد ؛ إذ لو كان لعدد لكان يختلف الأمر في كل عام ولم يتسق على سنن واحد ، ولا جرى على أمر واحد . وقال بعضهم : هو قول الله : { مَا ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَـهٍ إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَـٰهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ } [ المؤمنون : 91 ] على ما هو من عادة ملوك الأرض . وقوله - عز وجل - : { فَسُبْحَانَ ٱللَّهِ رَبِّ ٱلْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ } من الولد والشريك . وقوله - عز وجل - : { لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ } . هذا يحتمل وجوهاً : أحدها : أنه لا يسأل ؛ لأن ما يفعل يفعل في ملكه وسلطانه ، وإنما يسأل من فعل في سلطان غيره وملك غيره ، ففي ذلك دلالة أنه لا يجوز التناول في شيء إلا بالأمر والإباحة من مالكه ، فيبطل قول من يقول : هو على الإطلاق والإباحة في الأصل . والثاني : { لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ } ؛ لأنه حكيم بذاته لا يخرج فعله عن الحكمة ، فإنما يسأل من يحتمل فعله السفه ، فأما من لا يحتمل فعله إلا الحكمة ، فإنه لا يحتمل السؤال : لم فعلت ؟ ولماذا فعلت ؟ والثالث : لو احتمل السؤال عما يفعل لاحتمل الأمر والنهي : أن افعل كذا ، ولا تفعل كذا ، وذلك محال ، ولو ثبت الأمر فيه لكان يخرج سؤاله سؤال حاجة ؛ لأن من يأمر من فوقه بأمر فإنما يكون أمره سؤال حاجة ، ومن يأمر من دونه فيكون أمره أمراً . وقوله : { أَمِ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ } . فيه دلالة لزوم الدليل على النافي ؛ لأنه لما قال : { هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ } كان لهم أن يقولوا : هات أنت البرهان على ما ادعيت من الألوهية ، ونحن ننكر ذلك ، فإذا لم يكونوا يقولون ذلك ، دل أن الدلالة تلزم النافي . وقوله - عز وجل - : { هَـٰذَا ذِكْرُ مَن مَّعِيَ وَذِكْرُ مَن قَبْلِي } . أي : هذا القرآن { ذِكْرُ مَن مَّعِيَ وَذِكْرُ مَن قَبْلِي } . قال بعضهم : هذا القرآن فيه ذكر من معي من الحلال والحرام ، { وَذِكْرُ مَن قَبْلِي } ، أي : فيه ذكر أعمال الأمم السالفة وأخبارهم وما صنع الله بهم إلى ما صاروا إليه . أو أن يكون قوله : { هَـٰذَا ذِكْرُ مَن مَّعِيَ } أي : خبر من معي وخبر من قبلي ؛ فيكون فيه دليل رسالته ؛ لأنه أخبر عن أنباء الأمم السالفة وأخبارهم على ما ذكرت في كتبهم من غير أن علم ما في كتبهم بتعلم منهم أو بنظر كان منه فيها ؛ ليعلموا أنه إنما عرف ذلك بالله . ويشبه أن يكون تأويل قوله : { هَـٰذَا ذِكْرُ مَن مَّعِيَ وَذِكْرُ مَن قَبْلِي } ما ذكر : { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِيۤ إِلَيْهِ أَنَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنَاْ فَٱعْبُدُونِ } ، أي : هذا ذكر من معي وذكر الرسل من قبلي ومن معهم ، أي : هذا الذكر أرسلني إلى من معي وأرسل الذين من قبلي إلى قومهم ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ٱلْحَقَّ فَهُمْ مُّعْرِضُونَ } : كذلك كانوا لا يعلمون الحق بإعراضهم عنه . وقوله - عز وجل - : { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِيۤ إِلَيْهِ أَنَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنَاْ فَٱعْبُدُونِ } ، أخبر : أنه لم يرسل رسولاً من قبل إلا بما ذكر من قوله : { أَنَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنَاْ فَٱعْبُدُونِ } . ثم يحتمل قوله : { فَٱعْبُدُونِ } أي : وحدوني في الألوهية لا تصرفوا الألوهية إلى غيري ، ولا تشركوا من دوني في ألوهيتي . أو أن يكون : { فَٱعْبُدُونِ } أي : إليَّ ؛ فاصرفوا العبادة إليَّ ، ولا تصرفوا العبادة إلى من دوني ، والله أعلم .