Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 22, Ayat: 1-2)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ } قد ذكرنا تأويله في غير موضع . وقوله - عز وجل - : { إِنَّ زَلْزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ } قال الحسن : إن بين يدي السّاعة آيات تحجبن التوبة وقبول الإيمان ، منها : الزلزلة التي ذكر ، ومنها : طلوع الشمس من مغربها ، وخروج الدجّال ، والدابة ، وخروج يأجوج ومأجوج ، وأمثاله ، وهو كقوله : { أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ ءَايَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ ءَايَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ ءَامَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِيۤ إِيمَٰنِهَا خَيْراً } [ الأنعام : 158 ] . وجائز - عندنا - أن تكون هذه الآيات غاية لقبول التوبة والإيمان ، يقبل إلى ذلك الوقت ، ولا يقبل بعد ذلك وإن تابوا وآمنوا . أو أن يكون قوله : { لاَ يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا } [ الأنعام : 158 ] ؛ لأنهم لا يؤمنون لما تشغلهم تلك الآيات عن ذلك فلا يؤمنون ؛ لأن تلك الآيات تعم الخلائق كلهم : المؤمن والكافر جميعاً ؛ فلا يعرف المبطل والضال أنه على الضلال والباطل ، فيرجع إلى الهدى والحق ، ليس كعذاب ينزل على قوم خاصة ؛ لأن ذلك يعرف أولئك أنه إنما ينزل بهم خاصّة ؛ لما فيهم من التكذيب والعناد ، وإذا كانت الآيات عامة ، لم يعرف أهل الضلال أنهم على باطل ، وأنه إنما ينزل بسببهم ؛ لما يرونه أنه قد عمّ الخلائق كلها ، فقوله : { لاَ يَنفَعُ } [ الأنعام : 158 ] ؛ لأنهم لا يؤمنون ، كقوله : { فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ ٱلشَّافِعِينَ } [ المدثر : 48 ] أي : لا يكون لهم من يشفع ، ليس أن يكون لهم شفعاء فيشفعون فلا تقبل شفاعتهم ؛ فعلى ذلك جائز أن يكون قوله : { لاَ يَنفَعُ } [ الأنعام : 158 ] لأنهم يشغلون عن الإيمان فلا يؤمنون ، فلا ينفع لهم ، على ما ذكرنا . ثم اختلف فيه : قال بعضهم : { زَلْزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ } : قبل الساعة ، وقيل : القيامة . وقال بعضهم : { إِنَّ زَلْزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ } هي الساعة ، وصفها بالشدّة والفزع فقال : { يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ } أي : تشغل كل مرضعة ؛ لشدّة أهوالها وأفزاعها { وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا } هذا على قول من يقول : إن زلزلة الساعة قبل السّاعة يكون على التحقيق ، أي : تذهل عما أرضعت ، وتضع حملها ؛ لأنها تكون في ذلك الوقت مرضعاً وحاملا ؛ فتذهل - لأهوال ذلك وأفزاعه - عن ولدها ، وتضع ما في بطنها ، كقوله : { يَوْمَ يَفِرُّ ٱلْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ … } الآية [ عبس : 34 ] ، فذكر هؤلاء ؛ لأن من أصاب شيئاً من البلاء في هذه الدنيا يفزع إلى هؤلاء ، فيخبر أن في ذلك اليوم يفر بعض من بعض لشدة ذلك اليوم وهوله ؛ لشغله بنفسه . وعلى قول من يقول : إن زلزلة الساعة هي الساعة ؛ فيخرج قوله : { تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّآ أَرْضَعَتْ … } الآية على التمثيل ، أي : تذهل عما أرضعت أن لو كانت مرضعة ، وتضع حملها أن لو كانت حاملا ؛ لشدته وهوله . والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَتَرَى ٱلنَّاسَ سُكَارَىٰ وَمَا هُم بِسُكَارَىٰ } أي : من مكن له وقوي يرى الناس كأنّهم سكارى وما هم بسكارى ، وإلا لم يجز أن يراهم سكارى وليسوا هم بسكارى في الحقيقة . وإنما قلنا : إنه يرى من مكنّ له وقوي ، وإلا لو كانوا كلهم سكارى ، لكان لا يراهم سكارى ؛ لأن السكران لا يرى من كان في مثل حاله سكران . أو أن يكون خاطب به رسوله ، ولا يكون فيه ذلك الهول الذي يكون في غيره . أو أن يكون ذلك على التمثيل ، وليس على التحقيق . وقول أهل التأويل : يقول لآدم في ذلك : " قم فابعث بعث النار " ، فيقول : يا ربّ كم ؟ فيقول : " من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين في النار ، وواحد في الجنة " ، ويروون الأخبار في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن ثبت ما روي عنه في ذلك وإلا الكف عن مثله أولى ؛ لأنه يحزن حيث يؤمر أن يتولى بعث ولده إلى النار من غير أن كان ما يستوجب هذه العقوبة . قال القتبي : { تَذْهَلُ } : أي تسلو عن ولدها وتتركه . وقال أبو عوسجة : { تَذْهَلُ } : أي : تنسى ، يقال : ذهل يذهل ذهولا ، وأذهلته ؛ أي : أنسيته . وقال غيره : أي : تشغل ، والحمل بالنصب : ما في البطن ، والحمل بالخفض : ما على الظهر ، والزلزلة : الرجفة ، يقال : زلزلت ، أي : حركت ، وتزلزلت ، أي : تحركت .