Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 21, Ayat: 89-90)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { وَزَكَرِيَّآ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ رَبِّ لاَ تَذَرْنِي فَرْداً } قوله : { لاَ تَذَرْنِي فَرْداً } في الظاهر نهي ، وكذلك قوله : { رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا } [ آل عمران : 8 ] : وأمثاله ، يخرج في الظاهر مخرج النهي ، وقوله : { رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَىٰ رُسُلِكَ } [ آل عمران : 194 ] ونحوه يخرج مخرج الأمر [ والأمر ] والنهي إذا كان من العبد للسيّد فهو تعوذ ودعاء ، وإذا كان من السيد للعبد فهو أمر ونهي ، ليس بتعوذ ولا دعاء ، ولكن حقيقة الأمر والنهي ، وكذلك سؤال الأمير لرعيته أمر ونهي ، وسؤال الرعيّة للأمير تضرّع وتعوذ ودعاء . ثم قوله : { رَبِّ لاَ تَذَرْنِي فَرْداً } في الطاعة والعبادة والذكر والتسبيح والتحميد ما دمت حيّا ، ولكن أشرك لي في العبادة والذكر من يعينني على ذلك ، وهو كقول موسى : { وَٱجْعَل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * ٱشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِيۤ أَمْرِي * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً * وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً } [ طه : 29 - 34 ] وقوله : { فَهَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ } [ مريم : 5 - 6 ] إذا مت . أو أن يكون قوله : { لاَ تَذَرْنِي فَرْداً } بعد مماتي في قبري ، ولكن هب لي من يذكرني ويدعو لي بعد وفاتي ويحيي أمري . وقوله - عز وجل - : { وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْوَارِثِينَ } أي : وأنت خير من يرث العبادة ، على هذا التأويل ، وعلى التأويل الأول : وأنت خير من يعين على العبادة والطاعة ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ } أي دعاءه { وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَىٰ } قال الحسن : إن كان يحيى على ما سماه الله في الطاعة والعبادة ، وفي الآخرة يحيى في الكرامات والثواب الجزيل ، وقد ذكرنا هذا فيما تقدم . وقوله : { وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ } يخرج على وجهين : أحدهما : أن جعلناها بحيث يرغب فيها زوجها ذات هيئة ومنظر ؛ لأنه ذكر في القصّة أنها بلغت في السن مائة غير شيء ، والعرف في النساء أنهن إذا بلغن المبلغ الذي ذكر أنها بلغت زوجة زكريا يكن من القواعد اللاتي لا يرغب فيهن أحد ، فأخبر أنه أصلحها وصيرها بحيث يرغب فيها ، ذات هيئة ومنظر . والثاني : { وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ } أي : ولوداً بحيث تلد ، لأنه لما بشر بيحيى قال : { أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَكَانَتِ ٱمْرَأَتِي عَاقِراً } [ مريم : 8 ] والعاقر : التي لا تلد ، فيكون قوله : { وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ } ولوداً بحيث تلد ، والله أعلم . هذان الوجهان محتملان . وأمّا قول من يقول بأن في لسانها بذاء وطولاً ، وفي خلقها سوءاً فذلك لا يحل أن يقال إلا بثبت ، وهو على خلاف ما ذكرهم ووصفهم ، حيث قال : { إِنَّهُمْ كَانُواْ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْخَيْرَاتِ } ثم المسارعة في الخيرات أنه كان لا يمنعهم شيء عن الخيرات ، وهكذا المؤمن هو يرغب في الخيرات كلها ، إلا أن يمنعه شيء من شهوة أو سهو . وقوله - عز وجل - : { وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً } أي : يدعوننا رغبا فيما عندنا من جزيل الثواب ، ورهبا من أليم عقابنا . والثاني : رغباً فيما عندنا من اللطائف من التوفيق على الخيرات والعصمة عن المعاصي ، ورهباً ممّا عندنا من النقمات والخذلان والزيغ . وقوله : { وَكَانُواْ لَنَا خاشِعِينَ } . قال بعضهم : الخشوع : هو الخوف الدائم الملازم للقلب لا يفارقه . وقال بعضهم : متواضعين ذليلين لأمر الله ، تفسير الخشوع ما ذكر بقوله : { وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً } .