Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 21, Ayat: 42-47)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم بِٱلْلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ مِنَ ٱلرَّحْمَـٰنِ } . أي : من يحفظكم ويحرسكم من عذاب الرحمن . وقيل : من يدفع عنكم عذاب الرحمن . ثم هذا يخرج على وجهين : أحدهما : قوله : { قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم بِٱلْلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ مِنَ ٱلرَّحْمَـٰنِ } أي : لو سألتم من يكلؤكم من عذاب الرحمن لأقروا لك أن الرحمن هو الذي يكلؤكم ويحفظهم من عذابه ، لا الآلهة التي يعبدونها ، وهو كقوله : { قُلْ مَن رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } [ الرعد : 16 ] وقل { مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ } [ المؤمنون : 88 ] ونحوه ، فسيقولون : الله ، لا الآلهة التي يعبدونها ، فقل : أن كيف صرفتم عن عبادته وعبدتم دونه من لا يكلؤكم ولا يدفع عنكم العذاب ، وقد عرفتم أن الرحمن هو الذي يكلؤكم بالليل والنهار ، وهو إله السماوات والأرض ، فكيف عبدتم من ليس هو بإله ؟ ! فيخرج عن الاحتجاج عليهم ولزوم الحجة لهم ؛ لئلا يقولوا : { إِنَّا كُنَّا عَنْ هَـٰذَا غَافِلِينَ } [ الأعراف : 172 ] . والثاني : يخرج على التذكير والتنبيه لهم ؛ لأنهم كانوا ينكرون الرحمن ويقولون : ما الرحمن ؟ وقوله : { وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِٱلرَّحْمَـٰنِ } [ الرعد : 30 ] فيخرج قوله : { مَن يَكْلَؤُكُم بِٱلْلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ } أي : كيف تنكرون الرحمن وتكفرون به وهو يكلؤكم بالليل والنهار عن عذابه ، وعلى هذا يخرج : { بَلْ هُمْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُّعْرِضُونَ } ، أي : بل هم عن ذكر ربهم الرحمن معرضون ، أي : منكرون له ، والله أعلم . وقوله : { أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِّن دُونِنَا } ، أي : ليس لهم آلهة من دوننا تمنعهم من عذابنا ، هو على النفي ، أي : ليس لهم الآلهة من دونه وإن كان ظاهره استفهاماً ، ثم بين موضع الاحتجاج عليهم ، وهو ما أخبر عن عجزهم حيث قال : { لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلاَ هُمْ مِّنَّا يُصْحَبُونَ } أي : لا يستطيع الآلهة نصر أنفسها إذا أرادوا بها سوءاً ، { وَلاَ هُمْ مِّنَّا يُصْحَبُونَ } أي : ينصرون ، تأويله : أن كيف عبدتم من دونه واتخذتموهم آلهة رجاء شفاعتهم ووسيلتهم حيث قالوا : { مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ } [ الزمر : 3 ] ونحوه ، وفي قولهم : { هَـٰؤُلاۤءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ ٱللَّهِ } [ يونس : 18 ] ، فإذا كانوا لا يملكون نصر أنفسهم إن أصابها سوء ولا يصحبها من يدفع عنها السوء ، فكيف اتخذتم آلهة دونه ، فمن كان عن دفع السوء عن نفسه ونصرها عاجزاً ، فهو عن دفعه عن الآخر ونصره أعجز . ثم بين الذي حملهم على ذلك وهو ما قال : { بَلْ مَتَّعْنَا هَـٰؤُلاۤءِ وَآبَآءَهُمْ حَتَّىٰ طَالَ عَلَيْهِمُ ٱلْعُمُرُ } ، ولم يأخذهم بالعقوبة بأعمالهم التي عملوها [ فظنوا ] أن الله راض عنهم وأنهم على الحق ؛ ولهذا قالوا : { لَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَآ أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا } [ الأنعام : 148 ] ادعوا رضاء الله بما هم عليه وآباؤهم . ثم بين أنه وإن تركهم وقتاً طويلا ومتعهم عليه أنه قد نقص عما كانوا يملكون هم ؛ حيث غلب عليهم رسول الله على بعض أملاكهم وجعله ملكاً للمسلمين وهو قوله : { أَفَلاَ يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي ٱلأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَآ } ، وجعلناها ملكا للمسلمين . ثم اختلف في تأويل هذا ؛ قال الحسن : قوله : { أَفَلاَ يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي ٱلأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَآ } أي : اعلموا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها ، أي : نحشرهم يوم القيامة من أطراف الأرض إلى المحشر ، فذلك نقصها . وقال غيره : أفلا يرون أن رسول الله كلما بعث إلى أرض ظهر عليها ، قال : ننقصها بالظهور عليها أرضاً فأرضاً ، { أَفَهُمُ ٱلْغَالِبُونَ } ، أي : ليسوا هم الغالبين ، ولكن رسول الله هو الغالب عليهم . وقال ابن عباس : ننقصها : ذهاب فقهائها وخيار أهلها . وقال قتادة : ننقصها بالحرث ، وكذلك قال عكرمة : ننقصها من أطرافها بالموت ، وقال : لو كانت الأرض تنقص لم يوجد للرجل مجلس يجلس فيه ، ونحو هذا قد قالوا فيه . وقوله - عز وجل - : { قُلْ إِنَّمَآ أُنذِرُكُم بِٱلْوَحْيِ } . هذا - والله أعلم - يخرج على وجهين : أحدهما : خرج جواباً لقولهم : { مَآ أَنتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا } [ الشعراء : 154 ] أنهم كانوا ينكرون رسالته ويقولون : إنه بشر كيف خص هو به ؟ فيقول : إني لست أنذركم لأني بشر ، ولكن إنما أنذركم بالوحي من الله ، وأنتم ممن لا تقبلون بشارة ربي ونذارته . والثاني : قال ذلك لما تقدم منه في الآيات النذارةُ المرسلة غير مضافة إلى الله ، فأمره أن يقول لهم : إني فيما أنذركم من النذارات ، ولم أنذركم من ذات نفسي ، ولكن إنما أنذركم بالوحي من ربي ، فمعناه - والله أعلم - أي : فيما أنذرتكم مما نزل بالأمم المتقدمة والأنباء التي أخبرتكم عنها مما لم أشهدها ولا أنتم ، بل إنما أنذركم بالوحي ، فذلك موضع الاحتجاج عليهم في إثبات رسالته . وقوله - عز وجل - : { وَلاَ يَسْمَعُ ٱلصُّمُّ ٱلدُّعَآءَ إِذَا مَا يُنذَرُونَ } . هذا - والله أعلم - يقول : إن الأصم إذا أريد أن يدفع عن المهالك لا سبيل أن يدفع عنها ويكف بالدعاء والنداء ، ولكن إنما يكف ويدفع عن المهالك بالأيدي والراحات ، كأنه قال ذلك لما أكثر دعاءهم إلى ما به نجاتهم فأبوا ذلك ولم يجيبوه ، فقال عند ذلك : إنكم لا تسمعون الدعاء والنداء إلى ما به نجاتكم ، ولكن تعرفون ذلك بالقتل والسيف . أو أن يقول ذلك : إنكم صم عن الحق حتى لا تسمعونه كالأصم بالسمع ، والأصم بالسمع لا يدعى ولا ينادى ؛ لأنه لا يسمع ، ولكن يدعى باليد والإشارة ، فعلى ذلك أنتم صم عن الحق لا تدعون بالنداء ، ولكن بالذي يعرف الدعاء وهو اليد ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَلَئِن مَّسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِّنْ عَذَابِ رَبِّكَ } . قال الحسن : { نَفْحَةٌ } أي : طائفة من عذاب ربك . وقال بعضهم : نقمة من ربك . وقال بعضهم : عقوبة ربك ، وأصل النفحة : الرمية ؛ ولذلك سمي نفحة الدابة : أي : رميها ، وهو ما ذكر من رمي الشرر ؛ كقوله : { إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَٱلْقَصْرِ } [ المرسلات : 32 ] . وقوله - عز وجل - : { وَنَضَعُ ٱلْمَوَازِينَ ٱلْقِسْطَ لِيَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ } . في ظاهر الآية أن الموازين هي القسط ، والقسط هو العدل ؛ لأنه قال : { وَنَضَعُ ٱلْمَوَازِينَ ٱلْقِسْطَ } ؛ فكأنه قال : ونضع الموازين التي توضع في الدنيا ويعرف بها حقوق الناس في الآخرة العدل الذي يعرف به حدود الأشياء وأقدارها ، فيكون الموازين العدل ما ذكر بقوله : { فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً } ، أي : لا ينقص من حسناته أو يزاد على جزاء سيئاته ، ولكن يوفى كل جزاء عمله . ويحتمل أن يكون قوله : { وَنَضَعُ ٱلْمَوَازِينَ ٱلْقِسْطَ } على الإضمار ، أي : نضع الموازين التي تكون في الدنيا يوم القيامة بالعدل لا تطفف ولا تنقص ولا تحسر كما تفعلون في الدنيا ، ولكن العدل لا تطفف ولا تنقص ذلك تسوى وتستوفى مستويا من غير زيادة ولا نقصان ؛ لأن الزيادة والنقصان إنما تكون في الشاهد لوجوه : الجهالة ، أو للحاجة ، أو للجور ، فيحمله كله على الزيادة والنقصان ، والله - سبحانه وتعالى - يتعالى عن ذلك كله ؛ لأنه عالم بذاته غني بذاته عادل ، فلا وجه للخسران منه والزيادة فيه . وقوله - عز وجل - : { وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا } . أي : أتينا بجزائها ، أو أتينا بها ، أي : بعينها لا يفوت شيء ولا يغيب عنه . وليس المراد من ذكر { مِثْقَالَ حَبَّةٍ } و { مِثْقَالَ ذَرَّةٍ } [ النساء : 40 ] الذرة ، والحبة ، ولكن ذكر على التمثيل ، أي : لا يفوت عنه شيء ولا يغيب ذلك المقدار من الخير والشر غير فائت عنه ولا منسي ، ولكن محفوظ محاسب . وقوله - عز وجل - : { وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ } . لا يشغله كثرة الحساب وازدحامه ، ليس كمن يحاسب آخر في الشاهد أنه إذا كثر الحساب عليه وازدحم شغله ذلك عن حفظ الحساب ، والله أعلم .